الإخوان المسلمون في الكويت... مواكبة الربيع العربي أم مآرب أخرى؟

محللون: اهتمام أميركي موجّه والسعودية الشريك الأكبر

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: عين أمير دولة الكويت صباح الأحمد، جابر المبارك رئيساً جديداً لمجلبس الوزراء، وكلفه بتشكيل الحكومة الكويتية بعد يومين من استقالة حكومة الشيخ ناصر المحمد، وتأتي هذه الخطوة بعد احتجاجات طالبت من خلالها تيارات سياسية باستقالة المبارك، إلا هناك شكوكاً حول طبيعة ما يدور في الكويت ويرى محللون سياسيون إن المملكة العربية السعودية احتلت خلال العام الماضي من اضطرابات الربيع العربى مكان الولايات المتحدة كقوى رئيسية فى الشرق الأوسط، بل إنها عكفت على توسيع نفوذها فى الأعوام المقبلة من خلال انفاقها العسكرى والاقتصادي.

وشهدت الكويت، على مدار السنوات الماضية عدة أزمات سياسية متلاحقة، أدت إلى استقالة ست حكومات متتالية على الأقل، برئاسة الشيخ ناصر الصباح، ودفعت هذه الأزمات، التي جاء معظمها بعد تقديم طلبات استجواب لوزراء بالأسرة الحاكمة، بأمير الكويت إلى إصدار قرارات بحل مجلس النواب.

يقول الكاتب الأمريكى، ديفيد أجناتيوس للسعودية دور متنامى كرد فعل جزئى على اندثار النفوذ الأمريكى فى المنطقة، ورغم أنهم لا يزالون يعتبرون العلاقة الأمريكية السعودية ذات قيمة وأهمية بالغة، إلا أنهم لم يعدوا يرونها كضامن لأمنهم. ولهذا قرر السعوديون أنهم ينبغى أن يعتمدوا أكثر على أنفسهم، وقريبا على مجموعة أوسع من الأصدقاء، تشمل الشريك العسكرى، باكستان، وأكبر مستهلك للنفط، الصين.

وأشار أجناتيوس إلى أن السعودية لعبت دورا كبيرا فى الآونة الأخيرة، وكانت واضحة فى تأييدها للإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد، كما دعمت قرار الجامعة العربية بتعليق مشاركة الوفود السورية فى الجامعة العربية.

أما الولايات المتحدة فهي تلعب دورا هاما من خلال وسائل الاعلام وبالخصوص الدور الذي تلعبه صحيفة واشنطن بوست التي قالت في افتتاحيتها إن من الحكمة أن تستمع الحكومة الكويتية للمعارضة التي لديها مطالب مشروعة»، وإن ما تحتاجه الكويت المضي باتجاه ديموقراطية برلمانية حقيقية. وتضيف الصحيفة طالما تفاخرت الكويت بامتلاكها النظام السياسي الأكثر ليبرالية في منطقة الخليج، حيث لديها برلمان منتخب يضم معارضة حقيقية توجه الانتقادات بشكل منتظم للعائلة الحاكمة. ومع ذلك، علينا ألا نخطئ الحساب ونظن أن الكويت دولة ديموقراطية، فسلطة مجلس الأمة محدودة جداً ولا وجود للأحزاب السياسية. إن ما حدث في مبنى مجلس الأمة أثبت أنه في الوقت الذي يستمر فيه الربيع العربي، فإن الانفتاح السياسي المحدود الذي تعرضه الكويت والملكيات العربية الأخرى، ليس كافيا.

لقد أمرت الحكومة وزارة الداخلية والحرس الوطني بوضع حد لمثل هذه الأعمال، ولكن بدلا من التهديد، كان من الحكمة أن تستمع للمعارضة التي لديها مطالب مشروعة. لقد مُنع مجلس الأمة من التحقيق بفضائح فساد كبرى بما فيها التحويلات المليونية لبعض أعضاء المجلس وتحويلات من مسؤولين في الحكومة إلى حسابات أجنبية. ويستمر ناصر المحمد في منصبه رئيسا للحكومة على الرغم من عدة محاولات في المجلس لنزع الثقة عنه.

وليس أمرا معتادا أن تتناول صحيفة أميركية رئيسية مثل الواشنطن بوست الشأن السياسي الكويتي الداخلي في افتتاحياتها؛ وذلك على النحو الواضح واللافت للانتباه الذي تناولته فيه ضمن افتتاحية عددها الصادر يوم الأحد حول الأزمة السياسية المحتدمة في الكويت، وتحديدا ما جاء فيها من أنّ الانفتاح السياسي المحدود في الكويت ليس كافيا، وأنّ الكويت ليست دولة ديمقراطية، إذ إنّ سلطة مجلس الأمة محدودة جدا ولا وجود للأحزاب السياسية، والأهم ما أوردته الافتتاحية من نصيحة ذات مغزى بأنّ ما تحتاجه الكويت ليس القيام بحملة لقمع المعارضة، بل المضي باتجاه ديمقراطية برلمانية حقيقية، تقوم غالبية أعضاء مجلس الأمة باختيار رئيس الوزراء فيها، كما فعلت دولتان ملكيتان هما المغرب والأردن ذلك، تلبية لمطالب المحتجين، حيث تعهّد ملك الأردن مؤخرا بالسماح للبرلمان المقبل باختيار رئيس الوزراء. فهذه الإصلاحات الجزئية تقدم حلا للتقدم إلى الأمام في الكويت والبحرين وقطر ودول الخليج الأخرى، بما فيها السعودية، بحيث تسير كل دولة من هذه الدول بالوتيرة المناسبة لها. ولكن إذا أردنا تفادي اندلاع ثورات فيجب أن تسير عملية الإصلاح بخطى حثيثة نحو الديمقراطية الحقيقية.

فالمتابع ليس هنا أمام مجرد افتتاحية صحافية، وإنما إزاء بداية إعلان اهتمام أميركي موجّه نحو الكويت ومسار تطورها السياسي الداخلي، وهو أمر لا يصحّ تجاهله أو الاستخفاف به أو التهوين من تأثيره، ويفترض أن يؤخذ في الحسبان، خصوصا عندما يرتبط مثل هذا الاهتمام الأميركي الموجّه نحو الوضع السياسي الكويتي الداخلي بالخطط الجديدة للولايات المتحدة الأميركية الهادفة إلى تعزيز وجودها العسكري المباشر في بلادنا بعد الانسحاب من العراق، التي ستترتب عليها نتائج ذات تأثير كبير وخطير لن يقتصر على ترتيب الجوانب العسكرية واللوجستية فحسب، وإنما سيمتد بالضرورة إلى ترتيب جوانب أخرى، من بينها التأثير على الوضع السياسي الداخلي الكويتي عندما تصبح الكويت هي المركز الأهم لهذا الوجود العسكري الأميركي في المنطقة... وهذا ما يجب الانتباه إليه جيدا وقراءته مبكرا.

وتلاحظ صحيفة نيويورك تايمز أن دول الخليج منشغلة بتوفير الحياة الرغيدة لمواطنيها، مشيرة من بين تلك الدول الى الكويت والمملكة العربية السعودية التي شهدت أخيرا قرارات ذات كلفة مالية كبيرة تبلغ 130 مليار دولار تصب في صالح المواطنين من مشاريع إسكانية وغيرها، في حين ترصد الصحيفة إقرار مجلس الامة في الكويت أعلى ميزانية في تاريخ البلاد وصفها رئيس اللجنة المالية في المجلس عدنان عبدالصمد بالمجنونة.

تتطرق نيويورك تايمز الى ما يمتاز به المواطن الخليجي وتخص المواطن الكويتي بالذكر مشيرة الى ان الكويت التي تحكمها اسرة آل الصباح منذ العام 1752 هي أكثر بلدان المنطقة ديموقراطية ولا يدفع فيها المواطن أي ضرائب، كما تشير الى ان معظم المواطنين يعملون لدى الدولة التي توفر لهم سلعا مدعومة بدلا من فرض الضرائب عليهم.

وعن الميزانية المقرة أخيرا تلفت نيويورك تايمز الى انها بلغت 70 مليار دولار %90 منها سيصرف لتمويل بند دعم السلع والمساعدات وزيادة المرتبات لمجموعة من موظفي القطاع العام ومنهم العسكريون والمعلمون.

سيناريو انتقال السلطة

وفيما لا يزال الجدل محتدما حول أسباب وملابسات استقالة الحكومة وملامح المرحلة المقبلة حذرت أوساط سياسية عليمة من جر الكويت الى حزام المخططات الدولية الرامية إلى تمكين جماعة الإخوان المسلمين من السيطرة على السلطة في البلاد أسوة بما جرى ويجري الاعداد له في كثير من الدول العربية وبينها تونس والمغرب وليبيا ومصر, ضمن سيناريو غربي معلن لاعادة هندسة المنطقة سياسيا واجتماعيا, ويشير محللون سياسيون إلى أن الأحداث المؤسفة التي شهدتها الكويت على مدى الشهور الأخيرة وحالة الشحن غير المسبوقة والفرز القبلي والطائفي لم تأت جزافا ولا على سبيل الصدفة وليست إلا تطبيقا عمليا وترجمة حرفية لمخطط خارجي بلغ ذروته بتطويق الحكومة, وتضييق الخناق عليها واجبارها على الاستقالة بعدما بدا أن استمرارها في ظل هذه الأجواء الخانقة بات أمرا مستحيلا بحسب ما ذهبت اليه في كتاب الاستقالة الذي رفعه رئيس مجلس الوزراء ناصر المحمد الى الشيخ صباح الأحمد.

ورجح مراقبون أن التنظيم العالمي لجماعة الاخوان المسلمين الذي اتخذ موقفا مخزيا ومناوئا للكويت واستقلالها وسيادتها إبان الغزو العراقي الغاشم عام 1990 دفع ذراعه وفرعه في الكويت إلى اختيار مسمى جديد له هو الحركة الدستورية الاسلامية في محاولة لخداع الشعب الكويتي واقناعه بأنه "تنظيم مختلف ومنشق عن التنظيم الدولي فيما الحقيقة أنه جزء أصيل ولا يتجزأ من التنظيم الدولي وإن كان قد لجأ الى هذه الخطوة بعد التحرير على سبيل التكتيك وضمن مسلك التقية الذي عمل به الاخوان على مدى العقود الماضية لتجاوز مشكلاتهم وخلافاتهم السياسية مع بعض الأنظمة العربية.

ويرى محللون سياسيون إن هذا التنظيم الذي لم يصنع الثورات في أي من البلاد العربية التي شهدت ما بات يعرف باسم الربيع العربي بل قفز على اكتافها لاحقا, وركب الموجة كعادته دوما في محاولة لجني الثمار ونيل النصيب الأكبر من كعكة الحكم والسلطة وهو أمر حدث بالفعل في تونس ويحدث الآن في ليبيا ويتوقع حدوثه في مصر يحاول الاستفادة من الأجواء والمتغيرات التي طرأت على المنطقة بعد الربيع العربي لتغيير معادلات وقواعد اللعبة السياسية في الكويت ويرى أن الظروف مواتية لتنفيذ مخططه في الانقضاض على السلطة تحت شعارات وهمية وفارغة من قبيل الحكومة الشعبية الذي تسوق له الحركة الدستورية حاليا.

الكويت على مفترق طرق

الباحثة والاستشارية سلوى السعيد من جهتها حللت الواقع السياسي قائلة، أن سيناريو الاحتكاك بين الحكومة والنواب سيستمر، ومطالبة المعارضة بالتخلي عن اللعب بالنار والانحناء أمام العاصفة الإقليمية من أجل الوطن.

واضافت السعيد احتشدت في الكويت قوى أهلية وشبابية وسياسية ونقابية معارضة للمطالبة برحيل الحكومة، في تجمع وصف بأنه الأكبر على الإطلاق بفعل الإحتقان الذي ولدته عدة أحداث متتالية على مدى سنوات وعلى أثر احتجاز شباب متهمين باقتحام مجلس الأمة الكويتي، والاقتحام فسره متعاطفون بأنه مجرد تصرف عفوي هيأت له ملابسات الحدث وحيثياته، ورسالة بأن المعارضة ترغب بإستعادة مجلس الأمة بعد أن استولت عليه الحكومة عبر التزوير ورشوة النواب حسب منظورهم. بينما صورته أوساط قريبة من الحكومة بأنه رسالة رمزية مفادها أن هناك مخطط للإستيلاء على الحكم.

وبالرغم من أن كلا الطرفين ليس بريئاً تماماً من التلاعب بالكلمات ومحاولة تضخيم أو تهويل المواقف لتسويق فكره وأجندته، عبر قنوات إعلامية والعزف على أوتار الطوائف والقبائل والعنصرية لتصل أحياناً لتحول بعض الوسائط الإعلامية لبث ضلاماته.

ويرى مراقبون ان الكويت أمام تحدي كبير، وعليها تنظيف بيتها الداخلي عبر تخفيف الإحتقان السياسي الذي يتعيش على خلق الصراعات والفتن. ومن ثم معالجة الخلل في النظام السياسي لتؤمن مناخاً أكثر إستقراراً وإنتاجية. وعلى المعارضة أن تغلب المصلحة العامة وتتخلى عن لعبة تهشيم الرؤوس واللعب بالنار، ولا يعرف احد في أي لحظة سيقفز ملف ما أكثر خطورة من القضايا العالقة إلى السطح، فالكويت لا تحتمل المزيد من المغامرات خصوصاً والوضع الإقليمي أشد هشاشة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/كانون الأول/2011 - 8/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م