جوّع شعبَك يتْبَعْك!

توفيق أبو شومر

ما إن استتب الأمر للسلطان الجديد، حتى شرع في مطاردة أنصار العهد البائد، فأغلق جميع المؤسسات التي افتتحها السلطانُ البائد، وأقصى عمالها عن أعمالهم، وطلبهم بأن يقدموا طلبات عمل جديدة، لدائرة المخابرات التابعة للقصر السلطاني الجديد، ونتيجة لهذا النظام الجديد ازدهرت تجارات السمسرة في الخفاء، فاختفت السلع (الكمالية) كالسكر والدقيق والأرز!! تحركت الألسنة بعكس اتجاه السلطان الجديد، وشرعت في ذمِّ نظامه الوليد، فاجتمع السلطان بالحاشية وقرر أن يقطع دابر الفتنة، بخطة محكمة !!

فعادت أبواق السلطان تُردد التعليقات التالية عقب نشرات الأخبار السلطانية:

" إن الإمبريالية والكمبرودورية والرجعية والفاشية الاستعمارية السلطوية، ما تزال تعمل في الخفاء، ترعاها طغمة الإمبريالية العالمية، وما تزال تردد صباح مساء الشائعات وتختلق الافتراءات، عبر العملاء والمندسين والطابور الخامس، لذلك فإننا نحذركم، بأننا لن نتهاون في حق وطننا وسلطاننا "

وواصلت إذاعة السلطان:

أيها الشعبُ الكريم، إن السلطان يدعوكم جميعا لشد الحزام على البطون، ويعدكم بأنه قد اعتمد خطة خمسية وعشرية، بموجبها سيتمكن كل فرد من إيجاد رغيف الخبز والملح والدقيق والسكر والأرز والوقود بلا عناء،

وفي مساء يوم إذاعة هذا البيان أعلنت تلفزة السلطان ، عن وصول وفدٍ من جزيرة الميرلاند إلى السلطنة ، فاستضافهم السلطان بعد الاجتماع الأول على مائدة الخرفان المشوية، المحشوَّة بمكسرات تركية، وبهارات هندية، ومن ضمن ما حُشيت به الحملان والخرفان والقعدان، مجموعة من الطيور النادرة الملوكية، من فنلندا ودول بحر البلطيق. ومن المعروف أن الورود التي زيَّنتْ قاعة الطعام، وصلت ناضرةً نديِّةً قبل أقل من ساعة من هولندا في طائرة خاصة، ومعها مجموعة من المضيفات الجميلات الخبيرات بأنواع الطعام، ولهن خبرات أخرى يعرفها رجال السلطان !

أما عن أشقاء السلطان الثلاثة، فقد توزَّعوا ثروات وتجارات السلطنة بينهم بالعدل والقسطاس فالجاهل الأكبر احتكر الاستيراد والتصدير، أما الأخرق الأوسط، فقد احتكر شؤون النفط والوقود، أما المُدلل الأصغر فقد احتكر كل ما بينها من تجارات!

أما عن (حنان) الابنة الوحيدة للسلطان -حفظها الله- فقد بنَتْ قصرين منيفين، يطلان على النهر العظيم، وأعلنت عن إنشاء إحدى عشرة مؤسسة، منها خمسة لرعاية النساء، وستة لرعاية الأيتام والعجزة !

ونشرت صحيفة في بلاد البجعة الشقراء خبرا يقول:

اشترى السلطان مزرعة كبيرة في الريفيرا، وفندقا ضخما في بلجيكا، وعدة قصور ومنتجعات في بلاد طارق بن زياد وثلاث طائرات للسلطان، حربية جاهزة لهروب السلطان من بلده إلى بلاد الحِسان والحَان، والطائرة الثانية لنقل العائلة والحاشية ، أما الثالثة فهي لسهرات السلطان المسائية، في بلاد القِيان!

 وعلَّق خبير ماكياج الإعلام في قصر السلطان على الخبر قائلا:

إن تعزيز منظومة القصور السلطانية في بلاد العالم، واقتناء العقارات والأملاك والطائرات وما في حكمها ضرورة وطنية، لبناء العلاقات مع دول العالم، وتعزيز الروابط الأسرية، ففي كل قصر عدة محظيات وخليلات، ليصبحَ سلطانُنا سلطانا عالميا، وليس حاكما لسلطنة عربية هزيلة!!

وقد لخّص كبير خدم السلطان آثار سياسة شد الحزام على البطون في تقرير سري خاص، فقال للسلطان:

لقد نجح مشروع شد الحزام، فقد انشغل الناسُ صباح مساء بالبحث عن الطعام، فلا حديث لهم إلا عن توفير الوقود والخبز والزيت، والسكر والأرز، وقد أمرتْ جيشنا التجاري أن يحجبوا البضائع، ولا يسوقوها إلا عبر منافذ السلطان، أو في سوق السلطنة السوداء، حتى يظل في يدنا اللجام، وختم الخادم الأكبر قائلا:

 صدق قول المنصور :

جوِّعْ شعبك يتبعْك، وسمِّنْهُ يأكلْك!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/تشرين الثاني/2011 - 1/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م