جنوب السودان وإسرائيل، وعلاقات على شفا آبار غائرة!

د. عادل محمد عايش الأسطل

منذ التاسع من يوليو/تموز الماضي، تحول جنوب السودان، على إثر الاستفتاء الذي أجري في بداية العام الجاري، إلى الدولة رقم 193 في الأمم المتحدة، بعد الاعتراف السريع بها، من قبل الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة و"إسرائيل" ومن ثم إقامة علاقات دبلوماسية كاملة معها، وعلى أساس أولاً أن يستلزم بالمقابل، وربما بذات السرعة، اعتراف دولة جنوب السودان بإسرائيل، وإن بدا هذا الأمر كتحصيل حاصل، بالنظر للعلاقات الخفية الممتدة بين الطرفين منذ أمد طويل، والتي لن يضِف لها الاعتراف الرسمي شيئاً جديداً، ومن جهةٍ أخرى استغلال الأراضي في الجنوب، لخدمة مصالح سياسية واستخبارية ومعنوية، خاصةً وأن  "إسرائيل" تهتم بكل دولة جديدة، لتقيم معها علاقات دبلوماسية، حتى لو كانت صغيرة وأكثر فقراً. لا سيما وأن مسألة استقلال الجنوب كانت ثمرة جهود كبيرة، بذلتها الولايات المتحدة وإسرائيل لسنوات عدة، من حيث تقديم المال والسلاح، والتدريب والأعمال اللوجستية للعديد من القوى الانفصالية لمساعدتها، على الاستمرار بالعمل الصراعي المسلح إلى ما لا نهاية، ضد الحكومات المتعاقبة في الخرطوم.

ولا شك أحدث ذلك، وتبعاً للواقع، تحولات جذرية في الخارطة الجيوبوليتكية للمنطقة، فالجنوب يعتبر أداة إستراتيجية هامة، تتجاوز حدوده الجغرافيا، فهو يطل على جزء مهم من المنطقة الأفريقية والعربية، وهذا التحول كان ولا شك، تحقيقاً لمصالح اقتصادية وسياسية وأمنية لدولة "إسرائيل" ولذا شجعت وبكل قوة انفصال الجنوب، وسعت لاستقلاله بغية خلق دولة صديقة لها في المنطقة، لزيادة نفوذها في القارة السوداء ولاستخدامها ورقة هامة بكل ما يتعلق بعلاقاتها مع دول المنطقة.

 وكان وزير الخارجية الإسرائيلي "أفيغدور ليبرمان" قال، إن العلاقات بين البلدين ستقوم على مبدأ التعاون، وعلى مساواة واحترام متبادلين، وأكد أن ذلك يتوج مسيرة دبلوماسية مطولة قادتها وزارته.

وفي هذا السياق تأتي زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" إلى دولة جنوب السودان، تأتي تتويجاً للعلاقات الطويلة الماضية، وترسيخاً لها، وفي محاولةٍ لرسم تفاصيل خطوطها العريضة، الموضوعة منذ مدة طويلة، وذلك من خلال مباحثات يجريها مع رئيس دولة الجنوب "سلفاكير ميارديت" وعدداً من المسئولين في الدولة، ولا شك فإن هذه الزيارة وفي هذا الوقت بالذات، من شأنها أن تفرض العديد من التساؤلات، من حيث جدواها على الدولتين، وتأثيرها على الدول القريبة والمحيطة بجنوب السودان وخاصة مصر وليبيا.

لا شك فإن "إسرائيل" ومنذ قيامها وفي سياق مساعيها، لاختراق دول العالم وخاصةً القارة السوداء، الغنية بالثروات والمحيطة بالعرب، تبحث عن موطئ قدم لها في أي بقعة، من القارة وكان أشد التركيز على منطقة جنوب السودان، للبحث عن منافذ مختلفة للذراع الإسرائيلية، لتحقيق أهداف سياسية، تمنحها فرصة لممارسة نفوذها في منطقة، تعد إستراتيجية لمصر والسودان والأمن القومي العربي بوجهٍ عام. بعد أن كانت نجحت "إسرائيل" خلال العقد الأخير في إحداث اختراقات يُعتد بها، في القارة الأفريقية، لاسيما في مناطق هامة ضمن القرن الأفريقي.

لذا فإن انهيار السودان وتقسيمه، كان من شأنه أن يحقق لدولة "إسرائيل" الكثير من المكاسب سواء السياسية أو الاقتصادية، ولكن هذه الأطماع والمكاسب التي كانت "إسرائيل تسعى إليها وتعتبرها في متناول اليد الإسرائيلية، كانت أصابها بعض الخلل التي تحد من الجموح والرغبة الإسرائيليين، في تحقيقهما، وذلك نتيجةً لعدد من العوامل المختلفة، منها ما يتعلق بدولة "إسرائيل" ومنها ما يتعلق بالدولة الوليدة، فإسرائيل ليست هي "إسرائيل" على ذات المكانة الاقتصادية والعسكرية والأمنية، فهي تعاني في جميع المجالات السابقة من حيث الضعف، وقلة الإمكانات المالية والفنية، ومن حيث المشكلات الأمنية والعسكرية التي تواجهها، إضافةً إلى الضائقة المعيشية الخانقة، التي يمر الجمهور الإسرائيلي بها منذ فترة طويلة.

 كان في فترات ربيعية إسرائيلية فائتة، تتلقى إسرائيل ملايين الدولارات من ثريّ يهودي واحد، لكن الآن شيء كهذا لا يوجد، ومن ناحية أخرى فإن تطوير العلاقات مع دولة تعتبر الأفقر في المنطقة، إن لم يكن في العالم، ستكون في الفترة هذه، عبئاً على إسرائيل، لن تستطيع معها فعل المزيد، الذي من شأنه خدمة الدولة الوليدة، وإننا نرى عزوف رأس المال الإسرائيلي، من التوجه إليها بشكل معقول. أما بالنسبة لدولة الجنوب، فهي كانت ولا تزال تعاني الصراعات القبلية الداخلية، إضافة إلى الصراعات المتجددة مع الشمال، ونقاط منطقة "إبيي" الغنية بالنفط ما زالت موضع خلاف، كما أنها تعاني القل والشح، هما في حال الاستفحال، بالنظر إلى أن هناك أكثر من مليون ونصف المليون، وغيرهم في مجاعة محققة،  نظراً لحالة الجفاف المستشرية، في عموم الدولة وخاصةً منطقة أعالي النيل، إضافةً إلى أن الدولة تفتقر إلى بني تحتية، لا يساعد فقدها في حلحلة الوضع الاقتصادي بشكل عام.

وعليه فإن أطماع "إسرائيل" التي كانت مرسومةً في السابق، لن يكون بوسعها الحصول عليها بالشيء السهل، ولهذا فإن زيارة "نتانياهو" ستركز على ما يبدو، فيما يتعلق بالأمور السياسية، التي تخدم القضايا الإسرائيلية في المحافل الدولية، وأيضاً الأمور الأمنية، التي ستسعى من "إسرائيل" بما لديها في منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل، من مصالح أمنية وعسكرية من خلال صفقات بيع الأسلحة، وأعمال التدريب، وكان في الفترة الأخيرة أن أشرف من الخبراء الأمنيين الإسرائيليين، على تنظيم وتطوير الأجهزة الأمنية والاستخبارية في دولة الجنوب، ودول أخرى في المنطقة، وأيضاً فإنها ستعمل لإيجاد الفرصة، لكسر حلقة عربية وهي السودان. من خلال إشغالها في صراعات داخلية، تجعلها في حالة ضعف كاملة ودائمة، ومن ناحيةٍ أخرى، إفشالها من دعم حركات مقاومة عربية وفلسطينية، سواء كان دعمًا معنويًّا أو ماديًّا.

وبالرغم من أهمية هذه الزيارة، كما يصورها الإسرائيليون، فإنها ستظل في الأغلب ضمن الإطار البروتوكولي والرمزي، أكثر مما هو عملي، أو كما يأمل الطرفين على الأقل، وذلك بالنظر "أيضاً" إلى أن هذه العلاقة "الرسمية" لجنوب السودان مع "إسرائيل" هي في الأساس "مرهونة" في ظل حاجة دولة الجنوب الملحة، للمحيط العربي والإسلامي القريب، سواء في المجال الاقتصادي (الاستثمار) أو السياسي الذي يربط دول المنطقة، والذي يبدو من غير السهل، إغفاله من قبلها.

وهي تعلم كما "إسرائيل" أن جملة الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية، الخاصة بالمنطقة، لن تبق هكذا، وإلى حين تكشف الأمور، لدى الدول العربية ولاسيما بعد موجة الربيع العربي، التي سيتوجب عليها، التحرك، وبسرعة موازية، بهدف منع أو تقليل أضراراً وتداعيات مختلفة، من الممكن أن تترتب على مثل هذه العلاقات، التي – إن نجحت – أن يكون من شأنها تهديد العرب وأمنهم القومي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/كانون الأول/2011 - 12/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م