
شبكة النبأ: بلغ المد الإسلامي الذي
يجتاح شمال أفريقيا ضفاف الأطلسي بعد أن حقق حزب العدالة والتنمية
الإسلامي المعتدل فوزا كبيرا في الانتخابات التشريعية في ذلك البلد
الليبرالي، مع وجود مقاربة مختلفة للربيع العربي في نسخه المتعددة، من
شمال إفريقيا في تونس وليبيا، إلى مصر، إذ حصلت ثورات أطاحت بزعماء تلك
البلدان آنفة الذكر، وظهور الاسلاميين فيها بشكل كبير، بينما لم يشهد
المغرب ثورة بل شهد احتجاجات شعبية طالبت بتعديل الدستور، وما زال
الملك أقوى الشخصيات في البلاد وتتنافس جماعات على الانتخابات بما في
ذلك الجماعات الإسلامية المرتبطة بالمؤسسة الحكومية، بينما حزب العدالة
والتنمية الإسلامي يراهن على التغيير التدريجي والحقيقي في الوقت ذاته.
ويعد حزب العدالة والتنمية الإسلامي اكبر أحزاب المعارضة في المغرب
وثاني أكبر الأحزاب في البرلمان، وعلى الرغم من أن فوز العدالة
والتنمية لا يلاقي هوى لدى ليبراليي المغرب، من المستبعد أن يحول هذا
الحزب الإسلامي مملكة المغرب التي يعود تاريخها لقرون مضت إلى دولة
أصولية، ولقد خفف الحزب لهجة خطابه الإسلامي لدرجة أن برنامجه أصبح
شبيها للغاية ببرامج الأحزاب العلمانية بحسب بعض المحللين.
فوز الاسلامين
وفي هذا الصدد أعلن حزب العدالة والتنمية فوزه في الانتخابات
البرلمانية المغربية التي يتوقع ان تسفر عن تشكيل حكومة اقوى بعد تخلي
الملك محمد السادس عن بعض السلطات لمنع اي امتداد لانتفاضات الربيع
العربي الى بلاده، وسيكون حزب العدالة والتنمية ثاني حزب اسلامي معتدل
يقود حكومة دولة بشمال افريقيا منذ بدء انتفاضات الربيع العربي
بالمنطقة بعد تونس. ويحظى الحزب بتأييد الى حد كبير بين فقراء المغرب،
ولكن الحزب سيضطر لتوحيد الصفوف مع احزاب اخرى لتشكيل حكومة، وقال عبد
الاله بن كيران زعيم حزب العدالة والتنمية الاسلامي انه بناء على
المعلومات التي تم تلقيها حتى الان فان الحزب في طريقه لتجاوز توقعاته.
واضاف انه يعتقد ان الحزب في طريقه للحصول على ما بين 90 و100 مقعد من
مقاعد البرلمان المؤلف من 395 عضوا، ولم يتسن للمسؤولين الحكوميين ان
يؤكدوا على الفور اعلان الحزب والذي سيجعل حزب العدالة والتنمية واحدا
من انجح الاحزاب السياسية في التاريخ الحديث، واحيا الملك محمد السادس
عملية اصلاح هذا العام على امل تقويض زخم حركة احتجاجية وتفادي الثورات
التي شابتها اعمال عنف في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، وسلم العاهل
المغربي قدرا اكبر من السلطات للحكومة على الرغم من احتفاظه بالكلمة
الاخيرة بشأن الاقتصاد والامن والدين، ويبلغ عدد الناخبين المسجلين نحو
13.6 مليون من بين سكان المغرب البالغ عددهم نحو 33 مليون نسمة، وهذه
تاسع انتخابات برلمانية يشهدها المغرب منذ استقلاله عن فرنسا عام 1956،
وقال الطيب الشرقاي وزير الداخلية المغربي ان نسبة الاقبال على التصويت
بلغت 45 في المئة بارتفاع عن انخفاض قياسي سجل عام 2007 عندما صوت 37
في المئة فقط من بين الناخبين المسجلين والذين بلغ عددهم 15.5 مليون
شخص. ولم تقدم الوزارة سببا للتغيير في عدد الناخبين المسجلين، وقال
الشرقاوي للصحفيين ان الانتخابات جرت في ظروف عادية وفي جو من التعبئة
التي تميزت بمنافسة عادة واحترام القوانين الانتخابية.
وفي تناقض مع الانتخابات السابقة كان من المتوقع ان تشهد الانتخابات
التي جرت الجمعة منافسة متقاربة بين حزب العدالة والتنمية وتحالف جديد
من الليبراليين تربطه علاقة قوية بالقصر الملكي، ولكن مصطفى الخلفي وهو
عضو في المكتب السياسي لحزب العدالة والتنمية ابدى تحفظا بين صيحات
الانتصار، واضاف انه لابد من انتظار النتائج النهائية لانه يوجد قدر
كبير من التحايل ولذلك فان الحزب يأمل الا يكلفه ذلك ما ينبغي ان يكون
نصرا مدويا له، وقال لاشين داودي نائب زعيم حزب العدالة والتنمية
الاسلامي المعتدل لرويترز انه بناء على التقارير التي قدمها ممثلو
الحزب في مراكز الاقتراع في كل انحاء المغرب فقد فاز حزب العدالة
والتنمية.
واضاف ان الحزب فاز في الرباط والدار البيضاء وطنجة والقنيطرة وسلا
وبني ملال وسيدي ايفني وذلك على سبيل المثال لا الحصر، وقال ان الحزب
فاز بأكبر عدد من المقاعد، وامتنع لاشين حداد وهو عضو بارز فيما يسمى
بالتحالف من اجل الديمقراطية عن التعليق، وابلغ ادريس اليزمي الذي يرأس
المجلس الوطني الرسمي لحقوق الانسان لمحطة اصوات الاذاعية الخاصة ان
مراقبين سجلوا انتهاكات من بينها اعطاء بعض الناخبين المحتملين طعاما،
وقال انها لم تصل الى حد انها يمكن ان تؤثر الى المسار العام
للانتخابات. بحسب رويترز.
وسيختار الملك رئيس الوزراء المقبل من الحزب الذي يفوز بأكبر عدد من
المقاعد. ولكن من غير المحتمل ان يتمكن الحزب او الكتلة الذي يأتي في
المركز الاول ايا كان من تشكيل حكومة بمفرده، وقال حزب العدالة
والتنمية انه يهدف الى الحصول على اغلبية بتوحيد الصفوف مع ثلاثة احزاب
في الائتلاف الحالي الحاكم بما في ذلك حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية وحزب الاستقلال الذي ينتمي اليه الطيب الفاسي الفهري رئيس
الوزراء.
تحديات الحكومة الجديدة
فيما يتوقع ان تجد الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات التشريعية
التي ستنظم في المغرب الجمعة، نفسها على الفور في مواجهة تحديات
اجتماعية واقتصادية زاد من حدتها ظرف محلي ودولي غير موات رغم امتلاك
المملكة اوراقا رابحة، فالمغرب يظل من الدول العربية القليلة (اذا ما
استثنينا الدول المصدرة للنفط) التي تمكنت من تحقيق النمو المتوقع لعام
2011 اي نسبة 4,6 بالمئة بحسب صندوق النقد الدولي، وفي الفصل الاول من
العام بلغت نسبة النمو 5,1 بالمئة، بحسب ارقام رسمية بل ان نسبة النمو
في المغرب كانت هذا العام اعلى من نسب النمو في باقي بلدان المغرب
العربي ومصر التي تاثرت بثورات الربيع العربي، واستفاد المغرب بالخصوص
من الاداء الجيد لقطاع الفوسفات الذي ارتفت مبيعاته بنسبة 44% في النصف
الاول من العام الحالي. ويعد هذا القطاع مصدرا اساسيا للعملة الاجنبية
بالاضافة الى السياحة وتحويلات المغاربة العاملين في الخارج، كما اسهم
الاستهلاك الداخلي المتين والنتائج الايجابية للزراعة، اكبر قطاع مشغل
في المملكة، ومشاريع الاستثمار العديدة، في دعم النمو، بل حتى قطاع
السياحة تمكن من الافلات من الازمة رغم اعتداء مراكش في نيسان/ابريل
(17 قتيلا) الذي وجه في حينه ضربة لهذا القطاع الحيوي، غير ان المغرب
يشهد نسبة بطالة عالية جدا عند الشباب. وبحسب المفوضية العليا للتخطيط
فان 31,4 بالمئة من الذين تقل اعمارهم عن 34 عاما هم عاطلون عن العمل،
وبالتوازي مع ذلك تضخمت النفقات العامة بشكل خطير لتبلغ 6 بالمئة من
اجمالي الناتج المحلي في 2011 (مقابل 4 بالمئة متوقعة) في حين فاق
العجز التجاري للمرة الاولى مئة مليار درهم مغربي (9 مليارات يورو)،
وبحسب نجيب اقصبي الاستاذ بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، فان
الفريق الحالي "في مأزق، ولا يملك قسم كبير من 35 مليون مغربي تغطية
اجتماعية في حين لا يزال يتعين التصدي للفقر والبطالة والامية التي
تطال 30 بالمئة من السكان، وقال مهدي لحلو استاذ الاقتصاد في جامعة
الرباط لوكالة فرانس برس الامر المؤسف هو غياب نقاش عام حقيقي حول
القضايا الاقتصادية عشية الانتخابات، وقد اشارت غالبية الاحزاب
السياسية في برامجها الانتخابية الى القضايا الاجتماعية والاقتصادية
لكن ذلك كان خصوصا لتقديم وعود بمستقبل افضل. بحسب فرانس برس.
ووعدت الاحزاب السياسية الرئيسية المتنافسة في انتخابات الجمعة
وبينها حزب العدالة والتنمية (اسلامي معتدل) الذي يامل في ان يفوز
بالانتخابات، بنسبة نمو بين 6 و8 بالمئة وباحداث مئات آلاف فرص العمل
الجديدة، ويقول الخبراء ان تلك اهداف لا يمكن تحقيقها مشيرين الى الظرف
الدولي غير الملائم، واوروبا هي الشريك الاقتصادي الاساسي للمملكة،
ولتوفير 300 الف فرصة عمل جديدة سنويا يحتاج المغرب الى نسبة نمو من 6
بالمئة، بحسب الخبراء وقال لحلو حتى وان لم تغادر فان دول الخليج
الغنية قلصت استثماراتها" في المغرب، واعتبر اقصبي ان الحكومة القادمة
سيكون عليها تحقيق "نسبة نمو بين 7,5 و8 بالمئة خلال السنوات القريبة
القادمة لبلوغ مرتبة الدولة الناشئةة" التي يصبو اليها المغرب، اما
التحدي الاخير الذي يقع بين ما هو سياسي واقتصادي فيتمثل في التفاوت
الاجتماعي والفساد حيث تتركز معظم ثروة المملكة في ايدي اقلية صغيرة.
إصلاحات الملك
وفي هذا الشأن من الممكن ان تؤدي الانتخابات التي يجريها المغرب يوم
الجمعة الى تشكيل أكثر الحكومات تمثيلا في تاريخ المغرب بعد ان استجاب
العاهل المغربي الملك محمد لانتفاضات الربيع العربي بالتخلي عن بعض
سلطاته لكن كثيرا من المغاربة يشكون في ان تأتي الانتخابات بتغيير عميق،
ومن المتوقع ان تحظى هذه الانتخابات بمتابعة كبيرة باعتبارها اختبارا
لقدرة الدول الملكية العربية على القيام باصلاحات تدريجية قادرة على
تحقيق المطالب بالمزيد من الديمقراطية بدون انتفاضات شعبية كتلك التي
شهدتها كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا، وعلى العكس من الانتخابات
السابقة التي كانت نتائجها معروفة دائما سلفا من المتوقع ان تشهد
الانتخابات القادمة منافسة متقاربة بين حزب اسلامي معتدل معارض وائتلاف
ليبرالي جديد له صلة قوية بالقصر، ووفقا للاصلاحات الدستورية التي
دعمها الملك في وقت سابق من هذا العام ستكون للحكومة التي تأتي بها
الانتخابات سلطات لم تتمتع بها حكومة مغربية من قبل لكن الملك سيحتفظ
بالكلمة النهائية في مسائل الدفاع والامن والشؤون الدينية، لكن هذه
الخطوة نحو ديمقراطية اكبر قد تتعثر اذا شاب انتخابات الغد اي شكل من
اشكال شراء الاصوات واذا ظهرت بعد ذلك علامات على ان مسؤولي القصر
الملكي يحاولون التدخل في اعمال الحكومة في المستقبل، وقالت ليز ستورم
كبيرة المحاضرين في شؤون الشرق الاوسط في جامعة اكستر البريطانية "هذا
وقت حاسم حقا.. الخيار بين النظام بشكله القديم وبين بعض التغيير،
الحكام يعرفون انهم لا يمكنهم مواصلة ادارة الشؤون العامة بنفس الطريقة
التي اداروها بها في الماضي، ويقول قادة المغرب - وحلفاهم الغربيون -
ان البلاد مثال للشرق الاوسط يطرح البديل الايجابي لاضطرابات الربيع
العربي، وتمتع الملك محمد منذ خلافته لابيه في 1999 بالاشادة الدولية
لتحسينه حالة حقوق الانسان في المغرب، وعندما اندلعت مظاهرات استلهمت
الربيع العربي في المغرب في وقت سابق من هذا العام استجاب الملك محمد
بسرعة بطرح اصلاحات دستورية امتصت اغلب الزخم من حركة الاحتجاجات، لكن
اقلية بارزة ما زالت تقول ان الملك لم يقدم ما يكفي من الاصلاحات.
وانضم الاف الاشخاص الى احتجاجات خرجت في عدد من المدن لتأييد دعوات
لمقاطعة الانتخابات، لكن مقاطعة الانتخابات ليست الهم الاكبر للقصر
الذي يزعجه اكثر ان يجنح المغاربة العاديون الى عدم التصويت وهو ما من
شأنه ان ينزع عن المشهد صورته المرجوة كاستعراض لنموذج ديمقراطي،
وبعيدا عن الطبقات السياسية في المغرب يجد الناس صعوبة في فهم الجديد
الذي يمكن ان تقدمه هذه الانتخابات خاصة وان اللاعبين الرئيسيين فيها
موجودون على الساحة منذ سنوات وهم جزء من المؤسسة الحاكمة، وقال رضوان
(21 عاما) الذي يعيش في حي تقطنه الطبقة العاملة في العاصمة الرباط "هذه
الانتخابات لن تختلف عن اي انتخابات سبقت. لم يتغير شيء... نفس الوجوه
ونفس الاسماء. نفس الاحزاب السياسية، وقال الملك محمد انه يريد ان تكون
الانتخابات حرة ونزيهة وتنافسية. لكن هناك علامات على ان الانماط
الانتخابية المعتادة ما زالت موجودة، ووفقا للتعديلات الدستورية التي
اجريت هذا العام يختار الملك رئيس الوزراء القادم من الحزب الذي يحصل
على العدد الاكبر من الاصوات. ومن الواضح ان عباس الفاسي الذي يتولى
المنصب حاليا سيستبدل حيث لا يحظى حزبه حزب الاستقلال بالشعبية الكافية،
ويقول الاسلاميون المعتدلون من حزب العدالة والتنمية انهم يعتقدون انهم
سيحصلون على الحصة الاكبر من مقاعد البرلمان. ويريد حزب العدالة
والتنمية تكرار نجاح الاسلاميين المعتدلين في تونس الذين فازوا
بالانتخابات الشهر الماضي، ويواجه الاسلاميون في هذه الانتخابات منافسة
من التحالف من اجل الديمقراطية وهو تحالف يضم ثمانية احزاب جرى تشكيله
في اكتوبر تشرين الاول، ويقود هذه الكتلة وزير المالية في الحكومة
المنتهية ولايتها لكن العديد من المحللين يعتقدون ان داعمها الرئيسي هو
احد اصدقاء الملك المقربين وكان يشغل منصبا رفيعا في وزارة الداخلية
قبل ان يشكل حزبا، ومع حظر استطلاعات الرأي في المغرب خلال 15 يوما من
الانتخابات لا يمكن التكهن بمن يفوز في الانتخابات. بحسب رويترز.
ويقول محللون ان الفرص متقاربة بشكل كبير، وايا كانت الكتلة التي
تحصل على العدد الاكبر من المقاعد في البرلمان لا يعتقد انها ستكون
قادرة على تشكيل الحكومة بمفردها. ومن شأن ذلك ان يجبر الفائز على
التحالف مع كتلة أخرى وربما اجبره على التحالف بشكل اكبر في كتلة تضم
اسلاميين وليبراليين.
ما بعد الانتخابات
في سياق متصل قد تبدأ الحكومة الجديدة التي ستتولى السلطة في المغرب
بعد الانتخابات البرلمانية المقررة هذا الشهر في تنفيذ اصلاحات لجذب
المزيد من الاستثمارات الخاصة للاقتصاد لكن من المستبعد أن تكون لديها
الارادة لاصلاح المالية العامة للبلاد، وقد تسفر الانتخابات المقررة
يوم 25 نوفمبر تشرين الثاني الجاري عن أكثر حكومة ممثلة للشعب حتى الان
ما يعطيها فرصة جديدة لمعالجة المشكلات الاقتصادية المتأصلة في المجتمع.
وبموجب التغييرات التي أقرت في استفتاء أجري في يوليو تموز الماضي
سيسلم الملك محمد السادس بعض سلطاته لمسؤولين منتخبين في حين يحتفظ بحق
البت في القرارات الاستراتيجية، وسيتولى رئيس الوزراء بدلا من الملك
تعيين رؤساء الشركات الحكومية الاستراتيجية مثل الشركة التي تحتكر
انتاج الفوسفات في البلاد والبنك المركزي وشركة الطيران الوطنية فضلا
عن كبار المسؤولين بالوزارات. وسيراجع الملك هذه التعيينات لكن يؤمل أن
يؤدي هذا النظام الجديد الى أسلوب أكثر تماسكا لوضع السياسات
الاقتصادية، ويأتي تغيير الحكومة في وقت صعب بالنسبة للاقتصاد، فالناتج
المحلي الاجمالي ينمو بمعدل يتجاوز قليلا أربعة بالمئة وهو غير كاف
لخفض معدل البطالة البالغ نحو تسعة بالمئة كما أن أزمة ديون منطقة
اليورو قد تضر بدرجة كبيرة باقتصاد المغرب. فالاتحاد الاوروبي هو أكبر
مصدر للاستثمار الاجنبي المباشر والسياحة وتحويلات نحو مليوني مغربي
يعملون هناك، وتحدث صندوق النقد الدولي هذا الشهر عن تحديات أمام
المغرب "تشمل عدم التيقن بشأن التوقعات الاقتصادية في أوروبا والمنطقة
والحاجة لتعزيز الاوضاع المالية في مواجهة مطالب شعبية كبيرة وضرورة
تطبيق جدول أعمال طموح لتشجيع التوظيف والنمو، وقالت مؤسسة ستاندرد اند
بورز للتصنيف الائتماني ان المغرب يواجه مخاطر عالية بسبب اختلالات في
بعض القطاعات وعدم توازن جودة الائتمان، ويقول حزب العدالة والتنمية
وهو حزب اسلامي معتدل معارض من المتوقع أن يحصل على أغلبية المقاعد في
الانتخابات وأن يقود الحكومة المقبلة انه يرغب في تصحيح الاجراءات
التنظيمية لجذب مشاركة أكبر من القطاع الخاص في مشروعات التنمية
الكبيرة، وتشمل هذه المشروعات توسعة ميناء طنجة وشق طريق سريع ومد
الكهرباء الى القرى. وقال حسين داود الرجل الثاني في حزب العدالة
والتنمية وأحد خبرائه الاقتصاديين ان مشاركة القطاع الخاص مطلوبة لان
الدولة لا تملك الموارد اللازمة لتمويل مثل هذه المشروعات وحدها، وقال
أحمد رضا الشامي وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة وهو من
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية "سنعمل على زيادة مساهمة
الشراكات بين القطاعين الخاص والعام في تمويل مشروعات التنمية." ويعتزم
حزب العدالة والتنمية اذا ما حقق نتائج قوية في الانتخابات تشكيل حكومة
ائتلافية مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزبين اخرين، ويبدو
أن هناك اتفاقا من حيث المبدأ بين أغلب الاحزاب السياسية على تسهيل عمل
القطاع الخاص. وقال التحالف من أجل الديمقراطية الذي يضم ثمانية أحزاب
تنافس العدالة والتنمية انه يريد اصلاحات قانونية واجرائية لطمأنة
المستثمرين، وقال الحسين حداد المسؤول بالتحالف ان المغرب يحتاج لتنظيف
مناخ الاعمال مشيرا الى أن المحاكم المغربية تحتاج لنحو 500 يوم في
المتوسط لحل نزاع تجاري عادي، ومن بين المسائل المتفق عليها على نطاق
واسع بين الاحزاب كذلك الحاجة لمكافحة الفساد، وقال داود من حزب
العدالة والتنمية "الفساد يكلف الاقتصاد 15 مليار درهم (1.8 مليار
دولار) سنويا أي نحو اثنين بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي. ومن
المتوقع ان يبلغ عجز الميزانية نحو أربعة بالمئة من الناتج المحلي
الاجمالي في 2012، ومن المتوقع أن يعطي البرلمان الجديد صلاحيات جديدة
للهيئات المختصة بمكافحة الفساد والاحتكار لبدء تحقيقات في أي مخالفات.
وعين الملك رؤساء الهيئات لكنها ستتبع الحكومة، وقد تتعارض بعض أهداف
الاحزاب لكن كثيرا منها يقول انه يدرس فرض ضرائب على ارباح شركات
الاتصالات والبنوك وزيادة الضرائب على الاسمنت لتوفير السيولة لصندوق
برأسمال ملياري درهم لتلبية احتياجات 8.5 مليون مغربي محتاج. وقد تقلق
هذه الضرائب الجديدة - حسب حجمها - القطاع الخاص، ومن المتوقع أن تواجه
بعض الاصلاحات التي يطرحها البرلمان معارضة كبيرة. فعلى سبيل المثال
يتفق الساسة من مختلف الاتجاهات على ان اصلاح القضاء أمر حيوي لتحسين
مناخ الاعمال لكن ذلك يتطلب الحمل على مصالح قوية ومتأصلة في البلاد،
وقال حداد "بعض الاشخاص (في القضاء) يستفيدون من الوضع الرهن، وقد تكون
بعض الاصلاحات الاخرى أكثر اثارة للجدل من ان يتمكن البرلمان من
معالجتها. ويقول حداد ان تسهيل تسريح الشركات للعمال عند الحاجة أمر
ضروري لتحسين مناخ الاعمال لكنه سيكون الاصعب في تحقيقه. فالنقابات
العمالية ستعارض ذلك عن طريق ممثليها في البرلمان، وكذلك يتوقع العديد
من الاحزاب اصلاحا ضريبيا ويقترح حزبا العدالة والتنمية والتحالف زيادة
ضرائب الدخل على أصحاب الدخول المرتفعة وخفضها على الطبقة المتوسطة.
لكن الاحزاب تقر بأن زيادات ضريبية كبيرة على الاغنياء قد تضر بمعدلات
الادخار في البلاد لذلك سيبدو ان المجال ضيق أمام مثل هذه الاصلاحات،
لكن الامر الاكثر صعوبة على الاطلاق والذي من المستبعد ان يعالجه
البرلمان بحسم هو الانفاق الحكومي على الرعاية الاجتماعي. فاستجابة
لثورات الربيع العربي حاولت الحكومة شراء الاستقرار بزيادة دعم الغذاء
والوقود وارتفع مثل هذا الانفاق الى ما يقدر بنحو 5.5 بالمئة من الناتج
المحلي الاجمالي من 2.1 بالمة المنصوص عليه في الميزانية. ويري صندوق
النقد ان ذلك سيرفع عجز الميزانية هذا العام الى 5.7 بالمئة من الناتج
المحلي الاجمالي وهو الاعلى في عقود، وقالت ليز مارتن كبيرة
الاقتصاديين في اتش.اس.بي.سي الشرق الاوسط ان تمويل عجز الموازنة الضخم
قد يزداد تعقيدا لان البنوك المغربية "محملة بالكثير بالفعل" واقراضها
للحكومة قد يضر بالسيولة في قطاعات أخرى من الاقتصاد. بحسب رويترز.
وأضافت انه لا يمكن الاعتماد على مساعدات المانحين الدوليين خاصة
الاتحاد الاوروبي "ومن المرجح أن تطلب أسواق السندات عائدات مرتفعة في
ضوء ما يحدث في منطقة اليورو، وسيكون خفض الدعم مسألة خلافية تنطوي على
مخاطر بالنسبة للبرلمان الجديد فالاحزاب تخشى فقد شعبيتها في الوقت
الذي تتيح لهم فيه الاصلاحات الاقتصادية مجالا للمنافسة على السلطة،
وهناك اتفاق عام على ضرورة خفض عجز الميزانية الى اربعة بالمئة بحلول
2013 وثلاثة بالمئة بحلول 2016 لكن حتى الان مازال العديد من الاحزاب
يدرس فرص تحقيق وفورات بزيادة معدلات الكفاءة وتغييرات سياسة التوظيف
في القطاع العام بدلا من خفض الانفاق العام.
المغرب أكثر نضجا
في المقابل قال عضو بارز في تحالف ليبرالي يخوض الانتخابات
البرلمانية في المغرب لرويترز ان المغرب لن يحذو حذو دول عربية مجاورة
في شمال افريقيا في تسليم السلطة لاسلاميين عندما يجري انتخابات هذا
الاسبوع لان لديه ديمقراطية أكثر نضجا، ويقول حزب اسلامي معتدل انه
يعتقد أن بامكانه الفوز في الانتخابات البرلمانية التي تجرى في 25
نوفمبر تشرين الثاني وتعزز موقفه بظهور الاسلاميين بعد انتفاضات الربيع
العربي في تونس ومصر وليبيا، والمنافس الرئيسي للاسلاميين هو التحالف
من اجل الديمقراطية الذي تشكل حديثا ويضم مجموعة من الاحزاب العلمانية
تربطها صلة بالبلاط الملكي، وقال صلاح الدين مزوار وزير المالية
والاقتصاد المغربي وهو أيضا أحد زعماء التحالف في مقابلة وضع المغرب
يختلف جذريا المغرب ليس هو تونس ولا مصر ولا ليبيا، نحن لنا تراكمات
المغرب لم يكن له في يوم من الايام الحزب الوحيد لدينا تراكمات في
البناء الديمقراطي والتمثيلية السياسية هذا غير موجود في الدول الاخرى."
وتابع أن الاحزاب السياسية في المغرب مارست الديمقراطية وجميع أعضائها
تلقوا قسطا جيدا من التعليم مما يجعل نتيجة هذا النوع من انتصار
الاسلاميين غير مرجح، وأضاف "معرفتي بالقوة الحقيقية هم (الاسلاميون)
بعيدون كل البعد عن امكانية الوصول الى المراتب الاولى لكن في اخر
المطاف الذي يقرر هو صناديق الاقتراع، والانتخابات اختبار لمدى التزام
الملك محمد السادس بالتحرك بعد الانتفاضات التي تشهدها المنطقة من خلال
تقريب مملكته أكثر للديمقراطية والتنازل عن بعض سلطاته لمسؤولين
منتخبين، ومن شبه المؤكد أن تؤدي الانتخابات الى الاطاحة بالحكومة
الحالية التي يراها الكثير من أبناء المغرب تتسم بالفساد والمحسوبية.
لكن أيا كان من سيتولى السلطة فانه لن يكون أقل موالاة للملك، والقضية
المهمة حاليا هي ما اذا كانت الانتخابات ستؤدي الى تسليم السلطة
للرابطة من أجل الديمقراطية وزعماؤها أصغر سنا ولم يمضوا فترة طويلة في
الحكم بخلاف من يتولون السلطة حاليا أو لحزب العدالة والتنمية الاسلامي
المعارضن واتهم مسؤولو احزاب اسلامية منافسيهم بمحاولة اقصائهم من خلال
رشوة الناخبين وهي ظاهرة أفسدت الانتخابات السابقة، وصرح مزوار المنتمي
الى حزب التجمع الوطني للمستقلين بأن الوقت حان للتخلي عن الممارسات
الانتخابية المشبوهة للماضي، وقال "نريد مغربا جديدا بنخب كفؤة وفي
اطار التعامل النزيه مع المواطنين، واستطرد "أعتقد أن موقفنا واضح من
شراء الذمم فهذا ضد قناعاتنا ومبادئنا السياسية هذه الممارسات تمس كل
الاحزاب بدون استثناء ولكن ليس الاحزاب التي تقوم بهاهنالك بعض الاشخاص
المرشحين الذين كانوا يقومون بهذه الممارساتن وأضاف "نحن بلغنا رسالة
قوية وواضحة لكل الناس الذين أعطيناهم التزكية بأنه اذا ثبت أن شخصا
استعمل هذه الوسائل فماله هو الطرد سوف لن نتساهل في هذه العملية، ويرى
محللون أن أكبر تحد يواجه القصر في الانتخابات القادمة هو احتمال ان
يبقى الناخبون المستاءون من سباق يعتقد كثيرون انه لن يحدث تغييرا
حقيقيا في حياتهم في منازلهم يوم الانتخابات، وتحث حركة احتجاج تشكلت
بوحي من انتفاضات الربيع العربي الناس على مقاطعة الانتخابات قائلة
انها ليست ديمقراطية حقا، وقال مزوار في مدينة مكناس على بعد نحو 150
كيلومترا الى الشرق من العاصمة الرباط حيث يقوم بجولة انتخابية "ليس
لدينا أي اشكال مع الذي يدعون الى مقاطعة الانتخابات هذا حق دستوري
وممارسة ديمقراطية طبيعية منسجمة مع المواقف التي عبروا عنها منذ
البداية. بحسب رويترز.
ولكن الاشكال الذي يطرح ما هو البديل. هل سنترك البلد بدون مؤسسات
دستورية هل نترك البلد بدون مؤسسات قادرة على تدبير الشأن العام، وأضاف
أنهم يراهنون على نسبة اقبال كبيرة في هذه الانتخابات، وفي حالة فوز
التحالف من اجل الديمقراطية بما يكفي من المقاعد لتشكيل الحكومة
التالية سيتعين عليه احداث توازن في الشؤون المالية العامة، وأنفقت
الحكومة الحالية في محاولة لمنع امتداد انتفاضات الربيع العربي للمغرب
مبالغ طائلة لزيادة أجور موظفي القطاع العام ودعم السلع الاساسية، ولا
يترك هذا الكثير من الاموال لمشاريع البنية الاساسية الكبرى المزمعة
لتوفير وظائف وتحفيز النمو، وقال مزوار انه في حالة فوز تحالفه فسوف
يشجع على المشاركة مع القطاع الخاص لاطلاق المشاريع الكبيرة ورفع محصلة
الضرائب للحد من عجز الميزانية، وتابع أن التحالف سيتناول نظام الدعم
الحكومي غير الفعال من خلال استقطاع نصف الاموال المخصصة له واستخدام
هذه الاموال بدلا من ذلك في تقديم مساعدة تستهدف الاكثر فقرا. كما يمكن
بيع بعض أصول الدولة، ومضى مزوار يقول "مسألة الخصخصة لا تدخل في
برنامجنا يمكن اللجوء الى بيع بعض أسهم الدولة في بعض المؤسسات.
مقاطعة الانتخابات
بينما طالبت منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان السلطات
المغربية بالتوقف عن التحرش بنشطاء ينظمون حملة لمقاطعة الانتخابات
البرلمانية، وذكرت المنظمة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها يوم الاربعاء
أن الشرطة المغربية استجوبت أكثر من مئة شخص بشأن توزيع منشورات تدعو
الى المقاطعة أو جهود أخرى رامية الى حث الناخبين على عدم الادلاء
بأصواتهم في انتخابات، وقالت هيومان رايتس ووتش في بيان أرسلته عبر
البريد الالكتروني "سيتم مراقبة نسبة مشاركة الناخبين عن كثب نظرا
لانها تعتبر مقياسا لنسبة الحماس الشعبي للاصلاحات التي بادر بها
العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال عام 2011، حثت بعض الجماعات على
مقاطعة الانتخابات قائلة ان الاصلاحات التي بادر بها القصر لم تكن
كافية لفصل السلطات والحد من الصلاحيات الملكية، وأضافت المنظمة
الحقوقية "التحرش بالاشخاص الذين يؤيدون المقاطعة هو أمر سيء مثله مثل
مضايقة أولئك الذين يؤيدون حزبا أو مرشحا بعينه وهذا يلقي بظلاله على
الانتخابات، وأيد الملك محمد السادس تعديلات دستورية وقدم موعد
الانتخابات عشرة أشهر في اطار خطة القصر لضخ دماء جديدة في حكومة باتت
ترتبط في أذهان العديد من المغربيين بالفساد، غير أن المعسكر المؤيد
للمقاطعة والذي تقوده جماعة تدعى (حركة 20 فبراير) يقول ان الانتخابات
لا تحمل معها الا المزيد من نفس الوجوه، وكانت وكالة المغرب العربي
الرسمية للانباء نفت يوم الاثنين الماضي اعتقال الشرطة لاي شخص بسبب
قيادته حملة مقاطعة الانتخابات بعد أن نشرت بعض الصحف تقارير حول
العديد من الاعتقالات ذات الصلة بحملة المقاطعة، وقالت هيومان رايتس
ووتش "استدعاء عشرات الناشطين المؤيدين للمقاطعة في المدن بمختلف أنحاء
البلاد الى مراكز الشرطة للاستجواب يمثل سياسة للتحرش تتبناها الدولة -
سواء كان يتم اعتقالهم رسميا وتوجيه اتهمامات لهم في نهاية الامر أم لا
وينص قانون منظم لمجلس النواب المغربي على أن "يعاقب بالحبس من شهر الى
سنة وغرامة من عشرة الاف الى 50 ألف درهم (1200 - 6000 دولار) كل شخص
أقدم باستعمال أخبار زائفة أو اشاعات كاذبة أو غير ذلك من طرق التدليس
على تحويل أصوات الناخبين أو دفع ناخب أو أكثر الى الامساك عن التصويت.
بحسب رويترز.
واعتبرت المنظمة أن هذا القانون الذى دخل حيز التنفيذ في أكتوبر
تشرين الاول لا يتناسب مع التأكيدات القوية بشأن حقوق الانسان بما في
ذلك حرية التعبير" في اطار الدستور الجديد الذي تبنته المملكة. |