شبكة النبأ: دارت بها الايام لتحصل
بالتدريج على حقوقها السياسية بشق الانفس، على مدى سنوات القرن
العشرين، لكن المرأة المصرية مازالت تبحث حتى الان عن دور في الخريطة
السياسية الجديدة لمصر بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك.
فمع استحقاق الانتخابات البرلمانية، ازداد الجدل حول حقيقة تمثيل
النساء في قوائم الأحزاب الإسلامية. فمن مرشحات مختصات في شؤون المرأة
واخريات ناشطات في التنمية البشرية الى المرشحات المشتقلات يتنوع
التمثيل السياسي للمرأة المصرية ليصل ايضا الى مخاوف من تحول نساء ضد
حقوق النساء في البرلمان القادم او برلمان يخلو تماما من النساء في ظل
مزيج فريد، من العرف الاجتماعي، والقوانين الانتخابية بالاضافة الى
حالة عدم الاستقرار التي تمر بها مصر.
اذ تقف هذه الاسباب حائلا فيما يبدو دون اضطلاع المرأة بدور حقيقي
في تشكيل مستقبل البلاد، فيما لم يستبعد البعض _في حال فوز التيارات
الإسلامية بأغلبية في البرلمان_ أن يستخدموا نساءهم الناجحات كمخلب قط
للإجهاز على حقوق نسوية أنتزعت عبر نضال كل المجتمع المدني.
المعادلة السياسية
اذ كان في عهد مبارك منح نظام "الكوتة" أي "الحصة" 64 مقعدا للمرأة
في مجلس الشعب عام 2010 من اصل 508 مقاعد أي نحو 12 بالمئة بخلاف حقها
في التنافس على باقي المقاعد لكن القوانين المنظمة لانتخابات 2011 ألغت
هذا النظام ولم تضع له بديلا.
وتعتقد الدكتورة جورجيت قليني العضو السابق بمجلس الشعب أن نسبة
المرأة في المجلس القادم ستكون محدودة جدا ولن تتجاوز نسبة اثنين
بالمئة، وهي تعزو توقعاتها لعدة أسباب من بينها النظام الانتخابي
الجديد وغياب تمثيل المرأة عن تفكير القائمين على السلطة حاليا
بالاضافة الى الاوضاع الامنية التي لم تعد كسابق عهدها قبل ثورة 25
يناير كانون الثاني.
وقالت ان المرأة المصرية أهدر حقها في الحصول على تمثيل فعال. وذكرت
أمثلة لتجارب انتخابية في بعض الدول العربية قائلة "في العراق فرضت
القوانين المنظمة للانتخابات وجود امرأة بين كل أربعة مرشحين على
القوائم."وفي فلسطين اشترطت قوانين الانتخابات أن تكون هناك مرشحة من
بين الاسماء الثلاثة الاولى على كل قائمة انتخابية أما في مصر فلا يوجد
أي موقع محدد للمرأة بالقائمة الانتخابية.
"واكتفى القائمون على الانتخابات المصرية المقبلة باشتراط ادراج
امرأة واحدة على الاقل في كل قائمة انتخابية بغض النظر عن عدد المرشحين
بالقائمة. وتتراوح القوائم الانتخابية بين أربعة مرشحين وعشرة مرشحين
بحسب التقسيم الجغرافي لكل دائرة.
ويعتقد أيضا الدكتور وفيق الغيطاني القيادي البارز في حزب الوفد
ومسؤول ملف الانتخابات أن المرأة لن تحصل في الانتخابات القادمة على
أكثر من خمسة بالمئة من مقاعد البرلمان بمجلسيه الشعب والشورى. وقدم
حزب الوفد -أقدم الاحزاب السياسية على الساحة الان في مصر- نحو 73
امرأة في انتخابات البرلمان الجديد من اجمالي 570 مرشحا تقريبا. وقال
الغيطاني "حاولنا بقدر الامكان ان نشجع المرأة على خوض الانتخابات
وندعمها بقوة لكن البرلمان القادم لن تكون به نسبة كبيرة من النساء."
ويرى محللون أن الاحزاب الكبيرة ذات الشعبية الواسعة قدمت عددا لا
بأس به من المرشحات وذلك لانها تتمتع بثقل في الشارع المصري ولها رصيد
عند الناخب الذي سيصوت لصالح مرشح الحزب بغض النظر عن اسمه أو نوعه
بعكس الاحزاب الجديدة التي تسعى لحصد أكبر عدد ممكن من المقاعد في
البرلمان الجديد وبالتالي فهي تراهن على الشخصيات البارزة أو التي
عرفها الشارع المصري من خلال الاعلام.
واجتذبت الانتخابات هذه المرة نماذج لم تكن تشارك من قبل في العملية
السياسية في مصر وهو ما ينطبق أيضا على النساء اذ وجد الناخب المصري
نفسه لاول مرة وجها لوجه أمام أول مرشحة منتقبة، اذ تخوض بهية محمد
أحمد الانتخابات بصفة مستقلة وهو ما يجعل مهمتها أصعب رغم اعلانها عن
تلقي دعوات من عدة أحزاب حديثة التأسيس بالانضمام لها، ولا ترى بهية أن
النقاب يشكل عائقا أمامها في التواصل مع الناخبين وتقول ان الشعب
المصري تعود على فكرة النقاب ولم تعد غريبة بالنسبة له.
وفي المقابل تخوض المعترك الانتخابي بعض الفنانات والاعلاميات
اعتمادا على شعبيتهن المستمدة من الظهور على شاشات التلفزيون لان
النسبة الاكبر منهن لم تشارك في أي انتخابات سابقة ولا ينتمين الى
أحزاب سياسية. ومن المرشحات في الانتخابات القادمة الممثلتان تيسير
فهمي وهند عاكف والمذيعة والناشطة جميلة اسماعيل. بحسب رويترز.
وسواء كانت المرشحات من عالم الفن أو من وراء نقاب فان قضايا المرأة
ظلت بعيدة عن البرامج السياسية المطروحة في الانتخابات ولم يظهر أي
اهتمام خاص بمشكلات الاحوال الشخصية أو قضية تولي المرأة للمناصب
القيادية وهي أمور أثارت كثيرا من الجدل في الاعوام القليلة الماضية.
للرجال فقط.
من جهة اخرى، قالت الناشطة الحقوقية المصرية نهاد ابو القمصان ان
نظام الانتخابات البرلمانية تفرض على المرأة صعوبات كثيرة وقد ينتهي
الامر ببرلمان خال تماما من النساء. وقالت ابو القمصان مدير المركز
المصري لحقوق المرأة ان النظام الانتخابي الحالي الغى نظام الحصة "الكوتة"
الذي كان يخصص للنساء 64 مقعدا في البرلمان لكنه لم يقدم بديلا يضمن
وجودا بهذا المستوى في المجلس الجديد.
واضافت على هامش مشاركتها في مؤتمر ينظمه المجلس الثقافي البريطاني
عن حقوق المرأة في الدساتير بدول الربيع العربي ان النظام الحالي يفرض
على الاحزاب ترشيح امرأة واحدة ضمن القوائم الانتخابية النسبية التي
تضم عشرة اسماء في العادة لكنه لم يحدد مكان المرأة في القائمة. وقالت
ان المرأة احتلت في المتوسط المركز الخامس في هذه القوائم وهو ما يعني
ان دخولها البرلمان يحتاج لفوز القائمة بنسبة 50 في المئة من الاصوات
وهي مسألة مستبعدة لاي حزب في الانتخابات القادمة، واضافت ان من
المتوقع حسب هذا النظام ان يتراوح تمثيل المرأة بين اثنين في المئة
وصفر في المئة من مقاعد البرلمان الجديد.
ودعا نشطاء المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد منذ اطاحت انتفاضة
شعبية بالرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير شباط الى اعطاء النساء
نسبة 30 في المئة على القوائم الانتخابية النسبية مع توزيع هذه النسبة
بصورة متوازنة على القائمة.
وقالت ابو القمصان "يعني ذلك ان يكون كل ثلاثة اسماء بينهم امرأة
وهو ما يمكن ان يؤدي الى تمثيل بنسبة من عشرة الى 12 في المئة." واشارت
ابو القمصان الى ان زيادة مساحة الدوائر الانتخابية في انتخابات هذا
الاسبوع يستلزم من المرشحين زيادة المجهود والانفاق في حملاتهم
الانتخابية وهو ما يضع عبئا اضافيا على المرأة بالنظر للخلفية الثقافية
المحافظة للمجتمع.
واضافت ان مراكز التجمع المعتادة في مصر تتمثل في المقاهي والمساجد
وهي اماكن ليس مقبولا ان تختلط فيها المرأة بالرجال مما يعني ان المرأة
المرشحة "تبحر ضد التيار". وقالت ابو القمصان ان 108 دولة في العالم
تأخذ بنظام الحصة او "الكوتة" لكن خطاب القوى السياسية بشأن المرأة في
الاجتماعات مغاير لخطابها في الشارع. بحسب رويترز.
واضافت ان القوى السياسية كلها رفضت تخصيص 50 في المئة على القوائم
الانتخابية للمرأة مثلما حدث في تونس حيث اعتبره البعض تمييزا فضلا عن
عدم توافر قيادات نسائية في العمل الحزبي تكفي لسد هذه النسبة على
القوائم بالاضافة للانتقادات ازاء تخصيص نسبة 50 في المئة للعمال
والفلاحين. وقالت ان دعم المرأة في مصر ما زال شكليا لارضاء العالم
الخارجي وليس مشروعا نهضويا له رؤية واضحة.
إكسسوار أم نسوية جديدة؟
على صعيد اخر، لا تبدو المرشحة الإخوانية سهام الجمل مكترثة بالفصل
بين برنامج حزب العدالة والحرية الذي ترشحت على قائمته في الترتيب
الثاني، وبين ماتراه شأنا نسويا، بل علي العكس تماما، تطرح المرشحة عن
دائرة مركز ومدينة المنصورة دمجا بين برنامج حزبها الذي يحمل عنوان "نحمل
الخير لمصر"، وبين برنامجها النوعي للنساء "تمكين المرأة" فتقول:" في
جولات دعايتي الإنتخابية أركز علي حقوق النساء في أطوارها الثلاثة،
طفلة و أمرأة وعجوز، وذلك بهدف تمثيل النساء في محافظتي تمثيلا يتوافق
مع نسبتهن الكبيرة من عدد السكان، فالطالبات مثلا في جامعة المنصورة
يمثلن 70% من عدد الطلاب، وصحة وتعليم وعمل هؤلاء جزء من برنامجي
الانتخابي، فأنا لست كمرشحات الحزب الحاكم اللواتي كن يفرضن من أعلى
بنظام الكوتة، يتعالين على النساء ويحملن فكرة تمثيلهن دون أحقية، دون
أن ينزلن إلي واقع القرى والنساء العاملات والفلاحات، هكذا كانت
أولوياتي في الانتخابات الأخيرة (2010) عندما نافست مرشحة الحزب الحاكم
على مقعد الكوتة".
وردا على اتهام البعض لجماعة الإخوان بأنهم يتخذن من ترشيح النساء
إكسسوارا مدنيا بدليل عدم مشاركتهن في القيادة العليا للجماعة، أو عدم
بروزهن في إتخاذ قرارات الجماعة تقول:" الأخوات يشاركن في كل قرارات
الجماعة من المستوى القاعدي حتى أعلى المستويات بدءا من عام 2002، وذلك
عبر الاستبيانات وأمانة الأخوات المركزية، وأكبر دليل على ذلك أني خضت
وحدي الانتخابات الماضية في المنصورة دون وجود مرشحين أخوان، فأنا أعمل
في مجال التنمية البشرية والعمل الأهلي والتطوعي منذ عشر سنوات، كما أن
لا علاقة لزوجي محمد عبد الرحمن عضو مكتب الإرشاد السابق بثقلي داخل
الجماعة".
وعلى الرغم من مؤشرات الثقة التي تبدو في حوار مرشحة حزب العدالة
والحرية، إلا أن قياس جماهيريتها في دائرتها الانتخابية يعكس مؤشرات
أخرى، فريم النجار الطالبة بكلية الحقوق جامعة المنصورة تبدي تشككها في
قدرة مرشحة الأخوان على اجتذاب أصوات النساء، بل وتربط في حوارها بين
مايبدو نفوذا للمرشحة وتقسيم الدائرة الحضري، فخطاب الإخوان الخدمي
الديني يبدو جديرا بالأرياف المحيطة بمدينة المنصورة، أما المدينة التي
عرفت بفاعلية التيارات السياسية المختلفة فيبدو خطاب الإخوان النسوي
غريبا عليها، وتردف قائلة:" لقد سبب نزول دعاية حزب النور السلفي الذي
أستبدل صورة مرشحته بصورة وردة، ثم أراد التصحيح لاحقا فنشر اسمها تحت
صورة زوجها، مما أدي إلى فزع القطاعات المدنية، وتساءل الناس عن جدوى
عدم الكشف عن وجه مرشحة أضطرت لاحقا إلى الظهور في الإعلام للدفاع عن
موقفها منقبة، فماذا ستفعل مثل هذه المرشحة في مجلس الشعب إن دخلته؟"،
وتبدي ريم( التي وصفت نفسها بالناصرية) عداءها الشديد لمرشحات التيار
الإسلامي خاصة وأن الجميع يعرف أن أمرهن بأمر أزواجهن من الدعاة وأعضاء
الجماعات، فيما يبدو موقفها السياسي أقرب لترشيح القوي التي ساهمت في
الثورة ليبرالية أو يسارية أو قومية، أو أي قوى تقدم برنامجا سياسيا
يخرج بمصر من أزمتها الحالية.
وتستغرب د. أميمة أبو بكر الباحثة في تاريخ المشاركة النسائية في
الحضارة الإسلامية من تخلل خطاب"تمكين النساء" للغة المرشحة الإخوانية،
فكل الدلائل تشير إلي "دونية"وضع النساء في تنظيمات الحركة الإسلامية،
بالإضافة للموقف الفقهي لهذه الجماعات من تولي المرأة مناصب قيادية،
وصولا إلي خطابها الإعلامي (خاصة النسخة السلفية) "المحقر للمرأة".
بحسب دويتشه فيله.
وتفسير عضو مجلس أمناء مؤسسة المرأة والذاكرة الأمر بمجمله على أنه
جبر قانوني نتيجة اشتراط قانون الانتخابات إحتواء قوائم الأحزاب علي
مرشحة واحدة على الأقل، وتستكمل مداخلتها قائلة:" بالطبع ثمة فارق نسبي
بين مرشحات الحركة السلفية والأخوات المسلمات، فالأخيرات على الأقل
لديهن خبرة في العمل الخدمي والبر، إحدى أدوات الجماعة الأساسية في
الدعاية، ولهن تاريخيا حضور ولو بسيط في خلفية مشهد الجماعة، على عكس
المرشحات السلفيات اللاتي نزلن علي مايبدو لملء الفراغ أو لاستكمال
القوائم، لكن المدهش أن تتحدث مرشحة الأخوان بلغة غالبا ما كانت محل
هجوم قيادات الجماعة عندما كانت تصدر من العاملات في الحقل الأهلي،
باعتبار "التمكين" فكرة غربية مستوردة، بل يبلغ التناقض مبلغه حين
تتحدث المرشحات عن حقوق النساء فيما القيادي عصام العريان كان أول من
خصص مجموعة مقالات للهجوم على مجموعة القوانين التي أعطت حقوقا للمرأة،
بل وإعتبر أن قوانين الخلع وحق الرؤية والحضانة وإسقاطها هدفا من أهداف
الثورة، على اعتبار أنها كانت قوانين "المدام" (نسبة إلى دور سوزان
مبارك زوجة الرئيس المخلوع في إصدارها). |