مصر... توتر العلاقة بين الإخوان والعسكر يعكر التفاهمات المسبقة

شبكة النبأ: في الوقت الذي تستعد فيه عشرات الأحزاب للمشاركة في الانتخابات البرلمانية في مصر المقرر بدؤها في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، يتنافس لاعبان رئيسيان على المستقبل السياسي للبلاد وهما "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" الذي يحكم البلاد منذ استقالة مبارك في 11 شباط/فبراير و «الإخوان المسلمون» الذين تسود توقعات كبيرة بفوزهم بأكثرية الأصوات.

يقول إريك تراغر في تحليله المشنور في معهد الشرق الاوسط لدراسات الشرق الادني، "على الرغم من أنه ليست لدى واشنطن مصلحة في مجئ برلمان مصري يهيمن عليه الإسلاميون إلا أن وجود نظام عسكري هش واستمراره إلى أجل غير مسمى في الوقت الذي يفتقد فيه إلى الشرعية ليس هو الآخر وصفة ناجحة للاستقرار."

وتفرز التوترات المتصاعدة بين الاثنين بيئة سياسية مضطربة على نحو متزايد، مما سيُعقد قيام مصر كدولة مستقرة وديمقراطيةً.

الخلفية

يقول إريك تراغر، بعد الإطاحة بمبارك سعى كل من "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" وجماعة «الإخوان المسلمين» إلى حدوث انتقال سياسي سريع. وقد رأى «الإخوان» الذين هم القوة السياسية الأكثر تنظيماً في البلاد، أن إجراء انتخابات عاجلاً – قبل أن تتمكن الأحزاب الوليدة من التنافس بفاعلية – سيحقق لهم فوزاً كبيراً. وفي الوقت نفسه، أدرك "المجلس الأعلى" أنه كان غير مجهز لإدارة السياسة المحلية وبدا متلهفاً للتنازل عن السيطرة على الحكم اليومي في أقرب وقت ممكن. وكان الاستفتاء الوطني حول التعديلات الدستورية المقترحة الذي جرى في 19 آذار/مارس قد أضفى لكلا اللاعبين الشرعية على الضغط من أجل حدوث انتقال سريع، وتمت الموافقة على ذلك الإجراء بنسبة 77 بالمائة من الأصوات مما مهد الطريق لإجراء انتخابات برلمانية تسبق العمليةً التي ربما تكون أطول وهي صياغة دستور جديد.

ورغم إنكار "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" و«الإخوان المسلمون» تواطؤهما حول الاستفتاء إلا أنهما غالباً ما عملا معاً في الأشهر التي تلت ذلك. ففي 30 نيسان/أبريل أصبح "حزب الحرية والعدالة" أول حزب جديد يُعترف به قانوناً في حقبة ما بعد مبارك واستخدم وضعه القانوني الوليد لفتح عشرات المكاتب في جميع أنحاء البلاد. وعندما انتقد النشطاء الشباب بصورة متزايدة المعاملة القاسية التي اتبعها "المجلس الأعلى" تجاه المنشقين وبُطئه في محاكمة مسؤولي نظام مبارك وقف «الإخوان» إلى جانب الجيش ورفضوا المشاركة في الاحتجاجات ضد الحكومة الانتقالية التي يدعمها "المجلس الأعلى" ودعو المصريين للتوحد خلف "المجلس".

تزايد عدم الثقة

ويرى إريك تراغر ان على الرغم من هذا التعاون لم يثق "المجلس الأعلى" و«الإخوان المسلمون» في بعضهما البعض طوال المرحلة الانتقالية حيث كان "المجلس" يخشى من أنه لو تم انتخاب «الجماعة» فسوف تستخدم سلطتها لاستهداف سيطرة الجيش على الصناعات الرئيسية والميزانيات العسكرية ووزارة الدفاع، التي لم تخضع أي منها للرقابة البرلمانية في الماضي. ولحماية وضعه دعا "المجلس الأعلى" -- جنباً إلى جنب مع قطاعات معينة من المعارضة غير الإسلامية -- إلى [سن] مبادئ فوق دستورية تضمن استقلاليته وتكبح صعود الإسلاميين. وليس مفاجئاً أن تكون جماعة «الإخوان المسلمين» قد عارضت بشدة هذا المسعى معتبرة أن هذه المبادئ ستَحُد من النفوذ الذي تأملت «الجماعة» كسبه للهيمنة على عملية صياغة الدستور فور الفوز في الانتخابات البرلمانية.

ومما يضيف إلى انعدام الثقة أن "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" قد سعى إلى الحد من الفوز المحتمل لـ جماعة «الإخوان المسلمين» في صناديق الاقتراع بحجز ثلث مقاعد البرلمان للمستقلين المنتخبين محلياً -- وهو النظام الذي أفاد النواب السابقين من "الحزب الوطني الديمقراطي" المنحل الآن. وقد عارض «الإخوان» هذه الخطوة وبمساعدة الكثير من الفصائل الأخرى نجحوا في الضغط على "المجلس الأعلى" للسماح لمرشحي الأحزاب بخوض الانتخابات ضد "مُستقلي" «الحزب الوطني الديمقراطي» السابق على هذه المقاعد.

وقد زادت الانشقاقات الأخيرة عن "التحالف الوطني الديمقراطي من أجل مصر" -- وهو ائتلاف انتخابي يضم أكثر من ثلاثين حزباً جمعهم «الإخوان» بمساعدة "حزب الوفد" -- في إشعال الريبة بين «الإخوان» و"المجلس الأعلى للقوات المسلحة". فـ «الإخوان المسلمون» يؤمنون أن تكتيكات الضغط التي يفرضها "المجلس الأعلى" هي التي حفَّزت انشقاق "حزب الوفد" الذي تم الإعلان عنه على نحو غير متوقع في 6 تشرين الأول/أكتوبر، ووجه بذلك ضربة شديدة لحيوية التحالف. وقد بني «الإخوان» استراتيجيتهم الانتخابية حول هذا التحالف بتنسيق مرشحيهم مع عدة أحزاب أخرى على أمل أن يضمنوا لأنفسهم الصدارة في الحكومة التالية دون الإظهار بأنهم يسعون إلى السيطرة المباشرة. لكن تفكك التحالف -- الذي تؤمن «الجماعة» أن "المجلس الأعلى" هو من استحثه -- قد حضَّ «الإخوان» على اتباع تكتيكات أكثر عدوانية.

«الإخوان المسلمون» يسعون إلى تفويض انتخابي

الى ذلك يشير إريك تراغر، في 25 تشرين الأول/أكتوبر تراجعت جماعة «الإخوان المسلمين» عن تعهدها الذي طالما التزمت به بالترشح لأقل من نصف المقاعد في الانتخابات القادمة -- وهو السقف الذي حدده "مجلس الشورى" الداخلي في «الإخوان» فور الإطاحة بمبارك لطمأنة المصريين بأن «الجماعة» لا تسعى إلى الاستحواذ على السلطة. ومن المقرر الآن أن يتنافس «الإخوان» على حوالي 77 بالمائة من جميع المقاعد البرلمانية.

وهناك عاملان رئيسيان استحثا هذه الجرأة المفاجئة لـ جماعة «الإخوان المسلمين». الأول أن الأحزاب الصغيرة الإحدى عشر التي ما تزال في "التحالف الوطني الديمقراطي" هي في الغالب ضعيفة وغير قادرة على تعويض رحيل "حزب الوفد" الذي خطط إدخال 40 بالمائة من مرشحي التحالف [للتنافس في الانتخابات]. وعليه رأى «الإخوان» بأنهم مضطرين إلى زيادة عدد مرشحيهم للبقاء في دائرة المنافسة. وثانياً سعت «الجماعة» إلى مواجهة التحدي القوي بشكل غير متوقع الذي يشكله "التحالف الإسلامي" وهو ائتلاف مكون من أربعة أحزاب سلفية متشددة انفصلت عن "التحالف الديمقراطي" في أوائل أيلول/سبتمبر. وسوف يخوض الانتخابات 693 مرشحاً من "التحالف الإسلامي". وقد توقع قادته بالفوز بثلاثين في المائة من الأصوات والتمثيل في الحكومة المقبلة. ولا يستخف «الإخوان» بهذه الاحتمالية لا سيما وقد رأوا قدرة السلفيين الهائلة على حشد [المتظاهرين] في احتجاجات "ميدان التحرير" في 29 تموز/يوليو حيث تغلبوا في أعدادهم على نشطاء «الجماعة».

والآن حيث يتنافس «الإخوان» على 77 بالمائة من مقاعد البرلمان، فمع ذلك يشعر قادتهم بالجرأة حيث يبدو أنهم مقتنعين بأن قائمة مرشحيهم الموسعة سوف تمكنهم من التغلب على انسحاب "الوفد" وتحدي السلفيين. فعلى سبيل المثال، في أواخر تشرين الأول/أكتوبر وفي اجتماع لقادة جدُد من «الإخوان» في الجيزة قال المسؤول الرفيع عصام العريان إن 65 بالمائة من الأغلبية الصامتة في مصر تدعم «الجماعة». وبالمثل، تفاخر صبحي صالح الشخصية البارزة في «الإخوان» والمرشح للبرلمان بأن «الإخوان» سيشكلون الحكومة المقبلة ويحكمون مصر. وفي الوقت نفسه، كثفت «الجماعة» دعواتها لـ "المجلس الأعلى" لكي يقوم بتسليم السلطة بعد الانتخابات. وكما صرح "نائب المرشد العام" لـ «الإخوان» خيرت الشاطر مؤخراً أن "الشعب لن يتحمل أي طغيان جديد."

"مجلس أعلى" أكثر حزماً

وينوه إريك تراغر، رغم مقاومة «الإخوان»، سعى "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" إلى توسيع سيطرته على العملية الانتقالية. وفي أوائل تشرين الثاني/نوفمبر اجتمعت الحكومة الانتقالية التي عيَّنها "المجلس الأعلى" بالقادة السياسيين للضغط على اعتماد المبادئ فوق الدستورية لإدامة استقلالية الجيش وتوليه وحده أموره الخاصة. فعلى سبيل المثال ثمة فقرة سوف تُجبر المُشرِّعين على الحصول على موافقة الجيش قبل إصدار أية قوانين تؤثر عليه. وهناك فقرة أخرى سوف تجعل المخصصات المالية العسكرية تبدو وكأنها مادة منفردة في الموازنة الوطنية، ومن ثم تمنع الرقابة التفصيلية البرلمانية عليها. ومن شأن المبادئ أن تمنح أيضاً "المجلس الأعلى" حرية التصرف والتحفظ على الدستور المصري القادم بما في ذلك السلطة لاختيار 80 بالمائة من لجنة الصياغة الأولية. وإذا ما فشلت تلك الهيئة في إنجاز مهمتها خلال ستة أشهر، فسيختار "المجلس الأعلى" بشكل مستقل مجموعة دستورية جديدة تماماً.

وفي حين وافقت عدداً من الأحزاب، وأبرزها "حزب الوفد" و "حزب التجمع اليساري"، على المبادئ إلا أن «الإخوان» رفضوها بشدة مُصدرين بياناً وقَّعه قطاعاً واسعاً من الأحزاب الأخرى والشخصيات السياسية يطلبون فيه سحب هذه المبادئ. كما هدد «الإخوان» أيضاً بالقيام بـ "مسيرات مليونية" في 18 تشرين الثاني/نوفمبر إذا لم يُصدر «المجلس الأعلى» "جدولاً زمنياً لتسليم السلطة لحكم مدني منتخب."

خيارات للسياسة الأمريكية

فيما يعتقد إريك تراغر، إن سعي "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" للحصول على سيطرة أكبر على العملية الانتقالية ليس مفاجئاً. فالقيادة العسكرية المصرية مشهورة [بطابعها] المحافظ وتخشى من أن يؤدي التسليم الفوري للسلطة إلى البرلمان الجديد إلى انعدام الاستقرار. وفي الوقت نفسه، يبدو في النهاية أن "المجلس الأعلى" يدرك أنه في غياب تدخل غير ديمقراطي كبير فمن شبه المؤكد أن يسيطر الإسلاميون على المجلس التشريعي ويجرون تغييرات كبيرة في النظام السياسي المصري لا رجعة فيها.

غير أن الطريقة التي سعى فيها "المجلس" إلى الوصول إلى عملية انتقال تكون أكثر استقراراً، من المرجح أن تحفز حدوث اضطراب أكبر. فمن خلال صياغة مبادئ فوق دستورية التي من شأنها أن تحصنه بشكل دائم من الرقابة المدنية دون استشارة مجدية مع قوى مصر السياسية، يشير "المجلس الأعلى" بأنه يعتزم البقاء في السلطة -- أو على الأقل الحفاظ على مكانته المتميزة -- لأجل غير مسمى. ومن غير المرجح قط أن يكسب ذلك أي تأييد في حقبة ما بعد مبارك، وبالتالي يجب على "المجلس الِأعلى" الآن التعامل مع الاحتمالية الواقعية جداً والمتمثلة بقيام جماعة «الإخوان المسلمين» بتعبئة المحتجين للقيام بمظاهرات حاشدة في الأسبوع المقبل.

وبالنسبة لواشنطن فإن الصدام بين "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" والإسلاميين هو صورة مصغرة لمعضلة "الربيع العربي". فعلى الرغم من أنه ليس لدى الولايات المتحدة مصلحة في هيمنة الإسلاميين على البرلمان المصري إلا أن وجود نظام العسكري هش وغير شرعي واستمراريته إلى أجل غير مسمى ليس هو الآخر الوصفة الصحيحة للاستقرار. ولذا يجب على واشنطن أن تشجع "المجلس الأعلى" على تأسيس إطار سياسي تعددي من خلال إجراء مشاورات وثيقة مع القادة المدنيين، وأن تُذكِّر "المجلس" بأن العملية الانتقالية المبنية على التفاوض هي الأكثر احتمالاً لضمان تقدم الشرعية السياسية للمؤسسة العسكرية وسيرها نحو الأمام. وعلى النقيض من ذلك، يبدو أن النهج الحالي لـ "المجلس الأعلى" يُضعف المؤسسة -- وهو تطور ليس في صالح مصر أو الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل أن تكون أحزاب المعارضة راضية عن عملية الانتقال بغض النظر عن كيفية سيرها إلا أن الاستراتيجية القاسية التي اتبعها "المجلس الأعلى" حتى الآن إنما تحفز قيام مواجهات يمكن أن تدفع مصر نحو مزيد من الفوضى.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/تشرين الثاني/2011 - 17/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م