المرأة وسلطة الثقافة الذكورية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من المؤشرات التي تؤكد عصرية المجتمع واستقراره، حضور المرأة الثقافي، وتفعيل دورها في رسم المشهد الحياتي عموما، فهي، كما نتفق، مؤهلة لخوض ميادين الفكر والتربية كالرجل، وقد تتفوق عليه في ميادين معينة بسبب قدراتها الطبيعية، هذا الامر يؤكد ويثبت بأنها قادرة على الإسهام الفاعل في بناء المجتمع المعاصر.

يتطلب تفعيل الدور النسوي في ميادين الحياة، تفعيلا مسبقا لدورها الثقافي، هذا يعني أسبقية المهارة الثقافية على غيرها، فنمط الثقافة يتحكم بمسارات أنماط الحياة، لذا يحتاج المجتمع الى إمرأة مثقفة، لكي يلحق بالركب الانساني المتقدم، وشرط الثقافة المسبق، يجعل مهام المرأة أكثر وضوحا ويسرا، وأكثر قربا من النجاح، بيد أن الامر يتعلق بإزاحة المعيقات الكثيرة التي يضعها الرجل في طريق المرأة، لأسباب باتت معروفة، لايسع المجال للخوض فيها.

الرجل الشرقي، ومنهم (العراقي، العربي، الاسلامي)، لا يريد للمرأة أن تتثقف، ويفضّل دائما بقاءها خلف قضبان الوعي الأدنى، لسبب بسيط، أن وعيها العالي وثقافتها الرصينة تهدد سلطات الرجل بأنواعها، هذه الاهداف الذكورية لاتحتاج الى أدلة لإثباتها، الوقائع المجتمعية تشير بجلاء الى ذلك، هذا ما يتعلق بالحرب التي تشنها سلطة الذكورة ضد المرأة، ولكن ثمة أمر مستغرَب حقا، يتمثل بمحاربة الرجل المثقف للمرأة!.

هل يحدث أن الرجل المثقف يقترح أساليب عدة، تساعد على تجهيل المرأة وحصر دورها في مجال واحد؟ وهل يريد لها أن تبقى تابعة، متى وكيف؟.

في الانشطة الثقافية مثالا، تجد نسبة مشاركة المرأة قليلة، وحين تبحث في الاسباب، ستجد أن المثقف الذكر (ممن تعود إليهم دعوات المشاركة، أي قيادات المنظمات الثقافية) يستبعدون المرأة المثقفة ما أمكنهم ذلك، وتكون الانتقائية والمحسوبية والعلاقات المشوهة، هي المعيار الذي يحكم الدعوات لمثل هذه المشاركات، حتى أن بعضهم يسيء إستخدام السلطة الثقافية في هذا المجال، لتحقيق رغبات ونزوات ليست مشروعة، بمعنى أوضح حين يُقام النشاط الثقافي في أي مجال وأي مكان كان، تحضر تدخلات ومآرب سلطة الذكورة بقوة، كي تحد من حضور المرأة وفعلها، يُستثنى من ذلك بعض الحالات، حين تفرض المرأة المثقفة حضورها وفعلها حتى على السلطة الثقافية، لكن تبقى المرأة كائن يحتاج الى المعاونة في بدايات الطريق حتى تبلغ أشدّها، كما هو الحال مع الرجل، ليس هناك رجل مثقف لم يحتج في بداياته الى تعضيد الآخرين، المرأة لا تختلف عن الرجل في هذا الحال، هنا تظهر حالات التهميش والمضايقات المقصودة مسبقا من لدن السلطة الذكورية، لتحقيق مآرب معروفة، تنم عن حيوانية لا تليق قط بالذكر المثقف. لا يقتصر هذا على الحيز الثقافي، لدينا السياسي، وعموم الانشطة الاخرى أيضا، فالذكورة حاضرة في جميع الميادين، تحرك مساراتها وفقا لمصالحها، لكن يبقى التعجيز الثقافي للمرأة هو الاخطر دائما، لأنك إذا أعددت امرأة مثقفة أو ساعدتها لبلوغ ذلك من دون منفعة مقابِلة، فإنها ستنجح في الميادين الاخرى، ولن تنجح في أي مجال آخر، إذا كانت تفتقر للقاعدة الثقافية التي ترتكز إليها المهارات الاخرى عموما.

هذا يعني أن خطر الذكورة المثقفة، لا ينحصر في مجاله فقط، بل يتعداه الى عموم مجالات الحياة، بمعنى أن فشل المرأة في البيت والمدرسة والدائرة الرسمية وسواها، يعود الى قلة ثقافتها، وحين تتوفر فرصة لتثقيف المرأة، فإن العصيّ ستوضع في الدواليب، لأسباب عديدة، أولها وأشدها خطورة، الإبقاء على تبعية المرأة للرجل، وتحييد طاقتها الثقافية والفكرية، وعدم السماح لها بإعمال قدراتها المتنوعة، كونها بالنتيجة تشكل خطرا على سلطة الذكورة.

أما الاضرار الفادحة التي ستلحق بالمجتمع جراء هذا السلوك الذكوري الشائن، فإنها ستقيَّد بطبيعة الحال ضد مجهول، ليبقى المجتمع في أسفل قائمة التطور، وتبقى المرأة غافية في المناطق الدنيا من الوعي، مطيعة للرجل المثقف وغيره، وخادمة لهما على الدوام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/تشرين الثاني/2011 - 4/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م