المشهد السياسي المتوقَّع في العراق وشروط الاستقرار

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: منذ ما يقارب من تسع سنوات والعراقيون يحاولون ترميم الوضع السياسي، من خلال العمل المتواصل لتشييد بنية سياسية جديدة، قائمة على التحرر، ورفض الفردية، وحفظ حقوق الجميع من دون استثناء، وطالما أن العلاقة بين الشعب والحكومة غالبا ما يشوبها الإلتباس وغمط الحقوق، لاسيما في الدول والمجتمعات المتأخرة عن الركب العالمي بسبب غياب الوعي او ضعفه، فلابد أن تتضح الامور ويخطط لها مسبقا، لبناء البنية السياسية المأمولة.

العراقيون يطمحون للاستقرار

في العراق يطمح الجميع الى الاستقرار، وتعويض الشعب عما لحق به من ظلم وحرمان وضياع متكرر لفرص التقدم والتطور ومواكبة العصر، هذا الامر لن يتحقق ما لم تتوفر للعراقيين إرادة سياسية منظمة وقوية وترى المشهد بوضوح لا يشوبه الغموض او اللبس، بمعنى يجب أن يعرف الجميع ما لهم، وما عليهم، كون الشعب العراقي يتكون من أعراق وأثنيات وأقليات متعددة، فالكل له الحق بالحياة الكريمة في ظل عراق غني ومستقر وفاعل في آن واحد، هذا التنوع السكاني اذا لم يُستثمر بالطريقة الصحيحة، سيتحول الى عائق لتشييد بنية سياسية راكزة، لهذا لابد أن يرتفع الوعي لدى الجميع ويعرفون واجباتهم وحقوقهم، حتى تتضح الصورة للجميع. (أثيرت مؤخرا بعض القضايا السياسية ومنها أحقية المحافظات بتكوين الفدراليات، وهو مبدأ وارد في الدستور.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) بهذا الخصوص في الكتاب الموسوم بـ (إضاءات مرجعية): (إن الفدرالية بحد ذاتها ـ إن لم تكن مقدمة لتقسيم العراق، ورضي بها الشعب العراقي في إستفتاء عام ـ لا نرى مانعا عنها، والأفضل أن تكون جغرافية وحسب المحافظات وذلك لإبعاد شبح التقسيم).

شرط الشرعية الأساسي

ولكن هناك من يتخوّف من هذا المبدأ السياسي، أي من الفدرالية، خاصة اذا لم يكن في وقته او ظروفه، كما يقول المعترضون، ولكن يبقى الامر بحاجة الى حكومة جيدة متماسكة، قادرة على فرض القانون بما يحقق العدل بين افراد ومكونات الشعب كافة، ولكن متى تصبح الحكومة قوية وقادرة على المسك بزمام الامور دائما، إنها يمكن أن تكون كذلك، اذا توفر لها شرط الشرعية الذي يعد عنصرا أساسيا في دعم مواقف الحكومة وتوجهاتها في عموم المجالات، ولن يتحقق هذا الشرط إلا من خلال الانتخابات التي لا تشوبها المخالفات، لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (إن الحكومة يجب أن تتوفر فيها عدة مقومات حتى تكون مرضية منها: أن يختارها الشعب عبر إنتخابات حرة ونزيهة وبعيدة عن الضغوط الأجنبية ـ سواء من قوات الإحتلال أم الدول الإقليمية أم غيرها).

إذن نخلص من هذا الى القول بأن الشرعية هي أساس النجاح الحكومي، ولهذا غالبا ما تفشل الحكومات القائمة على الاكراه والقوة والبطش والتضليل وما الى ذلك من أساليب تنتهجها الحكومات اللاشرعية، فتسقط بشتى السبل، وغالبا ما ترافقها أعمال عنف تأتي كرد فعل على العنف الحكومي نفسه، لهذا ينبغي أن يسعى السياسيون بكل إمكانياتهم لصياغة قانون انتخابات ترتكز منطلقاته من المصلحة الوطنية قبل أي شيء آخر، وذلك لضمان التمثيل الصحيح للشعب وضمان النتيجة الحقيقية لأصوات الناخبين، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه، قائلا في هذا المجال: (يجب ان تكون الإنتخابات حرة ونزيهة بحيث يكون للشخص الواحد صوت واحد، ويكون عدد نواب كل منطقة حسب كثافتها السكانية، فمثلا يكون لكل مائة الف شخص نائب واحد، فالمدينة التي يقطنها مليون يكون لها عشرة نواب، والتي يقطنها ثلاثمائة ألف يكون لها ثلاثة نواب، والتي يقطنها خمسون ألف تضم إلى منطقة اخرى ليكون المجموع مائة الف فيكون للمنطقتين نائب واحد).

مستقبل العراق وهدف الاستقرار

لذلك لابد أن يتعاون الجميع، وأولهم الحكومة والجهات الاخرى التي تتصدر قيادة مكونات الشعب، لكي يُبنى المستقبل الأمثل للعراق، من خلال بناء الركائز القوية والصحيحة في الوقت الراهن، بمعنى أننا جميعا لاسيما الذين يتبوؤون مركز الصدارة ينبغي أن نسهم في تأسيس وبناء أساسيات المستقبل الأفضل، ولعل هذه الأفضلية مقرونة بأسبابها، فإن غابت أسباب الجودة السياسية وغيرها، ستضيع فرصة بناء المستقبل المطلوب، يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في كتابه نفسه: (إن مستقبل العراق ـ بإذن الله تعإلى ـ سيكون بخير، شرط تحقق أمور، ومنها:

اولا: عدم هضم حقوق أية مجموعة من الشعب، وإعطاء الأكثرية حقوقها كاملة غير منقوصة، وكذلك إعطاء الأقليات حقوقها، قال الله تعإلى «لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ»-1-، وعليه فإن لبننة العراق ـ بمعنى جعل الديمقراطية فيه مثل لبنان ـ ينطوي على مخاطر حرب أهلية، فيلزم تحكيم نظام الشورى الحقيقية عن طريق الإنتخابات الحرة والنزيهة.

ثانيا: إلغاء قوانين النظام البائد والأنظمة التي سبقته، وتشريع قوانين جديدة في مختلف مناحي الحياة، لأن تلك القوانين لا يتطابق كثير منها مع الإسلام، كما أن كثيرا منها مزاجية أملتها رغبة الدكتاتوريات البائدة، ويكون التشريع عبر مجلس منتخب بإنتخابات واقعية وبإستشارة الثقاة من أهل الإختصاص، شرط أن لا يتعارض أي قانون مع الإسلام، قال الله تعإلى: «وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»-2-.

ثالثا: تأمين الحرية الكاملة للحوزات الدينية والمعاهد العلمية لتقوم بدورها المنشود في خدمة الدين وتقدم البلاد وإزدهارها وبث الثقافة في أوساط الشعب.).

نبذ العنف ورفضه

أخيرا لابد من الاعتراف بأن التجارب السياسية حديثة التكوين والبناء، ترافقها معوقات ونواقص شتى، وجلّها تحدث بسبب الرفض الذي تواجهه من أعدائها، فلكل جديد أعداء، منهم من يعلن موقفه ومنهم من يفضل العمل في الخفاء، وفي كل الاحوال قد تلجأ بعض الجهات الى العنف لتحقيق بعض المآرب، أو لتحقيق بعض الحقوق المشروعة أصلا، فيكون العنف منهجها، وهو سلوك ومنهج خاطئ حتما ولا يمكن تبريره في أي حال، لهذا يعلن سماحة المرجع الشيرازي موقف المرجعية، في هذا الصدد قائلا: (نحن من دعاة السلم، وبه يمكن الوصول إلى الحقوق المشروعة، والعنف على الأغلب لا يؤدي إلى نتيجة، وأما استهداف المدنيين العزل وقتلهم فإنه جريمة لا يرضاها عقل ولا شرع).

ولا نعتقد أن هناك من يرفض الدعوة الى انتهاج السلم طريقا لتحقيق الاهداف المطلوبة ومنها الحقوق المشروعة ايضا، لكن يبقى الحوار هو سيد المناهج وأصلحها للعراقيين جميعا.

هامش:

(1) سورة البقرة: الآية 279.

(2) سورة المائدة: الآية 44.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/تشرين الثاني/2011 - 27/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م