ربيع التغيير العربي هل كان ربيعا إسلاميا؟

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: يبدوا إن مخاوف القوى الغربية (أمثال الولايات المتحدة الأمريكية والتي ترددت كثيراً قبل أن تحزم أمرها تجاه تأييد الربيع العربي) قد تحققت أو –على الأقل- في طريقها إلى التحقيق مع صعود الإسلاميين إلى الحكم في تونس وقريباً في مصر وليبي، إذ إن الأمر في نظرها قد يولد بيئة مثالية للمتشددين والمتطرفين، مما يعني تهديداً مباشر لأمنها القومي ، وبالتالي العودة إلى المربع الأول، لكن هذه المرة عن طريق الديمقراطية وصناديق الانتخاب، على الرغم من التطمينات التي قدمتها الأحزاب الفائزة والطامحة إلى ذلك، والتي أكدت فيها إتباع منهاج الاعتدال والتسامح و"تأسيس مجتمع إسلامي ديمقراطي"، متخذين من تركيا (النجم الإسلامي الصاعد) مثالاً على ذلك.

ومع اتفاق اغلب المحللين والمتابعين على عدم الحكم المسبق على أهداف الأحزاب الإسلامية، قبل أن تمضي فترة مناسبة على حكومة يتولى زمامها الإسلاميين ويتم تسجيل الملاحظات من خلاله، إلا إن الحساسية المفرطة للغرب تجاه التنظيمات الإسلامية المتشددة، صعبت المهمة وربما جعلت مبدأ فقدان الثقة هو المعيار في التعامل مع الواقع الجديد، وربما تثبت الأيام عكس ذلك، إن أحسن الإسلاميون استخدام هذا الفوز الكبير بإبقاء الربيع العربي مخضراً. 

الرابح الأكبر

اذ يرجح محللون أن تتكرر ظاهرة فوز الإسلاميين التي أفرزتها الانتخابات التونسية في دول "الربيع العربي" الأخرى، وأكدوا في الوقت نفسه أن "ممارسة السلطة ستضع الإسلام السياسي في مواجهة صعوبات عدة تحد من قوة اندفاعه الحالي، ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باري سود الفرنسية خطار أبو دياب إن "الإسلام السياسي يبدو ممرا إجباريا للتحولات الديمقراطية الجارية في العالم العربي، لأن القمع والاستبداد في الأنظمة السابقة ترك الجامع في مواجهة القصر"، ويضيف أن "هذا ما أدى إلى النتيجة الحالية في تونس وسيؤدي إلى نتائج مماثلة في بلدان أخرى"، وكما هو متوقع فان حزب حركة النهضة الإسلامي كان الفائز الأكبر في انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت الأحد في تونس، وهي الانتخابات الأولى التي تنظم بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي في ثورة دشنت ما صار يعرف بـ"الربيع العربي"، ويقول أبو دياب إن "قوى الإسلام السياسي هي أبرز القوى الموجودة على كل الساحات العربية، وهي أفضل التيارات تنظيما وتمويلا"، ويتوقع أن تتكرر التجربة التونسية مع الإخوان المسلمين في مصر، حيث ستبدأ المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية في 28 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وخاض الإخوان المسلمون في مصر وسوريا وحركة النهضة في تونس والإسلاميون في ليبيا على مر سنوات معركة صامتة مريرة مع أنظمة القمع والاستبداد، أكسبتهم تعاطفا واسعا بين الطبقات الشعبية، وزادت شعبيتهم نتيجة أنشطتهم الاجتماعية عبر مؤسسات خيرية فاعلة وخطاب ديني مقنع. بحسب فرانس برس.

ويرى المراقبون أنهم يحصدون بعد الثورات الشعبية ما زرعوه بصبر، وتقول الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط إنياس لوفالوا من باريس إن حركة النهضة "عرفت كيف تعيد تفعيل شبكاتها الموجودة أصلا، بينما لم يتسن للأحزاب الأخرى الوقت لوضع برامجها وتقديمها"، وتضيف "يقدم الإسلاميون أنفسهم على أنهم يتمتعون بالنزاهة والصدق، لأنهم لم يتسلموا بعد الحكم، فيما عبر قسم من التونسيين عن رغبتهم في اختبار هذا الحل" المتمثل في الإسلام، وتشير إلى أن "كون الإسلاميين ضحية" النظام السابق "يمنحهم نوعا من الشرعية"، ويحذر الخبراء من مغبة رفض نتائج الانتخابات كما حصل في الجزائر عام 1991 عندما ألغت السلطات نتائج انتخابات أوصلت جبهة الإنقاذ الإسلامية بأغلبية كبيرة إلى البرلمان، مما فجر نزاعا دمويا استمر سنوات، ويقول أبو دياب إن "من أبرز أخطاء الماضي منع التجربة الجزائرية من أن تكتمل في بداية التسعينيات وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات في غزة، ليجرب الإسلاميون الحكم، يجب احترام حكم الصناديق مهما كان، وإلا فلن تكون هناك تجارب ديمقراطية في هذه البقعة من العالم"، ويثير تقدم الإسلاميين قلقا في الغرب من حصول سيناريو على الطريقة الإيرانية يعمم نموذج "الدولة الإسلامية" أو "الخلافة الإسلامية"، وفي تونس، هناك تخوف من بعض الأوساط من إعادة النظر مثلا في وضع المرأة التي تتمتع بـ"حقوق تحسدها عليها النساء في الدول العربية الأخرى"، مثل المساواة الكاملة مع الرجل ومنع تعدد الزوجات وحق المرأة في طلب الطلاق، وغيرها."

وفي انتظار أن يقتنع الناس بأن قدرة هذه الجماعات الإسلامية على إنتاج حلول سحرية وهم كبير" وفي ليبيا أثارت تصريحات رئيس المجلس الوطني مصطفى عبد الجليل بشأن اعتماد الشريعة الإسلامية في ليبيا الجديدة الكثير من القلق والتساؤلات، ويرى خبراء أن الأحزاب الإسلامية ستصطدم بعراقيل عدة خلال ممارسة السلطة، إذ سيكون عليها أن تقدم تنازلات وأن تعقد تحالفات من أجل تأليف الحكومات، في ظل عدم وجود مؤشرات تدل على إمكان فوزها بالأكثرية المطلقة في أي برلمان، ويقول أبو دياب إن "هذه مرحلة انتقالية جديدة في انتظار استكمال القوى الأخرى برامجها ونهجها، وفي انتظار أن يقتنع الناس بأن قدرة هذه الجماعات على إنتاج حلول سحرية وهم كبير"، ويرى الباحث في مركز شاتهام للدراسات في لندن نديم شحادة أن "الإسلاميين كانوا يستمدون شرعيتهم من قبل من نضالهم ضد مبارك وبن علي، واليوم عليهم أن يجدوا لأنفسهم مبررات وجود جديدة"، ويؤكد شحادة أن المواطنين العرب الذين تحرروا من الخوف وذاقوا طعم الحرية لن يقبلوا بانتزاع هذه الحرية منهم مرة أخرى، ويقول "لقد انتهى عصر القائد الواحد والحزب الواحد"، وترى لوفالوا بدورها أن "على الحركات الإسلامية أن تكون حذرة، وأن تجد لنفسها حماية من أي انحراف يقود إلى التطرف الكامل"، وتؤكد في الوقت نفسه أن عنصر الشباب (الذي كان له الدور الأكثر فاعلية في تفجير الربيع العربي) "لن يقبل برؤية مجتمعاته تصل إلى الانغلاق التام"، وتقول إن على تيارات الشباب والعلمانيين "أن تتصرف بشكل لا يجعل الإسلاميين يطمئنون إلى قدرتهم على إحداث انقلاب كامل في قواعد اللعبة داخل المجتمع.

جذور إسلامية

من جهته يرى الكاتب التركي مصطفى أكيول أن ثمة تاريخا طويلا للحريات في العالم الإسلامي، وهو يأمل أن يظهر ربيع العرب جانبا مختلفا للإسلام، جانبا لا تضارب فيه بين الإسلام والحرية السياسية، ويناقش الكاتب التركي ذلك في كتابه الجديد "إسلام بدون متطرفين، قضية مسلم من أجل الحرية"، والذي يطرح في الولايات المتحدة يوم 18 من يوليو/ تموز، ويرى أكيول (وهو صحفي تركي) أن حقيقة أن "العديد من الدول العربية تخضع لحكام مستبدين عززت أسطورة أن هذا هو النوع الوحيد من الحكومات الذي يمكن لهذه الدول أن تنتجه، الانتفاضات الحالية بينت أن ذلك خطأ"، ومع هيمنة أنباء "المفجرين الانتحاريين" والعنف والزعماء المستبدين على أخبار منطقة الشرق الأوسط يخشى أكيول من سهولة تكوين فكرة خاطئة عن دينه، وهو يجادل في كتابه أن للإسلام تاريخا طويلا في دعم الحريات والتسامح، وسرد أكيول سجلا عن التسامح الديني في ظل الحكم الإسلامي متتبعا ذلك حتى عصر الرسول محمد (ص). بحسب رويترز.

وعرض أكيول بلده تركيا دليلا على أن الديمقراطية يمكن أن تنجح في العالم الإسلامي، ويرى الكاتب أن بوسع تركيا إلهام المسلمين في ربوع المعمورة، ويجادل بأن وصفة نجاح تركيا هي الاقتصاد الحر المطعم بالقيم الإسلامية، وقال "الحكومة هنا تثمن علانية التقاليد الإسلامية، التقدم الاقتصادي مهم أيضا إنه محرك التغيير في تركيا"، ويأمل أكيول ألا تقف أفكار المدارس القديمة عن الإسلام عائقا في وجه التوجهات الديمقراطية التي تتحرك بسرعة في أنحاء المنطقة، وقال "كانت الديمقراطية مرفوضة رفضا تاما من قبل كثير من المفكرين الإسلاميين زمنا طويلا إلا أن ذلك يتغير الآن، هناك مزيد من الفهم بأن الديمقراطية يمكن أن تتسق مع القيم الإسلامية أيضا"، وتخشى الدول الغربية أن يخطف المتشددون الدينيون ربيع العرب، لكن أكيول ركز على إسلام أقل تهديدا، وقال "بهذا الكتاب أرغب في أن أقدم ذخيرة  إلى المسلمين الليبراليين في أنحاء العالم ليجادلوا من أجل إسلام يدعم الحريات الفردية بدلا من الشمولية".

ليبيا الجديدة

الى ذلك ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية أن ليبيا تحررت بنغمة إسلامية وأن القادة الجدد تعهدوا بأن يُحلّوا الديمقراطية محل دكتاتورية العقيد معمر القذافي، ولكنهم أوضحوا كذلك أن تطبيقًا متشددًا للشريعة الإسلامية سوف يرى النور في ليبيا الجديدة، وأبرزت الصحيفة الوعود التي أعلنها رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل الذي تعهد بإلغاء الفوائد على القروض السكنية والقوانين التي لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، ورأت الصحيفة أن عبد الجليل لا يستطيع تنفيذ تلك الوعود بمفرده ولكن مجرد تفوهه بها يعني أن الدين سيكون له نصيب أكبر من السابق في الحياة العامة في ليبي، كما تبرز تصريحات عبد الجليل النقاش المحتدم حول دور الإسلام في البلدان التي هبت عليها نسائم الربيع العربي.

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك تحديات عديدة تواجه الحكام الجدد في ليبيا من ضمنها إقناع أعداد غفيرة من مقاتلي المليشيات بإلقاء سلاحهم والانضمام إلى القوات الليبية الجديدة والنظام القضائي، ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي حضر احتفالات إعلان تحرير ليبيا البارحة قوله "إن إسقاط القذافي كان حافزا للتعاضد، أما الآن وقد ذهب القذافي، فهل سيستطيع الليبيون الاستمرار يدًا واحدة؟". وترى الصحيفة أن أول اختبار للسلطات الحالية هو تكوين مجلس وزراء يقوم بمهمة الترتيب لانتخابات تجرَى في غضون ثمانية أشهر، وطبقًا لما أعلنه المجلس الحاكم، فإن رئيس وزراء جديد ومجلس وزراء سيتم اختيارهم 30 يومً، لكن بعض المراقبين يرون أن تلك المهمة ستستغرق وقتًا أطول، نظرًا لوجود أقاليم تدعي أنها ظلت مهمشة لعقود تحت حكم القذافي وهي تطالب بحصة أكبر في ليبيا اليوم، ومن تلك الأقاليم بنغازي، يذكر أن هناك توترا قائما أصلاً بين إسلاميي المجلس الوطني الانتقالي وعلمانييه، وتوترا آخر بين المسؤولين السابقين في نظام القذافي والمعارضين القدماء لذلك النظام.

نموذج للنجاح

من جهة اخرى كانت تونس هي مهد ثورات "الربيع العربي"، والان ترشد مرة أخرى الشرق الاوسط الى الطريق من خلال نموذج لفوز اسلاميين معتدلين في الانتخابات دون التسبب في أزمة، لكن الدول العربية التي تسأل هي والعالم الخارجي كيف سيمارس الاسلاميون في تونس تلك السلطة ستضطر على الارجح للانتظار لمدة عام على الاقل للحصول على رد قاطع، واظهر الانتخابات التاريخية التي أجريت يوم الاحد أن حزب النهضة وهو حزب اسلامي معتدل حصل على اكبر نصيب من الاصوات، وعلى عكس بعض التوقعات مرت عملية التصويت بسلاسة وهدوء دون اشتباكات عنيفة بين الشرطة والاسلاميين المتشددين كالتي اندلعت في العاصمة في الاسبوع السابق للانتخابات، وقال سفيان بن صلاح وهو محلل سياسي تونسي مستقل "يظهر هذا النصر أن من الممكن أن يفوز حزب اسلامي غير متشدد في الانتخابات، هذه هي المرة الاولى التي يحدث فيها هذا في العالم العربي"، بدأت موجة الاضطرابات التي تهز العالم العربي في تونس في ديسمبر كانون الاول عندما أضرم محمد البوعزيزي الذي كان يبيع الخضروات في مدينة سيدي بوزيد النار في نفسه احتجاجا مما أشعل نار الانتفاضة التي عمت كل أجزاء البلاد، وبعد أسابيع اضطر الرئيس السابق زين العابدين بن علي للفرار الى المملكة العربية السعودية منهيا بذلك فترة حكمه التي استمرت 23 عام، ومست الثورة التونسية وترا في دول عربية أخرى تعاني من مشكلات مماثلة، واندلعت نيران الثورات في مصر وليبيا واليمن والبحرين وسوري، كما اندلعت احتجاجات أقل حدة في المغرب والجزائر والاردن والكويت وسلطنة عمان. بحسب رويترز.

وفي الدول التي سقط زعماؤها لاح في الافق سؤال جديد وهو ماذا لو أتاحت الحريات الديمقراطية الجديدة للاسلاميين الذين همشتهم أنظمة حكم علمانية لعقود تولي السلطة؟، وقدمت الانتخابات التي أجريت يوم الاحد بهدف اختيار أعضاء المجلس التأسيسي الذي سيكون أمامه عام لصياغة دستور جديد بعض الاجابات، وقالت ليز مارتينز كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في بنك (اتش.اس.بي.سي) في دبي "أعتقد أن النتيجة السلسة وعدم وجود اضطرابات أمر مشجع لكنها خطوة أولى وليست الاخيرة في رحلة تونس للديمقراطية"، وستبرز الدروس المستخلصة من التجربة التونسية أول ما ستبرز في مصر حيث اندلعت أول ثورة عقب الثورة التونسية وحيث ستبدأ عملية التصويت في انتخابات برلمانية من ثلاث مراحل في نوفمبر تشرين الثاني، ومن المتوقع أن يكون حزب الحرية والعدالة (وهو الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين التي يوجد بها قواسم ايديولوجية مشتركة مع حزب النهضة التونسي) الاوفر حظ، ويقول البعض ان انتصار حزب النهضة سيقوي موقف الاسلاميين المعتدلين في مصر في سباقهم مع المتشددين للاستحواذ على النفوذ في الشارع العربي، وقال خليل العناني وهو محلل سياسي مصري في جامعة درهام البريطانية "أي انتصار، (لحزب النهضة) سيساعد الاخوان باعتبارهم صوت الاسلاميين الليبراليين والمعتدلين في مصر"، وأضاف "أعتقد أنه اذا فاز الاسلاميون في تونس فسيدفع هذا الاسلاميين في مصر لتهدئة المخاوف والسعي لاقامة تحالفات وائتلافات مع قوى علمانية وليبرالية".

ومضى يقول "أعتقد أنه سيمنح الاخوان نوعا من القوة المعنوية للمضي قدما"، ولن تتضح في الفترة الحالية دروس ملموسة بدرجة أكبر، فانتقال تونس للديمقراطية على مراحل ونظامها الانتخابي المركب يعني أن النهضة لن يستحوذ على السلطة فعليا في الوقت الراهن، والى جانب صياغة دستور جديد سيختار المجلس التأسيسي رئيسا مؤقتا للبلاد وحكومة جديدة.لكنها مجرد خطوة في اتجاه وضع دستور جديد، وستتحول المعركة السياسية الفعلية الى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرجح أن تجرى في أوائل عام 2013، وأغلب التوقعات هي أن يكون حزب النهضة الحزب الاكبر في المجلس التأسيسي لكنه لن يحصل على الاغلبية الكافية مما قد يجبره على التحالف مع خصوم علمانيين، وأظهرت نتائج غير رسمية من بعض المناطق أن حزب منصف المرزوقي وهو معارض يساري أمضى سنوات في المنفى في فرنسا جاء في المركز الثاني، وأعلن المرزوقي زعيم حزب المؤتمر من اجل الجمهورية أنه مستعد للتعاون مع النهضة، لذا قد يصبح الحزبان شريكين في ائتلاف في نهاية المطاف، وحزب النهضة نفسه يفضل تشكيل ائتلاف ربما خشية أن تقع اللائمة عليه وحده اذا وقعت أي مشكلات، وقال جان بابتسيست جالوبان وهو محلل في مؤسسة (كونترول ريسكس) العالمية للاستشارات في مجال المخاطر والتي يقع مقرها في لندن "لم يبد النهضة خلال الحملة أنه في عجلة للحكم رغم أنه حتى الان هو الحزب الاكثر شعبية بفارق كبير".

وأضاف "أعتقد أن المشهد السياسي سيظل مائعا نوعا ما على مدى السنة المقبلة ومن غير المرجح أن نرى انقساما واضحا بين الاحزاب المختلفة"، واذا كان بالامكان تأجيل المعركة على السلطة فان الاقتصاد المتعثر لا يمكنه الانتظار، وكان الغضب من نقص فرص العمل في بلدات صغيرة مثل سيدي بوزيد هو شرارة الثورة في تونس، لكن منذ ذلك الحين لم تعمل السلطات التي تقوم بتسيير الاعمال بمجهود يذكر لعلاج هذه المشكلة، كما أن الاحوال المالية للحكومة خطيرة نظرا لابتعاد السائحين بسبب الاضطرابات التي شهدتها البلاد بعد الثورة مع كون السياحة مصدرا رئيسيا للدخل، وتقول وزارة المالية ان البلاد ربما لا تشهد أي نمو اقتصادي هذا العام، وقالت مارتينز من اتش.اس.بي.سي "بدلا من توفير فرص العمل كما كان يطالب المحتجون في يناير، من المرجح ان تكون الثورة قد أدت الى ارتفاع في البطالة"، وأضافت "سيكون هناك ضغط على المجلس حتى يظهر أنه يتخذ أي خطوة".

ما بعد الإسلاميين

في سياق متصل قالت صحيفة نيويورك تايمز إن الناشطين الذين حملوا شعارات إسلامية في تجمعات الثورات العربية يوشكون على الوصول إلى واقع جديد بعد انطلاق حوارات غير مسبوقة بشأن طابع السياسة المستقبلية والعوامل التي تساعد على بنائه، وأضافت الصحيفة أن قلة فقط يتساءلون عن نجاح الإسلاميين في الانتخابات القادمة، ولكن قدومهم من صراعات سابقة وبعضها دموي مع حكومات علمانية، يجعلهم يواجهون مسألة تطبيق القوانين الإسلامية في مجتمعات أكثر انفتاحا وذات حاجات ملحة، ففي تركيا وتونس ترفض الأحزاب المحافظة القائمة على مبادئ إسلامية اسم "إسلاميين" لمصلحة ما تراه رؤية أكثر ديمقراطية وتسامح، وفي مصر بدأ تيار يندفع داخل الإخوان المسلمين متأثرا بالنموذج التركي الذي يستهوي عددا متزايدا من السياسيين والأحزاب، ففي تركيا نما حزب ذو جذور إسلامية وسط نظام علماني متشدد، كما أن البعض يؤكدون أن النظام الملكي المطلق في المملكة العربية السعودية يخالف الشريعة الإسلامية في الواقع، وقالت الصحيفة إن مناقشات عميقة في المنطقة بين من يعتقدون أن التنافس القادم لن يكون بين الإسلاميين والعلمانيين، بل بين الإسلاميين أنفسهم، ويقول عزام التميمي كاتب سيرة الإسلامي التونسي راشد الغنوشي الذي يتوقع أن يكتسح حزبه "النهضة" انتخابات هذا الشهر في تونس "هذا هو صراع المستقبل، صراع المستقبل سيتركز على القدرة على تلبية حاجات الشعب، وسيكون بين من هو إسلامي ومن هو إسلامي أكثر، بدلا من أن يكون بين العلمانيين والإسلاميين"، وقالت الصحيفة الأميركية إنها لحظة مثيرة في العالم العربي الذي تنهار أنظمته الاستبدادية فجأة وتبدأ أحزابه في بناء نظام جديد، بدءا من انتخابات تونس، ثم مصر في نوفمبر/تشرين الثاني، وفي ليبيا محاولات لبناء دولة من الصفر تقريبا وفي سوريا سعي لتشكيل بديل للدكتاتورية.

ومحور المناقشات يجري بين قيادات جديدة من السياسيين الذين انطلقوا من أوساط إسلامية ولكنها تقبل دولة علمانية، وهو تيار يعرفه البعض بأنه "تيار ما بعد الإسلاميين"، ويجد نموذجه في رجب طيب أردوغان رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء في تركيا، ويتحدث مثقفو هذا التيار عن تجربة وتراث مشتركين مع بعض الشباب في جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة في تونس.ويقول الصحفي جنكيز جندار وهو كاتب أعمدة تركي إن هذه الأحزاب تملك قواسم مشتركة، كما أن راشد الغنوشي اقترح مشروعا نجح فيه أردوغان وهو، دولة ديمقراطية غنية يقودها حزب إسلامي الجذور، وهذا المفهوم لا يجري في تونس فقط، ففي ليبيا يذكر علي الصلابي وهو من بين أبرز الإسلاميين أن للغنوشي تأثيرا بارزا، وفي مصر فإن عبد المنعم أبو الفتوح وهو عضو سابق في الإخوان المسلمين ويسعى للترشح لرئاسة مصر، انضم إلى سياسيين منشقين يرون أن الدولة يجب أن تتجنب تفسير أو تطبيق الشريعة الإسلامية، ومنع أي شخص من الترشح للرئاسة على أساس الجنس أو الدين، وضربت الصحيفة مثالا بحزب الوسط الذي صارع نظام مبارك 16 سنة من أجل الحصول على الاعتماد وقالت إنه يمكن أن يجسد مرحلة ما بعد الإسلاميين، وزعيمه أبو العلا ماضي حاول كثيرا التوسط بين الإسلاميين والليبراليين لا يحب مصطلح "الإسلاميين" تماما مثل حزب النهضة في تونس، ويرى نفسه الحزب المكافئ لحزب العدالة والتنمية التركي في مصر، فيقول "لسنا علمانيين ولسنا إسلاميين ولكننا بين ذلك"، وختمت الصحيفة بتساؤل الطالب محمد نادي (26 عاما) الذي شارك في تجمع للسلفيين بالقاهرة "أليست الديمقراطية هي حكم الأغلبية، ونحن الإسلاميين أغلبية، لماذا يفرضون علينا وجهات نظر الأقلية من ليبراليين وعلمانيين، هذا ما أريد فهمه".

الفراغ الامني

فيما يبدي مسؤولون وخبراء أوروبيون وإسرائيليون تخوفا من احتمالية أن تستغل مجموعات أو تيارات إسلامية الفراغ الأمني الذي أعقب الثورات العربية، ويخشى أولئك الساسة والمحللون أن يكون الربيع العربي مقدمة لما يسمى "انقضاض" الإسلاميين على الحكم، مما يؤدي -بحسبهم- إلى ضياع فرصة قيام أنظمة حكم ديمقراطية في البلاد العربية، وقال كبير المسؤولين عن مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي إن الانتفاضات العربية "وفرت فرصة" لتنظيم القاعدة، مؤكدا الحاجة لأن تقدم أوروبا المساعدة لمنع حدوث فراغ في السلطة في دول مثل مصر وتونس وليبي، وقال جيل دي كيرشوف إنه "بوجه عام فإن هذه الانتفاضات إيجابية ولكن مع وجود ما يدعو للقلق"، وأردف قائلا -في مؤتمر صحفي- "لم تروا أحدا قط يتظاهر في الشارع"، مشيرا إلى القاعدة أو لهجة القاعدة، "ولكن بالطبع كلنا نوافق على أن ذلك وفر فرصة كبيرة للقاعدة كي تعيد تنشيط نفسها"، وقال أيضا إن هناك خطرا يتمثل في أن تحصل القاعدة على أسلحة وذخيرة نهبت في الصراع الليبي، من بينها صواريخ أرض/جو التي يمكن أن تشكل خطرا على الطائرات في المنطقة، وأضاف "لديها إمكانية الوصول إلى تلك الأسلحة، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والمدافع الآلية أو صواريخ أرض/جو معينة، وهي خطيرة للغاية". بحسب فرانس برس.

واعتبر دي كيرشوف أن من المهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي أن يساعد في التحول في تلك الدول، واستدرك بقوله إن هناك "قلقا آخر يساورني يتعلق بتفكيك الأجهزة الأمنية في تونس ومصر، لا يمكن أن يكون لديك فراغ أمني، ولذلك فهذا هو المجال الذي أرى فيه حاجة ملحة لكي يقدم الاتحاد الأوروبي مساعدة"، ولكن المسؤول الأوروبي قال إن "توفر قدر أكبر من الديمقراطية، وقدر أكبر من حقوق الإنسان، وفساد أقل، لا بد من أن يبدد كثيرا من الحجج التي تغذي الإرهاب"، وأضاف أن "الديمقراطية لا تحدث بين عشية وضحاها، لذلك فوجود اقتصاد كفء يوفر فرص عمل، كل هذا يستغرق وقت، دعونا نأمل ألا يؤدي ذلك إلى إحباط تكون معه القاعدة جذابة من جديد"، وأشار دي كيرشوف إلى أن الأفارقة (الذين كانوا يعملون في ليبيا ومن بينهم مواطنو نيجيريا ومالي والنيجر) ربما يضطرون للذهاب إلى مناطق أخرى، وأضاف أن "هذا ربما يزعزع استقرار الدول الفقيرة"، مشيرا إلى أن قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مايو/أيار وزعماء رئيسيين آخرين في أفغانستان وباكستان أدى إلى إضعاف القيادة المركزية للقاعدة، حسب قوله، وقال إن ذلك يعني أنه ليس من المحتمل أن تكون القاعدة قادرة على شن هجمات متطورة مثل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، ولكن وقوع أعمال "انتهازية" على مستوى محدود أمر محتمل، وأضاف "نعرف من المخابرات أنهم يواجهون مشكلات مالية ولا يملكون نفس السبل التي كانت متوفرة لديهم من قبل".

على صعيد متصل، عبر المسؤول عن الدفاع المدني في إسرائيل الجنرال إيال إيزنبرغ عن مخاوفه من نتائج الثورات العربية، معتبرا أن "شتاء إسلاميا راديكاليا" قد يلي "الربيع العربي"، الأمر الذي يزيد مخاطر اندلاع "حرب شاملة"، كما اعتبر أن تدهور العلاقات مع تركيا يشكل عامل توتر، وقال إيزنبرغ (في خطاب أمام معهد الأبحاث حول الأمن القومي بتل أبيب) "إن ما اعتبر بمثابة ربيع الشعوب العربية يمكن أن يتحول إلى شتاء إسلامي راديكالي، الأمر الذي يزيد احتمالات اندلاع حرب شاملة في المنطقة، مع إمكانية استخدام أسلحة دمار شامل"، وأكد الجنرال إيزنبرغ أن المنظمات الفلسطينية في قطاع غزة -الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس)- توصلت إلى امتلاك "أسلحة أكثر فعالية" لمهاجمة بلدات في جنوب إسرائيل، لكنه لم يعط المزيد من التوضيحات، واعتبر الجنرال الإسرائيلي أن تدهور العلاقات مع تركيا (التي كانت حليفا إستراتيجياً لإسرائيل) يشكل أيضا عامل توتر، ومن جهة أخرى، واعتبرت المؤسسة الدولية للدراسات الإستراتيجية (في تقريرها السنوي الذي صدر مؤخراً بلندن) أن المجموعات الإسلامية يمكن أن تستفيد من الفراغ الأمني الذي أحدثته الثورات في عدد من الدول العربية، إلا أنه من المستبعد أن تسعى إلى تسلم السلطة.

وقال الخبير في المؤسسة إميل حكيم -خلال مؤتمر صحفي عقده في لندن- "لا أقول إن أعمالا إرهابية ستحصل بالضرورة، إلا أن سقوط دول أمنية يتيح بالتأكيد فرصا أمام هذه المجموعات للتحرك"، ورأى حكيم أن الثورات التي اندلعت في دول عربية عدة خلال الأشهر القليلة الماضية أعطت الدليل على أن "التغيير ممكن من دون الجهاد المقدس"، وأضاف أنه "حتى فترة قصيرة، كانت المجموعات الجهادية الدولية تعتقد أنها غير قادرة على القيام بأي نشاط في بلدانها، لذلك قاتلت في أمكنة أخرى، إلا أن الفرصة باتت متاحة لعناصرها حاليا لإسماع صوتهم في أمكنة أقرب إلى بلدانهم"، وتابع أن "مجموعات إسلامية -وخصوصا مجموعات تعتمد العنف- باتت تعتقد اليوم أنها لتكون أكثر فاعلية عليها أن تدخل في السياسة الجديدة للعالم العربي، وهذا يعني المشاركة في الانتخابات"، ومن جهته حذر المدير العام للمركز الدولي للدراسات الإستراتيجية جون شيبمان من أن "الثورات الشعبية في الدول العربية لن تؤدي إلى الديمقراطية"، وقال "سنقول لاحقا إن هذه السنة كانت سنة اليقظة العربية وما حملته من تداعيات، إلا أننا لن نقول إنها كانت السنة التي سجلت فيها الديمقراطية تقدما"، وتابع شيبمان أن "التحولات التي حصلت حتى الآن تبقى نصف إنجاز، وتحقيق الوعود الديمقراطية يبقى مرتبطا بالمخاطر التي تحملها الطوائف والمؤسسات العسكرية والمجموعات التي قد تكون قادرة على حرف العملية السياسية" القائمة حاليا عن مساره، وكانت الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي قد شهدت انتفاضات شعبية غير مسبوقة انتهت بسقوط الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك وفرار العقيد الليبي معمر القذافي، فيما تشهد سوريا واليمن حراكا ضد حكميْ الرئيسين السوري بشار الأسد واليمني علي عبد الله صالح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الثاني/2011 - 4/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م