شبكة النبأ: عندما ترى السماء وقد
تحولت الى صفحة حمراء، مع أصوات طلقات نارية لا تتوقف، ستعرف أن هناك
حدثا أو مناسبة فرح قد حدثت الآن، مثل هذا الصخب يحدث في العراق وفي
بعض البلدات التي اعتادت العنف كطريقة للتعبير عن أفراحها، فقد ذهب ضحة
مثل هذه السلوكيات القاصرة، عشرات من الابرياء، إذ نقلت الاخبار قبل
مدة، مقتل فتاة فلسطينية تسكن غزة اسمها فاطمة، حدث هذا في يوم حصولها
على نتيجتها الدراسية بتفوق، وقد تحوّلت الفرحة العارمة بتفوّق الفتاة
وحصولها على المرتبة الخامسة على مستوى القطاع في الثانوية العامة، إلى
فاجعة بعدما أن لقيت الفتاة حتفها على يد شقيقها الذي أطلق رصاصة واحدة
ابتهاجاً بتفوقها، لكن تلك الرصاصة أصابتها في رقبتها وأدت إلى مقتلها
على الفور. وتسبّب الحادث بحالة من الحزن والاستياء حتى أصبحت تلك
الظاهرة من الخطورة بمكان بحيث يعاني منها المجتمع الفلسطيني وبشكل خاص
في غزة.
مثل هذه الحوادث نجدها في المجتمع العراقي أيضا، لاسيما حين يفوز
المنتخب الوطني لكرة القدم، أو في غيرها من المناسبات، بل حتى في تشييع
الجنائز أو أثناء الفواتح، ففي مناسبات الفرح يحدث إطلاق نار تعبيرا عن
الفرح، وفي مناسبات الحزن يحدث إطلاق نار تعبيرا عن الحزن!!. والأغرب
من ذلك ورد خبر قبل شهور في احد المواقع الألكترونية، يقول إن
العراقيين إحتفلوا بخسارة فريقهم بإطلاق النار أيضا، إذ يقول هذا الخبر
(على الرغم من ان المنتخب العراقي بكرة القدم قد خسر مباراته امام
المنتخب الاسترالي مؤخرا إلا ان العيارات النارية انطلقت لتمزق السكون
الذي كانت عليه الاجواء بشكل صاخب أرعب الناس، وهو الامر الذي يبعث على
الحيرة والاستغراب خاصة ان المتعارف عليه انهم في الفوز يفعلون هذا).
إن هذا السلوك محيّر فعلا، كما أنه مرفوض جملة وتفصيلا، ولا تبرره
الافراح أو الاحزان، لسبب بسيط هو خطورته على ارواح الناس، وهو إن دل
على شيء، فإنه يدل على رسوخ العنف في نفسية العراقي وسلوكه، ونعني
الرجال خاصة والمجتمع عامة، وإلا مالذي يمكن أن يبرر اللجوء الى إطلاق
النار على نحو كثيف ومخيف، سوى العنف الذي رسخته السلوكيات السلطوية
سواءا كانت سياسية أو إجتماعية أو سواها؟. إن الحكومات المتعسفة التي
تعاقبت على حكم العراقيين، هي التي زرعت في نفوسهم مثل هذه الظواهر
القائمة على العنف المعلن والمبطّن في آن واحد، كما أن المنهج السلطوي
الابوي داخل العائلة العراقية سمح لبذور مثل هذه الظواهر العنيفة، أن
تنمو وتتزايد لدرجة أنها أصبحت تشكل مشكلة كبيرة، خاصة إذا عرفنا أن
أصحابها يلجأون لها في الافراح والاحزان وفي النجاحات والخيبات أيضا!!.
لقد ورد في وسائل الاعلام أيضا، أن وزارة الصحة طالبت مرارا باصدار
تشريعات تمنع اطلاق العيارات النارية اثناء الاحتفالات والمناسبات
لتسببها بحدوث اصابات خطيرة بين المواطنين، ودعت في اكثر من مناسبة
المسؤولين في الدولة ورجال الدين الى ضرورة توعية المواطنين بمخاطر تلك
العملية، وضرورة استعمال الطرق السلمية للتعبير عن افراحهم
واحتفالاتهم، فيما كانت وزارة الداخلية تصدر قراراتها للحد من هذه
الظاهرة وتهدد باعتقال المخالفين ومصادرة اسلحتهم ، ولكن دون جدوى ،
فيما كانت وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة تحذر من خطورة الاطلاقات
النارية العشوائية خاصة تلك التي تكون بسبب انتصارات المنتخب العراقي
حين تمتليء الشوارع بحشود المحتفلين.
ومع ذلك لانزال نعيش مخاطر هذه الظاهرة، وآخر مناسبة حين تغلب
المنتخب العراقي بكرة القدم على نظيره الاردني قبل أيام، ما يدل على أن
جذور هذه الظاهر تعشعش بقوة في نفوس العراقيين، حتى الخطوات الرادعة لم
تعد تجدي نفعا، والأنكى من ذلك نقل بعض الناس أن بعض أفراد الاجهزة
الامنية أيضا يطلقون الرصاص في مثل هذه المناسبات، وبهذا ينضم العنصر
الامني الى أصحاب هذه الظاهرة الخطرة التي تنتهي خطورتها بانتهاء
المناسبة، بسبب أضرارها النفسية على المجتمع عموما، وبالاخص أولئك
الذين يتسببون باصابات غير مقصودة لغيرهم، حيث يبقى الانسان يعيش حالة
تأنيب الضمير والندم الذي يهز وضعه النفسي ويحد من قدراته كافة، وعيشه
الحياة بطريقة سليمة. وهذا ما تؤكده حادثة فاطمة الفلسطينية التي قتلها
شقيقها في يوم نجاحها، فقد أوضح المصدّر، أن أجواء الفرحة بنجاح فاطمة
وحصولها على المركز الخامس على مستوى غزة في الثانوية العامة بمعدل
95.2%، دفعت شقيقها الأصغر لحمل قطعة السلاح، ومن ثم إطلاق رصاصة في
الهواء رغم محاولات المقربين منه منعه من ذلك، إلا أنه أطلق الرصاصة
بالفعل لتصيب شقيقته التي كانت إلى جانبه. وأكد المصدّر، إن شقيقها
الذي أطلق الرصاصة يعيش حالة نفسية سيئة جداً، ولا يقوى على الكلام،
رغم محاولات البعض تهدئته، مبدياً قلقه عليه في ظل تأنيب الضمير الذي
سيظل يلاحقه طوال حياته.
وهكذا لابد من التعامل مع هذه الظاهرة وفق أسس عملية صحيحة وحازمة
في آن واحد، بمعنى ينبغي من الجهات المعنية في الحكومية العراقية او
منظمات المجتمع المدني المعنية، أو سواها، أن تتعامل مع هذه الظاهر
بعلمية وحزم، وأن يتم تشريع القوانين الرادعة لمن ينتهج العنف كوسيلة
للتعبير عن مشاعره، خاصة أننا نحاول جميعا أن ننسى ماضى العنف والحروب،
ونتحول الى شعب يحترم الديمقراطية ليعيش حرا مسالما في ربوعها
وأجوائها. |