أمريكا وولاية العهد السعودية... بداية لانفراط عقد التحالفات القديمة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: باركت الولايات المتحدة وعلى لسان رئيسها أوباما بشكل سريع تنصيب الأمير السعودي نايف كولي للعهد في تلك المملكة، دون ان تدفعها سيرة الأمير الذي طالما اتصف بالتشدد والميول السلفية، في التردد بتصدر الدول المباركة، وهو أجراء وجد اغلب المراقبين فيه محاولة استباقية لكسب ود ملك السعودية القادم من جهة، وقطع الطريق على تفاقم التوترات الخفية التي تسببت بها التحليلات والتصريحات في الصحافة الأمريكية حول المستقبل السياسي المضطرب لحكومة الرياض.

حيث لوحت العديد من الصحف الغربية بتشاؤم واضح حول مستقبل العلاقات مع الدولة الأولى عالميا تصديرا للنفط، كاشفة عن قناعاتها عدم كفاءة ولي العهد المتشدد حسب رأيها في إدامة التحالفات كما هي قائمة، الى جانب امتعاضها من نزعة نايف التسلطية والاستبدادية، في الحكم كما تصفه.

كما أعربت بعض المقالات المنشورة في الصحف مؤخرا عن خشيتها من فرض ظاهرة أكثر تطرفا ومصادرة للحريات داخل المملكة، وهو ما اعتبرته عرقلة للإصلاحات البسيطة، التي سعى لها الملك عبد الله لتلميع وجه دولته أمام المجتمع الدولي، واحتواء موجة الاحتجاجات التي تزامنت مع هبوب رياح التغيير العربي.

التهديد الأكبر

فقد كتبت رئيسة تحرير مجلة بروسبكت برونوين مادوكس مقالا في التايمز عن السعودية تخلص فيه الى انها تشكل التهديد الاكبر للولايات المتحدة وبريطانيا ضمن الربيع العربي. وتقول الكاتبة ان مقتل القذافي ودفنه لم يكن باهمية المشهد في الرياض ورمزية جنازة ولي العهد الامير سلطان بن عبد العزيز. ومع ان مخاوف اضطراب في السعودية بسبب مشاكل العائلة الحاكمة الداخلية لم تتحقق، الا ان الوضع الحالي يختلف.

فالى جانب تذمر الاقلية الشيعية من قمع شعب البحرين بدعم عسكري سعودي، وتصاعد الخلاف مع ايران والشقاق في عائلة سعود التي اصبح تعدادها 22 الفا هناك ما يشاهده الشباب السعودي في الاشهر الاخيرة من انتفاضات شعبية في بقية دول الربيع العربي.

وتقول مادوكس اختيار الملك عبد الله الامير نايف لولاية العهد، قد لا يكون الشخص الامثل لمعالجة مشاكل السعودية الحالية. فالمعروف عنه ابان توليه وزارة الداخلية انه شخص متشدد وسلطوي، وتقول الكاتبة ان الامريكيين يفضلونه على غيره ويرون انه سيحكم بطريقة براغماتية.

لكن الاخطر في راي الكاتبة هو احتمال الصراع مع ايران خاصة اذا قامت اسرائيل مثلا بضرب ايران بسبب برنامجها النووي.

وتقول مادوكس: "دعك من التجارة مع الصين، او حتى ازمة دول منطقة اليورو، فقد تبدو كل هذه كماليات في السياسة الخارجية مقارنة مع تهديد بصدام بين السعودية وايران". وهو بذلك التهديد الأكبر الذي يمكن ان يشهده العالم ويمثل تحديا خاصة لبريطانيا وامريكا.

مستقبل السعودية

براجماتي حذر أم محافظ عنيد؟ صورتان لولي عهد السعودية الجديد الامير نايف بن عبد العزيز ال سعود الوريث الجديد لعرش المملكة والحاكم المستقبلي المحتمل في اكبر دولة مصدرة للنفط بالعالم. وستشكل شخصية ولي العهد نهج المملكة ازاء مجموعة من التحديات في وقت يشهد تغييرا لم يسبق له مثيل في الداخل وعلى مستوى الشرق الاوسط كله.

وفي ظل تقدم العاهل السعودي الملك عبد الله في السن اذ انه في الثمانينات من عمره والمشاكل المتكررة التي يعاني منها في الظهر فمن المرجح أن يضطلع ولي العهد الجديد البالغ من العمر 77 عاما على الفور بدور مهم في صياغة وتنفيذ السياسة على صعيد الشؤون الخارجية وأسواق النفط والاصلاحات الداخلية.

وأدار الامير نايف وزير الداخلية المخضرم المملكة بشكل يومي عدة مرات في الاعوام القليلة الماضية واجتمع بزعماء اجانب ورأس مجلس الوزراء حين كان الملك عبد الله وولي العهد الامير الراحل سلطان بن عبد العزيز يغيبان عن البلاد في نفس الوقت.

ويمثل الامير نايف لليبراليين السعوديين وجها صارما للمؤسسة المحافظة بالمملكة التي تعارض اي خطوات نحو الديمقراطية او حقوق المرأة ويدعم هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويتولى وزارة تسجن النشطاء السياسيين دون توجيه اتهامات. بحسب رويترز.

لكن دبلوماسيين سابقين وصحفيين محليين وأعضاء اخرين بالاسرة الحاكمة تعاملوا مع الامير نايف يرسمون صورة أقل صرامة لرجل كان في قلب السياسة السعودية لاكثر من 30 عاما.

وقال خالد المعينا المحرر بصحيفة (اراب نيوز ديلي) في جدة "يقال الكثير عن الامير نايف لكنني أجده رجلا طيبا جدا ومتواضعا يقابل الناس... يحس بنبض الامة." ولعل ما يثير القلق هو اتجاه دولة تهيمن على أسواق النفط العالمية وتتمتع بنفوذ على المسلمين كونها قبلة حجاج بيت الله الحرام وزوار المدينة المنورة.

وركزت الاصلاحات التي طبقها الملك عبد الله الذي يكبر الامير نايف بنحو عشر سنوات على زيادة فرص العمل للشبان السعوديين والحد من نفوذ رجال الدين الذين يسيطرون على التعليم.

واعتبر ولي العهد السعودي الجديد لفترة طويلة مقربا من رجال الدين السعوديين الذين دعموا دوما أسرة ال سعود الحاكمة وقيل انه عارض اصلاحات فيما مضى. وكشف موقع ويكيليكس عن تقييم دبلوماسي أمريكي للامير في عام 2009 قال فيه "يعتبر الامير نايف على نطاق واسع محافظا متشددا غير متحمس لمبادرات الملك عبد الله الاصلاحية على أفضل تقدير." وأضاف "غير أننا سنكون اكثر دقة اذا وصفناه بأنه براجماتي محافظ مقتنع بأن الامن والاستقرار أساسيين للحفاظ على حكم ال سعود وضمان الرخاء للمواطنين السعوديين."

ولد الامير نايف عام 1933 تقريبا في مدينة الطائف. حينذاك كان قد مر على قيام المملكة السعودية عام واحد بعد أن وحد الملك عبد العزيز بن سعود والد الامير القبائل البدوية خلف رؤيته للدولة الاسلامية وغزا معظم شبه الجزيرة العربية.

ونشأ الامير نايف في الديوان الملكي في الثلاثينات والاربعينات وينتمي الى اخر جيل من السعوديين شهد المملكة الصحراوية قبل أن تغير الثروة النفطية وجهها بالكامل.

والدته حصة بنت احمد السديري زوجة الملك عبد العزيز المفضلة وكان واحدا من سبعة اخوة أشقاء أعدوا منذ الصغر لتقلد المناصب الرفيعة وكونوا كتلة للنفوذ خاصة بهم.

ومن بين الاشقاء السبعة الملك الراحل فهد والامير سلطان ولي العهد الراحل وامير الرياض الامير سلمان والامير احمد نائب الامير نايف في وزارة الداخلية.

ويكمل ابنان الدائرة العائلية المحكمة في الوزارة هما الامير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية المسؤول عن مكافحة الارهاب والامير سعود بن نايف السفير السابق لدى اسبانيا.

عين ولي العهد السعودي الجديد اميرا للرياض حين كان في العشرين من عمره وأثار الاعجاب فشغل منصب وزير الداخلية عام 1975 وسريعا ما عرف عنه قربه من رجال الدين الذين ساندوا الحكم السعودي وأداروا مدرسة القصر الملكي أثناء طفولته.

حدد هذا الدور ملامح الامير نايف من خلال توليه مسؤولية حماية المملكة من التهديدات الداخلية خاصة تلك التي يمثلها الاسلاميون المتشددون.

وقالت البرقية الامريكية التي أرسلت عام 2009 "نظرا الى أن همه الاكبر هو الحفاظ على الاستقرار فان حدس نايف يميل نحو تقديم تنازلات امام المطالب الدينية خاصة ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والثقافية. "ويساء تفسير هذا احيانا على أنه معارضة للاصلاح لكنه على الارجح ينبع من رغبة في الموازنة بين القوى الاجتماعية المتنافسة."

وقال خالد الدخيل استاذ العلوم السياسية بالرياض ان الامير نايف كان وزيرا للداخلية على مدى الاعوام الاربعين الماضية وبالتالي فان عقليته ربما تكون أمنية. وأضاف أنه حين يصبح ملكا يجب أن يتوقع منه التصرف بشكل مختلف اذ سيكون له منظور مختلف وأهداف مختلفة وسيكون دوره أشمل.

ويتعامل الامير نايف مع التماسات المواطنين السعوديين بشكل يومي باعتباره الرجل الذي يرفع له 13 من حكام المناطق تقاريرهم وهو ما أدى الى تكوين شبكة من المؤيدين على مستوى المملكة التي تمثل فيها العلاقات القبلية والاقليمية أهمية لا يستهان بها.

وقال الدخيل ان الامير نايف كان على اتصال بمشاكل الناس الحقيقية على صعيد الجريمة والاقتصاد والمشاكل الاجتماعية.

ويقول أمراء ان الامير نايف من أطيب ابناء جيله بالاسرة الحاكمة في معاملته لابناء وبنات اخوته. غير أن دبلوماسيين يصفونه بأنه سهل الاستفزاز وتقول تقييمات أمريكية انه جامد وبطيء وخجول على الرغم من شيء من حس الدعابة.

وقال دبلوماسي سابق بالرياض "كان الامير سلطان رجلا لطيفا لكن هذه ليست الصورة التي ارتبطت بنايف على مدى سنوات." وأضاف "لا أظن أنه تمتع بهذه الجاذبية الشعبية لكن حين تكون وزيرا للداخلية فانك لا تتمتع بشعبية." واستهدف جهاز المخابرات الداخلي المعروف باسم المباحث على مدى سنوات اسلاميين وليبراليين وشيعة سعوا الى تنظيم احتجاجات والتماس اصلاحات ديمقراطية من الملك.

وقال محمد فهد القحطاني رئيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية ومقرها الرياض ان الامير نايف يتحدث عن التنمية لا الاصلاح وأضاف أنه هو من ألقى بكثيرين في السجن لتعبيرهم عن رغبة في الاصلاح ووصف الامير نايف بأنه متشدد.

وبعد فترة قصيرة من هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على نيويورك نقل عن الامير نايف قوله انه يشك في مشاركة اي مواطن سعودي فيها وتبين فيما بعد أن 15 من جملة 19 منفذا كانوا سعوديين.

وأعطت هذه الواقعة انطباعا بأنه مناهض للغرب لكن دبلوماسيين أعجبوا بالطريقة التي أخمدت بها وزارته حملة تفجيرات قام بها تنظيم القاعدة داخل السعودية بعد ذلك ببضع سنوات. ويقال ان مخاوف الامير نايف الرئيسية على صعيد السياسة الخارجية هي توسع تنظيم القاعدة في الدول المجاورة ونفوذ ايران الشيعية التي اتهمتها المملكة باثارة مشاكل طائفية في انحاء الشرق الاوسط.

وتقول برقية أمريكية ان عدم ثقته في ايران تمتد الى شكوك في الاقلية الشيعية بالمملكة والتي تطالب بتحسين معاملتها وسط مزاعم بالتمييز.

وحين أرسلت السعودية قوات الى البحرين في مارس اذار بناء على طلب المنامة التي تحكمها أسرة سنية وكانت تتصدى لاحتجاجات شعبية قادتها الاغلبية الشيعية قال محللون ان الامير نايف كان وراء اتخاذ هذه الخطوة.

الاف من المعتقلين

من جهة أخرى طالب ناشطون سعوديون ولي العهد الجديد باطلاق سراح "السجناء السياسيين المحتجزين" دون مسوغات واضحة ورفع المنع عن السفر المفروض على بعض الناشطين "دون وجه حق". واعتبر الموقعون على بيان وعددهم 91 ناشطا يمثلون مختلف التيارات بينهم عدد كبير من النساء، مسالة المعتقلين بانها "القضية الكبرى التي تؤرق جمعا كبيرا من المواطنين وكافة الهيئات والمؤسسات والافراد المعنيين بحقوق الانسان".

وكانت جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (حسم) التي اسسها 11 ناشطا حقوقيا واكاديميا عام 2009 اعلنت سابقا ان السلطات "تحتجز دون محاكمة الاف السجناء لاسباب سياسية".

وطالب الموقعون ب "الافراج عن المتهمين في قضايا الراي ومن سجنوا دون مسوغ شرعي او قانوني ورفع حظر السفر عمن طالهم المنع دون وجه حق". وخاطب البيان الامير نايف الذي احتفظ بحقيبة الداخلية "لعل خير ما تستهلون به مسؤوليتكم الجديدة يا صاحب السمو هو انهاء معاناة ذوي المعتقلين وجمع شملهم بهم مما يبهج فرحتهم ويطوي صفحة بؤسهم ويقفل هذه الملفات جميعا". وتابع ان "خطوة من هذا القبيل ستفتح صفحة جديدة تواكب تطلعات الشعب في الانجازات المتوخاة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الثاني/2011 - 4/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م