مصر وركود اقتصاد الظل... قلق تسبقه مخاوف الجوع

 

شبكة النبأ: كانت عضوية بائع النظارات فؤاد عبد العزيز في الحزب الوطني الديمقراطي هي الضمانة الوحيدة التي منحته شيئا من الحماية في وجه منافسيه الذين حاولوا السطو على تجارته التي أقامها بأحد شوارع القاهرة.

لكن شبكة "الرعاية" المعقدة التي امتدت خيوطها بين نظام الرئيس السابق وتجار سوق العتبة (في وسط القاهرة) تلاشت بعد ازاحة الرئيس عن كرسيه في فبراير شباط الماضي ليعود القلق من المستقبل الى عبد العزيز (63 عاما).

كان يكسب ما بين عشرة و15 جنيها مصريا (1.65 الى 2.50 دولار) في اليوم وهو مبلغ لا يشتري أكثر من وجبة فول أو عدس. ويقول عبد العزيز الذي تسرب من التعليم قبل سن العاشرة "عندي خمسة أطفال وأريد تعليمهم فعلا لكني لا أقوى على ذلك... كثيرا ما حلمت بليلة واحدة أنامها دون قلق." بحسب رويترز.

ويئن خمس المصريين البالغ تعدادهم 80 مليونا تحت وطأة الفقر حسب الاحصاءات الرسمية. وفي المدى القصير أدت ازاحة الرئيس مبارك عن سدة الحكم الى تعقيد حياة الكثير من المصريين بعدما نالت الاضطرابات وعدم اليقين السياسي من تماسك الاقتصاد وتعطل الاستثمار وكسدت التجارة والسياحة.

في ظل عثرات الاقتصاد وندرة فرص العمل الرسمية يكافح كثير من المصريين للانضمام الى اقتصاد الظل أي الاقتصاد غير الرسمي الذي ينشط العاملون فيه خارج الاطار الضريبي والتشريعي للدولة.

واليوم يشتري كثير من المصريين السلع الرخيصة المصنوعة في الصين مثل لعب الاطفال والملابس الداخلية النسائية والاحذية وأدوات المطبخ من العربات والنصبات الخشبية التي تحتل أرصفة الشوارع.

وقد يبدو سوق العتبة وأسواق أخرى في أنحاء القاهرة مرتعا للعشوائية والفوضى. لكن التجار يقولون انه في عهد مبارك كان هناك نظام يحكم هذه الاسواق تولت الشرطة حمايته في مقابل رشوة في كثير من الاحيان. وبعد الاطاحة بمبارك تضخم عدد البائعين وتصدى الوافدون الجدد للشرطة التي امتنعت عن المشاركة في وقف هذا المد الجديد.

وشهد العام الماضي غلق سوق الجمعة الذي يقع تحت أحد الجسور بجنوب شرق العاصمة بعد أن شب به حريق أضعف الجسر. ووعدت الحكومة التجار بموقع بديل. ورابطت الشرطة عند الموقع لحراسة الجسر لكن بمجرد سقوط مبارك تركت الشرطة المكان وعاود السوق نشاطه رغم المخاوف من انهيار الجسر.

وكانت الحكومة قد وعدت بالسيطرة على الباعة الجائلين. لكن أكثر من 222 ألف مصري يفدون الى العاصمة كل عام بحثا عن فرص العمل حسب دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء. وتظل فرص العمل الحقيقية نادرة كل الندرة.

فحسب وزارة القوى العاملة تم الاعلان عن سبعة الاف فرصة عمل بالصحف الوطنية في شهر يوليو تموز الماضي بانخفاض نسبته 53 في المئة عن نفس الشهر قبل عام. وتراجع عدد الوظائف المعروضة في النشرة القومية للتوظيف الى 4300 من 30 ألف وظيفة.

وتقول الحكومة ان 11.8 في المئة من قوة العمل المصرية البالغ تعدادها 3 .26 مليون نسمة ظلت بلا عمل في الربع الثاني من عام 2011. ويرى خبراء أن نسبة البطالة الرسمية المعلنة حاليا خادعة وغير دقيقة لان ملايين من المحسوبين في عداد العاطلين يعملون بالقطاع غير الرسمي.

مطاوع محمد البالغ من العمر 35 عاما لديه ثلاثة أطفال ويبيع الحلي والاكسسوارات من كشك في وسط القاهرة ليجني 20 جنيها في اليوم تقريبا. ومن وجهة نظر الاحصاءات الرسمية يعتبر محمد مشتغلا لانه يعمل لمدة ساعة واحدة على الاقل في الاسبوع.

ويقول محمد انه كاد ينسى أنه حصل على شهادة في التجارة تؤهله للعمل كمحاسب. ويضيف "أنا تحت تهديد دائم من الحكومة التي قد تصادر سلعي والكشك وليس لدي أي مصدر دخل اخر. الحصول على وظيفة في غاية الصعوبة في هذا البلد."

وظلت الاحصاءات الدقيقة سلعة نادرة في عهد مبارك على مدار ثلاثة عقود. ويعتبر معرفة عدد العاملين بالقطاع غير الرسمي حاليا ضربا من المستحيل. لكن محللين يقولون ان 42 في المئة من القوة العاملة في مصر تعمل بالاقتصاد غير الرسمي وأن الاخير ينتج ثلث الناتج المحلي الاجمالي تقريبا.

وتضخم الاقتصاد الرمادي في مصر في التسعينيات حين هدمت الاصلاحات الاقتصادية بنيان الاقتصاد المركزي المتأثر بالنظام الاشتراكي انذاك وساندت القطاع الخاص. وأخرجت هذه الاصلاحات ملايين المصريين من حيز وظائف القطاع العام الامنة. وتلا ذلك نمو اقتصادي متسارع تحيز للصفوة وفشل في خلق وظائف كافية للفقراء.

وفي المدى القصير على الاقل سيظل المصريون بلا نمو اقتصادي سريع ولا زيادة في العدالة الاجتماعية. وقد توقع اقتصاديون استطلعت رويترز اراءهم نمو الناتج المحلي الاجمالي في مصر بنسبة 1.3 في المئة حتى يونيو حزيران 2012 بتراجع عن معدل متوسط بلغ ستة في المئة خلال السنوات الاخيرة. وحتى هذه النسبة الاخيرة لم تكن كافية لاستيعاب الاعداد الضخمة من الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل عام.

يقول عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادي المستقل "كلما ساء الوضع الاقتصادي نما القطاع غير الرسمي. ومع ضعف الرقابة الحكومية يمارس أصحاب الاعمال مخالفات في حق العاملين لديهم ويجبروهم على العمل في ظروف صعبة بأجور أقل."

ويدخل 332 ألف خريج جامعي سوق العمل كل عام كثير منهم يخيب أمله ويستقر به الحال في وظيفة غير رسمية بأحد مواقع الإنشاءات أو إحدى المزارع. ويقول فاروق "أعداد هائلة من خريجي الجامعات والمدارس الفنية لا يجدون وظيفة ويضطرون لقبول العمل في ظروف يفرضها أرباب العمل بالقطاع غير الرسمي."

وتشير التقديرات الى أن 2.5 مليون شركة صغيرة تنشط في القطاع غير الرسمي. ويفتقد العاملون بهذا القطاع التأمين الاجتماعي والصحي ولا يحصلون على اجازات. ويشكو أصحاب الاعمال بهذا القطاع من سطوة المسؤولين الفاسدين الذين يصادرون بضائعهم لاعادة بيعها.

ويقول خبراء ان الدعوات المتكررة للحكومة لاحتواء الشركات غير المسجلة بالقطاع غير الرسمي لا تجد من يصغي لها. فالشركات تهجر القطاع الرسمي حين تصبح ظروف العمل به غير جاذبة.

وتقول علياء المهدي أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة "الاندماج في الاقتصاد الرسمي ليس هدفا في حد ذاته. فان وفرنا بيئة عمل مناسبة سيقوم هؤلاء بتسجيل أنفسهم بمجرد أن تنمو أعمالهم."

وهناك اقتراحات في هذا الاطار تشمل توفير معاملة ضريبية أكثر مرونة لهذه الوحدات ومنحها الائتمان المالي وتشجيعها على تسجيل أنفسها للحصول على قروض والاستفادة من التأمين الصحي وهذا يسهم في مد غطاء الامان الاجتماعي الى طائفة العمال. ويقول فاروق "هذا تحد يحتاج الى حلول ابداعية."

وفي ظل اضطرابات ما بعد عصر مبارك والانشغال بالانتخابات البرلمانية المقررة بين نوفمبر تشرين الثاني ومارس اذار القادمين والانتخابات الرئاسية المقررة بعد ذلك من غير المرجح أن تخرج الحكومة قريبا بسياسات مناسبة لمعالجة هذه المشكلة.

وفي هذه الظروف أراد بعض العاملين بقطاع الاقتصاد غير الرسمي القبض على زمام الامور فأسسوا اتحادا عماليا مستقلا للضغط على الحكومة لتوفير ظروف عمل أفضل لهم.

فقد قام محمد عبد القادر الذي يعمل نجارا بتأسيس اتحاد لعمال الانشاءات والشحن والمناجم والباعة الجائلين والشركات غير الرسمية التي تشغل أقل من عشرة عمال. ولم يطلب عبد القادر أي اعتراف رسمي باتحاده الى الان ولا يرى عقبة في ذلك. ويقول "مثل أي اتحاد عمالي اخر نحن نريد تحسين ظروف العمل والاجور وطرح وجهات النظر عن كيفية اصدار تراخيص العمل وتوفير التدريب للأعضاء."

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الثاني/2011 - 4/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م