لماذا تأخّر المسلمون عن مواكبة العصر: أسباب وحلول

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: تشير الوقائع من دون أدنى شك الى تأخر المسلمين عن الركب العالمي، لذا ثمة اسباب تقف وراء ذلك، يعرفها معظم المعنيين من النخب والاثرياء وأولي الامر، ولكن ثمة حالات فكرية ونفسية وسلوكية، تحول بين هؤلاء وبين الاندفاع لمعالجة الاسباب، فالطمع بالسلطة والنفوذ والمال، تعد من أهم اسباب تأخر المسلمين لاسيما لدى الطبقة الحاكمة، كذلك انتشار الجهل وظاهرة اللامبالاة والاتكالية بين العامة، تعد من اسباب تأخر المسلمن أيضا، ناهيك عن التهرّب من المسؤولية، وعدم المشاركة في رفع المستوى الثقافي والمعاشي للفقراء من لدن الاثرياء، او الحكومات التي تتسلط على حياة الناس في حاضرهم ومستقبلهم.

دور المؤسسات الخيرية

علما أن رفع الوعي الثقافي لعامة الناس، ونشر المعرفة بين صفوفهم تتطلب تأسيس منظمات وجمعيات ثقافية تأخذ على عاتقها، هذه المهمة الكبيرة التي تعمل على مساعدة الناس كافة، على فهم حقوقهم وواجباتهم وعدم التفريط بحرياتهم السياسية على وجه الخصوص، كونها المفتاح الذي يؤدي الى فتح الابواب واسعة امام المشاركة الشعبية الواسعة في صنع القرار وما شابه.

في هذا الخصوص يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (انفقوا لكي تتقدموا)، قائلا: (لا يتقدم الإسلام إلا إذا كانت هناك مؤسسات ومشاريع ووعي جماهيري لدى المسلمين، بما يتطلبه العصر الحاضر، وإلا فالأعزل عن المشاريع، والمؤسسات، لايتمكن أن يقاوم من له المؤسسات والمشاريع فإن الغرب القابض على زمام المسلمين ــ اليوم ــ مزود بأكبر قدر من الرجال والمال والتفكير والتخطيط. والمؤسسات والمشاريع وسائر مقومات الحياة، في أدق معاني المقومات).

هكذا يكون دور المؤسسات الخيرية، واضحا وكبيرا في تأثيره على عموم شرائح المجتمع، لهذا لجأ الغرب الى هذا الاسلوب لمواصلة زيادة الوعي والتثقيف بين شرائح المجتمع كافة، لكن الامر يتطلب اموالا كبيرة، وعوامل مساعدة أخرى تصب في هذا الاتجاه.

المال والرجال

أثبتت التجارب في الماضي والحاضر، أهمية الاموال لتأسيس المؤسسات التي تتحمل عبء التثقيف وزيادة الوعي الشعبي، وأهمية وجود الرجال من اصحاب القول النافذ، تلك التي تتحلى بالحكمة والقيادة السديدة، لتوظيف الاموال في مكانها الصحيح، حيث ينبغي تأسيس الجمعيات والمنظمات والمكتبات وغيرها، مما يصب في تحسين الوعي الجماعي، والثقافة العالية، والحس التقدمي المتواصل، لذا ينبغي العمل على إقامة المؤسسات التي تُعنى بالثقافة السياسية والاجتماعية والدينية، لكي تكون منظومة شاملة تحصّن وعي المجتمع، وتجعله اكثر فهما وادراكا لحقوقه، لكن الامر يحتاج الى أموال ورجال، يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (لا تحصل المؤسسات والمشاريع والوعي إلا بالمال والرجال، والرجال تجمعهم المؤسسات التصاعدية، فاللازم التأسيس في أسرع وقت وبكمال الدقة والحزم، والمال يأتي به الجهد المتواصل عن خبرة وجرأة ومعرفة الحاجة وقدرة الإقناع، بما يتطلبانه من علم النفس وعلم الاجتماع وغيرهما، وإلا فلا أحد يقول: هاكم المال خذوه واصرفوه كيف شئتم وفيم شئتم).

مساهمة الاغنياء الفعالة

نعرف جميعا ما هو دور المال في زيادة الوعي والثقافة، كونه هو مصدر قدرة الانسان على بناء المؤسسات الخيرية والمنظمات القادرة على التثقيف الجماعي، حيث لابد أن تتوافر بنايات وكوادر عمل وما الى ذلك من امور اخرى، وكل هذا يتطلب الى الاموال الكبيرة، وفي الغالب تكون الحكومات الاسلامية إما فقيرة نتيجة لسوء استخدام الموارد، وإما غنية لكنها تحرص على منافع اعضائها المادية، فتجعل الاموال العامة في خدمتهم حصرا، ولا يصل الى عموم الشعب سوى النزر اليسير الذي بالكاد يسد رمقهم، لهذا تظهر الحاجة قوية الى الاثرياء، ولابد أن يشاركوا بقوة في تشييد المؤسسات الخيرية والثقافية وتوفير العناصر اللازمة لتشغيلها، والسبب أن دور المؤسسات الاهلية مهم جدا في مجال التثقيف العام.

لذا يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (في الغرب اليوم أغنياء قد تعد ثروة أحدهم بالمليارات، فهل في بلاد الإسلام اليوم من تبلغ ثروته عشر هذه الثروة؟ كلا! ولماذا؟ لأن الإسلام إذا تأخر فالمسلمون كلهم متأخرون، ثريّهم متأخر عن ثريّ الغرب، وحاكمهم متأخر عن حاكم الغرب، وعالمهم متأخر عن عالم الغرب، وهلم جرا، فإذا بذل أغنياؤنا المال، لم يكونوا بذلك إلا مساهمين في تصعيد مستواهم، قبل كل شيء). وينصح الامام الشيرازي الاغنياء بوضوح قائلا:

(كل بلد تقلص فيها الإسلام تساقط فيه الأغنياء تساقط الورق في الخريف. أفليس من الأفضل أن يساهم الأغنياء في بناء الإسلام لكي يحفظوا أنفسهم من السقوط؟)

الامر أكبر من الخمس

وينبّه الامام الشيرازي الاغنياء والمعنيين جميعا، بالخطر الكبير المحدق بالامة، بمعنى أن القضية لا تتعلق بإمور هامشية يمكن معالجتها ببعض الخطوات البسيطة، بل هناك مشكلة كبرى نتجت عن تخلف الحكومات والاثرياء في معالجة الهوة الواسعة التي تفصل بين الناس وبين الوعي السليم، والسبب الدائم هو الفقر، والحاجة الى الاموال لكي تستخدم في زيادة الوعي والثقافة من خلال اقامة وادامة عمل المؤسسات المختصة.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (إن الأمر ليس أمر مقدار من الخمس يعطى رغبة أو رهبة، ولا أمر مقدار من التبرع يدفع منة أو كراهية، ولا أمر إطعام في ليالي رمضان لأجل الثواب أو الشهرة، ولا أمر مساهمة في إعادة فقير منقطع إلى بلاده، أو إرسال مريض إلى المستشفى، أو مشاركة في زواج أعزب، أو ما أشبه ذلك، إن الأمر أكبر من ذلك وأكبر، إنه مصير أمة وثروة بلاد، ووقاية حتى الأثرياء أنفسهم من غضبة الناس). ويضيف الامام الشيرازي، مؤكدا على إمكانية تضاؤل نقمة الفقراء على الاغنياء، قائلا: (أما كيفية امتصاص النقمة ضد الأغنياء، فبالبذل السخيّ للفقراء والمشاريع، وبعدم الاستفزاز في الإنفاق، سواء كان الاستفزاز من نوع الإسراف، أو من نوع التظاهر، أومن نوع الكبرياء، أو من نوع الفساد …)

لذلك ينصح الامام الشيرازي بوضوح قادة ونخب المسلمين بأهمية تشييد المؤسسات والمشاريع على نحو واسع، من اجل تحقيق الهدف الاهم في مجال التبليغ والتثقيف، وهي حاجة لا غنى عنها، مؤكدا في هذا الخصوص على: (إن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلى مشروعات واسعة النطاق، في جميع الحقول التأسيسية، والتبليغية، والتثقيفية، وما أشبه، سواء في داخل بلاد الإسلام أو خارجها، من مدارس، ومصحات، وجرائد، ومجلات، وإذاعات أهلية، وكليات، ومكتبات).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تشرين الثاني/2011 - 24/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م