
شبكة النبأ: لاشك أن الشركات الغربية
تتسابق للحصول على فرص للاستثمار في العراق الذي يمتلك أحد أكبر
احتياطيات النفط والغاز في العالم. إلى أن بغداد تسعى إلى فرض حظر على
الشركات التي تعمل في كردستان والتي عملت دون الحصول على موافقات رسمية
من الحكومة المركزية.
فبعد ان وقعت شركة إكسون موبيل الأمريكية اتفاقا للتنقيب عن النفط
والغاز مع إقليم كردستان العراق، انسحبت شركة شل النفطية من محادثات مع
حكومة كردستان لتطوير حقول نفطية من أجل حماية استثماراتها المربحة في
جنوب العراق بما فيها اتفاقية مع الحكومة العراقية في بغداد لتطوير
مشروعات للغاز بقيمة 17 مليار دولار.
يذكر ان بغداد حذرت من عقد اية اتفاقات مع الأقليم شمال العراق دون
حصول الموافقات من الحكومة المركزية. وتسعى حكومة كردستان العراق إلى
زيادة إنتاج النفط في الإقليم إلى مليون برميل يوميا بحلول 2015 من 150
ألفا حاليا بمساعدة شركات النفط العالمية.
يشار إلى أن شركتي شل وميتسوبيشي حصلتا على امتياز من الحكومة
العراقية لتجميع الغاز المصاحب في حقول الرميلة والزبير وغرب القرنة
حول مدينة البصرة، ومن المنتظر أن توقع شل العقد في الأسبوع القادم.
وزارة النفط العراقية من جهتها أعلنت أن توقيع الاتفاق النهائي مع
شركتي شل البريطانية الهولندية وميتسوبيشي اليابانية لمعالجة الغاز في
حقول نفطية جنوبية سيكون في نهاية الأسبوع المقبل.
وقال وكيل وزير النفط لشؤون المصافي أحمد شماع إن وزارة النفط
ستوقّع الاتفاق النهائي مع ائتلاف شركتي شل وميتسوبيشي في نهاية
الأسبوع المقبل. ووفقًا للعقد ستكون حصة شركة غاز الجنوب المملوكة
لوزارة النفط بنسبة 51 %، وائتلاف شركة رويال دتش شل بنسبة 44 %، وشركة
ميتسوبيشي بنسبة 5 %.
العراق والطلب العالمي
ويرى خبراء طاقة غربيون انه بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة
لابد من اعطاء مشروعات النفط والغاز المؤجلة اولوية تجنبا لحدوث ازمات
جديدة في توفير الطاقة الكهربائية واستثمار الغاز الذي يحرق في الهواء
في ظل غياب المشروعات الصناعية.
ويؤكد هؤلاء الخبراء الذين شاركوا في مؤتمر قمة طاقة المستقبل
بابوظبي ان كميات الغاز التي تحرق يوميا في الهواء بجنوب العراق ترتفع
بمعدلات كبيرة نظرا لارتفاع انتاج حقول النفط الرئيسة في الرميلة
والزبير وغرب القرنة بنسبة 10بالمئة مما ينتج عنه كميات غاز اضافية
ضخمة تحرق في الهواء.
ويرى بادي بادماناثان من شركة ايه سي دبليو ايه للطاقة ان الحكومة
العراقية الجديدة لم تبد اهتماما كبيرا لحل مشكلة نقص الغاز في حين ان
هناك شركات دولية متخصصة على غرار شركة شل مستعدة للعمل في غاز الجنوب
العراقي بعد توقيع العقود النهائية مع وزارة النفط العراقية.
وحسب المعلومات المتوفرة فانه لاتوجد حتى الان موافقة نهائية من
الحكومة العراقية على العقود التي ناقشتها وزارة النفط العراقية مع
شركة شل في العام الماضي بشأن تطوير مشروع غاز الجنوب العملاق. وقد أقر
مجلس الوزراء العراقي في حزيران 2010 تكوين شركة غاز البصرة بالمشاركة
مع شركة غاز الجنوب، شل، وميتسوبيشي على الأسس الأقتصادية والتجارية
لهذا المشروع.
وعلى الرغم من تشكيل الحكومة الجديدة وتولي عبدالكريم اللعيبي وزارة
النفط فيها الا انه من غير الواضح ان هناك توجهاً رسمياً للمضي قدما في
اقرار عقد مشروع غاز الجنوب الذي طال انتظاره.
ويفرض تحدي نقص الغاز نفسه في الوقت الراهن وهناك مخاوف شتى من تجدد
مشكلة انقطاع الكهرباء في جنوب العراق مثلما حدث لفترات طويلة في الصيف
الماضي. ويؤكد مايكل ليبريك، الرئيس التنفيذي لشركة بلومبيرغ نيو
إنيرجي فاينانس ان التباطؤ في قطاع الغاز لمعالجة قطاع الكهرباء الذي
يعاني من الخلل منذ الصيف الماضي بات مسؤولية الحكومة الجديدة لاسيما
ان الحكومة السابقة كانت قد وافقت على الشراكة بين شركة غاز الجنوب
وشركة شل, الا انه لم يتم التوصل الي العقود النهائية حتي الان.
ويذكر ان وزارة النفط العراقية كانت قد تعاقدت مع شركتين عالميتين
للمحاماة لمراجعة العقود التي تم التوصل اليها بين الوزارة وشركة شل,
وتم ابداء ملاحظات اضافية على العقد، ولغاية الان لم يتم وضع جدول زمني
واضح من قبل الحكومة العراقية لامضاء العقود لكي يبدأ العمل في مشروع
غاز الجنوب.
ويشار الي انه في ايلول 2008، وقعت شل اتفاقاً مبدئياً مع وزارة
النفط العراقية يحدد المبادئ التجارية لإنشاء مشروع مشترك بين شركة شل
وشركة غاز الجنوب. ونص الاتفاق على ان تكون شركة غاز الجنوب المساهم
الأكبر بنسبة 51 بالمئة في مشروع مشترك مع شركة شل بنسبة 44 بالمئة
وشركة ميتسوبيشي 5 بالمئة.
وعلى هذا النحو، فإنه من الصعب رؤية المستقبل الذي ينتظر النفط
العراقي بدون تطوير صناعة الغاز التي سوف تلعب دورا مهماً في تلبية
الطلب العراقي المتنامي علي الغاز وإمدادات الطاقة العالمية من الغاز
الطبيعي باعتباره من انظف وسائل الطاقة.
وقد أعربت شل منذ فترة طويلة الالتزام بالعمل مع الحكومة العراقية
لدعم هدفها لاعادة بناء البنية التحتية للطاقة في العراق.
ويشير الخبراء الى أهداف مشروع غاز الجنوب تتمثل في المساعدة في
تطوير البنية التحتية لصناعة الغاز في العراق، وإنشاء صناعة الغاز
الحديثة وفقا للمواصفات العالمية بالاعتماد على احدث التقنيات وتمكين
العراق من أن يكون لاعبا رئيسا للغاز في المنطقة والعالم.
وهناك مشاريع مشتركة بين شل والحكومة العراقية قد أنجزت بالفعل
أسفرت عن انتاج 500 طن يوميا من غاز البترول المسال التي يجري جمعها.
ويمثل ايضاً خفضاً بنسبة 20 بالمئة من الغاز المشتعل حاليا من حقول
النفط العراقية، في حين ان اكثر من ثلثي الاحتياجات العراقية الحالية
من الغاز الطبيعي المسال يتم استيرادها من الخارج.
وتقدر وكالات دولية متخصصة تابعة للامم المتحدة كميات الغاز الذي
يتم حرقه في الهواء يوميا بانها تكفي لإنتاج 300,000 اسطوانة يوميا من
غاز البترول المسال (غاز الطبخ) يوميا في جنوب العراق وان كميات الغاز
المحروقة تكفي لتغطية احتياجات ثلاثة ملايين منزل من الكهرباء.
وقدرت ايضا ان الغاز المحروق في الهواء يؤدي الى انبعاثات كربونية
يصل حجمها الى حوالي 20 مليون طن سنويا ، وهو ما يعادل انبعاثات غازات
الدفيئة السنوية لأكثر من 3.5 مليون سيارة أو 90000 رحلة جوية من لندن
إلى أمريكا.وتقدر قيمة الغاز المحروق في جنوب العراق بحوالي 1.8 مليار
دولار سنويا. وهناك إمكانية لتصدير الغاز الطبيعي الذي لا يباع
لاستخدامها في السوق المحلية، على سبيل المثال، كما للغاز الطبيعي
المسال ، وخلق تيار جديد لدخل الاقتصاد العراقي وزيادة احتمالات موثوقة
للبنية التحتية للطاقة المحلية، والتي ستكون بدورها في حفز التنمية
الاقتصادية المحلية.
ويرى الخبراء ان الازمة تتصاعد نظرا لان المرحلة الاولى في الحقول
النفطية العملاقة تتضمن رفع الانتاج بنسبة 10بالمئة وقالوا انه اذا
نفذت العقود الجديدة لحقول عكاز والمنصورية والسيبة اعتبارا من الان
فان انتاج الغاز لن يبدأ قبل ثلاث سنوات ولن يكون كافياً لتغطية الطلب
لقطاع الكهرباء.
وحسب الخبراء فان حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون
الطاقة والغاز والنفط والمياه باعتباره رئيس لجنة الطاقة العليا في
الحكومة الجديدة، والذي من المفترض ان يكون من اكثر المتحمسين لاتمام
مشروع غاز الجنوب لتوفير امدادات كافية لتوليد الطاقة الكهربائية
وتغطية الطلب المحلي المتزايد ووقف الاستيراد من الخارج خاصة انه قادم
على بناء محطات كهرباء جديدة تستعمل التوربينات الغازية.
الا ان الخبراء يتساءلون عن اسباب التأخير في اقرار مشروعات
ستراتيجية كهذه ,من شأنها في حال اقرارها توفير عائد مالي ضخم للعراق
وتوفير مصدر للطاقة لحل ازمة انقطاع التيار الكهربائي اضافة الي حماية
البيئة من الانبعاثات الكربونية الهائلة.
وكانت شركة تابعة لشركة شل الملكية الهولندية قد طرحت في منتصف
2011كانون الثاني مناقصة تنافسية للهندسة والمشتريات لبناء محطة لتوليد
الكهرباء الجديدة بطاقة 50 ميغاواط في منطقة خور الزبير بجنوب العراق.
والهدف من انشاء هذه المحطة هو تقليص الاستهلاك من شبكة الكهرباء
الوطنية وتوفير الكهرباء للسكان و تحسين صناعة الغاز الطبيعي وغاز
البترول المسال في تزويد السوق المحلية واضافة فرص عمل جديدة وتنشيط
السوق المحلية.
وسوف تستخدم لتوليد الطاقة خمس مولدات من توربينات الغاز التي تم
شراؤها بشكل مستقل من قبل شركة غاز الجنوب وشركة شل, الا انه من
المنطقي ان لا توقع شركة شل, على ما يبدو, عقد انشاء هذه المحطة في خور
الزبير بشكل نهائي الا بعد التوصل لاتفاق نهائي لمشروع غاز الجنوب.
ويتوقع مايكل ليبريك، الرئيس التنفيذي لشركة بلومبيرغ نيو إنيرجي
فاينانس ان تبادر الحكومة العراقية الى اقرار المشروع قريبا للمضي قدما
في خطة التنمية الاقتصادية ومعالجة ازمات نقص الطاقة الكهربائية وتوفير
فرص عمل جديدة للعراقيين في المرحلة المقبلة, لاسيما في ظل توافر
مؤسسات مالية اقليمية ودولية مستعدة لتمويل المشروعات الجديدة في قطاع
الطاقة.
قانونية الصفقات
مستشار لحكومة إقليم كردستان العراق من جهته كشف أن شركة إكسون
موبيل وقعت اتفاقا للتنقيب عن النفط والغاز مع إقليم كردستان العراق،
رغم تحذيرات بغداد من أن هذه الخطوة قد تؤدي لسحب مشروع نفطي ضخم جنوبي
العراق من الشركة الأميركية.
وأوضح المستشار مايكل هاورد أن حكومة إقليم كردستان العراق دخلت في
مشاورات خلال الأشهر القليلة الماضية مع شركات نفط كبرى، ونتج عنها
توقيع عقود مع إكسون للتنقيب في ست مناطق، ولم يكشف هاورد عن تفاصيل
العقود أو أماكن التنقيب.
ونشب نزاع منذ أشهر بين بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق، الذي
يتمتع بنظام حكم ذاتي، حول قانونية العقود التي تبرمها حكومة الإقليم
مع شركات نفطية أجنبية، وترى حكومة بغداد أن هذه العقود غير قانونية.
رسائل تحذير
وقال مدير دائرة العقود والتراخيص في وزارة النفط العراقية عبد
المهدي العميدي إن الوزارة بعثت ثلاث رسائل إلى إكسون موبيل الشهر
الماضي، تحذرها فيها من أن إمضاء أي عقود مع حكومة إقليم كردستان دون
معرفة وموافقة حكومة العراق المركزية ووزارة النفط سيجعلها عقودا غير
قانونية.
وأضاف المسؤول العراقي أن إكسون قد يتم استبعادها وفق القوانين
العراقية من أي صفقة أو أعمال مع وزارة النفط، وربما يتم سحب تطوير
المرحلة الأولى من مشروع حقل غرب القرنة من الشركة، وقد رفضت هذه
الأخيرة التعليق على الموضوع.
وفازت إكسون موبيل بمعية شركة شل الهولندية في عام 2009 بصفقة مدتها
20 عاما لتطوير المشروع المذكور، والذي يتوفر على مخزون يناهز 8.7
مليارات برميل نفط، ورفعت إكسون سقف الإنتاج المستهدف في الحقل آخر
الشهر الجاري إلى 2.825 مليون برميل يوميا.
رأي الخبراء
الخبيرة الهولندية في شؤون الطاقة، لوسيا خونس، من جهتها ترى إن
المشروع لا ليس فقط مكسباً مهماً للشركة البريطانية الهولندية، بل هو
أيضاً مكسب مهم للعراق. وقالت الخبيرة التي تعمل في معهد كليننغدال
للدراسات الاستراتيجية في لاهاي: أعتقد أن المشروع مهم جدا للعراق
والعراقيين. حالياً يتم إحراق الغاز المصاحب، أي أنه يضيع في الهواء.
ولكن مع الصفقة الجديدة فسوف يتم تجميع هذا الغاز، وبدل إحراقه هدراً
سيتم إحراقه لتوليد طاقة كهربائية. هذا سيعني تقدما كبيرا في مجال
توفير الكهرباء في العراق.
الخبير الهولندي ماركوس فان دن هوك، من مكتب ديلويت للاستشارات،
لديه الرأي نفسه حول فائدة أهمية للعراق والعراقيين، يقول: ستتحسن خدمة
الكهرباء في المنطقة بشكل ملحوظ. جزء من الغاز المنبعث من حقول النفط ،
بل الجزء الأكبر، سيستخدم لتوليد الكهرباء. وبشكل غير مباشر يمكن القول
إن المشروع سياساهم في دعم الاستقرار في هذا البلد الذي يمر بمرحلة
تشكل وانتقال. توفير الوظائف والطاقة شرطان أساسيان للتطور.
ويستخدم العراق حاليا النفط لتوليد الطاقة الكهربائية. ويعاني البلد
من نقص كبير في الطاقة، ولا تسد الكميات المتوفرة سوى نصف حاجة
المستهلكين. في الوقت نفسه فإن ما يقارب 20 مليون متر مكعب من الغاز
يضيع هباء يومياً، في الحقول الثلاثة الكبيرة. إحراق الغاز المصاحب
بالطريقة الحالية يعني إهدار ما قيمته 1,3 مليار يورو.
إلى جانب هذا الهدر المالي الضخم، فإن إحراق الغاز في الهواء يسبب
اضراراً كبيرة للبيئة. يقول الخبير فان دن هوك: إنه من أكثر أنواع
الغازات تأثيراً على طبقة الاوزون. كمية ثاني اوكسيد الكاربون المنبعثة
من حقول النفط الثلاثة، تعادل الانبعاث الضار الذي تسببه 3,5 مليون
سيارة.
ورغم أن الحكومة العراقية تركز حالياً على معاملة الغاز وتطويره
للاستهلاك المحلي، إلا أنها تخطط أيضاً لتصديره في المستقبل. وهذا
أيضاً ما تضعه شركة شل نصب أعينها، حسب الخبير لوسيا خونس: أعتقد أن
شركة شل تسعى إلى بناء منشآت تصدير الغاز في العراق. هذا يعني أولاً
تحويل الغاز إلى غاز طبيعي سائل مخصص لاسواق التصدير العالمية. وهو أمر
جيد لشركة شل، وللعراق أيضاً، حيث سيشكل له مصدراً إضافياً للدخل.
وستقوم شركة شل بمد خطوط انابيب جديد، وتجديد منشآت الغاز، وتشييد
مصنع لمعالجة النفط والغاز لأغراض الاستخدام المحلي داخل العراق.
لتنفيذ صفقة الغاز هذه تم إنشاء شركة مساهمة، باسم "شركة غاز البصرة".
تمتلك الدولة العراقية 51 بالمئة من الاسهم، وشركة شل 44 بالمئة،
والخمسة بالمئة المتبقية من حصة شركة ميتسوبيشي اليابانية. |