شبكة النبأ: على الرغم من كشف التقرير
الحقوقي الذي أعدته لجنة تقصي الحقائق في البحرين عن القمع والعنف
الممنهج الذي مورس بحق المدنيين، وفضح الممارسات التعسفية والعنصرية
التي تنتهجها السلطات هناك، الا ان ذلك وحسب قول المعارضة الشعبية لم
يكشف الا النزر القليل من حقيقة الانتهاكات التي حدثت إبان انطلاق
الحركة الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح.
ويتساءل معظم المراقبين للشأن البحريني عما سوف يعقب إعلان التقرير
الحقوقي، وما هي أوجه التفاؤل المتاحة لحلحلة الأزمة في تلك الدولة، مع
التشاؤم الملحوظ من حقيقة الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي قد تقدم
عليه السلطة الحاكمة، سيما ان عمليات القمع الوحشي لا تزال مستمرة
المصاحبة لحالات القتل والتعذيب التي تمارسها مرتزقة الاجهزة الامنية
المستوردة من شتى دول العالم.
التعذيب مورس بشكل متعمد
فقد خلص تقرير لجنة تقصي الحقائق في البحرين إلى أن مواجهة
المتظاهرين بالبحرين بالقوة تسببت في موت مدنيين وزيادة التوتر في
الشارع البحريني. وقال رئيس اللجنة شريف بسيوني خلال مراسم الكشف عن
التقرير في المنامة بحضور الملك حمد بن عيسى ال خليفة ان السلطات "لجأت
إلى استخدام القوة المفرطة وغير الضرورية" بما في ذلك بهدف "بث الرعب
بين المواطنين وإتلاف الممتلكات خلاف التعليمات التي لديهم".
كما أكد أن التعذيب "مورس على المعتقلين بشكل متعمد بهدف انتزاع
الاعترافات أو للعقاب والانتقام". وقد استخدمت الاعترافات المنتزعة
بالتعذيب في المحاكمات لاحقاً بحسب ما أكد التقرير.
وخلص التقرير المكون من 500 صفحة باللغتين العربية والإنجليزية إلى
أن عدم قبول مقترحات ولي عهد البحرين خلال تفاوضه مع الجمعيات السياسية،
ساهمت في عدم التوصل إلى حل سياسي.
وكشف التقرير الذي حلل آلالاف الوثائق والمقابلات، عن أن جهات إنفاذ
القانون "مارست عمليات القبض دون أبراز أوامر القبض ودون اخبارهم
بالسبب". وقالت اللجنة إن ما تعرض له المعتقلون عبر عن "أنماط سلوك
تقوم بها الجهات الحكومية ضد فئات معينة. وقد شمل التعذيب أشكال مختلفة
تندرج ضمن تصنيف التعذيب وفق معاهدة مناهضة التعذيب". وقال بسيوني أيضا
إن القوات الخليجية المشتركة لم ترتكب تجاوزات لدى تدخلها في البحرين.
كما أنه لا أدلة على علاقة واضحة لايران بالحركة الاحتجاجية.
وسلم بسيوني التقرير للعاهل البحريني الذي ألقى خطاباً أكد فيه إلى
أن بلاده عاقدة العزم على تنفيذ توصيات التقرير وعدم وضع البلد في موقف
صعب. وانتقد الملك حمد بن عيسى آل خليفة تعرض العاملين الأجانب إلى "الإرهاب"
في البلاد، واستهداف رجال الأمن، وكذلك انتقد بشدة أية انتهاكات
يمارسها رجال الأمن ضد أي شخص. بحسب البي بي سي.
ودعا العاهل البحريني إلى "إصلاح القوانين البحرينية لتتفق مع
الاتفاقيات الدولية، لحماية الحق الأصيل في التعبير، ومنع جميع أنواع
سوء المعاملة لتتماشى مع الحقوق الإنسان العالمية". ووعد النظر في قضية
المفصولين من العمل، وتعويض المتضررين. وقال: "لن نتسامح مع سوء معاملة
الموقوفين والسجناء، وأسف أن حدث للبعض، كما أوضح التقرير ولا عذر لأي
خصوصية تستثنينا عن الغير". وأعلن الملك عن تشكيل فريق عمل من الحكومة
لدراسة التوصيات بكل عناية، واعتبر أن التقرير يمنح البحرين فرصة
تاريخية، مؤكداً أن المسؤولين عن الانتهاكات "سيحاسبون أو يستبدلون"،
ووعد بـ "إصلاحات ترضي كافة أطياف المجتمع".
وانتقد العاهل البحريني ما وصفه بـ "تحريض" وسائل الاعلام الإيرانية
ضد البحرين، مشيراً إلى أن بلاده ليست في وضع يقدم أدلة عن تورط إيران.
ودعا القيادة الإيرانية إلى إعادة النظر في سياساتها التي تدفع إلى
الخلاف والفرقة.
رد فعل المعارضة
وفي أول رد فعل من المعارضة البحرينية، اعتبر خليل المرزوق النائب
البحريني المستقيل، وهو من كتلة الوفاق، ان التقرير لم ينصف الضحايا
بشكل كامل. وقال إن التقرير، رغم ذلك، وثق لكثير من الانتهاكات لحقوق
الانسان في البحرين. واعتبر المرزوق ان التقرير صيغ بطريقة تخفف
المسؤولية عن الجهات الحكومية. اما بالنسبة لرد العاهل البحريني على
توصيات التقرير اعتبر المرزوق انها "هروب وانها تبين مجددا خطابا رسميا
متشنجا يداري الاجهزة الرسمية".
كما رحب نشطاء حقوقيون بحرينيون بتعهد الحكومة بحظر التعذيب قانونا
واتخاذ إجراءات ضد مرتكبي الانتهاكات التي وقعت خلال الاضطرابات هذا
العام لكنهم قالوا انهم يريدون اقالة بعض كبار المسؤولين كي يتسنى
للبلاد طي هذه الصفحة.
واعترفت حكومة البحرين بأن قوات الامن استخدمت "القوة المفرطة"
وأساءت معاملة محتجزين خلال احتجاجات مطالبة بالديمقراطية هذا العام.
كما قالت دون ان تذكر تفاصيل انها بدأت الملاحقة القضائية لعشرين ضابطا.
وقال نبيل رجب رئيس مركز البحرين لحقوق الانسان انها خطوة جيدة لان
القانون البحريني لا يتضمن نصا يصف التعذيب لكن يجب تقديم مرتكبي
الاساءات للعدالة مضيفا ان إفادات المحتجزين أشارت الى ضلوع أربعة من
أعضاء الأسرة الحاكمة شخصيا في الانتهاكات. وتابع انه لا يعرف العشرين
شخصا الذين قالت الحكومة أنهم يلاحقون قضائيا وما اذا كانوا حقق معهم
حقا ام لا. ويركز المراقبون على ما اذا كان التقرير المستقل سيصف
التعذيب بانه منهجي.
وتقول البحرين ان حالات سوء المعاملة تقتصر على بعض الضباط الذين
تصرفوا بمفردهم وتعترض على تعبير "منهجي".
وقال رجب انها ليست حالات فردية بل شيء يحدث بشكل منهجي مضيفا ان
"الجريمة" اكبر مما يحاولون تصويرها. واستدعت البحرين قوات من السعودية
والامارات العربية المتحدة في منتصف مارس اذار للمساعدة في سحق
الاحتجاجات التي استلهمت انتفاضتين في مصر وتونس. ثم فرضت الاحكام
العرفية.
وتقول الحكومة ان ايران تثير الاحتجاجات في البحرين بهدف اقامة
جمهورية اسلامية شيعية على غرار نظامها. وتقول احزاب المعارضة ان
النخبة الحاكمة تستغل المخاوف الطائفية لتجنب الاصلاح.
واصدر مركز البحرين لحقوق الانسان تقديراته لاعداد القتلى
والمعتقلين ومن تعرضوا لسوء المعاملة. وقال رجب ان قرابة نصف ما يزيد
على ثلاثة الاف شخص اعتقلوا ابلغوا عن حالتهم للمركز. ومن بين هؤلاء
قال 1330 انهم تعرضوا للتعذيب او اساءة المعاملة ومن بين ذلك الصدمات
الكهربائية والتعليق من الايدي او الارجل وتقييد الايدي خلف الظهر لعدة
الايام والحبس الانفرادي والاهانة عن طريق التعرض للبول.
وقال المركز ان العدد الاجمالي للاشخاص الذين توفوا 45 شخصا سقط
أغلبهم خلال الاحتجاجات التي استمرت شهرا لكن خمسة توفوا رهن الاحتجاز
خلال تطبيق الاحكام العرفية كما توفي عدد في الاشتباكات التي استمرت
بعد ذلك كل ليلة تقريبا.
وقتل علي يوسف الستراوي (16 عاما) دهسا بسيارة شرطة خلال احتجاج في
منطقة الجفير بالعاصمة المنامة الاسبوع الماضي. وقال مسؤولون ان قائد
سيارة الشرطة فقد السيطرة عليها بسبب زيت سكبه المحتجون في الشارع عمدا
لكن ناشطي المعارضة يقولون ان الشرطة كثيرا ما تقود سياراتها باتجاههم
مباشرة.
صغار المسؤولين
كما اكدت المعارضة ان التجاوزات التي ارتكبتها الحكومة في البحرين
بحق المحتجين "ممنهجة" وحذرت من "لصق" المسؤولية بصغار المسؤولين، ردا
على اقرار المنامة بحصول تجاوزات لا تمثل سياسة حكومية.
من جهتها، اصدرت ثلاث منظمات حقوقية قريبة من المعارضة تقريرها
الخاص حول قمع الاحتجاجات في البحرين، وقد تضمن التقرير الكشف عن وضع
قائمة باسماء مسؤولين امنيين قالت المنظمات انهم ضالعون في تجاوزات بحق
المعتقلين.
وقالت جمعية الوفاق الوطني الاسلامية في بيان ان "ما جرى ويجري منذ
شباط/فبراير لحد الآن من انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان قد تجاوزت
الحدود المعقولة كونها قائمة على عمل ممنهج ومرتبط بسياسة حكومية
مبرمجة كشفتها كل التقصيات التي خلفت الآلاف من الضحايا في أكثر من 40
نوعا من انواع الانتهاكات".
واكدت الجمعية التي تمثل التيار الشيعي الرئيس في المملكة ان "ممارسة
الانتهاكات لا يمكن له ان تكون بهذا الحجم والتوغل لولا علم ومتابعة
جهات لها نفوذ كبير يجعل من السلطة تتحمل كامل المسؤولية عن ما جرى من
انتهاكات". بحسب فرانس برس.
كما اعتبرت ان "عملية التنصل من المسؤولية ولصقها بصغار الضباط
وصغار المسؤولين والجنود هو تزييف كبير لواقع لمسه كل بحريني وشهد عليه
الاعلام العالمي والمنظمات الدولية والحقوقية".
وعددت الجمعية التجاوزات التي قالت ان السلطات ارتكبتها في البحرين،
وهي تشمل بحسب البيان "هدم اكثر من 35 مسجد (للشيعة) وسقوط اكثر من 40
شهيدا وسقوط 4 شهداء تحت وطأة التعذيب واعتقال الآلاف وتعذيبهم ...
وتجويع اكثر من ثلاثة الاف عائلة بحرينية عبر فصل عائل الاسرة وقطع
رزقه قسرا وحرمان مئات الطلبة من حق التعليم وحرمان المئات من تلقي
العلاج وتعريض عشرات الجرحى للتعذيب".
من جهتها، كشفت ثلاث منظمات حقوقية قريبة من المعارضة عن تقرير خاص
بها حول قمع الاحتجاجات، وذلك خلال مؤتمر صحافي. واكدت المنظمات في
التقرير ان السلطات "لجأت الى الاستخدام المفرط وغير المبرر للعنف". بحسب
رويترز.
وبحسب التقرير، قتل 45 شخصا منذ شباط/فبراير واعتقل 1500 شخص بشكل
اعتباطي ثلثهم ما يزالون قيد الاعتقال، فيما سرح 2710 اشخاص من وظائفهم
ومنع 477 طالبا من متابعة دروسهم الجامعية. واشار التقرير الى ان 1330
اكدوا انهم تعرضوا للتعذيب خلال الاعتقال.
ويؤكد واضعو هذا التقرير انهم استندوا الى مئات الشهادات التي ادلى
بها اشخاص تعرضوا للتعذيب، ووضعوا قائمة باسماء 50 شخصا من المسؤولين
الامنيين المشتبه بضلوعهم في اعمال تعذيب بحسب التقرير.
قوات بحرينية تمشط بلدة شيعية
الى ذلك قال ناشطون ان قوات أمن بحرينية طاردت شبانا في بلدة شيعية
وقتل رجل في حادث تسببت فيه عربة للشرطة وذلك قبل ساعات من صدور تقرير
بشأن الصراع الطائفي الذي عكر المناخ في المملكة.
وقال شهود ان عربات شرطة رباعية الدفع سارت مسرعة في شوارع بلدة
عالي التي تقع خارج المنامة لملاحقة عشرات الشبان قبل الامساك بأحدهم
وضربه بالهراوات بينما حلقت طائرات هليكوبتر فوق المكان.
وكتبت عبارات في المنطقة منها "الموت لال خليفة" في اشارة الى
الاسرة السنية الحاكمة التي تتهمها الغالبية الشيعية بحرمانها من
الحصول على مساكن واراض ووظائف بالحكومة لاسباب طائفية.
واستخدمت قوات الامن الغاز المسيل للدموع لتفريق عشرات الاشخاص
الذين ساروا في شوارع وسط البلدة وهم يرددون عيارة "يسقط حمد" في اشارة
الى الشيخ حمد بن عيسى ال خليفة ملك البحرين. وتصاعد دخان اسود من
اطارات سيارات محترقة.
وقال ناشطون انه قبل ساعات صدمت عربة تابعة لقوات الامن سيارة عبد
النبي كاظم عقيل التي اصطدمت بدورها بعربة متوقفة مما أسفر عن مقتل
قائدها. وقالوا ان قوات الامن أطلقت الغاز المسيل للدموع والطلقات
المطاطية بعد الحادث.
ولم يتضح ان كان القتيل شارك في الاحتجاجات التي تجري يوميا تقريبا
في المناطق الشيعية بالبحرين وغالبا ما تتعامل معها قوات الامن بالغاز
المسيل للدموع.
وتصاعد الغاز المسيل للدموع من منزل منزل القتيل الذي بدا مهجورا
وخاليا من سكانه بعد مداهمة قال الجيران ان قوات الامن شنتها في رد فعل
يحدث عادة اثر مقتل أحد في احتجاجات بالمنطقة. وقال ساكن عمره 32 عاما
من الحي ذكر ان اسمه حسين "انهم يتصرفون بوحشية." واضاف "لا يريدون ان
يرتفع صوت ضدهم ... الفكرة هي تخويفنا."
وفي اماكن اخرى في بلدة عالي كتبت "الدور عليكم" في اشارة على ما
يبدو الى الاطاحة بزعماء عرب بعد احتجاجات حاشدة. ووصفت وزارة الداخلية
في موقعها على تويتر الحادث في عالي بأنه حادث مروري وقالت انها
استكملت تحقيق الطب الشرعي لكنها لم تذكر تفاصيل.
ووقعت اعمال العنف قبل ساعات من اعلان تقرير أعدته البحرين فيما
يتصل بالاحتجاجات المناهضة للحكومة التي جرت في وقت سابق هذا العام
وتزعمها الشيعة وما أعقب ذلك من حملة شملت اعتقالات حاشدة ومزاعم عن
حدوث اعمال تعذيب.
واستدعت البحرين قوات من السعودية والامارات في منتصف مارس اذار
للمساعدة في سحق الاحتجاجات التي تقول ان ايران حرضت عليها من خلال
رجال دين متعاونين معها في الجزيرة التي يتركز فيها الاسطول الخامس
الامريكي والتي تعتمد ماديا على السعودية.
ماذا إذن سيحدث؟
من جانبه، قال الناشط الحقوقي محمد مسقطي "السؤال الاهم الان هو ما
سيحصل بعد التقرير؟". واضاف "ان الوضع متوتر جدا اصلا، وقد ازداد عدد
التظاهرات التي خرجت في الاسبوعين الماضيين وكذلك كثرت الاعتقالات".
واعتبر مسقطي انه يجب ان يعكس التقرير ما خلصت اليه منظمات حقوقية
دولية اخرى "والا فان الامور سوف تتأزم"، في اشارة الى تقارير لمنظمات
حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات
اخرى اتهمت السلطات البحرينية بممارسة التعذيب وباجراء محاكمات غير
عادلة وبالاستخدام المفرط للقوة.
وقال الشيخ علي سلمان زعيم جميعة الوفاق الوطني الاسلامية التي تمثل
التيار الشيعي الرئيسي في البحرين، "هناك مطالب لدى شعب البحرين تتمثل
في التحول إلى الديمقراطية مقابل عقود من الاستبداد والتفرد بالقرار
وهذه المطالب اصبحت مقرا بها بشكل مباشر أو غير مباشر من كبار
المسؤولين".
الا انه قال في مؤتمر صحافي ان "هذه المطالب لم تتحقق لحد الآن،
فالمسيرات والتحركات السلمية تقول لم يعد بالامكان الالتفاف او مخادعة
وعي شعبنا باي وسيلة من الوسائل او شكل من الاشكال فهذا الشعب متمسك
بمطالبه وهذه رسالة المسيرة الاخيرة وكل الفعاليات".
وشدد على ان "الشعب لن يرجع الى بيوته خالي الوفاض ولن يرضى
بإستمرار الوضع وسيكون قادرا على التأكيد على ذلك والاستمرار في
المطالبة وتقديم كل ما يتطلب لانجازه" داعيا الى "اخراج البلد من
الديكتاتورية الى الديمقراطية ومن الحل الأمني إلى السياسي". بحسب
فرانس برس.
وخلص الى القول بان لا مخرج من الازمة الا من خلال "الاستجابة
لمطالب هذا الشعب كجزء من تحركات الشعب العربي للتحول للديمقراطية،
فالانظمة الاستبدادية الديكتاتورية غير قادرة على تلبية مطالب الناس". |