كان اليورو سببا لغزو العراق

فهل سيكون سببا لضرب ايران؟

علي الأسدي

" البورصة الايرانية المقترحة لتجارة النفط ستعجل في انهيار الدولار، ومن ثم انهيار الامبراطورية الأمريكية "

(كراسيمير بيتروف)

 

 

The Proposed Iranian Oil Bourse

By:Krassimir Petrov , Ph.D.

Austrian Macro Economic /Investment Strategist

Commissioned by: J. Douglas Bowey and Associates

January 20,2006

تعريب: علي ألأسدي

 

تفاصيل الدوافع الحقيقية لغزو العراق من قبل الولايات المتحدة بقيت خفية على الكثير منا في ظل ضجيج اعلامي غير مسبوق عن أسلحة محرمة دوليا مخبأة في مكان ما جاءوا ليبحثوا عنها. السيناريو نفسه يتكرر الآن، وهذه المرة حول دولة أخرى هي ايران، وتحت نفس المبررات، وبغطاء اعلامي مشابه لذاك الذي سبق غزو العراق. السيناريو يتكرر، لكن تنفيذه سيأخذ ربما الأسلوب الذي نفذ على ليبيا لفرض ادارة جديدة لاستغلال موارد البلاد الطبيعية والجيوسياسية. أثبت الأسلوب نجاحا، ولم يسبب ضحايا بشرية أمريكية أو غربية، وكونه أقل تكاليفا مادية وسياسية مقارنة بالسيناريو العراقي في 2003.

 فالأسباب التي سيقت حينها لغزو بلادنا، تكاد تكون متطابقة للأسباب المعلنة التي تتداولها وسائل الاعلام العالمية حول ايران. لكن الأسباب غير المعلنة هي مدار دراسة الاستاذ بيتروف في أدناه والتي أشير لبعض استنتاجاتها في مقال سابق تم نشره خلال الأسبوع الماضي بعنوان " كم من الحقيقة يشكله التهديد الايراني.. على الولايات المتحدة ". يوزع الاستاذ بيتروف موضوع مناقشته على ثلاثة محاور، هي الامبراطورية الأمريكية، وبورصة ايران العالمية لتجارة النفط، وانهيار الدولار الأمريكي، ونبدأ بالمحور الأول.

أولا - الامبراطورية الأمريكية

الدولة تفرض الضرائب على مواطنيها، بينما الامبراطورية تفرض الضرائب على الدول الأخرى. فتاريخ الامبراطوريات منذ عهد الاغريق والرومان ومرورا بالدولة العثمانية والبريطانية يخبرنا بأن مالية كل امبراطورية كانت تأتي من فرض الضرائب على الأمم الأخرى. القدرة الامبريالية لفرض الضرائب كانت تكمن في القوة الاقتصادية والعسكرية التي تستطيع في وقت السلم والحرب من استحصال الضرائب من الدول الخاضعة لها. جزء كبيرا من موارد تلك الضرائب يذهب لتحسين حياة مواطنيها، فيما الجزء الآخر يذهب لترسيخ الهيمنة على الأمم الأخرى لاستحصال الضرائب بالقوة العسكرية أن تطلب الامر. لأول مرة في التاريخ خلال القرن العشرين كان بامكان الولايات المتحدة الأمريكية فرض الضرائب بطريقة مباشرة، ليس عن طريق القوة مثلما كانت تفعل الامبراطوريات السابقة، ولكن عن طريق توزيع عملتها الخاصة " الدولار " على الأمم الأخرى مقابل مبادلتها بالسلع الأمريكية، وتقوم بشكل متعمد بخفض قوة دولارها الشرائية مع مرور الوقت، بحيث يمكن مبادلتها بسلع أمريكية أقل. الفارق بين قيمة الدولار بقوته الشرائية الأقل وقيمة السلع التي يتم مبادلتها على أساسه تكون في صالح الولايات المتحدة، وهو في واقع الحال الضريبة الامبريالية. وادناه نبين كيف حدث ويحدث ذلك.

بداية القرن العشرين بدأ الاقتصاد الأمريكي بالهيمنة على الاقتصاد العالمي. في ذلك الوقت كان الدولار مرتبطا بالذهب، لا ترتفع قيمته أو تنخفض، وتبقى علاقاته بنفس الكمية من الذهب دون تغيير. أثناء حلول الأزمة الكبرى في الفترة 1921 – 1929، وتعرض الولايات المتحدة للركود العظيم، عمدت الحكومة الأمريكية الاتحادية إلى طباعة كميات كبيرة من العملة الورقية دون الزيادة في المقابل لكمية الذهب كغطاء للعملة المصدرة مما أدى إلى تصاعد في نسب التضخم. لقد كان من المستحيل الابقاء على علاقة اصدار العملة الورقية بالذهب، عندها قرر الرئيس فرانكلين ديلانو روزفيلت في عام 1932 ايقاف علاقة الدولار بالذهب. حتى هذه المرحلة يمكن القول أن الولايات المتحدة تهيمن اقتصاديا على العالم، لكنها بالمفهوم الاقتصادي ليست امبراطورية. القيمة الثابتة للدولار بالذهب لم تسمح للأمريكيين بجني منافع اقتصادية من البلدان الأخرى من خلال تزويدهم بالدولار المضمون بالذهب. اقتصاديا لم تظهر الامبراطورية الأمريكية إلا بعد انشاء نظام بريتون وود في عام 1945. لقد اعتبر الدولار وفق ذلك النظام مغطى جزئيا بالذهب، وهذا الدولار المضمون جزئيا بالذهب يكون متاحا للحكومات الأجنبية فقط، وليس للمؤسسات المالية الخاصة. ووفق ذلك النظام اعتبر الدولار الأمريكي عملة الاحتياطي النقدي للدول كافة. كان ذلك ممكنا، لأنه خلال الحرب العالمية الثانية قامت الولايات المتحدة بتزويد حلفائها بالمواد الغذائية والعتاد الحربي مقابل الدفع بالذهب، تمكنت الولايات المتحدة بفضل ذلك من حيازة كميات هائلة من الذهب.

الامبراطورية الاقتصادية لم تكن ممكنة لو كان الدولار مغطى كليا بالذهب، وبقي على نفس العلاقة السابقة بالذهب التي كانت تعني امكانية مبادلة الدولار وفق النسبة المحددة بأربعة وعشرين أونسة ذهب. لكن ما تم في الواقع أن عرض الدولار المتداول قد تجاوز كثيرا غطاءه الذهبي، وكان يسلم للدول الأجنبية في مقابل السلع الاقتصادية التي يصدرونها للولايات المتحدة. لم يكن قد أخذ بالاعتبار أن تقوم الحكومة الأمريكية بشراء الدولار بالقيمة ذاتها من الذهب، حيث لم يكن هناك ذهبا كافيا يوازي الدولارات التي أصبحت في حوزة دول العالم والتي كانت في تزايد دائم عبر التجارة، وهي الدولارات التي تقل قيمتها كثيرا عن قيمتها الحقيقية. تناقص قيمة الدولار الحقيقية مع زيادة كمياته في حوزة الدول الأجنبية سبب عجزا تجاريا في الميزان التجاري الأمريكي لصالح تلك الدول، ونفس الوقت سبب لها حالة تضخمية تنتفع منها الولايات المتحدة بما يوازي ضريبة تدفعها المجتمعات التي يكون ميزانها التجاري ايجابيا مع الولايات المتحدة.

 في 15/8/1971 عندما طالبت الدول الأجنبية الولايات المتحدة بدفع الذهب مقابل ما بحوزتهم من دولارات، امتنعت عن ذلك. الموقف الأمريكي هذا لا يختلف عن اعلان الافلاس، وهذا ما يحصل في الفعل عندما يمتنع أيا من البنوك التجارية عن الايفاء بالتزاماته المالية تجاه الدائنين والمودعين أموالهم فيه. بذلك أعلنت الولايات المتحدة بكونها امبراطورية. لقد تحصلت على كميات كبيرة من السلع من بقية العالم دون أن تكون لها الرغبة أو القدرة على اعادتها لهم. بهذا يكون العالم قد خضع لضريبة أمريكية وليس له القدرة على اجبارها وهي في حالة افلاس أن تعيد له ما بذمتها من ذهب أو ممتلكات، أو اجبارها بالقوة المسلحة على استعادة حقوقهم منها. لقد حققت الولايات المتحدة دخلا عن طريق عملتها الورقية التي لم تساوي أكثر من تكلفة طباعتها.

استمرت الولايات المتحدة تفرض الضرائب على العالم من خلال التضخم باجبار الدول الأخرى على قبول دولاراتها مقابل بضائعهم التي يصدروها إليها. وترغب الولايات المتحدة أن تبين للعالم أن هناك سببا يدعوهم للاحتفاظ بالدولارات وهو النفط. ففي عام 1971، وعندما أصبح واضحا أن الولايات المتحدة لا تتمكن من استعادة دولاراتها مقابل الذهب فقد أعدت نفسها لجعل العالم رهينة لعملتها الورقية غير المغطاة بالذهب. فقد عقدت اتفاقا مع العائلة الملكية السعودية عام 1972 – 1973 تقوم بموجبه الولايات المتحدة بحماية المملكة السعودية مقابل أن تقبل الأخيرة الدولارات الأمريكية فقط مقابل نفطها المصدر إلى الولايات المتحدة. وبفرض الدولار على دول أوبك تكون العملة الأمريكية مقبولة من قبل كل الدول المستوردة للنفط من دول المنظمة.

 ولأن العالم يشتري النفط من البلدان العربية المنتجة للنفط سيكون مضطرا للاحتفاظ بالدولار لدفع اثمان النفط الذي يشتريه من الدول المصدرة له. ولهذا السبب ستضطر الدول التي تزداد مشترياتها، أو بسبب ارتفاع أسعار النفط أن تحتفظ بكميات اكبر من الدولارات، وهي تعرف عدم امكانية مبادلة الدولار بالذهب، لكن يمكن مبادلته بالنفط. المغزى الاقتصادي لامكانية مبادلة الدولار بالنفط هي ترسيخ هيمنة الدولار في العالم، وان الامبراطورية الأمريكية تستطيع أن تستمر في فرض ضريبة التضخم على العالم. واذا ظهر أي سبب لفقد الدولار مكانته كعملة مسنودة بالنفط فان الامبراطورية الأمريكية تبدأ بالتلاشي، لأنها لم تعد قادرة على فرض ضريبة التضخم على العالم من خلال اجباره على الاحتفاظ بكميات كبيرة من الدولار. لهذا فان بقاء الامبريالية الأمريكية مرهون باستمرار بيع النفط فقط بالدولار.

 من الناحية الأخرى أن احتياطيات النفط موزعة على مساحات واسعة من بلدان العالم، وليس بينها من له القوة الاقتصادية والعسكرية الكافية ليطالب الولايات المتحدة بالدفع بعملات أخرى غير الدولار. واذا ما طالب أحد البلدان النفطية بعملات أخرى غير الدولار، فعليه أن يكون مقتنعا بعدم تغيير موقفه. البلد الذي طلب اليورو مقابل الدولار كمدفوعات مقابل النفط هو العراق في عام 2000. لقد قوبل طلبه في البداية بالسخرية ثم بالتجاهل، وعندما اتضح فيما بعد أنه طلب أن تكون أموال صندوق النفط مقابل الغذاء لدى الأمم المتحدة باليورو(وحينها كانت حوالي عشرة بلايين دولار) تزايد الضغط عليه لتغيير موقفه. بلدانا أخرى مثل ايران طلبت هي الأخرى بدفع أثمان مبيعات نفطها باليورو والين الياباني.

الخطر الذي يواجه الدولار واضح وقائم، لذا كان اتخاذ موقف حاسم من قبل الولايات المتحدة قد أصبح ملحا. الحرب على العراق لم تكن عن وجود اسلحة دمار شامل، أو دفاعا عن حقوق الانسان ونشر الديمقراطية، أو من أجل الاستيلاء على آبار النفط العراقية. لقد كانت من أجل الدفاع عن الدولار، ليكون درسا للآخرين الذين ربما ينتهجون ذات الطريق الذي انتهجه العراق. المطالبة بالدفع بغير الدولار من قبل أي دولة سيلاقون نفس المصير وسيعاقبون. البعض انتقد الرئيس بوش الابن كونه ذهب إلى الحرب من أجل النفط. على كل حال تلك الانتقادات لم تفسر لماذا اراد بوش السيطرة على النفط العراقي، فهو بكل بساطة يمكن أن يطبع بلايين الدولارات التي لا تكلف شيئا ويستخدمها لشراء النفط الذي يحتاج. لقد كان له سببا آخر لغزو العراق، فالتاريخ يعلمنا بأن أي امبراطورية تذهب إلى الحرب لسببين:

الأول: للدفاع عن النفس، والثاني: لتحقيق المنافع من خلال الحرب.

من الناحية الاقتصادية، أي امبراطورية تقرر خوض الحرب لابد أن تتوقع أن المنافع التي تتحصل عليها من ورائها تزيد عن تكاليف خوضها. المنافع من النفط العراقي مقارنة بتكاليف حرب العراق في المديين القصير والبعيد لا تشكل شيئا. لقد ذهب بوش إلى العراق ليدافع عن الامبراطورية الأمريكية، وهذا هو السبب الحقيقي. فبعد شهرين من غزو العراق تم الغاء برنامج النفط مقابل الغذاء، وكافة الحسابات العراقية التي كانت قد صممت للتعامل مع اليورو تحولت إلى الدولار، وبدأ بيع النفط العراقي بالدولار فقط. لم يعد أي بلد في العالم يشتري النفط العراقي باليورو، وعادت من جديد هيمنة الدولار على مدفوعات مبيعات النفط. وقد أعلن الرئيس بوش أن المهمة أنجزت، وأعلن نفسه منتصرا، فقد نجح في الدفاع عن الدولار والامبراطورية الأمريكية.

تفاصيل الدوافع الحقيقية لغزو العراق من قبل الولايات المتحدة بقيت خفية على الكثير منا في ظل ضجيج اعلامي غير مسبوق عن أسلحة محرمة دوليا مخبأة في مكان ما جاءوا ليبحثوا عنها. نفس السيناريو يتكرر الآن، وهذه المرة حول دولة أخرى هي ايران، وتحت نفس المبررات، وبغطاء اعلامي مشابه لذاك الذي سبق غزو العراق. السيناريو يتكرر، لكن تنفيذه سيأخذ ربما الأسلوب الذي نفذ على ليبيا لفرض ادارة جديدة لاستغلال موارد البلاد الطبيعية والجيوسياسية. أثبت الأسلوب نجاحا، ولم يسبب ضحايا بشرية أمريكية أو غربية، وكونه أقل تكاليفا مادية وسياسية مقارنة بالسيناريو العراقي في 2003. فالأسباب التي سيقت حينها لغزو بلادنا، تكاد تكون متطابقة للأسباب المعلنة التي تتداولها وسائل الاعلام العالمية حول ايران. الأسباب غير المعلنة هي مدار بحث الاستاذ بيتروف في الجزء الثاني والأخير من الدراسة أدناه.

ثانيا – بورصة النفط الايرانية العالمية

الحكومة الايرانية قررت افتتاح بورصة عالمية لتجارة النفط تقوم على نظام للتعامل باليورو. من الناحية الاقتصادية يشكل هذا التحول من جانب ايران خطرا على هيمنة الدولاراكبر من الخطر الذي شكله قرار صدام عندما توقف عن قبول مدفوعات مشتري نفطه بالدولار، لأن البورصة الايرانية ستتيح لأي جهة بشراء او بيع النفط بعملة اليورو، ما يعني الحط من الدولار واهماله نهائيا. واذا ما تم ذلك وقامت البورصة النفطية فان أكثر بلدان العالم ستتبنى نظام اليورو، وذلك للمنافع التالية:

1- سيكون الأوربيون غير ملزمين بشراء أو الاحتفاظ بالدولار الأمريكي من اجل تأمين مدفوعاتهم عند شراء النفط، وسيكون بمقدورهم شراء النفط بعملاتهم المحلية أو باليورو.

2- اليابانيون والصينيون سينتفعون من شراء نفطهم من البورصة، لأنهما سيتمكنان من تخفيض احتياطاتهم النقدية الضخمة من الدولار والتوجه ناحية اليورو، وبذلك يتحاشون الاضطرابات التي يتسبب بها انخفاض قيمة الدولار في السوق الدولية.

3- وللروس أيضا مصلحة اقتصادية في استخدام اليورو بدل الدولار، لأن معظم تجارتهم تتم مع اوربا. وحيث باشر الروس منذ عهد قريب بالتخلص من الدولار كاحتياطي نقدي، وتتوجه نحو حيازة المزيد من الذهب بدلا عنه. من جانب آخر ستتمكن روسيا من اجراء المبادلات التجارية مع كل من الصين واليابان باليورو. وأمام تصاعد الشعور القومي داخل روسيا فقد برز اتجاه التقارب مع أوربا على حساب الولايات المتحدة بالتخلص من الدولار عبر تبني اليورو،

4- الدول العربية المصدرة للنفط سيكون من مصلحتها التحول إلى اليورو للتخلص من جبال العملة الأمريكية من الورق الأخضر المتناقص القيمة. وهي كروسيا جل تجارتها مع أوربا وهي لذلك تفضل عملة اليورو المستقرة على الدولار المتقلب.

في هذه الحالة فان البريطانيين وحدهم سيجدون انفسهم بين الصخر والأرض الوعرة، فهناك علاقة ستراتيجية مع الأمريكيين لأمد طويل، لكنهم أيضا يحرصون على ابقاء علاقاتهم مع أوربا على أعلى مستوى. للبريطانيين كل الأسباب للاستفادة والوقوف إلى جانب أوربا. لكن اذا ما شعروا أن حليفهم القديم ينهار، هل يقفون بقوة معه، ام سيديرون له ظهورهم؟ لحد الآن علينا أن نتذكر بان الاثنين يقودون تجارة النفط العالمية من نيويورك (NYMEX) وبورصة لندن (IPE)، ومع ذلك فان الاثنين (البورصتين) مملوكتين للأمريكان. والاحتمال المتوقع هو أما أن يغرق البريطانيين مع السفينة الموشكة على الغرق، أم سيجدلون أنفسهم للاضرار بمصالحهم في بورصة لندن. ويمكن فهم لماذا لم تتبنى بريطانيا لحد الآن اليورو، اذ من الواضح أن الأمريكان قد طالبوهم بعدم الانضمام، بدون ذلك فان بورصة لندن كانت ستتبنى اليورو، وهذا لو حصل فانه سيدمي شريكهم الستراتيجي، لأنه سيلحق الضرر بالدولار.

وبصرف النظر عما يقرره البريطانيون هل سيكون لبورصة ايران النفطية القابلية لتحقيق مصالح الأوربيين والروس والصينيين والعرب بتبني اليورو ورفع الغطاء عن الدولار؟ الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بحدوث ذلك، واذا كان ضروريا فانها ستستخدم مختلف الاستعدادات الستراتيجية لوقف أو تقييد عمليات المبادلات التجارية في البورصة، مثل:

1- اعاقة المبادلات التجارية والمالية عن طريق نشر الفايروسات في شبكات الانترنيت والاتصالات، أو من خلال عمليات مشابهة لما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 لضرب أو تدمير البنية التحتية الايرانية.

2- تشجيع الانقلاب العسكري للاطاحة بالنظام الايراني الحالي، وهو أسلوب استخدمه الأمريكيون في العديد من الدول في مناسبات كثيرة في الماضي (انقلاب الجنرال زاهدي عام 1953 ضد حكومة الدكتور مصدق الذي أمم النفط الايراني وطرد الشركات الأمريكية من البلاد كان واحدا من تلك المحاولات الناجحة التي استعادت بفضله شركات النفط هيمنتها على نفط ايران - المترجم).

3- التفاوض وفق شروط مسبقة وهو احد الأساليب التي تستخدمها الولايات المتحدة لفرض قرارتها على الآخرين. ورغم أن الانقلاب أو العمل التخريبي فان فرض شروط والتفاوض بناء عليها يعتبر خيارا محتملا.

4- استصدار قرار من مجلس الأمن لاستخدام العمل العسكري، لكن هذا لا يمكن ضمانه بسبب وجود أعضاء مثل روسيا والصين التي لها علاقات طيبةمع ايران. وتجربة فرض عقوبات على ايران بسبب برنامجها النووي مثالا على ذلك.

5- شن ضربة عسكرية باستخدام سلاحا نوويا محدودا، وهذا هو أفظع الاساليب الستراتيجية التي يمكن أن تفكر بها الولايات المتحدة. في هذه الحالة يمكن أن تستخدم اسرائيل للقيام بهذه المهمة القذرة.

6- القيام بحرب شاملة، وهذه أيضا من أفظع الأساليب التي يمكن أن تلجأ اليها الولايات المتحدة، وكان الجيش الأمريكي قد سبق له أن قام بمثل هذه الحرب. لكن هناك عقبات تقف في طريقها، 1- قد تثير الولايات المتحدة بتصرفها هذا قوى عظمى. و2- قد تقوم بعض الدول باتخاذ مواقف ثأرية، وتقرر التخلص من الدولار كجزء من احتياطيها النقدي لمنع الولايات المتحدة من تمويل عملياتها البوليسية. و3- لايران حليف ستراتيجي كالصين وهي دولة قوية قد تندفع للانخراط في الحرب إلى جانب ايران. و4- لايران اصدقاء حسني السمعة مثل الهند والصين وروسيا المكونين لمجموعة شنغهاي للتعاون يمكن أن يشكلوا ضغطا على الولايات المتحدة لمنعها من مثل هذه الخطوة.

ثالثا- انهيار الدولار الأمريكي

انهيار الدولار الأمريكي سيسرع في تصاعد التضخم في الولايات المتحدة، وسيدفع بسعر الفائدة إلى الارتفاع أكثر فأكثر في المديين القصير والبعيد. عند هذه النقطة ستجد الحكومة الفيدرالية نفسها أمام خيارين كارثيين متساويين هما الكساد أو التضخم المفرط. ففي الخيار الأول وهو الكساد، تنهار الأسعار ويتسارع الانهيار المالي، الخيار هنا هو اتخاذ الطريق الأسهل للخروج من خلال تسريع التضخم بواسطة ضخ الأموال إلى المؤسسات المالية. وعاجلا أو آجلا سيزيد هذا الضغط على الدولار في وقت تبدأ بالظهور آثار التضخم السيئة، عندها ستبدأ الضغوط على بنك الاحتياطي الفيدرالي ليتخذ موقفا للحد منه. لكن التضخم المفرط لا يبدأ أو يظهر فجأة، بل يأخذ عادة عدة سنوات قبل أن ينهار. فالتضخم الذي بدأ في عام 1920 في الولايات المتحدة لم ينتهي إلا في عام 1923 بعد أن سبب أضرارا مدمرة لدولار الأمريكي. وفي روسيا وبلغاريا الاشتراكيتين السابقتين ساد وضعا مشابها منتصف التسعينيات، وقد استغرق التضخم المفرط فيهما بين 7 – 8 سنوات قبل أن يدمر عملة البلدين. لكن بسبب أن الدولار الأمريكي يشكل الاحتياطي النقدي العالمي فان التضخم المفرط يأخذ طريقا مختلفا تماما عن التضخم في التاريخ. حيث هناك عشرات التريليونات من الدولارات مهيمنة على الدين السيادي للدول المختلفة في العالم اضافة للأوراق المالية. ومهما كانت سرعة تصاعد التضخم المفرط فان المواطن الأمريكي العادي سيواجه عدة خيارات لحماية نفسه من آثار التضخم.

1- الناس تتجه في حالة مثل هذه إلى عملات ورقية أخرى مستقرة في البلدان المجاورة، مثل الدولار الكندي والبيزو المكسيكية. لكن تلك الفرص تكون أحيانا محدودة ومعقدة بنفس الوقت، وخاصة عندما تكون الدولة المعنية بالعملة البديلة تفرض رقابة صارمة وضوابط على تداول عملتها المحلية.

2- قد يتجه المواطنون نحو تحويل ما بحوزتهم من عملات إلى ممتلكات ثابتة كالأراضي والمساكن، لكن المالكين غالبا ما يرفضون قبول العملية التضخمية، وبسرعة تختفي الممتلكات من السوق. وفي هناك خيارات أخرى أمام المواطنين العاديين لحماية أنفسهم، فربما يتمكن البعض منهم إلى شراء الذهب والفضة، وهذا سيدفع أسعار هذين المعدنين إلى أعلى فأعلى. كما ان البنوك المركزية لا تجد سبيلا غير الذهب، وذلك لأنه في وقت الأزمة يخشى البنك المركزي الاحتفاظ بكميات كبيرة من الأوراق النقدية غير المضمونة بالذهب. ومن ناحية اخرى لا يستطيع البنك المركزي تحويل عملاته الورقية إلى ممتلكات ثابته مثل الأراضي والبيوت. لذلك لا خيار للبنوك المركزية غير تحويل احتياطياتها من النقد الورقي إلى العملة الصعبة المعروفة تاريخيا بالذهب. وفي وقت الأزمات وعبر التاريخ كان الذهب هو الملاذ الأخير والآمن. لذلك وعندما يتجه الناس والبنوك المركزية للتخلص من عملاتهم المضطربة وقت التضخم باتجاه الذهب فان أسعاره تحلق عاليا في السماء، وفي هذه الحالة لا مناص ولا فرق.

............................

* الاستاذ كراسيمير بيتروف: حائز على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة أوهايو الأمريكية، ويعمل حاليا استاذا للاقتصاد الكلي والمالية الدولية في الجامعة الأمريكية في بلغاريا.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 10/كانون الأول/2011 - 14/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م