
شبكة النبأ: بعين الذئب يطلع ساسة
تركيا إلى أحداث العالم العربي المضطرب، متطلعة بشغف واضح الى استعادة
بعض من مجدها الغابر عندما كانت جيوشها تحتل معظم أجزاء ذلك العالم
الغني بالموارد والصادرات، غير مترددة في امتطاء بعض الشعارات الحقوقية
والإنسانية والدينية أحيانا في سبيل تمرير أجنداتها المكشوفة.
حيث تسعى تركيا من خلال دغدغة مشاعر الشعوب العربية الناقمة من
ديكتاتوريات جثمت على صدرها لعقود، إلى احتلال موطئ قدم يؤمن لها نفوذ
سياسي واقتصادي كبديل عن فشلها في مسعى الانضمام إلى الاتحاد الأوربي،
متخذة من الشرق الأوسط والعالم العربي حاضنة جديدة قديمة، تكون لها
اليد العليا في المستقبل القريب بعد انقشاع الغبار الذي يلتف
الاضطرابات السياسية الجارية.
فيما تشير بعض التسريبات إلى دعم أنقرة للجماعات المسلحة ماديا
ومعنويا لزعزعة استقرار سوريا على وجه الخصوص، كونها تمثل عقبة كبيرة
أمام ولوجها لدول العالم العربي بشكل ـأكثر سهولة ويسر.
تركيا تقدم نفسها نموذجاً
فقد كانت السياسة الخارجية التركية إلى وقت قريب تهتم بمشكلة جزيرة
قبرص المقسمة وكيفية الحفاظ على الجزء الخاضع لها، إضافة إلى مساعيها
من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. أما اليوم فيبدو أن أنقرة غيرت
توجهها بالكامل، إذ بات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الشخصية الأكثر
شعبية في الشرق الأوسط، وقد نجح المسؤولون الأتراك في إنجاز ما عجزت
عنه الإدارة الأميركية.
فقد انحازت تركيا بشكل كامل إلى جانب الثورات العربية، في حين كان
الأميركيون غائبين عن المشهد السياسي الذي يرتسم يوماً بعد يوم، أما
الأوروبيون فلايزال موقفهم متذبذباً إلى حد كبير.
وتحاول أنقرة أن تقدم نظرة لما سيكون عليه مستقبل الوضع السياسي
والاقتصادي في الدول التي نجح فيها تغيير الأنظمة. وفي ذلك يقول أستاذ
العلاقات الدولية في جامعة اسطنبول بيلجي، سولي أوزل «تركيا هي الدولة
الوحيد التي تدرك أين تتجه الأمور، والريح تجري في اتجاه مواتٍ لها».
استقطبت تركيا اهتمام الكثيرين، خصوصاً بعد زيارة أردوغان للبلدان
الثلاثة التي نجحت في الإطاحة بحكامها (مصر وتونس وليبيا). وحتى خصوم
الرجل اهتموا كثيراً بهذه الزيارة الرمزية، ورغم بعض الانتقادات التي
توجه إلى رئيس الوزراء بأنه يميل إلى «السلطوية» في إدارة شؤون البلاد،
إلا أنه يفتخر بأنه القائد المسلم الوحيد الذي يقود بلداً ديمقراطياً
ومزدهراً، الأمر الذي يصب في مصلحة الثورات العربية والحقوق الفلسطينية.
ووصفت صحيفة مؤيدة لأردوغان الزيارات بأنها «بداية مرحلة جديدة في
المنطقة»، كما أثنى كاتب عمود في صحيفة مصرية على «ميزات القيادة» التي
يتحلى بها أردوغان.
وبعد أيام من الجولة التاريخية للزعيم التركي تحدث وزير خارجيته
داوود أوغلو، عن محور يضم مصر وتركيا، وهما البلدان الأكثر كثافة
سكانية، والأقوى من الناحية العسكرية في المنطقة، الأمر الذي يدعم قيام
نظام إقليمي جديد، تكون فيه إسرائيل على الهامش، حتى تتوصل إلى سلام
شامل مع جيرانها. وفي ذلك قال مسؤول رفيع في أنقرة «ما يحدث في الشرق
الأوسط يُعد فرصة كبيرة وذهبية».
وبعد عقود من الازدراء وتحالف استراتيجي مع تل أبيب في التسعينات،
وتوطيد العلاقات الاقتصادية مع نظام العقيد القذافي في ليبيا، ونظام
بشار الأسد في سورية، حيث كان أكثر من 25 ألف عامل تركي يعمل في
البلدين، ها هي أنقرة تعيد حساباتها السياسية والاقتصادية، ويتعين
عليها الآن إيجاد فرص عمل جديدة لآلاف الأتراك في المنطقة.
يذكر أن تركيا عارضت التدخل الأجنبي في ليبيا، كما أن دعوتها للرئيس
المصري المخلوع حسني مبارك بالتنحي، لم تلق ترحيباً كبيراً في الأوساط
المصرية حينها، حيث كانت القاهرة تراقب تنامي الدور التركي في المنطقة
بقلق، أما مصر بعد الثورة فقد رحبت برئيس الوزراء، واستقبل استقبالاً
رسمياً وشعبياً حاشداً. وفي ذلك يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة
سبانسي في اسطنبول، «انهارت السياسة القديمة، والوضع الراهن يتطلب
سياسة جديدة في الشرق الأوسط».
يقود أوغلو السياسة الخارجية، ويقال انه مهندس السياسة الجديدة التي
ستنتهجها أنقرة مستًقبلا، وقال إن بلاده ستساند الثورات العربية، بما
في ذلك تلك التي اندلعت في سورية، التي تعد تحدياً كبيراً بالنسبة
لتركيا. وأكد الوزير أن اقتصاد تركيا القوي سيساعد في دعم الحكومات
الجديدة.
يذكر أن صادرات أنقرة تضاعفت ثلاث مرات تقريباً منذ مجيء حزب
العدالة والتنمية إلى السلطة في .2002
ولن يقتصر التعاون التركي مع جيرانه العرب على المجالين السياسي
والاقتصادي، بل انه سيتوسع ليشمل التنسيق والتعاون العسكري. وتبدو هذه
النظرة طموحة إلى حد كبير، إلا أن الوصفة التي قدمها الوزير والتي
تقتضي «انعدام المشاكل» بين الجيران، تتناقض مع الحقائق الصعبة التي
يعيشها الشرق الأوسط. وتواجه أنقرة مشكلات بسبب الخلاف حول استغلال
الغاز قبالة جزيرة قبرص، في المنطقة بين الشطرين اليوناني والتركي، في
حين تشهد العلاقات التركية الإسرائيلية تدهوراً غير مسبوق بسبب حادثة
الهجوم على أسطول الحرية الذي كان متوجهاً إلى قطاع غزة المحاصر، ومقتل
تسعة ناشطين أتراك، العام الماضي، كانوا على متن السفينة على يد جنود
إسرائيليين.
وترفض تل أبيب إلى الآن تقديم اعتذار رسمي، الأمر الذي تعده أنقرة
أساسياً من أجل عودة العلاقات إلى طبيعتها، أما إيران، على الحدود
الشرقية، فهي مستاءة جداً لسماح تركيا بإقامة رادار أميركي على أراضيها،
كجزء من نظام الدفاع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي، في حين وصلت الأمور
بين أنقرة ودمشق إلى طريق مسدود.
بات تنامي القوة والنفوذ التركي في الشرق الأوسط مسألة متداولة
محلياً في هذه الأيام، وتكاد تصل إلى الغلو في الوطنية عند بعض الأحزاب
والمفكرين، ويبدو أن هذه المسألة الوطنية عند الأتراك قد اختلطت
بالعاطفة والحنين إلى الماضي، فكثير منهم يؤيدون عودة بلادهم إلى
العالم العربي، الذي كان تحت حكمهم أكثر من أربعة قرون.
ويقول نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في حزب العدالة والتنمية،
سوات كينكليوغول «نحن لسنا هناك لإعادة بناء الامبراطورية العثمانية،
لكننا نحاول ممارسة أقصى نفوذ نمتلكه في منطقة تتقبل قيادتنا».
وحتى أولئك الذين يهاجمون سياسات أردوغان، يعترفون بأن الرجل يعد
ظاهرة، على المستويين المحلي والدولي. وعلى النقيض من الحكام العاجزين
والخاضعين للإملاءات الأميركية والإسرائيلية، فرئيس الوزراء التركي
يبدو مستقلاً وقوياً.
يقول كاتب العمود التركي، سنجيس ساندار، ان لدى أردوغان حدساً
سياسياً يقول له - بغض النظر عن العواطف - إنك في المسار الصحيح، وما
دمت تتبع هذه الخطوات فإن تركيا ستعزز مكانتها لتكون قوة إقليمية، أكثر
فأكثر، وستكون لاعباً على المسرح الدولي.
قيام محور ديموقراطية مع مصر!
الى ذلك اعلن وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو ان بلاده
ستتحالف مع مصر الجديدة لقيام "محور ديموقراطية" جديد في الشرق الاوسط،
وذلك في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز.
وقال "هذا ما نحن نريده" مضيفا "لن يكون محورا ضد اي بلد اخر لا
اسرائيل ولا ايران ولا اي بلد اخر ولكن سيكون محورا للديموقراطية،
ديموقراطية حقيقية". واضاف "سيكون محور ديموقراطية بين الدولتين الاكبر
في منطقتنا، من الشمال الى الجنوب، من البحر الاسود الى وادي النيل في
السودان".
وتوقع داود اوغلو ان تزيد استثمارات تركيا في مصر من 1,5 مليار
دولار الى خمسة مليارات خلال العامين المقبلين وان تزيد المبادلات
التجارية من 3,5 الى خمسة مليارات دولار قبل نهاية العام 2012 والى 10
مليار دولار في العام 2015، حسب ما ذكرت النيويورك تايمز.
واوضح الوزير التركي "من اجل الديموقراطية، نحن بحاجة لاقتصاد قوي".
وقال داود اوغلو في هذه المقابلة ايضا ان عقودا بقيمة اجمالية تصل الى
مليار دولار وقعت خلال يوم واحد في مصر. وكان رئيس الحكومة التركية رجب
طيب اردوغان قد زار الاسبوع الماضي تونس ومصر وليبيا برفقة وزير
خارجيته ووفد من 280 رجل اعمال.
السعي للهيمنة
من جهتها حذرت جماعة الاخوان المسلمون أقوى جماعة اسلامية في مصر
رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من سعي بلاده للهيمنة على منطقة
الشرق الاوسط رغم الترحيب الحماسي الذي لقيه في بداية جولته بالمنطقة.
وبعد الاشادة الواسعة بدعوته الى الديمقراطية في العالم العربي لقي
اردوغان استقبالا اكثر تحفظا من قيادات جماعة الاخوان المسلمين التي لا
يشترك حرسها القديم مع جيلها الاصغر في الاعجاب بالزعيم التركي.
وقال عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة الذي اسسته
الجماعة "نحن نرحب بتركيا ونرحب بأردوغان كزعيم متميز من زعماء المنطقة
ولكننا لا نرى انه او بلاده تستطيع لوحدها قيادة المنطقة او رسم
مستقبلها."
وتتناقض التصريحات الحذرة مع الاستقبال الحار الذي لقيه اردوغان حتى
الان من جانب حشود في محطته الاولى ضمن جولة تشمل ثلاث دول عربية
وتستهدف تعزيز دور تركيا الاقليمي.
وقال اردوغان امام حشد من الجماهير المتحمسة في القاهرة يوم
الثلاثاء "يا اخواني.. الديمقراطية والحرية حق اساسي لكم مثل الخبز
والماء."
وأصبح حزب اردوغان ذي الخلفية الاسلامية وبما حققه من نجاح انتخابي
نموذجا لكثير من أعضاء جماعة الاخوان وغيرها من الجماعات السياسية التي
تستعد لاول انتخابات حرة بعد الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في
فبراير شباط بعد ان قضى في الحكم 30 عاما.
لكن الاخوان وغيرها من الجماعات تخشى من التدخل الخارجي في
الانتفاضة التي نشأت من داخل البلاد. وقال مسؤول تركي كبير ان بلاده لا
تريد ان تملي آراءها لكنها تريد تقديم المساعدة.
وقال العريان الذي سجن خلال حكم مبارك "البلاد العربية لا تحتاج الى
مشاريع خارجية. هذا يجب أن يأتي من داخل الانظمة العربية خاصة وأنه بعد
الثورات ستكون الانظمة ديمقراطية."
لكن العريان أثنى في الوقت نفسه على النجاحات السياسية التي حققها
اردوغان في بلاده من خلال انتخابات حرة ونجاحه في بناء اقتصاد قوي
ودعمه للقضايا العربية. وأثنى على تعامل اردوغان مع القضية الفلسطينية
قلب قضايا العالم العربي والاسلامي.
وقال العريان ان رئيس الوزراء التركي التقى بأعضاء من حزب الحرية
والعدالة. وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية التركية ان اردوغان عرض
المساعدة اذا طُلبت منه. وقال "لا نقول اننا سنأتي ونعلمكم ماذا تفعلون
لكننا نقول اننا سنساعدكم اذا أردتم."
وكسب اردوغان شعبية كبيرة في العالم العربي بسبب نهجه الصارم في
خلاف مع اسرائيل. كما انه يحظى بالاحترام لقيادته الاقتصاد لتحقيق نمو
سريع ولمسوغاته الديمقراطية في منطقة كانت تفتقر بشكل شبه كامل الى
الديمقراطية.
وحث اردوغان الولايات المتحدة على عدم عرقلة مسعى الفلسطينيين
للحصول على اعتراف الامم المتحدة بدولتهم. واضاف قائلا امام حشد متحمس
تجمع في دار الاوبرا بالعاصمة المصرية "رسالة الحرية التي تنتشر من
ميدان التحرير (بالقاهرة) اصبحت بارقة أمل لجميع المظلومين في طرابلس
ودمشق وصنعاء."
وحث أردوغان في كلمة أمام منتدى تركي مصري في وقت لاحق رجال الاعمال
الاتراك على الاستثمار في مصر والمصريين على الاستثمار في تركيا. وقال
رئيس الوزراء المصري عصام شرف انهم يسعون لزيادة التبادل التجاري بين
البلدين الى خمسة مليارات دولار سنويا من ثلاثة مليارات دولار وزيادة
الاستثمارات التركية في مصر الى خمسة مليارات دولار في المستقبل من 5ر
1 مليار دولار.
وقال وزير الاقتصاد التركي ظفر جاغليان ان البلدين وقعا اتفاقات
بقيمة اجمالية 853 مليون دولار. وقال اردوغان الذي تأتي بلاده بين اسرع
الاقتصادات نموا في العالم ان الديمقراطية والنمو يسيران جنبا الى جنب.
وقال "اذا تبنت مصر الديمقراطية فعندئذ سيكون للاصوات التي سمعت في
التحرير صداها في المجال الاقتصادي أيضا."
دولارات العرب
من جهتها ذكرت صحيفة (ميلليت) التركية أن دولارات العرب والأجانب
بدأت تتدفق وتصب في البنوك التركية على أثر التوتر والاشتباكات
والاضطرابات التي عاشتها العديد من الدول العربية بعد موجة الربيع
العربي في مقدمتها تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سوريا وعدد آخر من الدول
الخليجية.
وقالت الصحيفة 'إن أعداد المودعين الأجانب في التعاملات المصرفية
التركية منذ بداية العام الجاري ازدادت بنسبة 20% لترتفع من 320 ألف
شخص أجنبي إلى 357 ألفا'، مشيرة إلى أن موجات الربيع العربي أثرت على
كافة التوازنات في منطقة الشرق الأوسط ، وبالتالي تضرر قطاع المقاولات
والإنشاءات التركي بنسبة كبيرة بينما انتعشت البنوك التركية بعد أن نقل
العديد من الأجانب إيداعاتهم المالية إلى البنوك التركية.
وتشير المعلومات الواردة من هيئة الإشراف وتنظيم البنوك التركية إلى
أن مجموع إيداعات الأجانب بالبنوك التركية ارتفعت من 7ر16 مليار ليرة
إلى 4ر25 مليار ليرة منذ بداية العام الجاري.
خطب ود الليبيين
فيما انضم المئات من الليبيين لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان
في صلاة الجمعة بالعاصمة طرابلس حيث انهال الثناء عليه لدعمه الانتفاضة
ضد معمر القذافي. واثنى رئيس الوزراء التركي الذي يروج لنموذج انقرة في
المزج بين الاسلام والديمقراطية في دول شمال افريقيا على الثورة
الليبية مستشهدا بعمر المختار باعتباره رمزا للتحدي الوطني ومقاومة
الاستعمار.
وتحرك اردوغان بحرية بين المصلين بعد يوم من زيارة زعيمي فرنسا
وبريطانيا طرابلس وسط اجراءات امنية مشددة. ويسعى القادة الثلاثة
لتحقيق نفوذ في ليبيا بعد ثلاثة اسابيع من سقوط طرابلس في أيدي قوات
المعارضة.
وقال مولود محمد المترجم المتقاعد البالغ من العمر 84 عاما الذي كان
يرابض عند قاعدة عمود حجري يقيه من الحر "ربما هذا من اجل مصالحه
الشخصية ولكنه يساعد المسلمين يتعين عليك شكره. انه رجل لطيف."
واصطف العديد من المصلين وهم يلوحون بعلم تركيا ذي اللونين الاحمر
والابيض على امتداد اكثر من كيلومتر خارج الميدان الذي تغير اسمه حديثا
الى "الشهداء." وقال مهندس الكمبيوتر عبدالسلام محمد بعد انتظاره لمدة
ساعة في الطابور مع ابنه الصغير البالغ من العمر خمسة اعوام "(تركيا)
ترددت في باديء الامر في دعم الثورة ولكن بعدما رأت وجود دعم ... من
الحشود الليبية وقفت إلى جانب الشعب الليبي." ومضى يقول "لا توجد
مقارنة. انه انظف من اي زعيم عربي." بحسب رويترز.
وختم اردوغان بليبيا اسبوعا من جولات النصر الدبلوماسي قادتها فرنسا
وبريطانيا اللتان تولت قواتهما المسلحة قيادة الضربات الجوية ضد قوات
القذافي. وحظيت تركيا بشكر خاص من المعارضة الليبية عندما ارسلت سفينة
حرستها طائرات حربية لاجلاء جرحى مدنيين من مدينة مصراتة المحاصرة في
ابريل نيسان. وقد يكافيء حكام ليبيا الجدد تركيا على هذا الدعم بتوقيع
عقود تجارية.
وإعادة تفعيل العلاقات التجارية بين البلدين أمر ملح بالنسبة لتركيا
التي لها تعاقدات في ليبيا تقدر قيمتها بما يصل الى 15 مليار دولار
وسارعت بتوفير مساعدة لقيادة المعارضة بنحو 300 مليون دولار قبل شهر
رمضان. وحيا اردوغان المحتشدين في ميدان الشهداء بالعربية.
وأبلغ الزعيم التركي حشدا ضم الالاف عقب انتهاء الصلاة "اقدم التحية
لاحفاد عمر المختار الابطال الذين صنعوا التاريخ." ومنوها الى ان
الجمعة توافق الذكرى السنوية الثمانين لاعدام المستعمرين لعمر المختار
ربط اردوغان بين انتفاضة ليبيا الحالية وبطلها الراحل ووصفهما بانهما
يمثلان كفاحا من اجل الله والبلاد.
وقال اردوغان "احيي من هنا في ميدان الشهداء الليبيين الذين ضحوا
بحياتهم من اجل دينهم وبلدهم وحريتهم." وقال احد المصلين ويدعى
عبدالرحمن حافظ "لم اجد كلمات عندما قال ذلك. انه احساس تعجز الكلمات
عن وصفه ...ومهما كانت دوافعه اشكره على ذلك."
السفن التركية تنتشر "في اي لحظة"
من جانب آخر قال رئيس الوزراء التركي طيب اردوغان ان اسرائيل لا
تستطيع أن تفعل ما يحلو لها في شرق البحر المتوسط وان السفن الحربية
التركية يمكن أن تنتشر هناك في اي لحظة.
وأدلى اردوغان بهذه التصريحات في مؤتمر صحفي عقب وصوله الى العاصمة
التونسية في اطار جولة عربية. وهي الاحدث في حرب شفهية بين تركيا
واسرائيل القوتين الاقليميتين اللتين تدهورت العلاقات بينهما بعد ان
قتلت اسرائيل تسعة من النشطاء الاتراك على سفينة كانت تحاول الوصول الى
قطاع غزة العام الماضي.
وقال اردوغان "لا تستطيع اسرائيل أن تفعل ما يحلو لها في شرق البحر
المتوسط. سيرون ماذا ستكون قراراتنا بهذا الصدد. السفن الهجومية
لقواتنا البحرية يمكن أن تكون هناك في اي لحظة." وسئل اردوغان عما اذا
كانت تركيا مستعدة لحماية اي سفن مساعدات في المستقبل فقال "فيما يخص
الملاحة في المياه الدولية سنضمن الحماية لسفننا في اي وقت والتي
يمكنها ان تذهب الى اماكن أخرى لا غزة وحدها."
وتجيء التحذيرات التركية في الوقت الذي تتطلع فيه اسرائيل الى
الاستفادة من حقول غاز بحرية اكتشفت حديثا في المنطقة. وقالت ايلانا
ستاين المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية "نعتقد ان العلاقات
الاسرائيلية مع تركيا -وهي حتى الان جيدة- مهمة ولن نعلق على هذا
التصريح او ذاك."
وخفضت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل وأوقفت العمليات
التجارية في مجال الدفاع بعد ان اعلنت اسرائيل الاسبوع الماضي انها لن
تعتذر عن الغارة التي شنتها قواتها الخاصة على السفينة مرمرة التي كانت
ضمن قافلة تحاول كسر الحصار المفروض على غزة.
ونشرت الامم المتحدة قبل اسبوعين تقريرا قالت فيه ان الحصار الذي
تفرضه اسرائيل على قطاع غزة الذي تهمين عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس)
قانوني لكنه قال ايضا ان اسرائيل استخدمت القوة بطريقة غير معقولة.
لكن في مقابلة مع قناة الجزيرة التلفزيونية والتي نشرت وسائل
الاعلام مقتطفات منها قال اردوغان ان الغارة الاسرائيلية على السفينة
التركية في مايو ايار عام 2010 تعد سببا كافيا "لتندلع حرب" الا ان
تركيا تصرفت بصبر بما يتفق مع عظمتها.
وأثار احتمال حدوث مواجهة بحرية مع تركيا عضو حلف شمال الاطلسي
وحليفة الولايات المتحدة مثل اسرائيل مخاوف الاسرائيليين القلقين
بالفعل من الاضطرابات السياسية التي يشهدها العالم العربي والبرنامج
النووي الايراني.
ويقوم اردوغان الذي يسعى الى توسيع نطاق النفوذ الاقليمي التركي
بجولة تشمل مصر وتونس وليبيا.
التوقف عن دعم سوريا
في حين اعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان انه طلب من الرئيس
الايراني محمود احمدي نجاد ان يتوقف عن دعم نظام دمشق الذي يمارس قمعا
شرسا للحركة الاحتجاجية في البلاد، بحسب الصحف التركية.
واوردت صحيفة "حرييت" ان اردوغان صرح امام صحافيين في تونس "لا
يمكنني الحديث عن وجود توتر مع ايران. لكن في ما يتعلق بسوريا، لقد
حذرتهم من ان نظام (الرئيس السوري بشار) الاسد بات مستكبرا جراء
تشجيعهم". واضاف "لقد تناولت المسالة هاتفيا مع احمدي نجاد. وارسل
بعدها موفدا خاصا تباحثت معه. ولقد حصل تغير في موقفهم".
وتابع اردوغان انه يعتزم ارسال رئيس الاستخبارات التركية حقان فيدان
الى ايران للتباحث في المسالة وانه يمكن ان يتوجه شخصيا الى ايران في
وقت لاحق. وقتل اكثر من 2600 شخص غالبيتهم من المدنيين في سوريا منذ
بدء قمع حركة الاحتجاج ضد نظام الاسد التي بدات في اواسط اذار/مارس،
بحسب تعداد للامم المتحدة.
ودعت ايران القلقة من تبعات القمع في سوريا حليفتها الرئيسية في
المنطقة، مرارا الى الحوار الداخلي الا انها لم تندد ابدا بالعنف الذي
يرتكبه النظام. وتعتبر طهران ان اسرائيل والولايات المتحدة هما من يقف
وراء الاضطرابات في سوريا.
في المقابل، نأت تركيا التي تقيم علاقات ودية مع سوريا منذ سنوات
بنفسها عن نظام دمشق بعد فشل جهودها الدبلوماسية لوقف فوري للقمع. وكان
اردوغان صرح هذا الاسبوع "الشعب السوري لا يصدق الاسد، ولا انا".
ويتزامن الخلاف بين انقرة وطهران حول دمشق في وقت اثارت تركيا انتقادات
ايران عند قبولها في مطلع ايلول/سبتمبر بنشر رادار انذار متقدم ضمن
الدرع الصاروخية الاوروبية. |