شبكة النبأ: ما تشهده بعض المدن
السورية في هذه الأيام يعيد بنا الذاكرة الى فترة التمرد السني الذي
شهدته بعض مدن العراق، بعد الإطاحة بالنظام الديكتاتوري السابق، فأعمال
العنف في سوريا مثيل للإرهاب الذي اجتاح العراق، ابتداءا من التحريض
الاعلامي والدعم المادي والعسكري الذي كانت الأنظمة العربية تموله
بكثافة قبل ان تستعيد السلطات العسكرية زمام المبادرة. بعد ان سعن تلك
الحكومات العربية الى عزل العراق والاطاحة بنظامه الديمقراطي بكل
الوسائل المتاحة.
يرى العديد من المراقبين لشؤون العالم العربي إن سوريا سقطت ضحية
للتقاطعات الإقليمية والعالمية بشكل مباشر، وما يكلف شعبها حاليا من
دماء أموال ما هو إلا ضريبة فادحة ترتبت على المواقف التي اتخذتها تلك
الدولة إزاء الصراع القائم بين دول المنطقة، خصوصا الصراع الإسرائيلي
الفلسطيني.
فأعمال العنف التي تأججت في الداخل السوري لم تكن عفوية كما يؤكد
اغلب المحللين السياسيين لشؤون المنطقة، أو لمجرد تأثر الشعب السوري
بالربيع العربي كما تروج له بعض الفضائيات الخليجية المسيسة، خصوصا بعد
افتضاح الدور السعودي في تمويل الجماعات المتطرفة بالمال والسلاح إلى
جانب التحريض الإعلامي الذي تمارسه كل من قطر والإمارات وبعض دول
الخليج.
ويصوب البعض آراءه إلى قيام تلك الدول بهذا الدور نكاية بإيران،
اقرب حلفاء دمشق، إلى جانب إذعان بعض الأنظمة العربية إلى ما ترغب به
بعض الدول الأوروبية وأمريكا في قطع الطريق على فصائل المقاومة العربية
في غزة ولبنان تأمينا لمصالح الكيان الصهيوني.
عبد الله يطالب الرئيس السوري بالتنحي
فقد قالت هيئة الاذاعة والتلفزيون البريطانية (بي.بي.سي) ان الملك
عبد الله الثاني ملك الاردن دعا الرئيس السوري بشار الاسد إلى التنحي
لمصلحة بلده. وقال الملك في مقابلة مع (بي.بي.سي) انه يعتقد أنه لو كان
مكانه لكان قدم استقالته. ومضى يقول انه كان سيتنحى ويتأكد من قدرة أي
شخص يتولى الزعامة خلفا له على تغيير الوضع القائم.
وفي خطوة مفاجئة علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا ودعت جيشها
الى الاحجام عن قتل المدنيين. واتفقت حكومات الاتحاد الاوروبي على
توسيع العقوبات ضد سوريا بحيث تشمل 18 شخصية أخرى مرتبطة بقمع
الاحتجاجات.
ونقلت (بي.بي.سي) عن الملك عبد الله قوله ان على الرئيس السوري أن
يبدأ عهدا جديدا من الحوار السياسي قبل التنحي نظرا لعدم وجود أحد
ورائه لتغيير الوضع القائم. ومضى يقول انه لا يعتقد أن النظام يتيح ذلك
لهذا فانه اذا كان الاسد حريصا على مصلحة بلاده فعليه التنحي لكن عليه
أيضا المساعدة على تكوين قدرة على التواصل وبدء مرحلة جديدة من الحياة
السياسية في سوريا.
أمير سعودي...أمر لا مفر منه
في السياق ذاته قال الامير تركي الفيصل الرئيس السابق لجهاز
المخابرات السعودي إن رفض الرئيس السوري بشار الاسد وقف العنف الذي
تمارسه حكومته ضد شعبه جعل رحيله عن السلطة أمرا لا مفر منه. وقال
الامير تركي إن الاسد أوضح موقفه بامتناعه عن الوفاء بالتزامه بموجب
مبادرة الجامعة العربية بوقف اراقة الدماء وبدء حوار سياسي.
وقال لجمع في واشنطن "مما لا شك فيه فيما اعتقد ان عدم استجابة
السيد الاسد لكل الجهود المبذولة لانهاء القتال في سوريا تعني انه قرر
عدم قبول هذه الامور." وأضاف "في هذا السياق ستكون هناك معارضة شعبية
متزايدة له واعمال قتل كل يوم. أعتقد انه لا مفر من أن يضطر إلى التنحي
بشكل أو اخر." بحسب رويترز.
والامير تركي وهو ابن أخي العاهل السعودي الملك عبد الله سفير سابق
لدى واشنطن ولندن وما زال صوتا مؤثرا للاسرة الحاكمة السعودية رغم انه
لا يتولى منصبا حكوميا رسميا منذ تقاعده عام 2006، ويتمتع بعلاقات
نافذة مع اللوبي الاسرائيلي في واشنطن.
وقال الامير تركي إن الجامعة العربية منحت الاسد "فرصة أخيرة"
للالتزام باقتراحها لحل الازمة ويتوقع منها الآن ان تتخذ مزيدا من
الخطوات مشيرا الى ليبيا كسابقة. وقال ان السعودية ودول الخليج الاخرى
طرحت الوضع في ليبيا على الجامعة العربية أول الامر في مارس اذار وضغطت
على الجامعة لاتخاذ قرار لاحالة المشكلة الى مجلس الامن التابع للامم
المتحدة حيث تم التوصل الى القرار الذي سمح بالتدخل في ليبيا.
وقال "في الحقيقة لا يمكنني القول ان كانت الجامعة العربية ستسير في
ذلك المسار (بشأن سوريا) لكنه خيار وقد مارسته الجامعة العربية." ودعت
الولايات المتحدة ودول غربية اخرى الاسد الى التنحي وفرضت سلسلة من
العقوبات على حكومته.
ترك الشأن السوري للسوريين
من الجانب الآخر قال مسؤول إيراني رفيع إن موقف طهران من الحملة على
المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية في سوريا مختلف عن موقف تركيا التي
انتقدت بشدة الحملة التي بدأت في مارس اذار وقتل فيها اكثر من 3500 شخص
حسب تقديرات الامم المتحدة.
وقال المسؤول محمد جواد لاريجاني مستشار الزعيم الاعلى لإيران "خير
سبيل هو ترك الشأن السوري للسوريين أنفسهم. ونحن نرفض التدخل الدولي في
هذا الشأن." واتهم الولايات المتحدة وبلدانا غربية اخرى بمساندة
المعارضة في سوريا بالاسلحة وهو اتهام وجهته أيضا دمشق الى واشنطن
وحلفائها.
ورفض لاريجاني الاتهامات السعودية بان ايران تحرض على الاضطرابات في
البحرين وكرر نفي طهران للمزاعم الامريكية والسعودية الشهر الماضي بان
طهران مسؤولة عن مؤامرة مزعومة لاغتيال سفير السعودية لدى واشنطن.
سوريا تقاطع اجتماع الجامعة العربية
من جهتها قاطعت سوريا اجتماعا لجامعة الدول العربية عقد يوم
الاربعاء في المغرب لمتابعة قرار تعليق عضوية دمشق وذلك في وقت عززت
فيه دول بالمنطقة الجهود لعزل الرئيس السوري بشار الاسد بسبب رفضه وقف
حملة على احتجاجات بدأت قبل ثمانية أشهر حسب زعم الجامعة.
من ناحية أخرى قال نشطاء ان منشقين عن الجيش السوري هاجموا مجمعا
للمخابرات على أطراف العاصمة دمشق في ساعة مبكرة يوم الاربعاء في اول
هجوم يعلن عنه على منشأة أمنية كبيرة في الانتفاضة على الاسد.
وأطلق اعضاء جيش سوريا الحر قذائف كلاشنيكوف ونيران مدافع رشاشة على
مجمع كبير لمخابرات القوات الجوية يقع على الطرف الشمالي للعاصمة على
الطريق السريع بين دمشق وحلب في نحو الساعة 2.30 صباحا (0030 بتوقيت
جرينتش).
وقالت مصادر النشطاء ان معركة بالاسلحة النارية أعقبت ذلك وحلقت
طائرات هليكوبتر فوق المنطقة. وقال ساكن في ضاحية حرستا طلب عدم ذكر
اسمه "سمعت عدة انفجارات وتراشقات بنيران المدافع الرشاشة." وقالت
المصادر انه لم ترد على الفور انباء عن وقوع اصابات وان المنطقة التي
وقع فيها القتال ما زال يصعب الوصول اليها.
ولم تصل جامعة الدول العربية الى حد دعوة الاسد للتنحي ولم تقترح
تدخلا عسكريا في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا. وقالت الوكالة
السورية العربية للانباء "في ضوء التصريحات التي صدرت عن مسؤولين في
المغرب والتي تم ابلاغنا بها رسميا فقد قررت سوريا عدم المشاركة في
هذين الاجتماعين" في اشارة الى الاجتماع الخاص بالتعاون العربي التركي
والاجتماع الوزاري لمجلس الجامعة العربية والمقررين في الرباط. ولم
تقدم الوكالة تفاصيل أخرى.
وقال وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري "الزملاء السوريين"
سيكونون موضع ترحيب في اجتماع الرباط لكنه لم يحدد ان كان هذا يعني ان
وزير الخارجية السوري وليد المعلم يمكنه الحضور.
وتحظر السلطات السورية عمل معظم وسائل الاعلام المستقلة وتلقي
باللائمة في الاضطرابات على "عصابات ارهابية مسلحة" ومتشددين مدعومين
من الخارج تقول انهم قتلوا 1100 من أفراد الجيش والشرطة.
وقال مسؤول عربي طلب عدم ذكر اسمه ان هجمات المنشقين على القوات
الموالية للاسد زادت زيادة حادة في العشرة الايام الماضية لكن الجيش لا
يزال متماسكا الى حد كبير.
وذكر شهود أن قصف الدبابات استمر خلال الليل في منطقة بابا عمرو في
مدينة حمص التي تشهد احتجاجات منتظمة مناهضة للاسد ويقاتل فيها
المنشقون عن الجيش القوات الموالية للرئيس.
وقال ضابط متقاعد في الجيش في الخمسينيات من العمر فر من المنطقة "الدبابات
تطلق النار حسب تعليمات تتلقاها من قناصة يتمركزون على اسطح المباني."
ومع تنامي الضغط الدبلوماسي أعلنت وسائل اعلام رسمية سورية الافراج عن
أكثر من ألف سجين بينهم المعارض الشهير كمال اللبواني.
وعقدت الجامعة العربية اجتماعا مع معارضين للاسد بعد يوم من العنف
في سوريا قتل فيه 69 شخصا. وتعتبر عملية النبذ العربي ضربة قاسية للاسد
الذي يرى نفسه دائما مناصرا للوحدة العربية. وتقول دمشق انها ملتزمة
بمبادرة السلام العربية التي تدعو الى وقف اطلاق النار وبدء حوار مع
المعارضة.
وطلبت سوريا عقد قمة عربية طارئة لكن مجلس التعاون الخليجي الذي يضم
ست دول خليجية وتقوده السعودية رفض الفكرة. وقال مارك تونر المتحدث
باسم وزارة الخارجية الامريكية ان الولايات المتحدة تأمل أن تستغل
الجامعة لارسال "رسالة قوية للاسد بأنه بحاجة الى السماح بحدوث انتقال
ديمقراطي وايقاف العنف ضد شعبه."
وقال الامين العام للامم المتحدة بان جي مون "يجب أن يوقف الرئيس
الاسد على الفور قتل شعبه."
واستضافت روسيا محادثات مع المجلس الوطني السوري المعارض وحثته على
بدء حوار مع حكومة الاسد. وردت المجلس المعارض بالضغط على موسكو
للانضمام الى الدعوات التي تطلب من الاسد التنحي.
وانضمت روسيا الى الصين الشهر الماضي لاعاقة صدور قرار في مجلس
الامن التابع للامم المتحدة لادانة قمع الاسد واتهمت موسكو الغرب
بمحاولة اعاقة الحوار في سوريا.
على حد السكين
من جهته حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الرئيس السوري
بشار الاسد أن حكومته على "حد السكين" وطالب باعتذار فوري بعد تعرض
بعثات دبلوماسية تركية في سوريا لهجمات. وقال اردوغان أمام اجتماع حزبي
"ما من أحد يتوقع الان تلبية مطالب الشعب (السوري). نريد جميعا الان أن
ترجع الادارة السورية - التي هي الان على حد السكين- عن حافة الهاوية."
وتستضيف تركيا الان المعارضة السورية الرئيسية ووفرت ملاذا لجنود
سوريين منشقين. وأشاد اردوغان بقرار جامعة الدول العربية تعليق عضوية
سوريا. وفي تحرك أبرز مدى تدهور العلاقات بين البلدين هاجم محتجون
مسلحون بالعصي والحجارة بعثات دبلوماسية تركية في سوريا وأشعلوا النار
في العلم التركي.
واعتذر وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن الهجمات التي طالت أيضا
بعثات سعودية وفرنسية. لكن اردوغان قال ان تركيا تنتظر تعبيرا أقوى عن
الاعتذار وان لم يحدد كيف. وقال اردوغان "أدين بقوة مرة أخرى الهجمات
على مسؤولين أتراك وعلى العلم التركي. وننتظر من الادارة السورية أن
تتخذ فورا كافة الخطوات الضرورية للاعتذار وتحمل المسؤولية." بحسب
رويترز.
وأضاف "يا بشار.. أنت مطالب بمعاقبة من تعدوا على العلم التركي. ولا
نريد من الادارة السورية أن تحترم الاتراك والعلم التركي وحسب بل وأن
تحترم شعبها.. نحن نريد هذا بوجه خاص."
الاسد وحيدا
ويواجه الرئيس السوري بشار الاسد الذي تحكم عائلته سوريا منذ اكثر
من 40 عاما عزلة متزايدة. وقبل أسابيع فقط من اندلاع الانتفاضة في
مارس اذار قال الاسد ( 46 عاما) ان سوريا بعيدة عن الثورة التي أطاحت
بزعيم كل من تونس ومصر لان سياستها الخارجية تتوافق بشدة مع توجهات
الشعوب العربية.
وفي كلمة ألقاها في جامعة دمشق في يونيو حزيران وهي واحدة بين عدد
قليل من الخطب التي ألقاها منذ بدء الانتفاضة برر الاسد حملة القمع
وقال انه تلقى الدعم من السوريين الذين التقى بهم لمناقشة الازمة. وقال
"المحبة والحب الذي لمسته من أولئك الاشخاص الذين يعبرون عن معظم الشعب
السوري محبة لم أشعر بها في أي مرحلة من مراحل حياتي."
ورغم استمرار حملة القمع العسكرية ضد المحتجين ألغى الاسد حالة
الطوارئ التي ظلت معلنة منذ 50 عاما وأقر قوانين تتيح تشكيل أحزاب أخرى
بخلاف حزب البعث الحاكم ووعد بالحوار مع المعارضة.
وسلطت الاضواء على الاسد بعد وفاة شقيقه باسل في حادث سيارة عام
1994 والذي كان يعده والده لخلافته. وبعد أن قطع بشار الاسد دراسته
الطبية في لندن بدأ يضطلع بدور بارز في البلاد وبعد ست سنوات ورث
الرئاسة عندما توفي والده بعد أن حكم سوريا طوال 30 عاما.
وحتى يصبح بشار الذي كان يبلغ من العمر في ذلك الحين 34 عاما رئيسا
للبلاد انعقد البرلمان السوري على عجل لتعديل بند في الدستور ينص على
أن يكون سن الرئيس 40 عاما على الاقل.
وعندما تولى المنصب وعد باصلاح دولة من أكثر الدول التي يطبق عليها
النظام قبضته وأشرف على خطوة لم تدم طويلا لاطلاق الحريات السياسية قبل
تلاشي "ربيع دمشق" وسط موجة من القمع والاعتقالات.
كما عزز الاسد تحالف والده الاستراتيجي مع ايران ودعم حركات مثل
حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) وحزب الله اللبناني. وأنهى
الاسد الوجود العسكري السوري في لبنان والذي استمر نحو 30 عاما تحت
الضغط الدولي عقب اغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري عام 2005 .
لكن انهيار حكومة بيروت الموالية للغرب في يناير كانون الثاني
بقيادة سعد الحريري كان أحدث مؤشر على أن الاسد استعاد نفوذه في لبنان
الذي كان أحد بلدين عربيين فقط عارضا خطوة تعليق عضوية سوريا بالجامعة
العربية.
وعلى الرغم من دعمه لحركات مناهضة لاسرائيل فانه واصل أيضا محادثات
السلام غير المباشرة معها وعلى الرغم من استمرار اسرائيل في احتلال
هضبة الجولان التي احتلتها عام 1967 عمل الاسد على بقاء خط الجبهة
هادئا في معظم الاحيان.
وفي الداخل بدأ تحرير الاقتصاد وخفف من السيطرة المركزية القائمة
منذ عشرات السنين وأتاح قدرا محدودا من الاستثمار الاجنبي. لكن في حين
أن المحيطين به ومنهم ابن خاله رامي مخلوف كونوا ثروات طائلة فان
المواطنين السوريين لم يصلهم الكثير من المزايا. بحسب رويترز.
كما أبقى على قبضة عائلة الاسد والطائفة العلوية التي ينتمي اليها
على الدولة التي تسكنها أغلبية من السنة. ويقود شقيقه ماهر الاسد الحرس
الجمهوري وهو ثاني أقوى شخصية في البلاد في حين أن اصف شوكت صهره هو
نائب رئيس أركان القوات المسلحة.
وساعدت اسماء زوجة الرئيس السوري التي نشأت في لندن وعملت في بنك
استثماري على محاولة ان يقدم نفسه في صورة أكثر لينا وليبرالية وحداثة
للعالم الخارجي لمواجهة ما عرف عن النظام السوري من قمع.
ويصر الاسد على أنه ما زال قريبا من قلوب السوريين على الرغم من
اكثر من 10 سنوات في السلطة. وقال لصحيفة صنداي تليجراف الشهر الماضي
"أعيش حياة عادية. أقود سيارتي بنفسي.. لدينا جيران. أصطحب أبنائي الى
المدرسة... لهذا أنا أحظى بالشعبية." |