
شبكة النبأ: "على الرغم من أن إسرائيل
تفضل العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية ضد إيران، إلا أن حساباتها
تستند كذلك على مقدار الوقت المتبقي لتوجيه ضربات عسكرية بصورة فعالة."
في مقابلة كاشفة أجراها وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك مع
وكالة "سي إن إن" في نهاية مؤخرا، أشار الوزير إلى أن إسرائيل والعالم
قد يصلان إلى حدود قدراتهم في الهجوم بصورة فعالة على المنشآت النووية
الإيرانية في غضون ما لا يزيد عن ستة أشهر. وتشير تعليقاته إلى أنه إذا
لم تردع العقوبات الدولية الإضافية جهود طهران النووية، فمن المحتمل
بشكل متزايد أن تلجأ إسرائيل إلى الخيار العسكري في الوقت الذي لا تزال
قادرة على القيام بذلك.
بواعث قلق طويلة الأمد
يقول ديفيد ماكوفسكي في تحليل نشر في موقع معهد واشنطن لدراسات
الشرق الادنى، حذرت إسرائيل بشكل متكرر بأنه من الضرورة إيقاف برنامج
إيران النووي – سواء عن طريق فرض عقوبات أو توجيه ضربة عسكرية – في ضوء
وتيرة تقدمه وكمية اليورانيوم المخصب الذي أنتجه. إلا أن تصريحات باراك
تمثل المرة الأولى التي يوضح فيها مسؤول إسرائيلي أن القدرة على
استهداف البرنامج قد تكون محدودة بسبب القدرات الفنية، وهو ما يشير
بقوة إلى أن نافذة الخيار العسكري هي على وشك الإنغلاق.
وسواء كانت إيران قادرة - خلال السنوات القادمة - على إنتاج سلاح
نووي أم لا، قال باراك بأن الجهود التي يبذلها النظام لتوزيع وتحصين
منشآته تعني أنه من غير المرجح أن تحدث محاولة الهجوم عليها، ذلك
التأثير المطلوب بعد السنة القادمة. وكما أوضح، "صحيح أن الأمر لن
يستغرق ثلاث سنوات – ربما ثلاثة أرباع [السنة] – قبل أن يتمكن أي شخص
أن يفعل أي شيء عملياً حيال هذا الأمر لأن الإيرانيين يدخلون تدريجياً
وبشكل متعمد فيما أُسمّيه منطقة الحصانة، من خلال توسيع نطاق وفرة
خططهم، ونشرها في مواقع عديدة إضافية". وعندما سُئل على وجه التحديد عن
التاريخ الذي يصبح فيه الهجوم مستحيلاً، رد قائلاً "لا أستطيع أن أقول
لك على يقين، كما لا أستطيع التكهن فيما إذا كان ذلك نصف [سنة] أو
ثلاثة أرباع [السنة]. لكن المدة لا تصل إلى سنتين أو ثلاث سنوات". بيد
أنه رفض الإجابة على أسئلة مباشرة حول شن ضربة إسرائيلية، بإصراره على
أن مثل هذا الموضوع لا ينبغي أن يناقش على شاشات التلفزيون.
وفي الماضي، أوضح باراك مراراً أن التقاعس الآن يضمن التقاعس لاحقاً،
حيث أن إيران النووية ستكون محصنة مَثلُها مثل كوريا الشمالية النووية
اليوم. ومن هذا المنطلق، سوف تغير إيران النووية بصورة كبيرة ميزان
القوى في الشرق الأوسط، حيث ستشكل مصدر تخويف للقوى المعتدلة وتطلق
العنان لقيام سباق تسلح إقليمي قد يؤدي إلى نشر التكنولوجيا النووية
إلى جهات فاعلة من غير الدول.
وإذا كان باراك صادقاً، فلم يبقى سوى القليل من الوقت لكي تحدث
العقوبات التأثير المطلوب. وفي الواقع إن فعالية وتوقيت العقوبات
الجديدة يرتبطان ارتباطاً عكسياً باحتمالية شن هجوم عسكري إسرائيلي. إذ
يفترض أن إسرائيل ستحاول أن تحدد فيما إذا كانت العقوبات الأخيرة ستنجح
على الأرجح قبل أن تفقد قدرتها على الهجوم. وإذا انغلقت نافذة شن ضربة
على المواقع النووية الإيرانية بحلول الخريف القادم، سيكون قد فات
الأوان بالنسبة لإسرائيل لكي تنتظر حتى أواخر عام 2012 لكي يتم فرض
عقوبات أكثر صرامة.
ورغم أن هناك اتفاق واسع النطاق في أوساط صنع القرارات الإسرائيلية
بأن العقوبات هي أفضل من الهجوم العسكري، وأنه من الأفضل أن تكون تحت
قيادة الولايات المتحدة بصفتها قوة عظمى، إلا أن العديد من
الإسرائيليين يخشون من تخلي حلفائهم عنهم في النهاية حول هذا الموضوع.
كما تتعزز تلك المخاوف عندما يدلي المسؤولون الأمريكيون مثل وزير
الدفاع ليون بانيتا بتعليقات حول عدم استصواب القيام بهجوم كهذا. ولذلك
قد يكون لهذه التعليقات تأثير معاكس لما كان يُقصد منه، وهو إقناع
إسرائيل بأن أحداً لن يأت لمساعدتها وأنه ليس أمامها خيار سوى الهجوم.
تأثير تقرير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"
ويرى ديفيد ماكوفسكي، إذا هاجمت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية
في عام 2012، فقد تكون نقطة التحول في عملية صنع القرار التي تتولاها
حكومتها قد حدثت بالفعل في وقت سابق من هذا الشهر. ففي 8 تشرين الثاني/نوفمبر،
أقر مجلس إدارة "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" [الوكالة الدولية "]
تقريراً يستشهد بمعلومات "موثوقة" بأن "إيران نفذت ... أنشطة ذات صلة
بتطوير جهاز تفجيري نووي". والجدير بالملاحظة أن ذلك كان الاجتماع
الأول للمجلس منذ اكتشاف قيام "قوة القدس" الإيرانية بالتخطيط لاغتيال
السفير السعودي على الأراضي الأمريكية.
ويُرجح أن يكونا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وباراك قد
أثارا أحدث المناقشات السياسية في إسرائيل لمعرفة ما إذا كان مخطط
الاغتيال والتقرير المثير الصادر عن "الوكالة الدولية" سيوفران النفوذ
السياسي اللازم لتشديد العقوبات. ويرى كلا الرجلين أن الهجوم قد يكون
ضرورياً -- على الرغم من أنهما يتفقان مع باقي أعضاء مجلس الوزراء على
أن العقوبات هي الأفضل، إلا أنهما أكثر تشككاً من ناحية قيام المجتمع
الدولي بحشد الإرادة السياسية للموافقة على عقوبات قوية بشكل كافٍ قبل
أن يصبح الهجوم مستحيلاً من الناحية الفنية.
وهذا الاعتقاد ليس عديم الأساس. فعلى الرغم من الأدلة القوية في
التقرير الأخير، أرجأت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" اتخاذ أي إجراء
في الوقت الراهن، وربما تخلت عن احتمالات القيام بأي إجراء في المستقبل
القريب. وقد صرح المسؤولون الأوروبيون بأن التحول الكبير الذي انعكس في
التقرير الجديد لا يبشر بتحولات أخرى كهذه في المدى القريب – فمثلما
كان عليه الحال في الماضي، من المحتمل أن يكون تقرير "الوكالة الدولية"
في الربيع القادم ذا طابع تدريجي أكبر، ويعود ذلك جزئياً إلى أن إخفاء
إيران لمعظم برنامجها النووي يعيق بشكل كبير جهود الوكالة لتوثيق
تقدمها بانتظام. وعلاوة على ذلك، من المرجح ألا تكون "قوة القدس" غير
لبقة إلى درجة تسمح بكشف جهود الاغتيالات المستقبلية، لذا فإن الضغط
الناشئ عن ذلك التطور قد يكون أمراً لا يحدث سوى مرة واحدة.
ولذلك قد يُفسّر الإسرائيليون آخر مؤشرات التردد – ويشمل ذلك على
وجه التحديد إخفاق الولايات المتحدة و"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"
في فرض عقوبات كاملة على "البنك المركزي الإيراني" – بأنه يعني أن
الوقت قد نفد بالفعل. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا سوف يكسر المأزق
بين النخب السياسية والعسكرية الإسرائيلية بشأن ما إذا كانت العقوبات
ستغني عن الحاجة للقيام بعمل عسكري. إن فرض عقوبات على "البنك المركزي"
كان من شأنه أن يمنع إيران من الاشتراك في معاملات مقوّمة بالدولار بغض
النظر عن نوعها. إلا أن إدارة أوباما تخشى من تأثير ذلك التحرك على
أسواق النفط والاقتصاديات الهشة بالفعل. وفي الماضي صرح مسؤولون
أمريكيون أيضاً بأن هناك المزيد من الوقت لإيقاف إيران، سواء من واقع
الثقة في القدرات العسكرية الأكبر للولايات المتحدة أو الاعتقاد بأن
العقوبات سوف ترغم إيران في النهاية على التراجع. وفي تصريحاتها يوم
الاثنين عن العقوبات الأمريكية والبريطانية والكندية الجديدة ضد جوانب
من قطاعات البتروكيماويات والمال الإيرانية، ذكرت وزيرة الخارجية
الأمريكية هيلاري كلينتون في الواقع بأن "هذه التدابير تمثل تصعيداً
هائلاً للضغط على إيران، ومصادر دخلها، وأنشطتها غير المشروعة".
وفي غضون ذلك، من المرجح أن تستمر المناقشات الصاخبة في مجلس
الوزراء الإسرائيلي بشأن جدوى العمل العسكري. وبصرف النظر عن قدرة
إسرائيل الفنية، فإن نقاط الخلاف الأخرى تشمل المدى الذي سوف تساعد به
الهجمات على تأخير البرنامج الإيراني فعلياً، فضلاً عن التبعات
الإقليمية المحتملة. وفي خطاب له هذا الربيع، عارض رئيس "الموساد" ["المعهد
الإسرائيلي للاستخبارات والمهمات الخاصة"] السابق مئير داغان هذه
الخطوة، وأشار إلى أن هناك وسائل أخرى لإيقاف إيران. وربما كان يشير
إلى فيروس الحاسوب "ستاكسنيت" الذي أصاب أجهزة الطرد المركزي في محطة
نطنز الإيرانية عام 2010، أو حالات الوفاة العديدة والاختفاءات بين
كبار العلماء النوويين الإيرانيين – وهي أمور يُشتبه بضلوع إسرائيل
فيها.
الدروس المستفادة من أوزيراك؟
ويضيف ديفيد ماكوفسكي، ذات مرة أشار السفير الأمريكي في تل أبيب -
خلال الهجوم الإسرائيلي على المفاعل النووي أوزيراك في العراق عام 1981
- صامويل لويس، إلى أن واشنطن أخطأت قراءة النوايا الإسرائيلية في ذلك
الوقت. فقد كان المسؤولون الإسرائيليون يعبرون بقوة في اجتماعات مغلقة
مع الولايات المتحدة عن مخاوفهم حول الموقع، لكنهم تغاضوا عن ذلك
الموضوع في الأشهر التي سبقت الهجوم. وبالتالي افترضت واشنطن أن
إسرائيل فقدت اهتمامها بالأمر، في حين كانت الاستعدادات للهجوم قد دخلت
في الواقع مرحلتها النهائية.
واليوم، لا يزال المسؤولون الإسرائيليون يؤيدون العقوبات الدولية
بقوة. ورغم ذلك إذا تكرر نموذج أوزيراك، فإن هجوماً عسكرياً [إسرائيلياً
على مواقع إيران النووية] قد يكون وشيكاً للغاية ولا يفصلنا عنه سوى
بضعة أشهر، ولن يحدث ذلك إلا عندما يتوقف باراك وزملاؤه عن إجراء
مقابلات حول هذا الموضوع.
الوحيد الذي سيوقف ايران
فيما مايكل آيزنشتات مدير برنامج الدراسات الأمنية والعسكرية في
معهد واشنطن، يشكل العمل العسكري ملاذاً أخيراً. ولكي تحقق الدبلوماسية
النووية النجاح المرجو منها، يجب على طهران أن تؤمن بأنها إذا ما حاولت
صنع قنبلة نووية، فستقوم الولايات المتحدة بعمل عسكري لتعطيل مثل هذا
الجهد.
ومن غير الواضح ما هي نوايا إيران النووية على المدى القريب. ويؤيد
استنتاج التقرير الأخير لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بأن طهران
تسعى على الأقل للوصول إلى خيار لبناء قنبلة نووية. إن اعتقادها بأنه
سيتم مهاجمة برنامجها النووي إذا ما سعت إلى ممارسة هذا الخيار قد
يردعها عن القيام بذلك، أو يؤدي على الأقل إلى تأجيل مثل هذا القرار.
وقد تكون المؤامرة المزعومة الأخيرة لاغتيال السفير السعودي في
واشنطن جرس إنذار. فهي تشير بأن الهجمات الإرهابية الإيرانية على
المصالح الأمريكية التي بدأت قبل 30 عاماَ، دون قيام الولايات المتحدة
بأي رد عسكري، قد أقنع طهران بأن بإمكانها مواصلة العمل مع الإفلات من
العقاب -- حتى على الأراضي الأمريكية. وما لم تغير واشنطن حسابات الخطر
التي تجريها طهران، فقد يتم استهداف الولايات المتحدة مرة أخرى. حتى أن
إيران قد تصل إلى نتيجة بأن باستطاعتها أيضاً بناء قنبلة بعقاب نسبي.
وغالباً ما يقول المدافعون عن سياسة الاحتواء -- والتي يروج لها
الكثير كبديل للدبلوماسية أو لعمل عسكري وقائي -- بأنها خيار لسياسة
منخفضة التكلفة وقليلة المخاطر. وكثيراً ما يتسترون على الحقيقة بأن
نجاحها، يجب أن يكون مدعوماً بالتهديد باستعمال القوة يكون ذو مصداقية،
وأن التكاليف المترتبة على فشل الردع النووي في شرق أوسط تنتشر فيه
الأسلحة النووية قد يقاس بفقدان حياة الملايين من الأرواح. كما أن
احتمال فشل الردع النووي ليست عديمة الأهمية، نظراً لميل نظام طهران
المحاصر والمتشدد والمعزول على نحو متزايد إلى الخطأ في حساباته
والتفوق في حيلته.
بإمكان خدمة مصالح الولايات المتحدة على أفضل وجه من خلال إبرام
اتفاق دبلوماسي بشأن برنامج طهران النووي، يكون معززاً باتخاذ موقف
رادع وقوي تجاه إيران. ومن المفارقات أنه لكي تحقق الولايات المتحدة
نجاحاً دبلوماسياً وتردع إيران عن أهدافها النووية، على واشنطن أن تكون
مستعدة لاستخدام القوة رداً على المزيد من أعمال الإرهاب من قبل إيران،
أو لمحاولة من جانب طهران لصنع قنبلة نووية. ومع ذلك، فلكي ينجح
التهديد باستخدام القوة، يجب أن يكون ذو مصداقية، وعليه أن يغير حسابات
الخطر في إيران بصورة جذرية. إن أياً من هذين الشرطين لا يتوفر الآن.
وتتجاهل الولايات المتحدة هذه الظروف على حساب الأخطار المحدقة بها
وبحلفائها.
نبذة عن معهد واشنطن
الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه
الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية
في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل
توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه
المنطقة الحيوية من العالم.
وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم
المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة
العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم
للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق
باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف
الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف
به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة. |