الغدير روضة المكارم وجوهر التطوّر الحضاري

شبكة النبأ: الغدير هو آخر الفرائض التي فرضها الله تعالى وهو اليوم الذي اكمل فيه الدين حيث لا فريضة بعدها لذلك كان كمال الدين يتحقّق بالولاية لمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم وبه تمت النعمة على المسلمين لأن الأخذ بولاية الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه له أثر تكوينيّ يوجب سبوغ البركات والخيرات على الناس من الأرض والسماء، والغدير هو روضة الفضائل والأخلاق والمكارم والمحاسن، والتطوّر الحضاري والمعنوي كلّه يدين للغدير فالغدير بجوهره وروحه يعني مدرسة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه التي تصلح لإسعاد البشر جميعاً، من هنا كان الواجب على المؤمنين نشر ثقافة الغدير فمن الجدير للإنسان أن يكبر عمله كلما كبر عمره حتى لا يعدّ مقصّرا.

يقول المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله: لقد أنزل الله تعالى في يوم الغدير: (اليَوْمَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتـي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً).

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وآله عن هذا اليوم العظيم، أي عيد الغدير: وهو اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدينَ وأتمَّ علَى أمّتِي فيه النعمةَ ورَضِي لهُم الإسلامَ ديناً. وهذا معناه أنّه بإعلان ولاية الإمام أمير المؤمنين عليّ سلام الله عليه كفريضة من الله تعالى على المسلمين، يكون قد كمُل الإسلام، وبه تمّت نعمُه تعالى على الخلق. ومنه يمكن أن نستخلص أنّ الغدير هو آخر الفرائض التي فرضها الله تعالى.

فقد روي عن الإمام أبي جعفر محمّد الباقر سلام الله عليه أنّه قال: آخِرُ فريضةٍ أنزلها اللهُ الولايةَ: (اليَومَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتـي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً)، فلم يَنزِلْ من الفرائضِ شيءٌ بعدها حتَّى قَبَضَ اللهُ رسولَهُ صلَّى الله عليه وآله .

وروي عن الإمام الباقر سلام الله عليه أيضاً قوله: وكانت الفرائضُ يَنزلُ منها شيءٌ بعد شيء، تَنزلُ الفريضةُ ثم تنزلُ الفريضةُ الأخرى، وكانتِ الولايةُ آخِرَ الفرائضِ فأنزلَ اللهُ عزّ وجلّ: (اليَوْمَ أكْمَلْتُ...) يقولُ اللهُ عزّ وجلّ: لا أُنزِلُ عليكُمْ بعدَ هذهِ الفريضةِ فريضةً، قد أكملتُ لكُمْ هذهِ الفرائض.

لقد أوحى الله عزّ وجلّ بالأحكام والواجبات الواحدة تلو الأخرى حتى ختمها بالولاية، فأنزل هذه الآية (اليَوْمَ أكمَلتُ...) ليعلن أن لا فريضة بعدها. فبعد نزولها وتنصيب الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله أدرك الناسُ مرادَ الله تعالى من الآية الكريمة التالية: (أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ)، وعلموا أنّ عليهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطيعوا أمير المؤمنين سلام الله عليه. فكانت فريضة الولاية آخر فريضة أنزلها الله تعالى على نبيّه صلى الله عليه وآله.

تمام النعم بولاية الإمام أمير المؤمنين

ويرى المرجع الشيرازي  دام ظله: إنّ ما يثير الانتباه في هذه الآية الكريمة (اليَومَ أكمَلتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأتمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتـي وَرَضيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً)، هو أنّ الله تعالى قد ربط إتمام نعمته على الخلق بموضوع الولاية، أي كما أنّ كمال الدين يتحقّق بالولاية لمحمد وآل محمد صلوات الله عليهم ، كذلك فإنّ بها تمام النعمة على المسلمين.

والمقصود بالنعمة في الآية المباركة هي جميع النعم، ظاهرها وباطنها، كالعدل والمساواة والاتّحاد والأخوّة والعلم والأخلاق والطمأنينة النفسية والروحية والحرّية، وبعبارة موجزة جميع أنواع العطايا.

لذا، فقول أولئك الذين سعوا إلى تفسير النعمة في الآية بأنها الشريعة وبالنعم المعنوية فحسب، هذه الأقوال محلّ تأمّل ونظر، لأنّ الآية المذكورة لم تتطرّق لمسألة أصل النعمة، بل سياقها يدور حول إتمام النعمة، أي جمع أنواع النعم، فأينما ورد ذكر إتمام النعمة في القرآن الكريم كان المراد منها كلّ النعم التي يصيبها الإنسان في الدنيا ، ومن هنا نستطيع معرفة علاقة مباشرة بين ولاية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه والتمتّع بالنعم الدنيوية المشروعة، وذلك لمحورية الولاية العلوية باعتبارها أحد الشروط المهمّة والرئيسية للوصول بنا إلى مجتمع قائم على أساس الحرية والعدالة والقيم والفضائل الأخلاقية والإنسانية؛ لذا يحتمّ الواجب أن نسلّم لما بلّغ به رسول الله صلى الله عليه وآله في يوم الغدير، وأن نقبل عملياً بولاية الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

بعبارة أخرى يقول المرجع الشيرازي: إنّ الأخذ بولاية الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه التي أنزلها الله تعالى وفرضها على المسلمين في يوم الغدير، له أثر تكوينيّ يوجب سبوغ البركات والخيرات على الناس من الأرض والسماء. قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (وَلَوْ أنَّهُمْ أقَامُوا التَوْراةَ وَالإنْجيلَ وَما أُنزِلَ إلَيهِمْ مِنْ رَبـّهِمْ لأكَلوا مِنْ فَوقِهِمْ وَمِنْ تحْتِ أرجُلِهِم).

الغدير روضة المكارم وجوهر التطوّر الحضاري

ويرى المرجع الشيرازي: إنّ الغدير هو الوعاء الذي تجتمع فيه جميع تضحيات الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وهو مخزن الأحكام والآداب التي أوحى الله تعالى بها إلى رسوله الأمين، وقد تجسّدت هذه الحقيقة ومدى توقّف البعثة الخاتميّة عليها في قوله جلّ وعلا:

(يا أيُّها الرَّسولُ بَلِّغ ما أنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لم تفعَل فما بَلَّغتَ رِسالَتَه).

والغدير هو روضة الفضائل والأخلاق والمكارم والمحاسن، بل هو المكارم بعينها، والتطوّر الحضاري والمعنوي كلّه يدين للغدير؛ لاعتباره أهمّ عامل في حفظ كيان الدين والملّة، ويعدّ إنكار الغدير بمثابة إنكار لجميع القيم الإسلامية السامية.

فالغدير بجوهره وروحه يعني مدرسة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه التي تصلح لإسعاد البشر جميعاً. فالإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه هو أعظم آيات الله عزّ وجلّ بعد الرسول صلى الله عليه وآله، ولا تضاهيه آية، ولذلك يقول الإمام الصادق سلام الله عليه عن الذي تخيّل أنه يبلغ معرفة الله عن غير طريق الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه: فَلْيُشَرِّقْ وَلْيُغَرِّبْ، أي لن يبلغ غايته ولو يمّم وجهه شرقاً وغرباً.

إنّه لمن تعاسة الإنسان وسوء حظّه أن يطلب العلم والمعرفة من غير طريق محمّد وعليّ وآلهما صلوات الله عليهم. ومهما كان العلم المستحصل من غيرهم فهو لا قيمة له، لأنه مفرّغ من القيم الأخلاقية والمعنوية، وبعيد عن روح الشريعة. وكلّ خطّ لا ينتهي إلى الغدير فهو ردّ على الدين، والردّ عليه ردّ على الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وأهل بيته سلام الله عليهم، لأنّ كلّ القيم والفضائل ومكارم الأخلاق تختزل في الغدير وتنبع منه.

ضرورة العمل للغدير عالمياً

ويقول المرجع الشيرازي: بعد واقعة الغدير في السنة العاشرة للهجرة، أي بعد ثلاثة أشهر من ذلك تقريباً، ترك المسلمون ما عاهدوا به رسول الله صلى الله عليه وآله في غدير خم وتركوا الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، واتبعوا فلاناً وفلاناً. وحول ذلك قال الإمام الصادق صلوات الله عليه، مامضمونه، أنه كان للإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه عشرة آلاف شاهد ممن حضروا الغدير، ولكنه صلوات الله عليه ما استطاع أن يأخذ حقّه، وذلك بسبب خذلان المسلمين آنذاك. وكان بإمكان الإمام صلوات الله عليه أن يأخذ حقّه، ولكن الله تبارك وتعالى كان يريد امتحان الناس واختبارهم، فكان الإمام صلوات الله عليه مأموراً من النبي صلى الله عليه وآله بأن لا يأخذ حقّه بالمعجزة أو بغير ذلك. وأما اليوم فيوجد الملايين من أتباع الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهم في العالم، ويقومون بخدمته.

وبيّن سماحته بقوله: إن الغدير وعاشوراء جناحا التشيّع. وللغدير ثقافة ولعاشوراء ثقافة. وفي المقابل هنالك ثقافتان متضادتان مع ثقافة الغدير وعاشوراء، وهذا ما نشاهده اليوم في الكثير من المجالات، في المجال الإعلامي كالمجلات والكتب والإذاعات والتلفاز والفضائيات، وغيرها.

وأوصى سماحته الحضور قائلاً: من الجدير للإنسان أن يكبر عمله كلما كبر عمره حتى لا يعدّ مقصّراً. ولذا اوصيكم بالعمل بالأمرين التاليين: الأول: اسعوا إلى جذب المزيد من الأفراد إليكم واشركوهم في أعمالكم، كي تتوسع دائرة نشاطاتكم وتنتشر في العالم كله، وتعرّفوا الغدير للعالمين.

الثاني: حاولوا التعرّف على المزيد من التجّار المؤمنين والملتزمين، وتواصلوا معهم، كي يعينوكم في المسألة المالية. فالمال هو أهم الأركان لكل عمل، وتحصيل المال الكثير خارج عن إرادة الإنسان، وله ثلاث طرق، هي:

1- تحصيل المال عبر الارتباط بالاستعمار، فمن يرتبط بالاستعمار تغدق عليه الأموال بالمليارات وليس بالملايين فقط، ولكن هذا العمل هو خدمة للاستعمار، ولايرضي الله تعالى ولا يرضي صاحب الغدير مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولايرضي مولانا الإمام الحسين صلوات الله عليه، ويضر بآخرة الإنسان.

2- الارتباط بالحكومات المحلية عبر تأييدها أو تمكينها، ومن يرتبط بالحكومات تضخّ له الكثير من الأموال. ولكن حال هذا العمل وعاقبته كحال وعاقبة الأول أيضاً، أو أنه لا بركة فيه أصلاً.

3- وهو الأصحّ، العمل على التجّار بالتعرّف عليهم والمواصلة معهم وطلب المعونة منهم.

وأكّد المرجع الشيرازي دام ظله في ختام توجيهاته القيّمة، بقوله: إن الذين وفّقوا في ماضي التاريخ كانوا شباباً مثلكم، وكان سرّ توفيقهم في أعمالهم ومشاريعهم، هو أنهم التزموا بـ:

الأول: الصدق مع الناس.

الثاني: الوفاء بما عاهدوا به الناس. فالصدق والوفاء في أي عمل يجلبان ثقة الناس واطمئنانهم لذلك العمل ومشاركتهم فيه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/تشرين الثاني/2011 - 18/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م