أمريكا ومجاهدو خلق... البحث عن وجهة آمنة

كتب المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: يقوم دبلوماسيون اميركيون برحلات بين بغداد ومعسكر أشرف الذي يضم نحو ثلاثة آلاف عنصر من حركة مجاهدي خلق الإيرانية، بهدف التوصل إلى حل وسط بينهم وبين الحكومة العراقية التي تصر على إغلاق المعسكر ومغادرة عناصره البلاد.

ويسعى بعض السياسيين في الولايات المتحدة الامريكية ومنهم كل من المديرين السابقين لوكالة المخابرات المركزية سي آي أي، والمدعي العام السابق مايكل موكاسي ومستشاري الأمن القومي وعشرات المسؤولين من الإدارات السابقة.

وحظيت المساعي لإسقاط منظمة مجاهدو خلق الإيرانية من قائمة المنظمات الإرهابية بتأييد العديد من المسؤولين الأميركيين إلى درجة أنها شكلت عامل وحدة بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي.

وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر أن المسؤولين يعملون بخطوات متسارعة لإنهاء مراجعة هذه القضية. بحسب صحيفة نييورك تايمز.

وينطلق الموقف الأميركي في التعاطي مع مجاهدي خلق مما قاله العضو السابق في الكونغرس توم ريدج بأن عدو عدوي صديقي. ويقول المؤيدون إن تصنيف مجاهدي خلق ضمن قائمة المنظمات الإرهابية الذي يعود إلى عام 1997، قد عفا عليه الزمن وأصبح خطيرا وغير مبرر.

غير أن مسؤولين أعربوا عن مشاعر الإحباط تجاه قبول الأميركيين المؤيدين للمنظمة فكرة تمثيلها للمعارضة الإيرانية، ولا سيما أنها غير مرحب بها لدى معظم الإيرانيين الذين يتهمونها بدعم حكومة صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي.

كما أن الخارجية الأميركية حذرت في برقية كُشف عنها هذا العام من أن أي إشارة إلى دعم الولايات المتحدة للمنظمة من شأنه أن يثير المشاعر الإيرانية المناهضة لأميركا، وأن يعزز موقف المتشددين الإيرانيين.

وفي العراق تواجه منظمة مجاهدي خلق مشاعر الازدراء من قبل الشعب لاتهامها بمساعدة صدام حسين بسحق انتفاضتهم عام 1991، وهو ما تنفيه المنظمة. والحكومة العراقية من جهتها قالت إنها تعتزم نهاية هذا العام إغلاق معسكر أشرف حيث تقيم عناصر المنظمة، ونقل سكانه إلى مكان آخر بالعراق للتأكيد على السيادة العراقية على الأرض.

وقال أحد المسؤولين في الخارجية الأميركية إن محادثات تجري حاليا مع العراقيين وقادة أشرف لإظهار المرونة في إغلاق المعسكر. وترى المنظمة الإيرانية ومؤيدوها من الأميركيين أن إغلاق المعسكر قد يهدد بوقوع عملية قتل جماعي بحجة استعادة السيطرة العراقية على الأرض.

وكانت الولايات المتحدة قد جمعت عناصر المنظمة –التي كانت تؤيد نظام صدام حسين- بعد غزوها للعراق ووضعتهم في معسكر أشرف من أجل حمايتهم.

الحملة والتمويل

وتضمنت الحملة المؤيدة للمنظمة الإيرانية نشر صفحات كاملة من الإعلانات في الصحف تقول إن الجماعة هي المعارضة الرئيسية لإيران، وهو ما ينتقده قادة المعارضة الإيرانية في الخارج المعروفة بـالحركة الخضراء.

وقالت خبراء في صحيفة نييورك تايمز إن المؤيدين الأميركيين تلقوا أموالا من خلق مقابل الترويج لهذه المساعي، فتوجه بعضهم إلى فرنسا وبرلين وبلجيكا. ويؤكد هؤلاء المؤيدون أن هدفهم إنساني ينطوي على توفير الحماية وتوطين نحو 3400 عنصر من المجموعة.

وقد وظفت المنظمة موالين لها مقابل أموال ضخمة مثل الشركة الأميركية أكين غمب شتراوس هاور أند فيلد التي تمكن محاموها في أوروبا من إقناع الاتحاد الأوروبي من إسقاط تصنيف الإرهاب عن المنظمة عام 2009.

أما عن تمويل المنظمة الإيرانية، فقالت نيويورك تايمز إن ملايين الدولارات التي تنفقها المنظمة أثارت تساؤلات بشأن مصادر التمويل. ونقلت عن علي صفافي الذي يدير مجموعة موالية للمنظمة في واشنطن تدعى نير إيست بوليسي ريسيرتش، قوله إن الأموال تأتي من إيرانيين أثرياء في الولايات المتحدة وأوروبا. ويؤكد المؤيدون لهذه المنظمة أنه نظرا لحظر الدعم العسكري لها، فإن هذه الأموال تذهب إلى المتعاطفين مع المنظمة وليس للمنظمة نفسها.

قضية مزعجة وحل وسط

الى ذلك يقوم الدبلوماسي الأميركي لورينس بتلر منذ ثلاثة أشهر برحلات مكوكية بين بغداد ومعسكر أشرف الذي يؤوي ثلاثة آلاف عنصر من حركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، بهدف التوصل إلى حل وسط بينهم وبين الحكومة العراقية التي تصر على إغلاق المعسكر ومغادرة عناصره البلاد.

ويحاول بتلر إقناع مجاهدي خلق بمغادرة المعسكر لتلافي مواجهة دامية أخرى مع القوات العراقية، التي سبق أن هاجمت المعسكر في وقت سابق من العام الجاري ووقع نتيجة لذلك عشرات القتلى والجرحى.

إلا أن مجاهدي خلق لا يريدون ترك المعسكر قبل تحديد وجهة آمنة لهم، ويعتقدون أن على الولايات المتحدة أن توفر لهم الحماية في الأراضي الأميركية رغم أن منظمتهم على لائحة المنظمات الإرهابية لوزارة الخارجية الأميركية.

وبينما يقترب موعد الانسحاب الأميركي من العراق، تعتبر قضية معسكر أشرف من أكثر القضايا تعقيدا وإزعاجا للأميركيين، ويعتبرونها أحد فصول الحرب على العراق التي لم يسدل عليها الستار بعد.

وكانت الحركة تمتلك حوالي ألفي دبابة وناقلة جنود مدرعة داخل معسكرهم. تعرض معسكرهم للقصف في المرحلة الأولى من الغزو الأميركي للعراق. لكن الجيش الأميركي وفّر لهم الحماية في مرحلة لاحقة بعد أن نزع أسلحتهم، وبعد أن كشرت الحكومة العراقية المقربة من إيران عن أنيابها وأصرت على أن يغلق معسكر أشرف وشنت هجوما عليه.

ويحاول بتلر التوصل إلى حل على مرحلتين، الأولى نقل معسكر أشرف من موقعه في محافظة ديالى العراقية المحاذية لإيران إلى موقع آخر، والمرحلة الثانية إيجاد ملجأ في بلد آخر.

ويقول بتلر أن محاولاته لمساعدة سكان معسكر أشرف تنطلق من منطلق إنساني بحت، وأن جهوده لا تعني أنه يتعاطف مع معتقدات حركة مجاهدي خلق السياسية ولا تعني أنه سامحها على أخطائها، لكنه في الوقت نفسه يريد منع مذبحة قد تقع في معسكر أشرف على أيدي القوات الحكومية العراقية.

لكن الحلول تبدو مفخخة، لأن سكان المعسكر يرفضون مغادرته، ولم يبادر أي بلد باستعداده لاستضافتهم، ومن جهة أخرى الوقت يمضي وموعد انسحاب الجيش الأميركي من العراق يقترب أكثر فأكثر.

ويعرف عن مجاهدي خلق أنها تمتلك آلة إعلامية لا يستهان بها، وقد وظفتها في الفترة الأخيرة لدفع شخصيات أميركية معروفة للدفاع عن قضيتها مثل ويسلي كلارك، الجنرال الأميركي المتقاعد وهاورد دين حاكم ولاية فيرمونت الأميركية السابق والعضو البارز في الحزب الديمقراطي الأميركي.

بتلر لم يكن سعيدا بالحملة الدعائية التي نظمها مجاهدو خلق، واتهم المنظمة بأنها تدفع للمتكلمين المدافعين. المنظمة أنكرت دفعها أي مبالغ، لكن كلارك ودين سبق أن قالا علنا إنهما تلقيا مبالغ من المنظمة.

كما أطلقت الحركة حملة قانونية في السنين الأخيرة نجحت من خلالها في رفع اسمها من على قائمة المنظمات الداعمة للإرهاب في بريطانيا والاتحاد الأوروبي. كما نجحت في انتزاع حكم محكمة أميركية يلزم وزارة الخارجية في مراجعة إدراج اسم مجاهدي خلق في لائحة المنظمات الإرهابية، على أساس أن المنظمة نبذت العنف عام 2001 وبرهنت على ذلك بعدم شن أي هجوم في أي مكان في السنين الأخيرة.

بتلر لم يخف خلال محادثاته مع مجاهدي خلق حنقه عليهم، وعلى عدم محاولتهم إصلاح ذات البين مع الأميركيين، حيث لم يقدموا للجيش الأميركي أية معلومات استخبارية مفيدة عن حكومة صدام حسين التي كانت تحتضنهم، ولم يقدموا إلى الآن أية معلومات قيّمة عن الحكومة الإيرانية وبرنامجها النووي.

واتهم بتلر الحركة بإطلاق الأكاذيب والأحاديث المموهة ووصفهم بأنهم جماعة تتقن قص القصص. ويصر بتلر على أن أيدي الحركة ملوثة بدماء المسؤولين الأميركيين الذين اغتالتهم الحركة في سبعينيات القرن الماضي إبان حكم شاه إيران. بتلر قال في إحدى المناسبات هؤلاء الناس ذبحوا مواطنين أميركيين. أيديهم ملطخة بالدماء.

يذكر أن الأميركيين ممثلين ببتلر أوضحوا للحركة أن تركهم معسكر أشرف إلى موقع آخر وتفكيك بنية منظمتهم العسكرية، هو شرط أساسي لتنطبق عليهم صفة اللجوء طبقا للوائح الأمم المتحدة.

وأوضح لهم بتلر في إحدى جلسات التفاوض معهم بالنسبة للعالم تبدون كأنكم منظمة شبه عسكرية، وكمجموعة فإنكم مجموعة خطرة.

ويبدي بتلر تشاؤمه من نجاح مهمته في إقناع الحركة بترك معسكر أشرف وتفكيك نفسها، وأعرب عن قلقه من عدم تقديم واشنطن الدعم اللازم له وقال توقعي أن واشنطن سوف لن تقدم لي الدعم، وسأترك وسط السموم والإرهاب وإيران والعراق.

ويعد مجاهدو خلق منظمة معارضة يتزعمها مسعود رجوي، وهي أهم تشكيل معارض للنظام الإيراني القائم، تأسست عام 1965 ولعبت دورا في محاربة الشاه وإسقاط نظامه، ودعم مجاهدو خلق الرئيس الإيراني الأسبق بني صدر، ما أدى بهم في مطلع الثمانينيات إلى الدخول في اشتباكات دامية مع الحكومة الإيرانية، وقتل واعتقل على إثرها الكثير من عناصرها، واضطرت للجوء إلى المنفى لتواصل حربها ضد نظام الجمهورية الإسلامية تحت شعار بناء دولة ديمقراطية إسلامية بديلة.

وتطلق إيران ووسائل الإعلام الموالية لها على حركة مجاهدي خلق اسم منافقو خلق، في حين تتهم الحركة النظام القائم بالاستبداد وبأنه دولة الملالي الذين يسيطرون على مقدرات الشعب الإيراني.

وتحولت بغداد منذ عام 1986 أي أثناء الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) إلى معقل عسكري رئيسي للحركة وكوادرها في المنفى، وكانت منطلقا لهجماتها ضد أهداف داخل إيران سواء كانت منشآت أو أشخاصا من رؤوس النظام، وذلك بعد أن وفرت لها الحكومة العراقية العتاد والتدريب وجميع المستلزمات العسكرية.

ولكن بعد حرب الخليج الثانية غزو الكويت وتداعياته تلقت الحركة ضربات قاسية، حتى إن الطائرات الإيرانية تتبعت مواقع الحركة داخل الأراضي العراقية، وذلك بعد أن عصفت المتغيرات الدولية بحكم البعث في العراق، وبعد أن خسر العراق وقت ذاك حضوره الدولي وعانى من عزلة دولية جعلته غير قادر على الدفاع عن نفسه، فضلا عن السمعة السيئة التي لازمته إلى حين سقوطه بعد الاجتياح الأميركي البريطاني لبغداد.

وتصنف الإدارة الأميركية منذ عام 1997 حركة مجاهدي خلق من بين التنظيمات الإرهابية، إلا أن هذا لم يمنع الحركة من مزاولة نشاطها في الولايات المتحدة بطرق متعددة، خاصة أنها استصدرت في مايو/ أيار 2001 حكما من إحدى المحاكم الأميركية بأن لها الحق في الحصول على فرصة للدفاع عن نفسها.

وأثناء غزو العراق تعرضت مواقع الحركة لقصف القوات الأميركية البريطانية، واعتبرتها جزءا من التشكيلات العراقية، إلا أن القوات الأميركية عادت بعد سقوط العراق وأعلنت عن توقيع اتفاق مع الحركة يضمن السماح لها بالاحتفاظ بسلاحها والبقاء في العراق ومواصلة كفاحها المسلح، الأمر الذي أقلق طهران ودفع بعض مسؤوليها لوصف أميركا "بالكذب في حملتها على الإرهاب".

أما فرنسا فقد اتخذت خطوة غير مسبوقة على الصعيد الأوروبي على الأقل ضد الحركة، حيث قامت قوات الأمن الفرنسية في حزيران الماضي بحملة دهم لمكاتب المنظمة اعتقلت على إثرها العشرات من المتعاطفين معها، وأحالت عددا منهم بمن فيهم زعيمة الجناح السياسي للمنظمة مريم رجوي للتحقيق للاشتباه في علاقتهم بالإرهاب، في حين نشط أعضاء الحركة في التظاهر والاحتجاج ضد إجراءات السطات الفرنسية حتى إن بعض المحتجين قاموا بحرق أنفسهم، وانتهت الأزمة لاحقا بأن أفرجت السلطات عن مريم رجوي بكفالة مالية ووضعها تحت رقابة قضائية.

مع الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي أدرج منظمة مجاهدي خلق على قائمة الجماعات المحظورة منذ عام 2000، إلا أنه لم تسجل حالات دهم واسعة ضد المنظمة غير تلك التي قامت بها فرنسا.

وتردد في الفترة الأخيرة وأكثر من مرة عن وجود مفاوضات أميركية إيرانية لمقايضة بعض أعضاء مجاهدي خلق ببعض الأعضاء البارزين في تنظيم القاعدة الذين فروا إلى إيران أثناء الغزو الأميركي لأفغانستان، ويعتقد أن نجل أسامة بن لادن من بينهم، إضافة إلى الناطق باسم الجماعة سليمان أبو غيث والرجل الثالث في القاعدة المصري سيف العدل.

ورغم النفي الإيراني المتكرر يستدل البعض على صحة هذه الاتصالات بالصبر الأميركي على إيران، وبإعلان وزارة الخارجية الأميركية مؤخرا 16 أغسطس/ آب 2003 عن إغلاق مكاتب المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وتجميد ممتلكاته، وهو الجناح السياسي لمنظمة مجاهدي خلق، وهو ما قابلته إيران بالحذر على لسان وزير خارجيتها كمال خرازي الذي ذكر أن قادة هذه المجموعة الإرهابية موجودون في العراق الذي يخضع لسيطرة الأميركيي.

والاتفاق الذي وقعته القوات الأميركية مع مجاهدي خلق يؤذن بإمكانية إعادة تصنيف المنظمة ضمن المقاتلين من أجل الحرية، أو على الأقل تجميد نشاط المنظمة في هذه المرحلة للحفاظ على بنيتها على أساس أن أميركا قد تحتاج هذه الورقة لتلعب دورا في محاصرة أو إزعاج النظام الإيراني القائم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/تشرين الثاني/2011 - 4/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م