في حقيقة الأمر يجب التسليم بأن التمويل الأصغر هو نشاط استثماري
بحت ولكن الهدف منه هو تحقيق أهداف إجتماعية وتنموية عن طريق تقديم
خدمات مالية شاملة مثل (الإقراض، الإدخار، التأمين، التحويلات
نقدية...) والتي تشبع الإحتياجات المالية لدى الفئات المستهدفة وذلك
لتمكين تلك الفئات من مواجهة الفقر ولزيادة قدرتهم على إنشاء وتدعيم
أنشطة خاصة بهم تعمل على زيادة الدخل وتوليد فرص العمل وتحسين أحوالهم
الإقتصادية والمعيشية ولكنه في نهاية المطاف يبقى مرتدياً عباءة العمل
الإستثماري.
ويصاحب الإعتراف بأن التمويل الأصغر هو نشاط إستثماري حقيقة أخري
وهي أنه على مؤسسات التمويل الأصغر أن تكون مؤسسات رابحة تحقق هامش ربح
(فائض) مقبول، صحيح أن مؤسسات التمويل الأصغر لا تهدف الى الربح في
جوهر عملها ولكن لكي تستمر وتستطيع تقديم خدماتها لأكبر عدد ممكن من
الفئات المستهدفة فيجب عليها أن تغطي جميع نفقاتها التشغيلية عن طريق
تحقيق الكفاءة المالية المناسبة والذي يضمن لها عوائد على الإستثمار
مقبولة.
أما الصدقات أو الهبات فهي تعامل روحاني قائم على العطاء والتضحية
بما يملكه واهب الصدقة بدون مقابل يدفعه مستحقيها ودون إنتظار الواهب
الحصول على منافع أو حتي إسترداد أصل الصدقة فيعطيها من يمنحها منتظراً
الجزاء من المولى عز وجل فهي من عطاء الله لعباد الله.
والصدقات تعطى للفقراء دون النظر لوضعهم الاقتصادي ولكن الأهم هو
وجوب أن تعطى للأكثر إستحقاقا فقط فالأولى بها هم الأكثر إحتياجاً وكل
ما زاد الإحتياج لمستحقي الصدقة زادت رغبة المصدقين للعطاء في هذا
المحل فمثلاً تكثر الصدقات والمنح في مناطق المجاعات أو النزاعات
الأمنية أو الكوارث الطبيعية وقال سبحانه في سورة التوبة أية رقم 60
﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ
عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ
وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً
مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾.
أما تقديم خدمات التمويل الأصغر للعميل مرتبط إرتباطا وثيق بوضعه
الإقتصادي فالفقراء ليسوا سواء أمامه فالتمويل الأصغر لا يتعامل مع كل
فئات الفقراء ولكن له شروط ومعايير عند إختيار العميل الفقير الذي يمكن
أن يقدم له خدماته، إن العميل المستهدف من قبل مؤسسات التمويل الأصغر
هو شخص محدود الدخل ولكنه قادر على العمل وإستخدام الخدمة المقدمة له
لزيادة دخلة وتحسين أحواله المعيشية وهو أيضاً يجب أن يحقق الشق الثاني
من دائرة عمليات التمويل الأصغر وهوان يكون قادر على الكسب لسداد
مستحقات المؤسسة التي قدمت له الخدمة أي أن عميل التمويل الأصغر يحصل
على خدمات المقدمة له من مؤسسات التمويل الأصغر بمقابل يجب أن يدفعه
ولن تمنح مؤسسات التمويل الأصغر خدماتها له إلا إذا تأكدت بأنه قادر
على الوفاء بما علية من مستحقات.
كما أن التمويل الأصغر لا يوجد في كل المناطق التي يوجد بها الفقر
للأدق يقلل تواجده في المناطق التي يزداد فيها خطر فقدان أصوله التي
يقدمها للفقراء وبذلك فإن تواجد التمويل الأصغر في مناطق المجاعات أو
النزاعات الأمنية او مناطق الكوارث الطبيعية تواجد قليل أو شبه معدوم
وكلما زادت تلك الظروف سوءاً كلما زادت عدم رغبة مؤسسات التمويل الأصغر
في عدم العمل في تلك البيئات الغير مستقرة فمؤسسات التمويل الأصغر
كمؤسسات أي صناعة أخري لا تريد أن تجازف بالعمل في بيئات ذات مخاطر
تشغيلية مرتفعة تعرضها لتكبد الخسائر.
وتختلف إدارة أصول (موجودات) التمويل الأصغر عن إدارة أموال الصدقات
فأصول (موجودات) التمويل الأصغر تحتاج الى كيان مؤسسي كامل حتي يتم
مزاولة النشاط وتحتاج أيضاً الى إدارة ما بعد المنح وهو الجزء الأهم في
عمل التمويل الأصغر وهو إدارة محافظ مؤسسات التمويل الأصغر حتي لا يتم
فقد أصول تلك المؤسسات وأيضا السياسات والإجراءات التي تحكم ممارسات
صناعة التمويل الاصغر فهي سياسات موضوعة وليدة تفكير البشر.
أما الصدقات فهي لا تحتاج الى البنية المؤسسية المطلوبة في ممارسة
التمويل الأصغر عند منحها كما أنها لا تحتاج لمتابعة أو خدمة العملاء
ما بعد المنح، كما أن التشريعات التي تحكم عملية منح الصدقة فهي
تشريعات بنصوص دينية محكومة ومفصلة بشرع الله.
كما أن العاملين في مجال منح الصدقة هم في الغالب متطوعين وغير
متفرغين لذلك النشاط ولكنة يعتبر نشاط تطوعي إجتماعي أي أنهم يمارسون
هذا النشاط بدون مقابل مادي وهذا في الغالب أما العاملين في مجال
التمويل الأصغر فهم ممتهني هذه الصناعة وهي مصدر دخلهم.
يوجد فروقات واضحة بين الصدقة والتمويل الأصغر وهما في نهاية الأمر
خدمات مقدمة للفقراء ولكن أحدهما بمقابل مادي مفروض على الفقراء والآخر
بمقابل من الله سبحانه ولكن السؤال الذي يجب طرحه للمناقشة كيف يمكن
للنشاط الاستثماري المتمثل في صناعة التمويل الأصغر من الاستفادة من
أخلاقيات وأدبيات العملية الروحانية المتمثلة في منح الصدقات؟ هذا هو
السؤال الذي يجب ان يجاوب علية كل العاملين في مجال التمويل الأصغر. |