
شبكة النبأ: يوم بعد آخر يثبت الشعب
المصري، قدراته الكبيرة في رسم حاضرة ومستقبله، فهو يرفض بشدة أن تسطوا
الاحزاب السياسية على ثورته الاولى (25 يناير)، لذلك جاءت الثورة
المليونية الثانية، لتصحح الزلل الذي حدث للثورة الاولى، على أيدي
سرّاق الشعب المصري، من احزاب وشخصيات سياسية انتهازية، كانت ولا تزال
وستبقى، تتحين الفرص للانقضاض على السلطة، لكن الوعي العالي والاستنفار
الشعبي العالي ايضا، أفشل جميع المحاولات التي حاولت سرقة ثمار الكفاح
المشرّف للمصريين، والذي أثمر عن إزاحة حسني، هو وعائلته وحاشيته من
التسلط على رقاب الشعب المصري، بعد ثلاثين عاما من الحكم العسكري
المتسلط.
هذا الذي حدث في مصر يثبت بالدليل القاطع وعي المصريين العالي،
وقدرتهم على بسط إرادتهم الحرة، واندفاعهم الواضح، بل والبطولي لحماية
حقوقهم وحرياتهم والتحكم شعبيا في بناء حاضرهم ومستقبلهم أيضا، وهو
ناتج طبيعي لثقافة عالية ووعي سياسي متصاعد، واصرار تام على عدم السماح
للعصابات والمافيات والرؤوس الشبيهة بـ (أحمد عز) في الصعود الى السلطة
ثانية، ليعود الشعب مجددا الى نقطة الصفر، ويعاني من تسلط الاحزاب
والعسكر، لكن مثل هذه النتيجة لن تحدث، في ظل درجة الوعي العالية التي
أظهرها المصريون للجميع، بمن فيهم العرب والعالم أجمع، فهل سيستفيد
الآخرون لاسيما العرب ومن بينهم العراقيين، من هذا الدرس المصري الكبير؟.
للاجابة عن ذلك، حين نقارن الوضع السياسي العراقي مع المصري، فإننا
سنكتشف البون الشاسع بين التجربتين والوضعين، لاسيما في المجالين
الشعبي، أي فيما يتعلق بدور الشعب وقدراته على التحكم في حاضره
ومستقبله، أو حين يتعلق الامر بالسياسيين العراقيين من كتل واحزاب
وشخصيات سياسية، فعندما قام المصريون بثورتهم، رفضوا أن تعاد ظاهرة
عسكرة المجتمع، أي أنهم رفضوا أن يتحكم قادة عسكريون بمصير الشعب،
لكننا نلاحظ أن ما يحدث في العراق يسير في هذا الاتجاه، بمعنى أن
العسكريين يتنامون على حساب التجربة الديمقراطية في العراق، وربما يأتي
اليوم الذي تتحول فيه السلطة من سلطة مدنية الى عسكرية، في ظل ما يحدث
من تنامي للمصلحية والمنفعة المستشرية بين جميع السياسيين، بعيدا عن
مصالح الشعب.
لقد قال المحتجون المصريون، في بعض أناشيدهم وتصريحاتهم لوسائل
الاعلام، إننا حين قمنا بثورتنا الاولى -25 يناير- لم نكن نهدف الى
تبديل العسكر بعسكر، في إشارة واضحة الى التشابه بين حكم حسني العسكري
المطاح به، وحكم المجلس العسكري الراهن بقيادة طنطاوي، وقالوا ايضا،
إننا لم نكن نهدف لازاحة مبارك واحد، لنأت بـ 19 مبارك بدلا منه، في
اشارة الى الاحزاب والرؤوس التي تمثلها في السلطة الحالية التي تدير
شؤون الشعب المصري، ولو أمعنا النظر في المشهد السياسي العراقي، فليس
هناك فارق كبير في هذا المجال، حيث تسيّدت الاحزاب ورؤوسها السلطة في
العراق، وانتشر منهج المحاصصة على نحو خطير، وانتشر الفساد استنادا الى
ذلك في معظم مرافق الدولة، في حين أن كل هؤلاء السياسيين أحزابا ورؤوسا
وافرادا يعلنون أنهم جاؤوا من أجل الشعب العراقي، وأنهم يعملون لصالحه
وحماية حقوقه، وانتشاله من المرض والجوع والفقر والحرمان، لكن وقائع
الحال كلها تشير الى أن الكتل والاحزاب ورؤوسها، والشخصيات السياسية
عموما، تلهث وراء مصالحها ومنافعها، بل تتصارع وتتقاتل من اجل المناصب
والمصالح، والضحية هو الشعب دائما.
إن العقود الوهمية التي تبرمها بعض الوزارات هي مثال حي للفساد، كما
أن سيطرة الاحزاب العراقية على المرافق الحكومية، بصيغة تقاسم الكعكة
او الغنائم واضحة تماما، ولا تحتاج الى دليل، وها هو الشعب العراقي يرى
بعينه وبصيرته، كل ما يحدث من فساد واستشراء لظواهر الاختلاس، ناهيك عن
ظاهرة الاستئثار بالسلطة، وإهمال مصالح الشعب، وفي الوقت الذي يتشابه
في السياسيون في مصر والعراق، في كثير من الاهداف، فإن الشعبين يختلفان
بوضوح، حيث لا يزال الشعب العراقي صامتا على ما يحدث، من لدن السياسيين
على الرغم من أخطائهم ومصادرتهم الواضحة لحقوقه، الامر الذي يثير أكثر
من تساؤل وأكثر من علامة استفهام؟.
فهل الشعب المصري أفضل من غيره؟ سواء من العراقيين او غيرهم من
العرب؟ الجواب يُترك للوقائع الحاصلة على الارض، ليس فقط بخصوص
السياسيين، إنما على الجميع أن يعرفوا حقوقهم، وأن يكون مستعدين
لحمايتها على الدوام، وهذا لن يتحقق من دون أن يصبح الشعب أكثر وعيا
وثقافة، وإصرارا على تصحيح المسارات نحو الافضل. |