تراكم المعرفة المهنية ودورها باحتواء الازمات الامنية

رياض هاني بهار

الخبرة إضافة وإغناء وهي النصف الآخر للكفاءة أوهي الوجه الآخر لها، فلا وجود لكفاءة خام حين نعني أنها المقدرة على تولي المسؤوليات والإدارة بطريقة مثلى، التجربة والخبرات المستفادة هي ما يشكل جوهريا عنصر(الكفاءة).

 وللأسف فإن لا مسؤول يريد أن يتعلم ويتدرب في مضمار عمله ويكتسب الخبرة ويعكسها عمليا. أما السبب فيكمن في أنه يرى المنصب استحقاقا ناله لأهليته وجدارته، لقد صنّم ذاته باعتماده على المحيطين به من اقاربه وطائفته ويعض من افراد منطقته وهو أسلوب لم يعد يتناسب مع روح العصر ولا يقبل إضافة شيء جديد.. وانتهى الأمر.

ونسترشد بالمقولة (العقلية السياسية المتخلفة هي التي تعطيك أقوالا وأفعالا ميتة) ان الازمات الامنية هي نتاج وافراز من ازمة سياسية.

وما اكثر الازمات الامنية بالعراق والتي ولم توثق بأرشيفنا ولم نستفاد من تجاربها، علينا ان نستفاد من اخطائنا ونضع برامج لتثقيف رجالات الامن وان تضع اناس اصحاء بالتعامل مع الازمات ولو راجعنا الاحداث القريبة للتغيير بالربيع العربي لوجدنا بداياتها ازمات بسيطة لن يتم احتوائها وهذا ما يؤشر الى سوء الإدارة الأمنية والتخلف السياسي، ومن الضروري تحديد تعريف لإدارة الأزمة الامنية:

ان تعدد مفاهيم الأزمة وإدارة الأزمة واختلاف وجهات النظر حول مفهومها وهناك اختلاف وتباين من شخص إلى آخر. فقد اختلفت التعريفات بحكم تباين التخصصات وتنوع والأفكار والآراء، حيث إن هذا الموضوع يمثل أحد اهتمامات المشتركة بين الإداريين وعلماء النفسي والاجتماع والسياسيين ومن الطبيعي أن يختلف وجهات النظر ومن ثم يصعب وضع تعريف لها يقبله الجميع. وعرفت بأنها: نظام يستخدم للتعامل مع الأزمة تجنب وقوعها، والتخطيط للحالات التي يصعب تجنبها؛ بهدف التحكم في النتائج، والحد من الآثار السلبية.

إدارة الأزمة هي: الخطوات التي تتخذ لتقليل مخاطر التي تبذل لمواجهة أو الحد من الآثار السلبية المترتبة على الأزمة، وهي علم وفن تجنب مواجهة الحالات الطارئة والمفاجئة بسرعة وكفاءة وفاعلية عن طريق استخدام الوسائل العلمية في التنبؤ بالأزمة قبل وقوعها، بحيث تجعله قادرًا على التعامل مع تلك الحالات بهدف المنع أو التخفيف من حدة التهديدات في حالة حدوثها، وذلك لصالح المنظومة المجتمعية من خلال التخطيط في ظل ظروف عدم التأكد المقترن مع ضيق الوقت بحيث يصبح أكثر قدرة على الرقابة والتحكم في الأخطار من خلال تنسيق عمليات المواجهة، والسيطرة على الموقف باستخدام كافة الوسائل والإجراءات والأنشطة والعمل كذلك على استخلاص الدروس والنتائج من تجربة الأزمة لمنع تكرارها.

تتفق على أن إدارة الأزمة هي أسلوب للتعامل مع الأزمة باستخدام أساليب منهجية علمية سليمة تتمثل في:

التخطيط، التنظيم، التوجيه، والمتابعة، وتشكيل عضوات فرق الأزمات، والقيادة، ونظام الاتصال، ونظام المعلومات، والتقويم.

ومن خلال ذلك الاستعراض لمفاهيم إدارة الأزمة يمكن التوصل إلى أن مفهوم إدارة الأزمة يمكن التعبير عنه بأنه "أسلوب للتعامل مع الأزمة بالعمليات المنهجية العلمية الإدارية، من خلال: اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية، التي تعمل على تلافي حدوث الأزمة والتقليل من آثارها السلبية، وتحقيق أكبر قدر من النتائج الايجابية، والتنسيق بين جهود أعضاء الفريق والهيئات المساندة التي تبذل لإدارة الأزمة، وترشيد خطوات فريق الأزمة وتزويده بالمعلومات اللازمة لإدارة الأزمة، والإشراف على سير العمل في موقف الأزمة، للتأكد من صحة مسارات وتنفيذ خطط الطوارئ، وتشكيل فرق لمواجهة الأزمات حسب طبيعة ونوعية كل أزمة قادرة على التعامل مع الأزمات، والتأثير في فريق الأزمة لدفع نشاطهم وحفزهم على اتخاذ القرار المناسب، الذي يتميز بالفاعلية والرشد والقبول لموقف الأزمة، وتبادل المعلومات والأفكار المتعلقة بالأزمة من خلال توفير نظام اتصال فعال يتكون من الأفراد والتجهيزات اللازمة، يمكن من إدارة الأزمة بفاعلية، واتخاذ القرار المناسب في موقف الأزمة، في ظل ضيق الوقت، ونقص المعلومات، وتسارع الأحداث، واعتبار الأزمات فرصًا للتعلم، من خلال تقييم موقف الأزمة، والإجراءات التي اتخذت في التعامل مع الأزمة ومحاولة تحسينها".

ومن ذلك تحديد الاهداف والأولويات وتبنى سياسات للمبادرة وفق تخطيط مسبق، والتعبئة الشاملة وفتح قنوات للتنسيق مع مختلف الجماعات والفاعليات، ومحاولة استعادة النشاط الطبيعي إلى المجتمع محل الأزمة أو الكارثة بأقل تكلفة ممكنة، وإعداد فريق عمل يحظى بصلاحيات، وخصائص وسمات، وخبرة وتدريب، وروح معنوية، وقيم كإنكار الذات والولاء والتضحية والأسلوب الجماعي فى العمل، وإعداد خطط بديلة بحيث يمكن التغلب على أوجه القصور.

والأزمة الأمنية تتميز بسمات خاصة بسبب طبيعة الأمن وخطورة المساس به سواء على صعيد الفرد أم على صعيد المجتمع, الأمر الذي يضاعف من حجم الإحساس بجسامة أي محاولة للنيل منه، وخطورة أي إجراء غير مناسب للعمق السيكولوجي لها مما يوجب ولذا يجب أن تلاحق الأزمة الأمنية ومظهرها السائد في العراق المسمى (بالفلتان الأمني)، أول ما تلاحق في عمقها السيكولوجي الذي يؤثر على جميع أبعادها، كونه يؤطر للمشكلة، ويضع لها رأسا للبروز، فتستفحل في المجتمع وتتشعب لتشمل جميع مناحي الحياة الأخرى، وبالتالي تتأثر بها حركة الفرد والمجتمع بشكل سلبي.

يجب تبني التنبؤ الوقائي كمتطلب أساسي في عملية إدارة الأزمات من خلال إدارة سبّاقة وهي الإدارة المعتمدة على الفكر التنبؤي الإنذاري لتفادي حدوث أزمة مبكراً عن طريق صياغة منظومة وقائية مقبولة تعتمد على المبادأة والابتكار وتدريب العاملين عليها. بأن طبيعة ومستويات الجاهزية في المنظمة تجاه الأزمات تتناسب طرديًا مع واقع الاتجاهات الوقائية أو العلاجية لدى العاملين في تلك الادارة، فقد اثبتت الدراسات التناسب الطردي بين الحل الوقائي للأزمات والقدرة على مواجهة الأزمات بمستوى جاهزية عال..

1. إيجاد وتطوير نظام إداري مختص يمكّن المنظمة من التعرف على المشكلات وتحليلها ووضع الحلول لها بالتنسيق مع الكفاءات المختصة.

2. العمل على جعل التخطيط للأزمات جزءًا هامًا من التخطيط الاستراتيجي.

3. ضرورة عقد البرامج التدريبية وورش العمل للموظفين في مجال إدارة الأزمات.

4. ضرورة التقييم والمراجعة الدورية لخطط إدارة الأزمات واختبارها تحت ظروف مشابهة لحالات الأزمات وبالتالي يتعلم الأفراد العمل تحت الضغوط.

5. التأكيد على أهمية وجود نظام فعّال للإنذار المبكر.

هناك نوعان من أساليب حل الأزمات الأول معروف متداول، ويصطلح عليه بالطرق التقليدية، والثاني عبارة عن طرق لا تزال في معظمها، قيد التجريب ويصطلح عليها بالطرق غير التقليدية، واهم هذه الطرق:

انكار الأزمة: حيث تتم ممارسة تعتيم اعلامي على الأزمة وانكار حدوثها, واظهار صلابة الموقف وان الأحوال على احسن ما يرام وذلك لتدمير الأزمة والسيطرة عليها. وتستخدم هذه الطريقة غالبا في ظل الأنظمة الدكتاتورية والتي ترفض الاعتراف بوجود اي خلل في كيانها الإداري. وأفضل مثال لها انكار التعرض للوباء اواي مرض صحي وما إلى ذلك.

كبت الأزمة: وتعني تأجيل ظهور الأزمة، وهو نوع من التعامل المباشر مع الأزمة بقصد تدميرها.

اخماد الأزمة: وهي طريقة بالغة العنف تقوم على الصدام العلني العنيف مع قوى التيار الازموي بغض النظر عن المشاعر والقيم الإنسانية وهي اساليب يستخدمها الأنظمة الاستبدادية.

بخس الأزمة: أي التقليل من شأن الأزمة (من تأثيرها ونتائجها). وهنا يتم الاعتراف بوجود الأزمة ولكن باعتبارها أزمة غير هامة.

تنفيس الأزمة: وتسمى طريقة تنفيس البركان حيث يلجأ إلى تنفيس الضغوط داخل البركان للتخفيف من حالة الغليان والغضب والحيلولة دون الانفجار وهذا ما تتجه اليه الأنظمة الديمقراطية.

تفريغ الأزمة: وحسب هذه الطريقة يتم ايجاد مسارات بديلة ومتعددة امام قوة الدفع الرئيسية والفرعية المولدة لتيار الأزمة ليتحول إلى مسارات عديدة وبديلة تستوعب جهده وتقلل من خطورته.

نحن بحاجه الى مسؤولين من طراز ممن يؤمنون(بتنفيس الازمة) واحتواءها ومغادرة سياسة افتعال الأزمات وليس علاجها.

* خبير بالشؤون الامنية

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24/تشرين الثاني/2011 - 27/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م