صحراء سيناء وجبهة الصراع المتوقعة

شبكة النبأ: "في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، خاطب اهود يعاري ونورماند سانت پيير منتدى سياسي في معهد واشنطن. والسيد يعاري هو زميل ليفر الدولي في المعهد ومعلق لشؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي. والعقيد المتقاعد سانت پيير، هو محارب قديم في جيش الولايات المتحدة حيث خدم فترة دامت 31 عاماً، وتقاعد مؤخراً بعد أن أنهى خدمته كممثل المدير العام لـ "القوة متعددة الجنسيات والمراقبون" لشؤون مصر برئاسة الولايات المتحدة. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما."

يقول اهود يعاري، تتحول شبه جزيرة سيناء على نحو متزايد إلى فوضى مما يُعرض السلام المصري الإسرائيلي الهش لمخاطر فعلية. وليست هناك أسوار تفصل سيناء عن منطقة النقب الإسرائيلية أو تفصل النقب عن جنوب الأردن، فضلاً عن أن البدو المحليين بالكاد يعترفون بالحدود السيادية. وفي الماضي كانت شبه الجزيرة بمثابة منطقة فاصلة بين إسرائيل ومصر لكنها تتحول الآن إلى منطقة شبه مستقلة تسكنها شبكات إرهابية آخذة في التوسع. وقد أدت الثورة المصرية والانهيار اللاحق لقوات الشرطة في المنطقة إلى الإسراع في هذا التحول. والآن ومع كون المجلس العسكري الحاكم شبه غائب في سيناء فإن قبائل البدو الثلاثين أو ما يقرب من هذا العدد في المناطق الوسطى والشمالية قد تحولت إلى ميليشيات مسلحة. فمن تهريب المخدرات والاتجار بالبشر إلى صفقات الأسلحة على نطاق واسع طورت هذه الجماعات شبكات إمداد محكمة.

ويتابع، ثمة ظاهرة جديدة برزت منذ الثورة وهي انتشار الحركات الجهادية السلفية بين السكان البدو. ورغم أن السلفيين قد بدأوا لأول مرة يتغلغلون داخل المجتمع في الثمانينيات إلا أنه لم يحدث من قبل أن ترك البدو منازلهم القبلية التقليدية لتأسيس معسكرات جهادية سلفية بحتة.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية كانت تلك المجموعات - وكذلك المنظمات الفلسطينية بقيادة «حماس» - قد انخرطت بشكل متزايد في أنشطة إرهابية وتهريب محظور عبر الأنفاق إلى غزة وهجمات على خطوط أنابيب النفط المصرية الممتدة إلى إسرائيل والأردن. ورداً على ذلك وافقت إسرائيل على نشر ما يصل إلى ست كتائب من الجيش المصري (تضم حوالي 3000 جندي) على مقربة من حدودها، وتشمل للمرة الأولى حوالي عشرين دبابة (رغم أنه لم يتم نشرها في النهاية). وقد ضاعفت إسرائيل أيضاً نشر قواتها على طول جانبها الحدودي بما يتراوح بين أربع إلى ثماني كتائب بالإضافة إلى تعجيلها ببناء سور أمني بتكلفة 400 مليون دولار وارتفاع 17 قدماً وطول 150 ميلاً.

ويشير، في الماضي كان الجيش المصري حذراً بأن يتجنب أي مواجهة مع البدو، بتفويضه الشرطة بكامل الرقابة عليهم. وبناء على ذلك، فإن الانهيار الكامل للشرطة والمخابرات العامة أثناء الثورة قد جرّأ نشاط البدو غير المشروع. فعلى سبيل المثال هاجم البدو مركز الشرطة في العريش ونسقوا سبعة تفجيرات لخطوط النفط وأعاقوا مراراً المرور على الطريق الرئيسي للمحطة التجارية مع إسرائيل ودخلوا في مناوشات مع القوات المصرية التي اقتحمت "وادي العمر" ومعاقل بدوية أخرى ووسعوا بصورة أكثر تجارتهم ذات النطاق الواسع في الأعضاء المأخوذة من مهاجرين أفارقة. وكانت الجرأة والتعقيد المتزايدين لهذه الأنشطة ظاهرين في الهجوم الإرهابي على إسرائيل في 18 آب/أغسطس (وغرضه اختطاف إسرائيليين) وكذلك في الحقيقة بأن هدف إحدى تفجيرات خط الأنابيب كان تعطيل تدفق الغاز إلى إسرائيل مع الحفاظ على تدفقه إلى الأردن.

ويضيف، على الرغم من أن الرئيس السابق أنور السادات قد سعى ذات مرة إلى توطين 2.9 مليون مصري في سيناء بحلول عام 2018 (لينضموا إلى السكان الأصليين البالغ عددهم 500000) إلا أن تمويل هذا البرنامج قد توقف اعتباراً من عام 1997. وحتى إذا كانت الحكومة الحالية عازمة على تدشين برنامج كبير لتنمية سيناء إلا أنه ليس بمقدورها منافسة تجارة السوق السوداء القائمة هناك والتي تقدر سنوياً بحوالي 300 مليون دولار.

ولو سُمح للأحوال الراهنة في شبه الجزيرة بالاستمرار فقد تتحول سيناء قريباً إلى ملاذ آمن للإرهابيين مثلما كان وادي الأردن ذات مرة لـ «فتح» وما أصبح عليه الآن جنوب لبنان بالنسبة لـ «حزب الله». وسوف تصبح هذه الاحتمالية مرجحة على نحو متزايد في الوقت الذي تستمر فيه حركة «حماس» و «الجهاد الإسلامي» بصورة نشطة في تجنيد فلسطينيين يعيشون في شمال سيناء بالقرب من غزة. وأثناء عهد مبارك ومنذ انتهاء فترة حكمه ركزت القاهرة على حماية مصالح الأمن القومي المصرية داخل سيناء مع تفادي اتخاذ اجراءات صارمة ضد عمليات التهريب والعنف التي يقوم بها البدو ضد إسرائيل. ولذا لا يكمن التحدي في قدرات مصر ولكن في رغبتها. وعلى الرغم من أن إسرائيل قد تسمح للقاهرة بنشر وحدات عسكرية في أطراف إضافية من شبه الجزيرة إلا أن أية محاولة لتعديل بنود اتفاقية السلام ذات الصلة يمكن أن تستحث السياسيين المصريين إلى تمزيق المعاهدة بأكملها.

من جهته يرى نورماند سانت پيير، على الرغم من أن سيناء هي جبهة جديدة نسبياً من ناحية إثارة المخاوف العسكرية إلا أن التطورات المقلقة التي تحدث في المنطقة يعود تاريخها إلى ماض أبعد. فقد شعر الكثير من البدو بأنهم كانوا يتلقون معاملة كريمة عندما كانت إسرائيل تسيطر على شبه الجزيرة في الفترة بين عامي 1973 و 1982. وعندما انسحبت إسرائيل كانت الحكومة المصرية فيما بعد تنظر إلى القبائل بعين الريبة وأحكمت قبضة الأمن العسكري عليهم في سيناء. وبمرور الوقت تعلّم البدو والجيش أن يتعاونا سوياً بتحاشيهما بعضهما البعض. ورغم الاتجار قليل النطاق إلا أن شبه الجزيرة لم تحظ باهتمام كبير من قبل الحكومة المصرية باستثناء بعض التنمية السياحية وبالتالي بقي المجتمع البدوي متخلفاً ومحروماً [من حقوقه الشرعية].

ويتابع،  نتيجة لذلك بدأ كثير من البدو يرسلون أطفالهم إلى مدارس في معاقل «حماس» ويبحثون عن وظائف في السعودية ويشجعون السلفية في سيناء لدى عودتهم. وقد خلق هذا الفصيل الإطار اللوجيستي والبنية التحتية التي أنتجت في النهاية الجماعات الإرهابية المسؤولة عن هجمات 2004-2006 في طابا وشرم الشيخ ودهب.

وكان رد الحكومة المصرية على تلك الهجمات هو بدء تحقيقات واسعة النطاق ضخمت من خلالها صفوف الأجهزة الأمنية بتدفق قوات الشرطة. وعند هذه النقطة تحديداً تولّت الأجهزة الأمنية المسؤولية عن مراقبة سيناء من الجيش. ولكن كان لكثير من أفراد هذه الشرطة القليل من الخبرة في التعامل مع البدو ومن ثم أضرت بشكل خطير معاملتهم القاسية مع القبائل بعلاقات البدو مع الدولة.

وفي الوقت نفسه، فإن حصار إسرائيل لغزة و "عملية الرصاص المصبوب" في عام 2008 قد جعلت الطلب على البضائع المهربة في القطاع يقفز بشكل كبير. وقد بشر هذا الانتعاش في قطاع الأعمال بعهد جديد من أنفاق التهريب الواسعة النطاق والتعاون الواسع بين قبائل البدو، وفي المقابل، بدأت أرباحهم تجذب تعاملات سرية مع الجيش. وعندما ازدهرت أعمال التهريب تطورت الكثير من القبائل إلى عصابات مسلحة مجهزة بحراس ودراجات نارية وشاحنات من نوع "بيك آب" تحمل أسلحة رشاشة. وقد انتهت أية محاولات من قبل الشرطة لإخضاع العصابات بالهزيمة وكانت هذه الأخيرة حرة في النهاية في العمل دون مضايقات.

واليوم تهيمن على سيناء جماعة إجرامية مسلحة جيدا وعالية القدرات وذات وِجهة دينية بقيادة سالم أبو لافي ومقرها في منطقة "وادي العمر" و"جبال الحلال"، وتضم المجموعة العديد من السجناء الذين فروا من السجون المصرية خلال الثورة. ويفرض هذا الفصيل تحدياً صعباً جداً على الأمن الإقليمي لأنه على استعداد لتسهيل مهام «حماس» أو مسلحين إسلاميين آخرين مقابل حصوله على أجر مناسب. وعلاوة على ذلك فإن قدرته على التحرك بسهولة وحذَر عبر أنحاء سيناء يجعل من الصعب هزيمته دون وجود عدد ضخم من القوات. كما أن قوته تمكنه أيضاً من الرد بسرعة وبشكل قاتل ضد أي قمع.

وحيث سمحت الحكومة المصرية لهذه التطورات بالاستمرار لبعض الوقت فإنها لا تعرف الآن كيف توقفها. ومن غير المحتمل أن تنخرط "القوة متعددة الجنسيات والمراقبون" في الأمر، ذلك أن مشاركتها كقوة مراقبة ستخاطر ببعثتها وسلامتها على حد سواء إذا ما سمحت لنفسها بالانزلاق في هذا الصراع.

ويشير، في الفترة المقبلة، سيعتمد رد الجيش المصري على الوضع بشكل كبير على ما سيحدث في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وعلى الرغم من أن الجيش عازم على الاحتفاظ بسيادته على شبه الجزيرة لأسباب تتعلق بالأمن القومي فضلاً عن كون المنطقة فاصلة إلا أن الاثنين والعشرين ألف جندي الموجودين حاليا في "المنطقة أ" غير كافين لوقف الاتجار البدوي بين سيناء والنقب. ومع ذلك، إن تعديل "اتفاقيات كامب ديفيد" للسماح بمزيد من الجنود سيكون صعباً في الواقع. ولذلك، فان الخيار الأكثر ترجيحاً هو تقديم تنازلات إضافية مؤقتة تسمح لمصر بتعزيز وجودها العسكري.

وفي غضون ذلك، سيحاول كل من «الإخوان المسلمين» و «حماس» استغلال الوضع رغم أنه ليس واضحاً إلى أي حد سيصل هذا الاستغلال. وعلى كل حال ربما لا يثبت «الإخوان» رغبة «حماس» في توسيع محور مقاومتها من غزة إلى سيناء. ورغم اكتساحهم المرجح لمقاعد سيناء البرلمانية في وقت لاحق من هذا الشهر، قد لا يركز «الإخوان» الكثير من الاهتمام على شبه الجزيرة لو بدأت تتحقق بعض مطالبهم في القاهرة.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 29/تشرين الثاني/2011 - 3/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م