الحج وفرص المسلمين لمواكبة العصر

شبكة النبأ: من النادر جدا، أن تتوفر مناسبة لأمة ما، يجتمع فيها ملايين من البشر لاداء هدف موحّد، كما يحدث ذلك في الحج، حيث يتوجّه سنويا في مثل هذه الايام، مئات الآلاف من المسلمين الى مكة المكرمة، ومن كل بقاع العالم، لاداء مراسيم الحج سنويا، وبغض النظر عن الدلالات التي تعكسها ممارسة الطقوس والمراسيم المرافقة للحج، فإن مجرد تلاقي واجتماع الملايين من المسلمين، هو إنجاز كبير بل فريد من نوعه، لاسيما اذا كان العنوان العريض والهدف الأهم لهذا الاجتماع الهائل، هو الخير واصلاح النفوس وتعضيد الجانب الروحي للانسان في ظل تهافت مادي عالمي، يكاد يطغي تماما على القدرات الروحية الكبيرة للانسان.

واذا كانت الرأسمالية والاشتراكية الشيوعية، تحشّد أقصى طاقاتها لتهميش الجانب الروحاني، وتخصص آلاف المليارات، لتعميق المذهب المادي في ممارسة شؤون الحياة كافة، فإن النقيض الذي يحقق الموازنة الروحية للعالم اجمع هو الحج مع الطقوس الروحية الاخرى، التي لا مناص من أدائها حفاظا على التوازن الحياتي المطلوب، وبهذا فإن المسلمين أمة تتميز على الامم الاخرى، وذلك بتعضيدها للجانب الروحي، ليس على نحو فردي او جماعي ضئيل، قد يحدث هنا او هناك، بل نحن هنا نتحدث عن ملايين من البشر يجتمعون سنويا في مكان مقدس واحد، ويلتقون على هدف واحد، ويصبحون قلبا واحدا، وعقلا واحدا، وروحا واحدا،  يتوحدون في محبة الله تعالى والخشوع في رحابه.

هذه الطقوس التي يعيشها المسلمون، في السعودية أثناء موسم الحج من كل عام، تجذب اليها الملايين، الامر الذي يشكل فرصة نادرة للانسجام والتفاهم، والتوحد في كل شيء، وطالما كان الحج هو المبرر لحصول مثل هذا الاجتماع المليوني، وطالما ان الحج ايضا فريضة اسلامية، آمن بها المسلمون وقدموا الى الكعبة من ارجاء المعمورة، فمن باب أولى أن تشكل هذه المناسبة، فرصة ذهبية لتحقيق التواؤم والانسجام بين عموم المسلمين، وأن يتم تبادل الآراء والافكار، ويحدث التلاقح الثقافي الذي يصب في خدمة الثقافة الاسلامية مجتمعة، من اجل تطور المجتمع الاسلامي الموّزع على عموم الدول الاسلامية.

لذا فإن الحج ينطوي على دلالات كبيرة ومتنوعة، ومنها على سبيل المثال الدلالات السياسية، حيث يعد فرصة ايضا للدول والانظمة السياسية الاسلامية للتقارب وتبادل الآراء خدمة للاسلام والمسلمين والانسانية، ولكن هل يحدث هذا فعلا؟ وهل هناك من يبادر لكي يجعل من هذه المناسبة فرصة لتقريب وجهات النظر، والتقارب بين الانظمة السياسية في الدول الاسلامية، كونها الراعية لشؤون المسلمين والقائمة على مصالحهم وتطلعاتهم؟.

 إن شيئا من هذا لا يحدث خاصة السعودية التي تستقبل سنويا ملايين الحجيج، حيث تتوجس خوفا من هذه المناسبة، فتشرع الى سن قوانين وضوابط تدل على الخوف السياسي من هذه المناسبة، بدلا من العمل على استثمارها لصالح المسلمين، فالواضح في هذا الاطار أن هناك تحجيما سعوديا لمفهوم الحج، وهناك خوف من الربيع العربي والانتفاضات التي غيرت الانظمة المستبدة، والدليل ما قامت به السعودية من دور مريب ضد الشعب البحريني، في حين كان الاجدر بالمسؤولين السياسيين في السعودية، أن يسنوا الضوابط التي تقرّب بين المسلمين وتشد من أزرهم وتجعلهم اكثر تقاربا وانسجاما، لاسيما أن العالم اجمع يتسارع نحول التكتل والتوحد في ميادين السياسة والاقتصاد وسواها.

وكان حريا بساسة المسلمين أن يستغلوا الفرص التي تتوافر لهم، كموسم الحج الذي يمثل جوهر الحرية والدعوة الى التغيير نحو الافضل، لا أن يتم اطلاق التهديد والوعيد الذي يسبق كل موسم حج جديد، الامر الذي يعطي دلالة واضحة على التوجس من التسارع الواضح لدى الشعوب بوجوب التغيير الامثل واعتبار فرصة الحج ملائمة للحوار البناء وليس فرصة لتعكير صفو المسلمين واثارة النعرات والتطرف وما الى ذلك مما يفت من عضد المسلمين ويزيد من تناحرهم وتفرقتهم، وهم بأمس الحاجة الى التوحد، وتوحيد الضمائر والقلوب والافكار، لمواجهة المصاعب الكثيرة التي تعترض سبيل تقدمهم، ومواكبتهم لمستجدات العصر كافة.

وثمة تساؤلات عديدة تُثار في مثل هذا الوقت من كل عام، لماذا يخشى حكام السعودية هذا التجمع السنوي الذي يعد فرصة للمسلمين، بدلا من يتحول الى مناسبة لزيادة المماحكات بينهم، فدلالات الحج عظيمة وكبيرة، وهي في جوهرها تدعو الى الوحدة الانسانية الشاملة، فما بالك بوحدة المسلمين وأهميتها، لذا لابد أن تُستحدث في موسم الحج الحوارات البنّاءة بين عموم المسلمين، من اجل توحيد الصفوف والآراء، لتحقيق الاهداف الانسانية المشروعية، من خلال نشر الفضائل ودحر الرذائل، وهو هدف لن يتحقق من خلال الخوف السياسي، أو نشر الخلافات وتأجيجها بين المسلمين.

وأخيرا نقول إن الحج عبارة عن مؤتمر اسلامي كبير، يحضره الملايين من المسلمين القادمين من عموم دول العالم ومدنه، فتجتمع كل الثقافات والآراء والافكار المنتشرة عبر العالم، لذا ينبغي استثمار هذا المؤتمر لتحقيق مصلحة الاسلام والمسلمين، وهي بالتالي مصلحة للانسانية جمعاء، ولكن لابد للمسؤولين السياسيين وأولهم قادة السعودية باعتبارها الدولة التي تضيّف هذا المؤتمر الاسلامي السنوي العظيم، لابد لهؤلاء الساسة أن يغيروا من سياسياتهم التي لم تعد تتوافق مع روح العصر ولا مع روح الاسلام، وعليهم المبادرة بجعل الحج فرصة الاسلام للتغيّر نحو الافضل دائما.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/تشرين الثاني/2011 - 8/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م