ما بين الجدل وقلة العمل؟!

غريبي مراد

عن لقمان الحكيم (ع): «إذا أراد الله بقوم سوءا سلط عليهم الجدل وقلة العمل»

هذه الحكمة نجد لها مصاديق عديدة في واقعنا العربي والإسلامي، فحيثما توجهنا من طنجة إلى مسقط، لا نجد انشغالا بما ينفع مجتمعاتنا والأجيال الصاعدة في بناء وعي حضاري وروحية أخلاقية هادفة، كل ما يشغل قامات السياسة والدين والفكر والإعلام والاقتصاد هو الجدل العقيم الذي هرم من صخبه الشباب وشاخت به المجتمعات.

بصراحة: كلمة لقمان الحكيم (ع) تعكس حقيقة واضحة للعيان سواء في منابرنا السياسية أو الدينية الطائفية أو الإعلامية الفتنوية، الجميع يعبئ جماعته وأهل ديرته ضد الآخر، لكن السؤال هنا: من هذا الآخر؟ إنه ابن العشيرة أو المذهب أو الحزب أو الطائفة أو الدين الشركاء في الوطن والإقليم والأمة، للأسف بدلا من أن نجتهد في العمل لبناء رأي عام ضد الفتن والجدالات العقيمة والمهاترات الطائفية، أصبح نوابنا ومثقفينا ومتعالمينا المذهبيين وإعلاميينا الانتهازيين يثابرون في توسعة الرأي العام الطائفي ضد بعضنا البعض، دون أن نفكر للحظة ماذا سينتج في حال نشبت نيران الحقد والشحناء والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد...حتى أصبح ابن الوطن يلتحق بمقر دوامه أو جامعته أو مدرسته مشحونا بثقافة الكراهية والبغضاء والتضليل والتفسيق للآخر ابن وطنه، وفي احيانا كثيرة يسعى للتضييق عليه في معاملاته أو حرمانه في الترقية المهنية أو العلمية، مرجعيته في ذلك اختلاف طائفي يدرج في كل دوائر الاجتماع السياسي للعرب والمسلمين، لأن اجتماعنا السياسي لم يرق بعد لمستوى القيم الإسلامية التي نتبجح بها في الديوانيات والمساجد والمجالس الثقافية والبرامج الاعلامية ثم ننفضها عند أبواب القباب والمجالس السياسية والمصالح الدنيوية الجهوية الدنيئة!!

بكلمة: كلما زاد توتر الجدل في واقعنا على مستوى السياسة والإعلام والثقافة الدينية والعامة، انعكس ذلك في صورة قلة العمل للنهوض بالاجتماع العام، يكفي للبرهنة قياس مستوى التركيز في الدوام بأوطاننا العربية كلها، ولعل الاجتماع السياسي راهنا يمثل «أس» فضاءات الجدل نظرا لصراع الإرادات السياسية الذي يتوسل بالخلافات الطائفية والمرويات التاريخية والمهاترات الصبيانية ليجتهد كل تيار وكل تجمع وكل حزب في تتبع عثرات الآخر المنافس له في الساحة، لفضحه واستئصاله ان أمكن بغض النظر عن شرعية القضاء على الغريم وبلا اكتراث لمصير الوطن ومستقبله...

ببساطة: منذ عقود من الزمن والجدل هو الأسلوب الغالب على الاجتماع العربي العام والسياسي بشكل مركزي خاص، وما جنينا منه سوى العنف والجهل والتخلف والرجعية والاستدمار والتبعية وكل هذا وغيره من مؤشرات الغضب الإلهي الذي ينزل لما يقل العمل الصالح الذي لا ينفع بدونه الايمان، لأن الله تعالى قرن الايمان الصادق بالعمل الصالح، فمهما حاولنا أن نحلل واقعنا ونفكر لإيجاد حلول لمشاكلنا وأزماتنا السياسية والاجتماعية، فلا يمكننا النجاح ما لم نراجع عقدة الجدل فينا النابعة من الجهل بحقيقة المسؤولية في الحياة كمسلمين، تلك الحقيقة التي لا تُدْرَك إلا في رحاب القيم الإسلامية السمحة (العدل، الإخاء، التسامح، الرحمة، التعاون، العفو...).

أما الجدل إن كان ولابد أن يبرز، عليه أن يحرك بالتي هي أحسن «القرآنية» لا المزاجية الطائفية البرغماتية، لأن الجدل إذا اجتهد رواده في تقعيده وتأصيله وفق قاعدة (بالتي هي أحسن –الإسلامية-)انتقل بهم إلى مرتبة الشرف المتمثلة في الحوار العلمي الموضوعي البناء والخلاق وبالتالي التركيز في العمل الصالح والأمثل، بينما العكس إنتاج الفوضى العارمة وايقاظ الفتنة النائمة...

ومما سبق نقول للعابثين بالاجتماع العام العربي والإسلامي، اتقوا الله في حاضر هذه الأمة ومستقبلها، لأن الأجيال الصاعدة ليست بحاجة لمزيد من الجدل العقيم الذي لا يورث سوى العنف والتشرذم والخلاف والتخلف، بقدر ما هي بحاجة للرفق الذي إذا وضع في عمق مضمون هذه الأمة زانه بالوعي والوحدة والتعايش والتعاون والتواصل والتآخي والنصرة لبعضنا البعض في زمن أصبح العرب يبيعون بعضهم البعض بأبخس الصفقات...

الآن وفي هذه المرحلة الحساسة من مستقبل الأمة تعالوا مثنى وفرادى لنتساءل: كيف يمكن للجدل أن يحقق الإصلاح أو التغيير أو التنمية؟ ربما جدلا: من قلة الايمان بالإصلاح والتغيير والتنمية لا نعمل لأجل تحقيقها في الذات والاجتماع والسياسة...ولكم في بيزنطة عبرة يا عباقرة الجدل العقيم... والله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/تشرين الثاني/2011 - 23/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م