هور الدلمج... تنوع بيئي وأحيائي يتوسّط الديوانية وواسط

تحقيق: منتصر الطائي

 

شبكة النبأ: نحو 20 كم شمال مركز قضاء عفك جنوب شرق محافظة القادسية، يقع "هور الدلمج" متوسطا المسافة التي تربط المحافظة بمحافظة واسط، ويمثل هذا الهور الشغل الشاغل للكثير من المهتمين بواقع الأهوار والمحميات الطبيعية في العراق.

ثروات اقتصادية

ويعتبر المصب العام "النهر الثالث" الممول المائي الرئيس والوحيد لهور الدلمج، والذي يتعرض بين فترة وأخرى الى عمليات "صيد جائر" اعتبرها المعنيون بواقع الاقتصاد والبيئة بمثابة عملية إبادة جماعية للأسماك والطيور والأحياء النباتية والمائية الموجودة في الهور والنهر الثالث.

وبحسب الإحصائيات الرسمية الأخيرة، فأن هور الدلمج يحتل مساحة 102 ألف دونم، وبذلك يعتبر من الثروات الاقتصادية المهمة لمدينة الديوانية، ومن الممكن إن يكون ثروة سياحية كبيرة لا على مستوى العراق بل العالم اذا ما استثمر او اعلن محمية طبيعية.

وتولي مديرية البيئة في محافظة القادسية، أهمية كبرى في متابعة ملف هور الدلمج وبذلت مساعي كثيرة من اجل منع التجاوزات عليه وإقناع أصحاب القرار بأنه من الممكن استثماره ليكون معلما سياحيا استثماريا بيئيا كبيرا يدر بالأموال الكثيرة إضافة إلى الشهرة العالمية، بعد اعتباره محمية طبيعية، وتعود هذه الجهود والمساعي التي لم تنقطع الى عام 2007.

 يقول مدير بيئة محافظة القادسية المهندس حيدر عناج عيدان إن القسم الأول من هور الدلمج يقع ضمن الحدود البلدية لمحافظة واسط فيما يقع الثاني ضمن الحدود البلدية لمحافظتنا في الجزء الشمالي الشرقي منها، وهو يتسع بالجزء التابع لنا.

موضحا ان لهذا الهور خصوصية اقتصادية بالغة الأهمية في المحافظة حيث يعتبر اكبر مشروع طبيعي في المحافظة والذي يشكل بحد ذاته ثروة مهمة في حال تطويره والارتقاء بمستواه البيئي واستحداث طرق علمية واستثمارية عالية المستوى, وكان مقترحنا بهذا الخصوص جعله محمية طبيعية وقمنا بمفاتحة وزارة البيئة والحكومة المحلية لتوفير هذا المشروع والسعي في إيجاد ركائزه.

أحياء متنوعة

أعماق وأحياء هور الدلمج مختلفة، وبحسب مدير شعبة النظم البيئية في مديرية بيئة القادسية البيولوجي عباس عبد سفيح الخفاجي أن أعماق الهور تبدأ بواقع 2,5م وتنحدر إلى أن تصل إلى  4,5م كأعلى عمق له، ويتميز الهور بوجود غطاء نباتي مؤلف من نباتات مائية بارزة من نبات القصب والبردي والجولان ونباتات مائية غاطسة كالشمبلان كما وتنتشر فيه نباتات برية متنوعة مثل الطرطيع والطرفة وغيرها ويغطي نبات القصب النسبة الأكبر من نباتاته.

وتكثر في الهور الثروة السمكية بنسبة كبيرة وتتنوع إلى أن تصل إلى سبعة أنواع تقريبا وتوجد فيه ما يقارب 17 نوعا من الطيور المهاجرة والمستوطنة وتعتاش عليه أنواع من الحيوانات من الجاموس والأغنام وحيوانات برية كإبن آوى والخنازير والذئاب والقطط البرية والأفاعي وغيرها.

ويسكن بالقرب منه عدد من السكان يصل عددهم إلى 80 فردا 38 هو عدد الذكور منهم فيما يبلغ عدد الإناث 42وهم في ازدياد مستمر.

انعدام الخدمات

وقال الخفاجي إن سكان منطقة الهور يعانون من انعدام الخدمات الأساسية مثل التيار الكهربائي والماء الصالح للشرب والطرق المعبدة والرعاية الصحية فضلا عن التعليم ويعتمد سكان هذه المنطقة على موارد الهور اعتمادا كليا فهم يقتاتون على الأسماك والطيور الداجنة والأغنام والجاموس.

لافتا الى انهم فاتحوا دائرة ماء الديوانية لتوفير محطة تصفية وبدورها اشترطت وجود تيار كهربائي في المنطقة الأمر الذي بدا مستحيل التوفير بسبب بعد المسافة بين سكان منطقة الهور واقرب منطقة لهم وهي قرية (الكرينات) التي تبعد عنهم بحدود 17 كم.

وتنفذ دوائر الصحة والبيطرة والشرطة البيئية في القادسية، حملات تتضمن التوعية الشاملة من مخاطر الإمراض الانتقالية المصاحبة لبيئة الاهوار ومن أبرزها مرض الأنفلونزا الوبائية (انفلونزا الطيور و الخنازير) وأمراض الكوليرا والتهاب الكبد الفيروسي والناتجة من التعامل اليومي مع مياه الهور.

صيد جائر

وشدد الخفاجي على ضرورة منع الصيد الجائر وخصوصا في أوقات تكاثر الطيور والأسماك الذي تعددت طرقه غير القانونية مما يسبب بالنتيجة هدرا في أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية وابادة جماعية للأحياء المائية فيها.

مشيرا انه للحد من هذه الظاهرة قمنا بمفاتحات كثيرة لمديرية شرطة الديوانية والتي وفرت نقطة حراسة ثابتة على الهور فضلا عن الدوريات المستمرة لعناصر الشرطة ولكن نظرا لكبر مساحة الهور وكونه نقطة مشتركة بين محافظتنا والمحافظات الأخرى جعل من مهمة السيطرة على الصيد مهمة صعبة ونحن وباعتبارنا الطرف المسؤول عن مراقبة متغيرات الهور في  جوانبه البيئية والخدمية لدينا زيارات متكررة للوقوف على المتغيرات وسبل معالجتها وسبل الارتقاء بواقعها ولدينا دراسات بهذا الشأن كما ولدينا استطلاعات بحثية ورقابية أخرى.

تصاميم ودراسات

فيما كلّف محافظ القادسية سالم حسين علوان لجنة تتولى مهمة وضع تصاميم ودراسات شاملة لمعرفة بداية الانطلاق والشروع في العمل، وقال إن الأسماك المتنوعة وقرابة (1200) نوع من الطيور المهاجرة النادرة وتربية الأبقار والجاموس والزراعة والآثار، وجمال الطبيعة والبيئة والأجواء السياحية المميزة التي تبدأ من شهر تشرين الأول لغاية شهر نيسان، يوجب علينا تعبيد الطرق المؤدية لهذه المرافق السياحية المهمة.

وأشار علوان إلى أن دول العالم تحفر الآبار في الصحراء بحثا عن الماء لتصنع الطبيعة وتنشئ عليها المجمعات الترفيهية والسياحية ، فيما نمتلك المياه بوفرة في مسطحاتنا التي تضم أنواع الخيرات لكننا نغض الطرف عنها وهذا ما يوجب علينا إعادة النظر في سياستنا.

وسعت محافظة القادسية خلال الأشهر الماضية إلى استغلال هذا المسطح بما يخدم مصلحة المدينة ويؤمن لها موارد اقتصادية لا تبتعد أرقامها كثيرا عن موارد الحقول النفطية أو المنافذ الحدودية أو السياحة الدينية التي تفتقر لها الديوانية والتي تعتمد بشكل مباشر ورئيس على الزراعة فقط إذا ما استغلت بشكل صحيح.

مسطح جاهز للاستثمار

مستشار محافظ القادسية للشؤون الزراعية المهندس علي مانع البديري يرى أن مسطح الدلمج لا يقل أهمية عن حقول النفط وآباره وهو ما يوجب علينا العمل بجدية لاستثماره والاستفادة منه لما له من مردودات ينتفع منها أبناء المحافظة حيث يضم ثروة سمكية وحيوانية هائلة تشكل موردا لا يمكن تعويضه إذا ما استثمرت بالشكل الحقيقي.

وأضاف مانع أن المسطح جاهز للاستثمار، فبالنسبة للجانب الأمني مشجع خاصة بعد أوامر القائد العام للقوات المسلحة بتواجد وحدات من الجيش لحراسة المسطح والحفاظ على أمن المستثمرين فيه ومشاريعهم التي ستسهم في توفير إيرادات هائلة للمحافظة التي حرمت طوال السنوات الماضية.

دراسات الجدوى

ويقول مدير عام هيئة استثمار الديوانية وكالة حسن الياسري إن العالم اليوم يعتمد على دراسات الجدوى التي تسبق أي مشروع استثماري لإقناع المستثمر ، ونأمل أن يكون لكلية الزراعة التابعة لجامعة القادسية دور في إعداد الدراسات للمشاريع الاستثمارية في هور الدلمج ، خاصة بعد تشكيل لجنة مشتركة من وزارة الزراعة وهيئة الاستثمار لدراسة واقع المسطح بين المحافظات الثلاث تقدم تقريرها خلال شهر للوزارة.

مبينا أن الزيارة الميدانية لهور الدلمج والمصب العام اللذين يشكلان ثروة وطنية متكاملة تفتح الأفق وتبعث على الأمل بأن يتمكن أبناء الديوانية من إيجاد مورد بديل عن النفط والسياحة والمنفذ الحدودي التي حرمت منه ، ويمكن من خلال الاستثمار لهذه الثروة تشغيل آلاف العاطلين عن العمل وتوفير الموارد المالية للمحافظة وإيجاد متنفس سياحي يعوض أهل المدينة عن الحرمان.

وأضاف الياسري لكون المسطح يقع على طريق يمر بها الوافدون للعراق من الشرق سيشكل منتجعا سياحيا تجاريا مهما يؤمن جذب الأموال التي تعود بالتالي لمشاريع ينتفع منها المواطن وتجعل من مدينته منارا للسائحين.

قانون (35) لسنة 1969

معاون مدير زراعة القادسية ناظم عبد الحسن لفت إلى أن قانون (35) لسنة 1969 والذي أجاز حيازة مساحة (5000) دونم للمستأجر أضاع الكثير من الأراضي، ويعتبر هور او مسطح الدلمج واحدا من هذه الأراضي.

موضحا أن صاحب العقد لا يستغل من تلك المساحة أكثر من مائة إلى مائتي دونم كحد أعلى ويضيع باقي المساحات ، وقد طرحنا مشروعا إلى وزارة الزراعة لتقليل مساحات الأراضي الزراعية العائدة للمستأجرين بما لا يزيد على مائتي دونم ، وهو ما واجه عرقلة من حيث عدم مقدرة الوزارة على تجاوز التشريعات النافذة.

وأضاف عبد الحسن أن الوزارة أحالت المقترح إلى مجلس النواب ليشرع قانونا يحدد مساحة الأرض للمستأجر وفق قانون (35) وبذلك يرفع القيد الذي يكبل يد مديرية زراعة الديوانية في السماح بتنفيذ المشاريع الاستثمارية في المحافظة، وفي حال صدور هذا القرار ستكون هناك مساحات شاسعة يمكن لنا أن نستثمرها في مشاريع تخدم البلد وليس المحافظة فقط.

خمسة متقاعدين

قائم مقام قضاء عفك ماجد المنذور لفت الى سيطرة خمسة متعاقدين على المسطح من زمن النظام البائد وبأسعار بخسة جدا لا تعد تذكر، تعاقدوا عليها مع مديرية الثروة السمكية في وزارة الزراعة ، وبغياب سلطة المحافظة والحكومة المحلية على هذه الدائرة بسبب الصلاحيات الوزارية، كانت في مقدمة الأسباب التي أدت الى عدم استثمار هور الدلمج حتى الآن بالشكل الصحيح.

مبينا أن هناك إمكانية استغلال الأرض المحاذية للمحرم والمصب العام وتقدر مساحتها بأكثر من 50 كم لم تكن مستغلة في السابق كبحيرات أسماك ومحميات للطيور النادرة المهاجرة من الشرق والجنوب التي تستقر في منطقة الهور لمناخه المناسب.

تنشيط السياحة والصناعة

بدوره، يؤكد مدير المصب العام في الديوانية المهندس محمد فتاح عبد الله أنه يمكن استغلال هذه المسطحات والتي تعتبر بحيرات اصطناعية بجميع المجالات الزراعية والثروة الحيوانية ومنها تربية الجاموس والأبقار والأغنام والأسماك والدجاج ،كما يمكن إنشاء معامل ألبان وأعلاف ومفاقس وصناعة غذائية ، وكذلك تنشيط السياحة من خلال تنفيذ المشاريع الفندقية والقرى السياحية لوجود هذه العوامل مع الطبيعة والمناخات الجوية التي تتميز بها المنطقة لتكون رافدا ماليا لا ينضب للمحافظة وأهلها.

ودعا عبد الله، المحافظة إلى البحث والتحري عن ضياع إيرادات الهور والمستفيد منها في الفترة الماضية، مبينا أن المساحة المثبتة في خرائط (GBS) لدى مديرية الزراعة والمصب العام تبلغ (102) ألف دونم تضرب بطول المساحة يمكن لهيئة الاستثمار إذا طرحتها من تأمين الغذاء السمكي من نوعيات نادرة جدا والطيور للمحافظة وتصدرها إلى باقي المحافظات لتؤمن مردودا ماليا وطنيا يفوق جميع التوقعات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 23/تشرين الثاني/2011 - 26/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م