شعب مصر، من حديقة الحيوان إلى مراكز الانتخاب!

د. عادل محمد عايش الأسطل

بعد عام كامل، من تاريخ الانتخابات العامة لمجلس الشعب المصري، والتي جرت يوم 28 من نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2010، والتي جرت في عهد الرئيس مبارك، وبسيطرة تامة من الحزب الوطني الذي يتزعمه، طيلة ثلاثة عقود متتالية، في ظل غياب تام لأبسط معاني الديمقراطية، التي من شأنها إعطاء مساحة مناسبة للحركات والأحزاب السياسية المصرية، من الحصول على أي نوع من الحرية السياسية، للسير بنسبةٍ أو بأخرى، ضمن العملية الانتخابية وإعطاء فرصة للناخبين لممارسة حقهم الانتخابي في حريةٍ وقبول ورغبة.

 بل إن الكثير من عدم الالتفات واللامبالاة، التي ظل يتمسك بها القادة في مركز صنع القرار والسلطات الحاكمة والحزب الديمقراطي الحاكم نفسه، حول مسألة ضمان سير العملية الانتخابية، على نحوٍ من النزاهة والشفافية، التي كان الجميع في الداخل والخارج، أحزاباً وحكومات، إلاّ أن السلطات تمترست خلف النأي بنفسها، عن أية ضمانات في هذا الجانب، غير التي تمارسها وحدها، خاصة وأن مطلب الضمان كان مثاراً حينها على أعلى المستويات المحلية والدولية.

الأمر الذي جعل من غير الممكن، أن تتم مراعاة كافية، لعملية تحرك الأحزاب السياسية الأخرى بحريةٍ أكبر، في شأن مشاركتها في الانتخابات، وكان بلغ من القيود التي عانتها تلك الأحزاب، أن كان بعضها يخوض الانتخابات في السابق، تحت مسميات أخرى، لعلة أنها أحزابًا محظورة مثل جماعة "الإخوان المسلمين" التي غالباً ما كان مرشحوها يقدمون على الانتخابات التشريعية، كمستقلين أو تحت مسميات أخرى، وأيضاً السلطات المصرية، لم ترحم أيضاً الأحزاب الأخرى، حتى التي كانت تصب باتجاه صالح الحزب الوطني، والممولة من قبله في الأساس، ولقد بلغ من غطرسته وعندهِ، أنه وفي كل مرة تعقب الانتخابات، يُعجل ليبرر لنفسه، الفوز بمعظم المقاعد المتنافس عليها في مجلس الشعب، ففي الانتخابات الأخيرة، وصل به الغرور، إلى حد الاستحواذ على كل مقاعد مجلس الشعب، بغض النظر عن وقوع بعض "الفتات" نالتها أحزاب ليس لها ما يُعتد به، من الثقل السياسي أو المجتمعي، حتى إن مرحلة الإعادة والتي جرت بعد أسبوع من الأولى، كانت بين مرشحي الحزب الوطني أنفسهم، ولا شك أن كانت مثل هذه التصرفات وغيرها، قد مثلت سوء طالع الحزب الوطني، الذي تجاهل كل معاناة الشعب المصري المختلفة، والتي طالت السواد الأعظم منه، ليقع فريسة الفقر المدقع، الذي ألجأه بالفعل، إلى عدم الالتفات لأي شيء يحمل حتى معنى الانتخابات، وكل ما يتعلق بالسياسة وأمور الحكم، وكانت الحكومة السابقة قد كانت اتهمت الشعب المصري، بالسلبي اتجاه العملية السياسة، وخاصةً بعد كل عملية انتخاب تحدث في مصر، وهي من الأقوال الصحيحة النادرة التي كانت تتحدث بها الحكومة المصرية، ولم تسأل نفسها عن السبب الذي أوصل المواطن المصري إلى هذه الدرجة من السلبية السياسية، لم تسأل نفسها القيادة الحاكمة في مصر حينها عن الأوضاع المزرية، التي عمّت الشعب المصري، والتي راح يرزح تحتها سواءً على الأصعدة المعيشية والاجتماعية والأمنية.

لقد كان المواطن المصري، يعيش في حالة متشابكة ومعقدة، نفسياً وذهنياً، وممزوجةً بالفقر والجوع والرعب، من قبل ناهبي الثروات المصرية، ومن قبل زبانية النظام "الأمن المركزي" الذين لا يعرفون الرحمة ويملئون المكان.

أذكر في يوم الانتخابات المصرية "الصورية" و" المحسومة"، أنه لم يذهب أحداً يُذكر للمراكز الانتخابية بهدف الانتخاب، باستثناء أتباع المرشحين وأعوان النظام والبلطجية فقط، ليس لسلبية المواطن المصري اتجاهها، والتي كان سببها النظام فحسب، وأيضاً لازدراء العملية الانتخابية أصلاً، وخاصة في ضوء الأوضاع المهينة للشعب المصري وللعملية الانتخابية برمتها، والتي يقوم برسمها وإقرار نتيجتها الحزب الديمقراطي نفسه.

يوم الانتخابات أكثر ما ميّزه، أنه كان يوم عطلة، ويوم راحة للسواد الأعظم من الشعب المصري، ويوم حافل بالمزيد من الازدحام في "أدناها" المقاهي الشعبية والأماكن العامة، وفي أعلاها "حديقة الحيوان" بالجيزة، حيث يأتي الناس لقضاء يوماً بعيداً عن العمل ومشكلات الحياة، وللتخلص من يوم "منافق" اسمه انتخابات مجلس الشعب.

هذه صورة كأقل ما يكون عن حالة الانتخابات، التي سادت البلاد المصرية في الفترة الماضية، والتي عززت من المفاهيم المصرية، بضرورة التغيير للصورة النمطية المزرية للحالة المصرية السيئة بين الدول، وذلك من خلال تململ الطاقات الشباب الملتهبة والمتحمسة للثورة التصحيحية على الظلم والاستبداد، ومن ثم الانطلاقة الكبرى التي شملت مصر بأكملها شباباً وشيوخاً، حركات وأحزاباً، والتي تمثلت في يوم الثورة "25 يناير" والتي سجلها التاريخ المصري بحروفٍ من ذهب.

ولإيضاح الصورة، فإنه شتان بين انتخابات اليوم والأمس، حيث شهدت الانتخابات البرلمانية ما بعد مبارك، وفي هذا اليوم الاثنين 28 نوفمبر/تشرين ثاني، نسبة إقبال واسعة، بل إلى درجةٍ مأهولة، كأول انتخابات برلمانية، وتحت إشراف قضائي كامل، على كل مركز من مراكز الاقتراع، بموجب قانون أصدره المجلس العسكري، استجابة لطلب من الحركات والقوى السياسية والحقوقية، حيث شهدت نسبة الإقبال على مراكز الاقتراع، إلى أعداد عالية، بالرغم من أن سير الانتخابات شابته بعض المشاكل "التنظيمية" الفنية، والتي لا تجرح العملية الانتخابية إطلاقاً، وكما يحدث أكثر منها، لدى الدول المتقدمة ديمقراطياً.

فقد واصل الناخبون في مصر، الإدلاء بأصواتهم في بداية الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، التي من شأنها التمهيد لنقل السلطة إلى المدنيين، من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون البلاد حالياً ومنذ الإطاحة بالرئيس مبارك في فبراير /شباط من هذا العام، بالرغم من أن هذه الانتخابات تُجرى في وسط مخاوف، من أن يكون لدى العسكريين، نيّة البقاء في الحكم والسيطرة على مقاليد الحكم، لكن ما ينفي تلك الشائعات، أن الاحتجاجات العنيفة، التي وقعت خلال هذا الشهر، دفعتهم إلى تحديد يونيو/حزيران من العام القادم 2012، موعدا أقصى لانتخاب رئيساً للدولة، يتسلم منهم السلطة، بحلول يوليو/تموز من نفس العام.

وكان أغلب المصريين أصروا على التصويت، في الانتخابات المصرية، لتوصيل رسالة، تفيد  بأنه بات لهم صوتاً ذا قيمة، بعد سقوط مبارك، ففي القاهرة والإسكندرية وأسيوط والفيوم وغيرها من المحافظات التي تجرى فيها المرحلة الأولى من التصويت، وقف الناخبون بصبر وأناةٍ، في طوابير طويلة، انتظاراً للإدلاء بأصواتهم، حتى أن بعضها امتد إلى حوالي 1 كم، مثل ما شهده مركز انتخاب شبرا، وغيره من المراكز الأخرى، وفي ظل حريةٍ تامة من قبل الناخبين، أيضًا لوحظ ذلك الإصرار من خلال نقاشات جماعية "ملفتة" ومن كافة الأطياف السياسية، سواءً دينية أو علمانية، يسارية أو يمينية، وذلك في مستقبل حكم البلاد، الذين باتوا  يرون أن بإمكانهم المشاركة في تشكيله للمرة الأولى، رغبة منهم في ألاّ يدعوا شيئاً يعترض المسيرة السياسية المصرية الجديدة والشاملة، التي يأملون أن تفتح أمامهم الطريق إلى الديموقراطية والحرية السياسية، التي كانت أبعد ما تكون منهم ويكونون منها.

وضمن هذا السياق، فإننا نتطلع كما يتطلع الناخبون المصريون "الأشقاء"، إلى الوصول إلى الحياة الكريمة، ملؤها الهدوء والاستقرار، بفضل هذه الانتخابات، وما ستسفر عنه من جلب الشرفاء والمخلصين، لقيادة مصر العروبة، على أسسٍ سليمة وبناءة، في ظل الديمقراطية الحقة، والحكم الرشيد، بعد الفترة المجنونة السابقة، وما حملته في سوداءها من معاناةٍ وبؤس، ومن إراقة دماء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 30/تشرين الثاني/2011 - 4/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م