
شبكة النبأ: أسوة بنظام الديكتاتور
العراقي السابق صدام، خلف القذافي تركة ثقيلة لدى المجتمع الليبي
سيعاني لسنوات من آثارها فيما لم تكافح بشكل سريع ومنتظم، فالملايين من
القطع السلاح التي باتت بيد معظم أفراد الشعب الليبي قد تسهم في نكبته
قريبا كما ساهمت في الإطاحة بالديكتاتورية.
ومع اصرار بعض المليشيات الليبية التي ساهمت في اسقاط القذافي على
الابقاء على اسلحتها، تتفاقم هواجس القلق من وقوع ما لا يحمد عقباه، مع
استمرار عمليات العنف الناجمة عن الانتقام والصراع من اجل المصالح
الشخصية والفئوية التي ستظهر قريبا دون ادنى شك، في سيناريو قريب يشابه
المعاناة التي انتشرت في العراق عقب الاطاحة بصدام وتشكل الميليشيات
وجماعات العنف بعد استيلائها على مخازن السلاح المنتشرة في مختلف مناطق
البلاد.
وعلى الرغم من مسعى الحكومة الانتقالية في ليبيا لتقنين وسحب
الاسلحة الا انها تواجة حسب ما ينقل صعوبات جمة، يحتم عليها مسايرة
الاوضاع الى حين تشكيل قوات امنية وعسكرية نظامية قادرة على بسط
الاستقرار، وان كان الثمن باهظ لا يقل تكلفه من اسقاط القذافي عينه.
رفض تسليم السلاح
فقد قال قائد عسكري اسلامي ان المقاتلين الذين أطاحوا بمعمر القذافي
سيحتفظون بأسلحتهم في الوقت الحالي للمساعدة في دعم الأمن. وقال عبد
الجواد البدين وهو قائد لواء في مقابلة ان من المتوقع أن يترك كثير من
المقاتلين وحداتهم نظرا لانتهاء العمليات القتالية الكبرى في حين
سيتلقى من يبقى منهم الأوامر من وزارة الدفاع الوليدة.
وأضاف أن نسبة كبيرة تريد العودة للحياة المدنية وانه لن يفاجأ اذا
اختار أفراد ان يكونوا جزءا من الجيش. وذكر ان الوحدات لا تعارض ان
تنضوي تحت مظلة الجيش لان هدفها الرئيسي هو خدمة البلاد.
وقال البدين وهو ايضا متحدث باسم اتحاد القوى الثورية الذي يضم نحو
25 الف مقاتل من شرق ليبيا ان ما لا يودون رؤيته هو ان يتحول الامر الى
حدث للعلاقات العامة يلقي فيه المقاتلون بأسلحتهم أمام الكاميرات.
ويهدف الاتحاد الى دمج الالوية في بقية انحاء البلاد تحت قيادته
وقال زعيم الاتحاد فوزي بوكتف وهو نائب وزير الدفاع ان من سيظلون خارج
الاتحاد يجب ان يعتبروا مقاتلين غير شرعيين. بحسب رويترز.
وربما تكون المتاعب تختمر في أجزاء من ليبيا حيث تزداد شكوك
المدنيين الساخطين المسلحين في محاولات حكامهم المؤقتين لارساء النظام
والقانون في بلد يعج بالاسلحة. وقال البدين الذي كان عضوا بالجماعة
الاسلامية الليبية المقاتلة المحلولة حاليا والتي شنت تمردا فاشلا ضد
القذافي في التسعينات وتصنفها الولايات المتحدة كمنظمة ارهابية انه
يتعين على الميليشيات التمسك باسلحتها لمنع القوات الموالية للقذافي من
محاولة إعادة تنظيم صفوفها. واضاف أنه اذا سلم المقاتلون اسلحتهم حاليا
واستولت القوات الموالية للقذفي على سبها ومدن اخرى فانه لا يعتقد ان
الجيش الوطني يمكنه احتواء مثل هذا التهديد بمفرده.
ولا يوجد في الوقت الحالي أمل يُذكر لدى الموالين للقذافي لاعادة
نظام الدكتاتور الراحل بعدما جرى سحق قواته المسلحة وبعد مقتل أو نفي
اغلب افراد اسرته. لكن المجلس الوطني الانتقالي المبتلى بالانقسامات
يسعى جاهدا للتعامل مع بعض المناطق النائية في البلاد مثل بلدة سبها
الواقعة في منطقة جنوبية قضى فيها القذافي جزءا من شبابه.
وقال البدين ان وجهاء سبها طلبوا من لوائه إرساء الأمن هناك لكن
المجلس الوطني الانتقالي يتلكأ في الموافقة على ذلك. واشار الى أن سبب
التأجيل هو ما يعرف عن رجاله بأنهم إسلاميون.
وقال ان المقاتلين لن يذهبوا بدون طلب رسمي من المجلس الوطني
الانتقالي لان التجربة أثبتت انهم كثيرا ما كانوا يتهمون بفعل أشياء
خاطئة. واضاف أنه لن يفاجأ ان ذهبوا الى هناك ان يسمع في اليوم التالي
نبأ اتهامهم بارسال أسلحة للقاعدة في الجزائر.
ويتساءل كثيرون الان عن نوع الاسلام السياسي الذي سيسعى المقاتلون
الذين يستلهمون الدين الى جلبه الى البلاد. وقال البدين ان اغلب
المقاتلين الذين كثيرا ما يذهبون الى القتال وهم يرددون "الله أكبر"
متدينون ويمكن اعتبار كثير منهم اسلاميين. لكنه يرى أن أهدافهم
السياسية معتدلة.
وقال ان من الصعب القول ان لدى المقاتلين طريقة تفكير واحدة أو جدول
أعمال سياسيا مضيفا انه يستطيع ان يؤكد ان نسبة كبيرة منهم اسلاميون
وانه لا يرى أحدا له جدول أعمال علماني. وتابع ان نسبة كبيرة من
المقاتلين تريد تطبيق الشريعة ودستورا لا يتعارض معها وانه يعتقد ان
جميع الليبيين يريدون ذلك وليس الاسلاميين فقط.
وسكان ليبيا البالغ عددهم ستة ملايين نسمة جميعهم تقريبا من السنة
وهم محافظون دينيا لكن هناك آراء مختلفة بشأن دور الاسلام في المرحلة
الجديدة. وثمة عودة لظهور الاسلام السياسي في ليبيا شأنها شأن دول أخرى
تشهد انتفاضات الربيع العربي. لكن بيانات الاسلاميين عن دور الشريعة او
الدين في السياسة ما هي الا مؤشرات تقريبية بشأن ما ينتظر في المستقبل
من الناحية السياسية.
وتنص كثير من الدساتير في الشرق الاوسط بالفعل على ان الاسلام هو
الدين الرسمي للدولة وان الشريعة هي اساس التشريع لكن يوجد بها ايضا
قوانين مدنية وجنائية قائمة على نماذج اوروبية. ويقول الاسلاميون في
ليبيا ان النظام الجديد يجب ان يكون شاملا ومقبولا حتى لغير المسلمين.
وقال البدين الذي عاش لسنوات في المنفى في انحاء العالم العربي وجرى
تسيلمه في آخر الامر الى ليبيا حيث سجن لمعارضته للقذافي انه لا يعتقد
ان القاعدة يمكنها ان تزرع نفسها في ليبيا. واضاف أنه اذا أرسلت
القاعدة اشخاصا الى ليبيا فسيكون وجودهم ضعيفا للغاية معربا عن اعتقاده
بان الشعب الليبي لن يقبلهم.
ويعتقد مسؤولون غربيون ان بعض اعضاء الجماعة الاسلامية الليبية
المقاتلة التي كان ينتمي اليها في وقت من الاوقات ساعدوا شبانا من
العرب في الخارج على السفر الى العراق للقتال. لكن الجماعة رفضت
مبادرات من القاعدة وندد قادتها علنا بالتطرف.
وبالنسبة لرايات القتال الاسلامية السوداء التي شوهد بعض المقاتلين
الليبيين يحملونها يقول البدين انه لا علاقة لها بدعم القاعدة التي
ترفع رايات مماثلة في العراق.
ولا ترفع وحدات الثوار رسميا سوى العلم الليبي الذي يرجع الى فترة
ما قبل قبل حكم القذافي لكنها لا تعارض التعبير الفردي. وقال البدين ان
القاعدة ليس لها راية رسمية وان استخدامها لراية مشابهة لا يعني انه
يحق لها فقط استخدامها.
تعطيل الانتقال الى الديموقراطية
الى ذلك يقول مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" ديفيد كيركباتريك في مقال
نشرته صحيفة "انترناشنال هيرالد تربيون" اليوم الاربعاء إن "الكثيرين
من قادة الميليشيات المحلية الذين ساعدوا في الإطاحة بالعقيد معمر
القذافي يتخلون الآن عن تعهدهم بتسليم اسلحتهم، ويقولون إنهم يعتزمون
الاحتفاظ باستقلال ذاتي، وبتاثيرهم على القرارات السياسية باعتبارهم "حراسا
للثورة".
ويضيف: "قضية الميليشيات هي واحدة من القضايا الاشد إلحاحا التي
تواجه حكومة ليبيا الموقتة الجديدة، والمجلس الوطتي الانتقالي. وانتشرت
العشرات من كتائب المتطوعين المسلحة المتجولة بحرية داخل البلاد، وهي
تنتمي للمجالس العسكرية المحلية التي اصبحت حكومات أمر واقع، في مدن
مثل مصراتة والزنتان، وكذلك في العاصمة طرابلس.
واقترحت الحكومة الموقتة المستقيلة برئاسة محمود جبريل في مؤتمر
صحافي ليلة الأحد، أنه بدلا من حل الميليشيات المحلية فإن على المجلس
الانتقالي دمجها، وتوسيع العضوية فيه بحيث يتم ضم ممثلين عن الميليشيات
إليه.
وقال محمود شمام، الناطق باسم الهيئة التنفيذية في المجلس الانتقالي:
"لا أحد يريد التخلي عن السلاح الآن، وهناك قبائل ومدن كثيرة تكدس
الأسلحة تحسبا للطوارئ". ونظرا للتقارير عن اشتباكات متباعدة بين
الميليشيات وعمليات قتل انتقامية داخلية، فالكثيرون من القادة المدنيين،
ومعهم بعض المقاتلين، يقولون إن تحول الميليشيات من حالة المماطلة في
تسليم أسلحتهم إلى القيام بدور نشط في العملية السياسية يمثل تحديا
جديا لسلطة المجلس النتقالي الهشة.
ويرى رمضان زمروح، 63 عاما، وهو من قادة المجلس العسكري في مصراتة،
أن ميلشيا مدينته يجب أن تحل نفسها بعد إقامة وزارة جديدة للدفاعويقول:
"الوضع الحالي يمكن أن يؤدي إلى فوضى. وإذا اردنا الحصول على
ديموقراطية، فلا يمكن أن يستمر الحال الراهن".
ويبدو على أي حال ان وجهة نظره تعبر عن رأي أقلية. والعديد من أعضاء
المجالس العسكرية يصرون على أنهم بحاجة للاحتفاظ بسلاحهم إلى ان تتم
المصادقة على دستور جديد، لأنهم لا يثقون بقدرة الحكومة الانتقالية
الضعيفة على الانتقال بليبيا نحو الديموقراطية من تلقاء ذاتها.
وقال أنور فكيني، وهو محام ليبي يحمل الجنسية الفرنسية، ويقود
مجموعات مسلحة في الجبل الغربي وهو مقرب كذلك من كبار قادة المجلس
الانتقالي: "نحن الذين نمسك بالسلطة الآن- أي من يملكون القوة على
الأرض- ولن نتخلى عن السلطة إلى أن تقوم حكومة شرعية من خلال انتخابات
حرة ونزيهة". واضاف: "سنتأكد من أننا سننقل البلاد إلى دستور مدني
ونظام ديموقراطي. وسنستخدم كل الوسائل المتوفرة- وأولها قوتنا على
الارض".
وأظهر قادة الميليشيات بالفعل عزمهم على الدخول في العملية السياسية.
وقبل أن تسمي الحكومة الموقتة رئيسا جديدا للوزراء ليلة الاثنين، هدد
القادة المحليون في مصراتة- الذين تحدثوا من دون ذكر الأسماء خشية وقوع
قتال مكشوف مع المجلس الانتقالي- بأنه إذا لم يتم الاتفاق على مرشح
يعتبرونه مقبولا، فإن المجالس العسكرية في مدن غربي ليبيا ستتدخل لحسم
المسألة.
وحلت المشكلة سلميا باختيار عبد الرحيم الكيب، وهو مهندس طرابلسي
ورجل اعمال، ما ارضى المدن الغربية. لكن المسؤولين في المجلس الانتقالي
قالوا إن خطر التدخل بحد ذاته يهدد عملية الانتقال إلى ديموقراطية
مدنية، تجري فيها تسوية الخلافات بالاقتراع أو التحكيم، وليس بالأسلحة.
وقال شمام إن التدخل العسكري "سيكون كارثة" وأنه لا بد من تبني
دستور جديد "تحت مظلة القانون"- مراكز الشرطة والقضاة- وليس المجالس
العسكرية وقوة السلاح. ويرى هو وآخرون في المجلس الوطني أن هناك أملا
بأن تسيطر الحكومة الانتقالية المقبلة على الوضع وأن تبني جيشا وطنيا،
وهو هدف ما زال من الصعب تحقيقه، وان تحل المجالس العسكرية المحلية.
وفي إشارة إلى انتخاب هيئة حاكمة هذا العام قال شمام: "إذا بدأت
المجالس العسكرية في الامتداد والتوسع، فستكون بديلا عن الجمعية
الوطنية".
ويشير البعض إلى مصر المجاورة التي تسلم فيها مجلس من الضباط
العسكريين السلطة عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، تم تأجيل
الانتقال إلى سلطة مدنية. ويقول آخرون إن هناك خطرا بأن يماثل الوضع في
ليبيا ما هو موجود في اليمن أو سوريا، لأن هناك عدة ميليشيات لها
استقلال ذاتي تستعد لتسلم دور سياسي- في طرابلس وفي الجبل الغربي مثل
الزنتان وجارتها مصراتة وفي مدينة بنغازي الشرقية.
وفي الشرق وفي العاصمة طرابلس ترتبط عدة ألوية من الأكثر عددا
والأفضل تجهيزا مع المنظمات الإسلامية، التي تشكل الآن أحزابا سياسية.
وفقا لتوقعات شمام، الذي هو ليبرالي.
ووقعت بالفعل اشتباكات بين مجموعات مسلحة. وقبل أسبوعين حدث قتال
بين مسلحين من الزنتان وآخرين من مصراتة في مطار طرابلس، ما أسفر عن
ثلاثة قتلى، بحسب عبد الرزاق البكيش، 40 عاما، وهو قائد عسكري من
الزنتان. وقال إن الاستفزازات الصادرة عن مؤيدين من فلول القذافي هي
السبب في الاشتباكات.
واندلع اشتباك الأسبوع الماضي بين مجموعتين مسلحتين في ميدان
الشهداء بالعاصمة، وهو الميدان الذي حظر المجلس العسكري المحلي الآن
على المقاتلين الآخرين دخوله.
وبعد السيطرة الشهر الماضي على آخر معاقل القذافي في سرت، وقع
اشتباك قصير بين مقاتلين من بنغازي وآخرين من مصراتة، وفقا لما ذكره
زرموح، وهو قائد من مصراتة، رغم أنه لم يسفر عن إصابات.
وهاجم مقاتلون من الزنتان مستشفى في طرابلس ليبحثوا، كما قالوا، عن
موال للقذافي كان يعالج داخله، بحسب تقارير بثتها إذاعة طرابلس. وقال
عبد الرحمن الشاطر، وهو صحافي يحظى بالاحترام وينشر مقالاته في واحدة
من عشرات الصحف الجديدة: "يبدو المجلس الانتقالي عاجزا. وهو مثل زوج
مخدوع لا يعلم ما يجري وراء ظهره، أو مثل من يعلم لكنه لا يبالي".
وقد تعهد المجلس الوطني الانتقالي في "اعلان دستوري" بانه سينظم،
بعد ثمانية شهور من تشكيل حكومة انتقالية جديدة، انتخابات لمجلس وطني
يقوم بالاشراف على كتابة دستور جديد. (وبدا جبريل في مؤتمره الصحافي
وكأنه يقترح طرح "الاعلان" جانباً من دون ضجة، ما اثار اسئلة حول مدى
الزام الاعلان).
ويتعين على السلطات الانتقالية في ليبيا التي ليس لها تاريخ نظام
انتخابي ديموقراطي ان ترسم حدود المناطق (الدوائر) الانتخابية وتضع
نظام تصويت – وهذان قراران يعنيان بصورة لا مفر منها انه سيكون هناك
رابحون وخاسرون، سياسياً وجغرافياً.
وخلال الثورة، اقسم المسؤولون في المجلس الوطني الانتقالي على اعطاء
اصوات متساوية لجميع الليبيين بغض النظر عن مكان وجودهم او موقفهم
السياسي. ولكن القادة في مصراتة، وهي مركز تجاري تحمل حصاراً طويلاً
وبرز بصفة ترسانة الثورة الليبية، يقولون انهم يوصون بمعيار للتمثيل من
اربع نقاط من شأنها ان تعزز اصواتهم، على حساب مدن وبلدات اصغر او تلك
البلدات والمدن التي بقيت مواليةً للعقيد القذافي. وهذه النقاط هي:
السكان، الحجم، الانتاج الاقتصادي، و"الاسبقية في التحرير".
والآن يدعو بعض الناس في المناطق الشرقية حول بنغازي، وهي مناطق
اهملت في عهد العقيد القذافي لمصلحة غربي البلاد، الى العودة الى بنية
فيديرالية فضفاضة يمكنها ان تحميهم من سيطرة طرابلس ومصراتة.
ولكن عزة كامل ماغور، وهي محامية حقوق انسان عقدت في الآونة الاخيرة
مؤتمراً في مصراتة للحديث عن العملية الانتقالية انها فوجئت بصورة خاصة
من التصميم المكشوف على ادخال الاسلحة في العملية السياسية. وقالت: "وقفوا
وقالوا: لن نسلم اسلحتنا الى ان يصاغ الدستور". واستدركت قائلة: "لا
يمكن ان يكون هناك مجتمع مدني ديوقراطي بوجود السلاح-كيف يمكن اجراء
انتخابات؟".
مخزونات تضم ذخيرة هائلة
في السياق ذاته ما زالت مخزونات الذخيرة في شرق ليبيا موجودة دون
حراسة الى حد كبير على الرغم من وعود الحكومة الانتقالية بتأمين
الترسانة الهائلة الموجودة في البلاد. وتمثل وفرة الاسلحة دون رقيب في
منطقة لم تشهد قتالا منذ الصيف تحديا كبيرا على المجلس الوطني
الانتقالي بينما يسعى لفرض النظام بعد الانتفاضة التي أطاحت بالعقيد
معمر القذافي.
وفي مجمع مخابئ زارته رويترز في مطلع الاسبوع كانت هناك الاف
الصواريخ والالغام وقذائف الدبابات بل طوربيدان بحريان متراصة ومستعدة
للنقل دون أي حراسة واضحة.
وفي موقع اخر في مستودع للذخيرة قرب بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية
كانت هناك مقاتلة وسط مساحة شاسعة مليئة بالمخابئ التي تمتد على مرمى
البصر. وتحت ضغط دولي متزايد من دول تدعم المجلس الوطني الانتقالي ألزم
المجلس نفسه بتأمين مستودعات الاسلحة.
ومع وجود أكثر من عشرة مخابئ على الاقل دون حراسة على الاطلاق ربما
تثور تساؤلات حول مدى اصرار المجلس الوطني الانتقالي في اللحظة التي
يحاول فيها المجلس الذي تتعدد فيه الفصائل على بناء نظام حكم جديد من
الصفر تقريبا.
وقال جلال القلال المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي ان الوضع
خطير لكنهم يعانون من الضغط ولا يريدون تولية من هم خارج عن نطاق
سيطرتهم مسؤولية تأمين المواقع. وأضاف أنهم يشعرون بالقلق ولكنهم ليسوا
مذعورين.
زارت رويترز أحد المواقع في مكان ناء قرب بلدة اجدابيا وتعرض لقصف
طائرات حلف شمال الاطلسي عندما كان تحت سيطرة القوات الموالية للقذافي.
وما زال نحو 30 مخبأ لم يمسها سوء ومليئة باثار الطلقات وأبوابها
مفتوحة على مصراعيها.
وتضم أغلب المخزونات الموجودة في المخابئ الواقعة على بعد عدة
كيلومترات قبالة الطريق الساحلي الرئيسي ذخيرة يتطلب اطلاقها أسلحة
ثقيلة لكن قذائف المورتر والالغام الارضية المصممة لتدمير السيارات
وتشويه الناس جاهزة للاستخدام.
ويخشى بعض المحللين من احتمال استخدام فلول الموالين للقذافي أو
أطراف أخرى غير راضية عن أداء المجلس الوطني الانتقالي للاسلحة المتاحة
دون حراسة لشن حرب عصابات مما يحبط الحكم الفعال واستئناف انتاج النفط
في ليبيا العضو في منظمة أوبك.
كما تمثل الاسلحة خطرا على الدول المجاورة لليبيا خاصة على الحدود
الجنوبية للبلاد التي يسهل التسلل منها مع دول بها اضطرابات مثل
السودان والنيجر وتشاد. وقال القلال ان الحكومة تعمل على تأمين
الترسانات لكنها تفتقر الى الاموال الكافية لدفع مقابل التأمين. وأضاف
أنهم يبيعون النفط لكن ليس لديهم السيولة اللازمة لهذا الغرض لان
الاموال التي كانت مجمدة خلال حكم القذافي لم تصل بعد. ومضى يقول انه
عندما تصل هذه الاموال ستتوفر لديهم الوسائل اللازمة لدفع الرواتب ورصد
حوافز ضرورية لحراسة تلك المواقع.
وقارنت منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان ومقرها
نيويورك بالوضع في ليبيا وما حدث في العراق حيث تم نهب مخازن السلاح
التي تخلت عنها القوات الهاربة التي كانت موالية لصدام حسين بعد الغزو
الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 واستخدمها متشددون في صنع قنابل
وشراك خداعية.
وحثت المنظمة المجلس الوطني الانتقالي على تأمين الكميات الكبيرة من
الاسلحة الثقيلة المتداولة في البلاد بما في ذلك صواريخ أرض جو قالت
انها موجودة دون حراسة منذ أكثر من شهرين عند الاطاحة بالقذافي.
وتمثل الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف قلقا على وجه
الخصوص نظرا لامكانية استخدامها في مهاجمة الطائرات المدنية مما دفع
الولايات المتحدة ودولا أخرى الى عرض المساعدة في اقتفاء أثر تلك
الاسلحة.
وفي المواقع التي زارتها رويترز لم يكن بالامكان مشاهدة أي من تلك
الاسلحة وهو ما قال القلال انه مؤشر على مدى الاهمية التي أولتها
الحكومة لهذه المسألة.
وقال عن تعقب الاف الصواريخ المضادة للطائرات التي تقول الامم
المتحدة ان مصيرها ما زال مجهولا ان عاملين تابعين للمجلس الوطني
الانتقالي ينسقون مع فرق من الخبراء الدوليين في هذا الصدد وساعدوا
الحكومة على احراز تقدم. كما أبدى المجتمع الدولي قلقه من مسألة تأمين
المواد النووية والاسلحة الكيماوية.
ومن الانباء السارة قالت منظمة حظر الاسلحة الكيماوية ومقرها لاهاي
يوم السبت انها فتشت مخزون ليبيا المعلن لمكونات صنع غاز سام ووجدتها
سليمة. لكنها قالت ان السلطات الليبية قالت لها انه عثر على المزيد من
المخزونات لما يعتقد أنها أسلحة كيماوية.
وأيا كان التقدم الذي يجري احرازه فمازال سكان ليبيا يمتلكون كميات
كبيرة من الاسلحة. وكثيرا ما يشاهد في الشوارع مدافع ثقيلة محمولة على
شاحنات مدنية في انحاء البلاد كما أن البنادق الالية موجودة بكثرة.
واقترحت الحكومة الانتقالية اطلاق برنامج يشمل كل مناطق البلاد
لاستعادة تلك الاسلحة من خلال شرائها للحد من انتشار الاسلحة الصغيرة
الموجودة في أيدي الجميع تقريبا وهي فكرة قال القلال انها ستلقى دعما
كبيرا عندما تصبح الاموال متاحة. ومضى يقول انهم يحتاجون المال أولا
لانهم اذا أعلنوا عن مثل هذا البرنامج فلابد أن يكونوا مستعدين لان
الناس ستأتي بأعداد كبيرة خصوصا أن الكثيرين اشتروا الاسلحة من أموالهم
الخاصة.
وبالنسبة للوقت الراهن تكثر معارض الاسلحة التي تقام في الهواء
الطلق. وفي أحد مواقع تلك المعارض في وسط بنغازي يجري شراء الاسلحة
الصغيرة والتجارة فيها بسهولة بعد صلاة الجمعة حيث تباع البنادق مقابل
1100 دينار ليبي (900 دولار) فأكثر.
وقال القلال ان الاسعار تقل لان البنادق كانت تشترى منذ فترة مقابل
ثلاثة الاف دينار وان هذا يعني أن جمعها سيكون أسهل.
القاعدة في المغرب الاسلامي
من جانب آخر اكد احد قادة تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي المختار
بلمختار ان التنظيم حصل على اسلحة ليبية خلال النزاع الذي انتهى بسقوط
معمر القذافي، وذلك في مقابلة مع وكالة انباء موريتانية خاصة على شبكة
الانترنت.
وقال من جهة اخرى ان القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي ما زالت تطالب
بانسحاب القوات الفرنسية من افغانستان في مقابل الرهائن الفرنسية التي
تحتجزها في منطقة الساحل هذه المنظمة التي تدين بالولاء للقاعدة
وزعيمها اسامة بن لادن الذي قتل في باكستان في الثاني من ايار/مايو
2011.
وقال المختار بلمختار لوكالة "اخبار نواكشوط: موريتانيا" ان "المجاهدين
في تنظيم القاعدة عموما من اكبر المستفيدين من ثورات العالم العربي
(...) اما عن استفادتنا من السلاح من ليبيا، فهذا امر طبيعي في مثل هذه
الظروف".
وتنشر هذه الوكالة باستمرار بيانات او تصريحات اعضاء تنظيم القاعدة
في المغرب الاسلامي من دون ان يتم تكذيبها. ولم يقدم بلمختار الجزائري
الاصل تفاصيل عن الاسلحة التي حصل عليها التنظيم، فيما اعرب عدد كبير
من الخبراء عن قلقهم حتى الان من اخفاء اسلحة ليبية في الساحل بسبب
النزاع في ليبيا.
الاسلحة الكيماوية
من جهتهم قال مفتشو أسلحة ان مخزونات ليبيا من خردل الكبريت والمواد
الكيماوية التي تستخدم لصنع أسلحة لم تمس ولم تتعرض للسرقة خلال
الانتفاضة التي أسقطت معمر القذافي. أضاف المفتشون ان تدمير المواد
سيستأنف في أسرع وقت ممكن.
لكن منظمة حظر الاسلحة الكيماوية ومقرها لاهاي قالت ان السلطات
الليبية اخطرتها في الاول من نوفمبر تشرين الثاني بأنه تم العثور على
مخزونات اضافية لما يعتقد انها أسلحة كيماوية وان ليبيا ستصدر اعلانا
جديدا عن مخزونها قريبا.
وقالت المنظمة ان فريقا من مفتشيها وجد ان المخزون الكامل لخردل
الكبريت والمكونات التي تستخدم في صنع اسلحة كيماوية غير منقوص في
مستودع الرواغة في جنوب شرق ليبيا.
وبعد انضمام ليبيا الى اتفاقية حظر الاسلحة الكيماوية عام 2004 تعين
عليها ان تعلن عن جميع ما لديها من المواد التي تستخدم في صنع الاسلحة
الكيماوية والموافقة على تدميرها. وأعلنت الحكومة الليبية السابقة ان
لديها 25 طنا مكعبا من الخردل و 1400 طن مكعب من المواد الكيماوية التي
تستخدم في صنع أسلحة كيماوية.
وأعلنت ايضا عن امتلاكها اكثر من 3500 من القنابل الجوية غير
المعبأة والمصممة للاستخدام مع مكونات الاسلحة الكيماوية مثل خردل
الكبريت وعن ثلاث منشآت لانتاج الاسلحة الكيماوية.
وقالت منظمة حظر الاسلحة الكيماوية ان برنامج التدمير توقف في
فبراير شباط 2011 بسبب خلل فني في المنشأة بعد ان تم فقط تدمير جزء من
المخزونات.
قالت المنظمة ان "المفتشين عادوا (الى ليبيا) بناء على دعوة من
الحكومة الليبية الجديدة وبتعاون كامل منها" وأضافت انهم سيعودون
لاتمام عملية تدمير المواد بمجرد تشغيل المنشأة مرة اخرى.
وقالت "ستواصل منظمة حظر الاسلحة الكيماوية العمل مع السلطات
الليبية للتحقق من اي مخزونات اعلن عنها حديثا وتدميرها." وأثار ترك او
اختفاء بعض الاسلحة التي تعود الى عهد القذافي مخاوف دولية من ان تقوض
مثل هذه الاسلحة الامن الاقليمي اذا سقطت في ايدي متشددين اسلاميين او
متمردين ينشطون في شمال افريقيا. ويخشى البعض من ان يستخدمها الموالون
للقذافي لاشاعة عدم الاستقرار في ليبيا. |