ثورة... مش ثورة

كاظم الشبيب

موضوعنا لهذا اليوم يدخل في دائرة النقاش الساخن حول طبيعة «ثورات الربيع العربي». هل هي ثورة؟ أم أنها ليست ثورة؟. لم يتوقف البحث في هذه الجدلية منذ سقوط زين العابدين بن علي الرئيس التونسي السابق. أهمية الإجابة تكمن فيما بعدها من نتائج مترتبة عليها، نتائج كلية أم نتائج جزئية. إذا كانت ثورة فذلك يعني أن علينا الاستعداد لتقبل واقع مغاير لما كانت عليه هذه الدول والمجتمعات لأن التغيير كلي وشامل، في الأمة والنظام والمجتمع والفرد. أما إذا كانت تلك الأحداث أمراً آخر غير الثورة فسيكون مستوى التغيير جزئياً وليس شاملاً، قد يكون التغيير ظاهرياَ أو قشرياً أو إصلاحياً متدرجاً...إلخ.

أصحاب القول بأنها ثورة يستدلون على ثوريتها بقدرتها على إسقاط رؤوس حاكمة ومتسلطة في تونس ومصر وليبيا، رؤوس ما توقع أحد سقوطها أو إزاحتها أو هلاكها. أما القائلون بعدم ثوريتها فيقولون بأن إسقاط الرأس الحاكم لا يعني بالضرورة إسقاط وتغيير النظام، بل إن تأخر وصول الثوار لأهدافهم في تونس ومصر وليبيا هو دليل على ذلك، بل هناك خشية من أن تنجح محاولات سرقة الثورة من قبل قوى محلية أو خارجية.

الثورة كمصطلح سياسي، وكما تعرضها الموسوعة الحرة «ويكيبيديا»، هي: الخروج عن الوضع الراهن وتغييره باندفاع يحركه عدم الرضا مع التطلع إلى الأفضل. التعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية هو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد طور الماركسيون هذا المفهوم بتعريفهم للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي اسماهم البروليتاريا.

أما التعريف المعاصر فهو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته «كالقوات المسلحة» أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية. أما المفهوم الدارج أو الشعبي للثورة فهو الانتفاض ضد الحكم الظالم. وقد تكون الثورة شعبية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 وثورات أوروبا الشرقية عام 1989 وثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقالية في نوفمبر 2004 أو عسكرية وهي التي تسمى انقلابا مثل الانقلابات التي سادت أميركا اللاتينية في حقبتي الخمسينيات الستينات من القرن العشرين، أو حركة مقاومة ضد مستعمر مثل الثورة الجزائرية (1954-1962).

يجدر بنا عرض دوافع القول بأن حراك الربيع العربي لم يرتق ليكون «ثورة» بالمعنى الحقيقي للثورة. منها:

1- غياب خط فكري جامع للثوار.

2- غياب قيادة موحدة للثورة.

3- غياب تراكم التجربة الاجتماعية المكونة للثوار والثورة.

4- غياب فكرة «التغيير الجذري» التي تعتمدها الثورات في منهجها، بل يعتبرها المفكرون هي لب ومعنى الثورة.

5- غياب الحركة المرجعية للثورة والثوار. لم يكن الاخوان في مصر أو سورية هم مرجعية الثورتين، ولم يكن حزب النهضة في تونس مرجعية للتوانسة. بل غالباً ما كانت المرجعية في الشارع وحراكه. جاءت الحركات لتستثمر وتستفيد من الثوار والثورة عبر التوجيه المتماشي مع متطلبات الثوار والشارع.

إن لم تكن ثورات، فما هي إذاً؟، هل هي مجرد استثمار لمساحة سياسية وتقنية لتحقيق مكاسب سياسية؟ هل هي انتفاضة جماهيرية مؤقتة؟ هل هي مجرد فرصة سياسية سانحة استغلها الشباب لصناعة تغيير في بلدانهم؟. نعم، يمكن إطلاق كلمة الثورة من حيث معناها العام المضاد لمعنى الاستسلام، حيث كانت الشعوب العربية خانعة مستسلمة لأنظمة مستبدة ومترهلة، لكنها مهيمنة على الرقاب والأرزاق وعلى العباد والبلاد على مدى عقود طويلة متتالية. طفح كيل الشعوب فثارت على تلك الأنظمة رغبة منها في التحرر من قيود الأنظمة الديكتاتورية.

 بهذا المعنى البسيط يمكننا وسم حراك الشوارع العربية بالثورة. أما بالمعنى التاريخي للثورة فهي تفتقد إلى عناصر تشكل وقيام الثورات.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/تشرين الثاني/2011 - 29/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م