صراع البقاء: السعودية وايران وثورة المقهورين

جمال محمد الدويري

لن تغيب شمس الحقيقة يوما لتقول للناس أن الانظمة العربية باعت الدين والوطن عبر سنين الحكم الى الاحتلال الاجنبي الذي صنعها منقذا ومخلصا للشعوب العربية التي اكتوت بنيران الاحتلال او ما يسمى الاستعمار الذي جاء ليعلم الشعوب المتخلفة قيم العدل والديمقراطية والحرية غير ان الوضع الدولي والى بدت فيها الازمات تتدفق وتضرب محاضن القوى العالمية في اوروبا وامريكا شكلت الآن خيارات استعمارية جديدة فالأزمة التي تهدد القوى الاستعمارية لا سيما اوروبا اظهرت لها قيم التنافس العالمية مع الدول العظمى في ظل تصاعد دول اسيوية تهدد القيادة العالمية الاوربية والامريكية بتقدمها.

عندما ايقنت الدول العظمى بتطلعات الشعب العراقي الى المنافسة الاقليمية وكانت خطوات السياسة العراقية تسعى بعد فوات الآوان لتقديم نموذج عربي اقليمي بات الامر وشيكا بالتعلق والتألق السياسي للعراق في ظل المنافسة العربية العربية وعقدة الزعامة العربية التي خلفها جمال عبد الناصر واثقل بها النظم العربية التي تريد ان تكون جميعها ان تكون عبد الناصر في افئدة الشعوب العربية عبر خطاباتها الرنانة التي تهدد باجتياح اسرائيل.

 مع خشية القيادات العربية من ان يكون في المنطقة العربية او الاسلامية قوة من جلدتها تعبر عن تطلعاتها.

 ومثل الخوف من التقدم العراقي في المنطقة وخشية مصر والخليج من هذا التقدم بدأ الخوف كثيرا من الصعود الايراني والدور التركي في منطقة الشرق الاوسط ومن ثم ظهرت اشكالية العقدة العربية وعقدة الطوائف في الاندلس التي كانت تستعين على بعضها بالمتربصين بها.

ان عقدة الخوف لا زال يحيق بالوضع العربي الاسلامي وبدأت الازمات تتفاقم بينهم على بساط الثورة العربية التي خرجت من أتون استعبادها وزامنها في التطلع سياسة الدول الكبرى في تحقيق مصالحها اولا وتنمية وهمية جديدة ورخاء استباقي حتى تهدأ توقدات الثورة العربية وتنام عن تطلعاتها بقليل من الامل بعد ربيع الدماء والمعاناة التي اثقلت الحرث والنسل.

ان القيادات العربية التي باعت القضية الفلسطينية وباعت شعوبها للبؤس والفقر والحاجة وقتلت فيها اهتماماته العالمية والمحلية بدأت تضاحك الشعوب عند موتها فهذا القذافي يخوف شعبه المطحون برحى يديه بالاستعمار بينما اليمني يقول له تعال الى هنا لنحارب معا الارهاب هي ساعات الصفر تنذر بنهاية النظم مهما استرخت الشعوب وتهاون الاستبداد فالقضية المصيرية اوشكت على حتميتها وستنطلق الامور اقليميا ولن تربح ايران في سوريا كما لن تهنأ السعودية في البحرين واليمن ومصر بينما لن تستقر العراق ابدا مهما تلونت السياسات واعطيت الآمال.

 أما ليبيا فستبقى رهين الالتزام للقوى الدولية مالم فإنها ستتعرض لثورة مضادة لا سيما بعد نشر صور القذافي بتلك الطريقة التي أثارت الرأي العام في نظر من لم يعرف جرائم القذافي في انتهاك الكرامة الليبية، لأن الزعامات العربية تمارس جرائمها بسرية تامة وتظهر أمام شعوبها بثواب التسامح والرهبانية حتى انكشف الغطاء بعد انتهاء فترة صلاحيتها للاستخدام ونهايتها المرعبة أمام شعوبها ؛ والطريق قادم بنهاية الظالمين مهما تحصنت جرائمهم دوليا واقليميا.

القضية التغيرية الحتمية أصبحت تتحرك بدماء عربية وبدت الشعوب العربية تفكر بالحياة لأبنائها واحفادها تضحية جيل كريم لجيل جديد.

هنا اليمن بموقعها ستتحرك القوى الاجنبية عبر قواعدها في البحر الاحمر لكنها قبل ذلك ستفرض اجندتها عن طريق المبادرة الخليجية التي تستبقي بقايا من النظام اليمني عددا من المرشحين والموثوق بهم في قيادة اليمن او استخدامهم قوى مضادة في حال اذا ما فشلت القيادة الثورية في تلبية الخدمة الامريكية السعودية حينها سيتحرك بقايا النظام عبر خطوات الفشل الذي ستقدمه القيادات الثورية للشعب ويعود الراعي للمصالح الاجنبية بثوب الثورة الشعبية من جديد وهذا ما يعكسه النفس الطويل للسياسة الامريكية الخليجية والتدليل والمهادنة للرئيس علي صالح لينهي خدمته بطريقة تخدم المصالح الاقليمية الدولية عبر المبادرة الخليجية مقابل البقاء على نفسه بعيدا عن الملاحقات القضائية، غير أن النفسية للرئيس صالح تعكس تخوفها من تغير السياسات الدولية نحوها لا سيما اذا صعدت قيادة ثورية تربط المصالح الوطنية مع الدول الأخرى بمحاكمة النظام السابق وفلوله.

ومن ثم اختلفت الغايات بين صالح و المبادرة الخليجية فالمبادرة تريد ان تستبقي من النظام ما يخدم مصالحها الاقليمية والدولية بينما يريد صالح أن يستفيد منها بما يخدم طموحاته بنظام سياسي يثق به في ادارة البلاد ويعطيه الحماية والبقاء في اليمن ليمارس نشاطه السياسي وان لا يحيق بها ما حاق بالأئمة من تهميش واغتراب عن اليمن وغياب دورهم في اليمن تحت خطابات الجمهورية ضد الجهل والفقر والمرض، وهذه اشكالية الازمة للنظام السياسي في ظل اصرار الثوار على زوال النظام والمتسببين بالفساد المالي والاداري والملطخة ايديهم بدماء الأبرياء.

إن قصة النهاية التي يريدها علي صالح وربما تخدعه المقامرة على تبني الخيار العسكري في الحسم بينه وبين الثوار وهذا سيحرك القوى الدولية وستجد لها شرعيتها وقبولها شعبيا ومن هنا ستدخل اليمن تحت مبررات انسانية وحفظا للحقوق التي انتهكها النظام السياسي اليمني في حق المتظاهرين وستكون لها عدة نتائج مهمة هي:

1- توسيع القواعد الاجنبية في الاراضي اليمنية مما يسهل عليها تجفيف منابع التدين او الارهاب تماما ومن ثم فإن السعودية ستخضع للإرادة الاجنبية التي ستوسع مطالبها بعد ذلك وستطالبها كنوع من الفرض السياسي بإصلاحات ديمقراطية بما يحقق لها تجفيف منابع البترول تماما واحتكارها لصالح القوى الكبرى عالميا وسيزامن ذلك غياب الارادة السياسية السعودية في المنطقة في ظل تطويقها بقواعد اجنبية وضعفها عسكريا مما يهدد النظام السعودي في الايام القادمة.

2- ان توسيع الفجوة السياسية بين القيادات الثورية اليمنية والقيادة السعودية من جهة وايران والشعوب العربية سيخدم السياسة الامريكية الغربية في المنطقة مما يعني مزيدا من الدور الامريكي في الجزيرة العربية وهذا ما تجهله القيادة السعودية التي ترى في دورها الحكمة السياسية.

لعل التحركات السعودية الاخيرة في القضية اليمنية قد كشف لها الغطاء أمام الرغبات السياسية للدول الكبرى ومن ثم مازالت لغتها ضعيفة لتحفظ ما بقي لها من دور تلوح به عبر المبادرة الخليجية ولعل رجوع علي صالح الى اليمن يكشف عن حقيقة الاشكالية القائمة في ان المشكلة السياسية في اليمن ليس علي صالح فقط وانما نظامه الممتد في كل مفاصل الدولة، لهذا فإن الثورة اليمنية والمعارضة ترى ان المشكلة الرئيسية في علي صالح ورحيله فقط غير ان الواقع يكشف ان الاستبداد في الدولة هو استبداد اجتماعي وسياسي واداري وعسكري متنوع في درجاته وصفاته ومقاماته على عكس الاستبداد السلطوي في مصر وتونس وليبيا، ولو كان الامر متعلق بعلي صالح لكانت الثورة انتصرت برحيله، والفرق بين هذا وذاك ان علي صالح يمتلك شرعية دولية باعتباره رئيس للدولة وهذا الشرعية التي خلعها الشعب بثورته يريد نظامه الاستبدادي المتنوع في استبقاءه بها ليحقق مصالحه ومكاسبه السياسية فعلي صالح بوق للقوى الخفية التي تديره من الداخل بعقلية الخوف على مصالحها وتخوفه بنهايته اذا ما انتصرت الثورة، فالإشكالية التي يخاف منها علي صالح مشكلة نفسية تصارعه وتصارع المقربين منه وترسم لهم توقعات النهاية التي ستحيق بهم.

على كل الثورة ماضية وقد نجحت وستقدم المزيد من التضحيات السياسية لصالح القوى العظمى لكن حتمية السقوط للنظام لا ريب فيه ولكن ذلك سيكون له ضربه مستقبلية كبيرة ستدفعها المملكة السعودية في الايام القادمة كما أن ايران ستدفع ضربتها في العراق وسوريا بعد نجاح الثورة وهو ما يعني وهم السياسات وعدم واقعيتها المرسومة في الذهنية الايرانية السعودية.

* باحث وكاتب سياسي

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 2/تشرين الثاني/2011 - 5/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م