في العراق في بغداد في عام 1994 كان يسكن شاب يعمل حلاق على بعد عدة
مساكن من بيتي، فجأة انقلب الى مستثمر لأموال الناس مقابل فوائد عالية
وخلال أسابيع بدأت شهرته تتسع وأصبحت الأموال تأتيه من عدة مناطق في
بغداد، وبالرغم من انه لم يكن يختلف اثنان على إن في الأمر خدعة وان
العملية لا تعدو من نصب واحتيال أو إحدى ألاعيب النظام السابق، لكن
العديد من العوائل بدأت تسلم مدخرات عمرها له في ظرف اقتصادي صعب جدا
بسبب الحصار الدولي على العراق.
ورفع سامكو نسبة الفائدة لتصل الى 70% وهنا رأيت بأم عيني كيف جن
جنون الكثير من الناس وخلال ثلاثة أشهر فقط كان هناك عشرات الآلاف من
الناس من جميع أنحاء البلاد، وحتى من القرى النائية جاء بسطاء من الناس.
وأيضا من رجالات الدولة: من ضباط ومدراء، ومن الكسبة والأطباء ورجال
القانون، وسلموا كل ما يملكون له. ومن لا يملك المال كان يبيع أثاث
منزله وثيابه من اجل نسبة الفائدة العالية بل وصل الطمع لدى البعض الى
بيع بيوتهم بثمن بخس حتى لا يفوتهم شهر من تلك الفائدة الخيالية.
صحيح إن من انغمس بذلك العمل لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة من المجتمع
لكنهم تحولوا الى ظاهرة تستحق وقفة تأمل.
وبعد عدة أشهر ضاعت أموال الجميع، ولم ينبس احد ببنت شفة، لأنه كان
يشترط على المتعاملين معه أن يخلوه من كل مسؤولية ومن كل تبعات قانونية
وكان يقول لكل من يأتي إليه: إن أموالك لا تسلمها لي بل ترميها في
النهر- أي للضياع- فان وافق الشخص تم قبض أمواله ولن يكون سامكو مسؤولا
عنها.
ما جعلني أتذكر تلك الحادثة هو أمير المؤمنين عليه السلام حيث تحل
اليوم ذكرى تصدقه بالخاتم في الصلاة حيث انه حتى مع انقطاعه الى الله
كان يستشعر آلام الفقراء والمستضعفين، كان يستعذب آلام الحاجة ويرى
آثارها على ملامح سبطي الرسول وابنته ولا يحب أن يراها في عيون الأيتام
والمساكين.. ترى هل هناك معنى للإنسانية أعظم من أن تشعر بآلام الآخرين
وتتناسى آلامك؟
إن جميع الفوائد المصرفية – الربوية – لا تتجاوز 100% وهو ما يساوي
ضعف واحد، أما المتاجرة مع الله في سبيل أعمال الخير ورعاية المعوزين
فإنها بسبعمائة ضعف، كما يؤكد على ذلك قوله تعالى:
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ
مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ ) سورة البقرة 261.
ترى كم مقدار الفائدة؟ إنها اكبر من نسبة سامكو 1400 مرة. لذا فان
السؤال هو لماذا لا يتاجر الناس مع الله؟ لماذا لا يذهبون بنفس الحماس
للمتاجرة مع الله عز وجل؟
ربما السبب ببساطة هو لأنهم لا يثقون بالله...
ولكن هل يمكن لعاقل أن يصدق بوجود الله ثم لا يثق به؟
إذن السبب هو إنهم لا يصدقون بوجود الله؟
ربما يقولون غير ذلك بأفواههم لكنهم لا يؤيدون ذلك بأفعالهم
ولتجدنهم اشد الناس حرصا على الدنيا
هل نستطيع أن نعطي الله كل ما نملك كما فعل المتاجرين مع سامكو؟
هل يمكن أن نسمع عن إنسان ولو من كل مليون قد باع بيته ليتاجر به مع
الله؟!
كنت أرى النساء تبيع حليهن وثيابهن من اجل فائدة ربوية لم تصل حتى
الى ضعف واحد من المال فهل يبعن حليهن مقابل 700 ضعف؟
ربما يستطيع أن يتفلسف البعض بالمسالة ويقول إنها ليست مسالة حسابية،
و..و.. ليقل ما يقول ولكن أليست مفارقة أن يتاجر البعض بجنون مع
محتالين يعلنون ذلك بصراحة ثم تجد البعض يتبرع ببضع دريهمات وعلى مضض
للمتاجرة مع الله علما إنها لا تذهب الى البنك الإلهي التجاري بل الى
جاره الفقير أو قريبه اليتيم؟
عجبا نرضى أن نتاجر مع سامكو المحتال ولا نقبل المتاجرة مع الله؟
يخلي سامكو مسؤوليته عن ضياع مالك ولو بعد لحظة واحدة من استلامه
بينما يتعهد الله عز وجل على حفظ كل ما تعمله من خير وما تنفقه في سبيل
الله ولو كان مقداره نقيرا، كما وعدنا ربنا في محكم كتابه بقوله:
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ
نَقِيرًا) سورة النساء 124. والنقير هو شق نواة التمر يقال للشيء الذي
لا قيمة له.
قد تغضب هذه المقارنة البعض لكنها الحقيقة...
لو تاجر الناس مع الله كما تاجروا مع سامكو لما بقي فقير أو معوز في
البلاد.
ولو اجتمع الناس بكل مشاربهم وأصنافهم على الله كما اجتمعوا على
سامكو لما عانينا من الصراعات والأزمات الى الآن.
هذه هي الحقيقة.. قد تكون مرة، المهم ماذا نحن فاعلون؟ هل ستأخذنا
الحماسة فنأخذ بضع دنانير الى اقرب الأيتام والمحتاجين منا؟ أم نبتسم
ونمضي بآذان من طين وأخرى من عجين لنجسد وصف الله: (أُولَئِكَ
الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ
تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ) سورة البقرة 16.
ملاحظة: في كل ومدينة وقرية هناك سامكو جديد بأشكال متعددة تغطي
جميع مجالات الحياة.
rasolpyscho@yahoo.com |