لمن لم يسمع بهذا الاسم، فان ابن العلقمي، واسمه الكامل هو، ابو
طالب محمد بن احمد بن علي، مؤيد الدين الاسدي البغدادي (الرافضي)
المعروف بابن العلقمي، كان الوزير الاول لـ (خليفة الله في الارض) و
(امير المؤمنين) ابو احمد (المستعصم بالله) عبد الله بن منصور، آخر
الخلفاء العباسيين، والذي سقطت في عهده وعلى يديه الخلافة العباسية
عندما غزا المغول بقيادة هولاكو خان، بغداد في (العاشر من شباط عام
1258) فيما كان (خليفة الله) لحظتها مخمورا ويلعب بقرده المفضل عنده
على كل المسلمين وقضاياهم المصيرية والخلافة وما يؤول اليه مصيرها،
والطيور تحوم من حوله، مشغولا بموائد البذخ، بعد ان قضى على خزينة
الدولة التي صرفها على ملذاته وملذات اولاده وغلمانه وجواريه الذين لم
يكن بالامكان عدهم وحصرهم، فلم يعد بامكانه تجهيز الجيوش للدفاع عن
دولة (الخلافة الالهية) ما ادى الى سقوطها ومقتل الخليفة على يد
الغزاة، وقد اتهم ابن العلقمي هذا بالتخابر لصالح دولة اجنبية هي
المغول على حساب دولة (خليفة الله) ما سبب في التعجيل بسقوطها
واحتلالها على يد المغول.
ومنذ ذلك اليوم ذهب ابن العلقمي مثلا لكل مسلم يخون المسلمين فيمكن
اعداءهم منهم، باي شكل من الاشكال.
وبغض النظر عن صحة الاتهامات الموجهة الى ابن العلقمي من عدمها،
وما اذا كان نعته بالخيانة صحيحا ام لا؟ وعما اذا كان هو بالفعل من سبب
في سقوط دولة بني العباس، الا انني احاول هنا ان اتتبع خطواته لاتعرف،
ومعي القارئ الكريم، على احفاده خلال المئة عام الماضية، خاصة احفاده
الذين قادوا (الربيع العربي).
وقبل ان ننطلق في جولتنا التفقدية هذه، اود ان اشير الى الملاحظات
التالية:
اولا: ان طاغية ليبيا هو الديكتاتور الرابع الذي يسقط من الحكام
العرب، وليس الثالث، فبعد الطاغية الذليل صدام حسين وبن علي ومبارك،
يكون القذافي هو الديكتاتور الرابع الذي يرحل عن السلطة غير مأسوف عليه.
ولنحذر، فان ايتام الطاغية الذليل من (المثقفين والكتاب والصحفيين)
العرب ومن لف لفعهم، يحاولون خداعنا وتضليل ذاكرتنا عندما يحتفلون
بسقوط ديكتاتور ليبيا كونه الثالث في سلسلة الساقطين، في محاولة منهم
لنسيان الطاغية الذليل، بل في محاولة منهم لتصويره وكانه بطل من ابطال
العروبة وشهيد من شهداء الاسلام، ولذلك لم يعدوه ضمن قائمة الحكام
المستبدين الذين سقطوا في العالم العربي.
حذار اذن من التضليل والخداع، ولنقلها وبالفم المليان ونكررها صباح
مساء: ان طاغية ليبيا هو الديكتاتور (العربي) الرابع وليس الثالث الذي
سقط لحد الان في مزبلة التاريخ.
ثانيا: للانصاف، ينبغي القول بانه لولا سقوط ديكتاتور العراق لما
تحركت الشعوب العربية لإسقاط انظمتها المستبدة، ولولا ان العرب،
تحديدا، راوا الطاغية الذليل خلف القضبان، يحاكم على جرائمه الشنيعة ضد
شعبه، لما تجرا احد منهم على التفوه ببنت شفة ضد ديكتاتور بلاده، ولولا
انهم راوا بأم اعينهم جثته متدلية من حبل المشنقة، لما وعوا على حالهم
المأسوف عليه البتة.
لولا خريف بطل العروبة والقائد الضرورة والزعيم الاوحد، لما شهد
العالم العربي ربيعا يذكر ابدا.
لقد حول العراقيون بتضحياتهم وانجازهم التاريخي العظيم الحلم الى
واقع ممكن، فسارت عليه بقية الشعوب العربية، انهم غذوهم الجرأة على
السلطان.
ليشكر العرب، اذن، العراقيين الذين كانوا اول من تجرأ على حاكمه،
ليسقطه ويلقي عليه القبض ويحاكمه ثم يعدمه، ليس في التاسع من نيسان عام
2003، وانما اثر سلسلة من الانتفاضات الشعبية التي بدأت في صفر عام
1977 ولم تنته في انتفاضة العام 1999 اثر استشهاد الصدر الثاني وولديه،
مرورا بانتفاضة شعبان (آذار) الخالدة التي تمثل المنعطف وحجر الزاوية
في القضاء على الطاغية ونظامه.
ان سقوط طاغية العراق كان المفتاح الحقيقي الذي فتحت به الشعوب
العربية باب التغيير على مصراعيه امام رياح الثورة التي ستاتي على
النظام السياسي العربي الفاسد بالكامل، ان عاجلا ام آجلا، واذا كان بعض
الحكام، مثل آل سعود وآل خليفة، يتصورون بان سياسات القمع والقتل
وانتهاك الاعراض وتدمير البيوت على رؤوس اصحابها والاعتقال والتعذيب
وتدمير المساجد والحسينيات سيساعدهم في القضاء على تطلعات شعوبها في
الانعتاق من ربقة العبودية والديكتاتورية والاستبداد، فانهم واهمون،
فلقد دمر الطاغية الذليل اكثر من (200) حسينية ومسجد في مدينة كربلاء
المقدسة لوحدها ابان انتفاضة شعبان الخالدة في محاولة منه للقضاء على
جذوة الثورة، فماذا كانت النتيجة؟ اسالوا الحفرة التي اختبأ فيها الجرذ
لتعرفوا النتيجة.
ثالثا: من الذي يقرر ما اذا كان هذا الحاكم بطلا من الابطال ام
ديكتاتورا مستبدا وطاغية قاتل؟.
برايي، فان المصدر الوحيد الذي ينبغي الاعتماد عليه لتحديد هوية اي
حاكم هو الشعب المحكوم بسلطته فقط، فليس من حق احد ان يقرر ما اذا كان
الحاكم في اي بلد عادلا ام ظالما، رحيما بعباد الله ام ديكتاتورا،
مستبدا ام ديمقراطيا، الا الشعب المحكوم بسلطته.
فحاكم مثل صدام حسين لا يحق لاحد ان يقرر ما اذا كان طاغية ام لا
الا العراقيين انفسهم، فهم الذين اكتووا بنيران ظلمه، وهم الذين دفنوا
احياء في مقابره الجماعية، وهم الذين ماتوا خنقا بالسلاح الكيمياوي في
حلبجة وفي غيرها، وهم الذين تحولوا الى وقود لحروبه العبثية الداخلية
منها ومع الجيران.
ان العراقيين هم الذين يقررون ما اذا كان مستبدا ام ديكتاتورا؟
عادلا ام ظالما؟ وليس من كان يستلم منه كوبونات النفط ليمدحه بمقال او
تحقيق او موضوع، او من حصل منه على شقة فاخرة في العاصمة الاردنية عمان
وغيرها، او سيارة آخر موديل او ساعة ذهبية او آلاف الدولارات، فهؤلاء
ليس من حقهم ابدا ان يقرروا من اي نوع كان هذا الحاكم طوال النيف
والثلاثين عاما من حكمه الاسود.
ليس من حق الموظفين والمفتشين في هيئة الامم المتحدة او في الجامعة
العربية او في بقية المؤسسات الدولية والاقليمية، ان يقرروا ما اذا كان
صدام حسين طاغية اهبل ام حاكما عادلا؟ فالمترف المستفيد من الحاكم لا
تقبل شهادته ابدا، لانه يميل اليه بالفطرة كونه مستفيدا من عطاياه.
وهكذا بالنسبة الى بقية الحكام في البلاد العربية، فالشعب الليبي
وحده هو الذي يحكم على حاكمه، ومن اي نوع من الحكام كان طوال النيف
والاربعين عاما من سلطته؟ وكذا الشعب المصري والتونسي واليمني
والبحريني وغيرهم من الشعوب العربية، فهي وحدها التي تقرر من اي نوع
كانوا حكامها الذين سقطوا بثوراتها في اطار الربيع العربي، او الذين
سيسقطون حتما.
اسألوا الدم الذي اريق في الشارع والروح التي ازهقت في المعتقلات
والعرض الذي انتهك في السجون والطفولة التي ضاعت في الازقة والطرقات،
ولا تسالوا البطون التي تكرشت والرقاب التي غلظت والجيوب التي امتلأت
والقصور التي شيدت.
رابعا: مشكلتنا، نحن العرب، والمسلمين بشكل عام، لا نتصف
بالموضوعية باي شكل من الاشكال عندما نريد ان نصدر حكما على احد، خاصة
اذا كان جزءا من التاريخ والماضي السحيق، واقصد بالموضوعية هنا هو
دراسة الظروف السياسية والاجتماعية والامنية والاقتصادية المحيطة
بالحدث او الموقف او الشخص الذي نريد اصدار الحكم عليه، ولعل خطا من
اتهم ابن العلقمي بالخيانة هو انه اصدر حكمه اما بدافع طائفي يتلفع
بالحقد الدفين، او انه قرأه مجردا عن كل الظروف والملابسات التي احاطت
بالوزير في تلك المرحلة، او انه فتح عينا واغمض اخرى عندما اراد ان
يقرأه، فاستغرق بالتفاصيل والجزئيات وهو يقرا الوزير، وغض الطرف عن
الكبريات وعظائم الامور وهو يقرا الخليفة، ولذلك لم يأت حكمه صائبا،
وانما هو الى الخطأ اقرب.
هنا، سأحاول ان اكون موضوعيا جدا، وانا اتتبع (احفاد ابن العلقمي)
خلال السنين المئة الاخيرة.
فاول احفاده هم الشريفيون، بقيادة جدهم الاكبر الشريف الحسين، الجد
الاكبر لملك الاردن الحالي الملك عبد الله الثاني، فلقد تخابر الشريف
حسين مع (الكفار) وهم بريطانيا العظمى آنئذ، لتدمير دولة (الخلافة
الاسلامية) المتمثلة آنذاك بالخلافة العثمانية، في اطار ما يعرف
بالثورة العربية الكبرى، والتي اسميها انا بالخيانة العربية العظمى.
فعندما قرر البريطانيون تدمير (دولة الخلافة) بحثوا كثيرا عن احفاد
ابن العلقمي هنا وهناك، فلم يجدوا الا الشريفيون في الجزيرة العربية
والذين ابدوا استعدادا منقطع النظير لمساعدة البريطانيين في مهمتهم
التاريخية هذه، مقابل وعود كاذبة لم يف بها الانجليز، وبالفعل فقد شكل
(الكفار) جيشا سموه بالجيش العربي بقيادة احد انجال الشريف حسين وهو
الامير فيصل، الذي نصبه البريطانيون فيما بعد ملكا على دولة العراق
حديثة التأسيس، ليذروا به الرماد في عيون الشعوب العربية المخدوعة
بالشعارات البراقة ولافتات التحرير الكاذب، وحصان طروادة يدفع به
البريطانيون الى الامام وهم يدفعون بجيوشهم الجرارة خلفه لفتح بلاد (المسلمين)
الواحدة تلو الاخرى، كان آخرها فلسطين التي سلموها فيما بعد لليهود
ليقيموا دولتهم القومية.
بعد اقل من عقد من الزمن، بدأ الشريف حسين يلعب بذيله ضد المصالح
العليا للدولة العلية، بريطانيا العظمى، وكانه يفكر في لي ذراعها ببعض
الحركات البهلوانية، فبدأ (الكفار) يبحثون عن احفاد ابن العلقمي مرة
اخرى فوجدوا في آل سعود وحزبهم الوهابي خير معين على تنفيذ خطتهم
الرامية الى القضاء على نفوذ الشريفيين في الجزيرة العربية، وبالفعل
وضع احفاد ابن العلقمي، آل سعود هذه المرة، ايديهم بأيدي الانجليز
ليشنوا الغارات تلو الغارات فيقتلوا ويدمروا ويسلبوا ويذبحوا كل من مر
في طريقهم حتى استتب لهم الامر فاستولوا على الجزيرة العربية برمتها،
بالقتل والبطش والتدمير، ليعلنوا عن قيام دولتهم الثالثة، الحالية،
ويطلقوا عليها اسم الاسرة، وهي اول بادرة تاريخية لم يشهد مثلها العالم
لا القديم ولا الحديث، فيسمونها بـ (المملكة العربية السعودية) وذلك في
اواخر العشرينيات من القرن الماضي.
ولمزيد من التفاصيل المتعلقة باحفاد ابن العلقمي، آل سعود، بهذا
الشأن، يمكن العودة الى كتاب الباحث وعالم الاجتماع المرحوم الدكتور
علي الوردي (الشريفيون وآل سعود) ففيه ما يثلج الصدر.
ولقد وقع احفاد ابن العلقمي، آل سعود، وبخط يد كبيرهم، على وثيقة
يتعهد فيها بخدمة مصالح (الكفار) هو واسرته واولاده واحفاده لازال فيهم
نفس، وانه يتعاطف مع اليهود في معاناتهم وانه سيبذل كل ما في وسعه من
اجل مساعدتهم على اقامة وطنهم القومي في فلسطين، مقابل حماية (الكفار)
لعرشه الجديد.
وتمر الايام والسنين، ليحتل احد زعماء (الاخوان) وهي القوة المسلحة
التي شكلها جد الاسرة الكبير (سعود) لمحاربة القبائل في الجزيرة
العربية لبسط نفوذه عليها، واسمه جهيمان العتيبي، بيت الله الحرام في
اليوم الاول من شهر محرم الحرام عام 1400 للهجرة، ومعه المئات من
انصاره واعوانه، فلم يكن من احفاد ابن العلقمي، آل سعود، الا ان اتصلوا
بالكفار مرة اخرى، ولكن هذه المرة لم يكونوا البريطانيين وانما
الفرنسيين، ليبعثوا بقوات التدخل السريع مدججة بكل انواع الاسلحة
الفتاكة للقضاء على حركة التمرد هذه التي يقودها العتيبي من داخل الحرم
المكي، ظنا منه بان من دخله او لاذ به كان آمنا، اذا بقوات (الكفار)
تنفذ اكبر عملية انزال جوي على سطح بيت الله الحرام، وتطلق النار في
الاتجاهات الاربعة لتصيب البيت العتيق وجدرانه واسطواناته، والتي
لازالت ثقوب الرصاص شاهدة على خيانة احفاد ابن العلقمي، آل سعود لبيت
الله الحرام.
وفي عام 1980 جمع احفاد ابن العلقمي فلولهم مرة اخرى ليقفوا خلف
الطاغية الذليل صدام حسين ليشن حربه الضروس ضد الجمهورية الاسلامية
الفتية في ايران، لانها اسقطت عرش شرطي الخليج، الشاه، الذي كانت ترتعد
من ذكر اسمه فرائص الحكام في المنطقة، خاصة الاسر الحاكمة في الخليج،
فقضت بذلك على اقوى حليف لاسرائيل في المنطقة والعالم بعد الولايات
المتحدة الامركية، واغلقت سفارة اسرائيل في طهران ثم سلمتها لممثل
الشعب الفلسطيني الوحيد آنذاك، واقصد به منظمة التحرير الفلسطينية،
ولان احفاد ابن العلقمي مجبولون على مساعدة اليهود والنصاري ضد
المسلمين، لذلك شحذوا هممهم هذه المرة للدفاع عن البوابة الشرقية من
الهجمة الفارسية الصفراء، وقالوا للطاغية الذليل منك الدم، والمقصود هو
دماء العراقيين، ومنا المال.
ولم يكتف احفاد ابن العلقمي بذلك، فلتوكيد طبيعتهم الخيانية
الخسيسة المبنية على التآمر مع اليهود والنصارى ضد المسلمين، تعاهدوا
مع الولايات المتحدة والدول الاوربية على اهداء هذه الحرب لهم مقابل ان
تقدم واشنطن وعواصم الغرب كل الدعم اللوجستي والاستخباراتي والعسكري
للطاغية لديمومة الحرب، وبالفعل فلقد سخرت السي آي أي جهازها
الاستخباراتي وطائراتها التجسسية المنتشرة في اجواء المنطقة لصالح
الطاغية، من خلال تسخير كل المعلومات الاستخباراتية التي تحصل عليها من
ارض المعركة له ليستفيد منها في خططه العسكرية، من دون ان تبخل الاسر
الفاسدة الحاكمة في الخليج، خاصة آل سعود، باغداق المال الوفير على كل
انواع الدعاية التضليلية التي حركت ماكينتها لصالح حرب الطاغية.
ثم يغزو الطاغية الذليل صدام حسين الجارة دولة الكويت، في الثاني
من آب 1990، وهي الفرصة الذهبية التي قدمها للولايات المتحدة الاميركية
وحليفاتها للتدخل عسكريا في المنطقة، والاستيطان فيها الى ما شاء الله،
ولكن، كيف لهم ان يحققوا حلمهم هذا وفي وضح النهار؟.
مرة اخرى كان احفاد ابن العلقمي، آل سعود، رهن الاشارة وفي الخدمة
لتنفيذ المهمة، فاتصل كبيرهم، فهد بن عبد العزيز، بالادارة الاميركية
طالبا منها نصف مليون جندي (كافر) ليستعين بهم على (المسلمين) الخونة
الذين نقضوا العهد ولم يراعوا حرمة الجار، الذي اوصى به رسول الله (ص)
بقوله {ما نزل علي جبرائيل الا واوصاني بالجار، حتى ظننت انه سيوثهم}.
ولشرعنة الخيانة، بادر احفاد ابن العلقمي، آل سعود، الى استصدار
فتاوى شرعية من فقهاء البلاط، وهي عادة فتاوى تحت الطلب، اجازوا فيها
لاحفاد ابن العلقمي الاستعانة بالكفار لدفع ضرر اكبر، الغزو هنا، فيما
قرراوا في فتاواهم تلك بان صدام حسين كافر لا يستتاب، وهو من اصحاب
السعير مهما اعتذر او تاب.
ومن اجل ان يتستر احفاد ابن العلقمي، آل سعود، على جريمتهم
النكراء، بادروا الى توزيع الاموال الطائلة على كل الحكام العرب
ليشاركوهم خيانتهم، وبالفعل فقد صوتت المجموعة العربية في مجلس الامن
الدولي على قرار الغزو الاميركي للعراق وتدميره وتحطيم بناه التحتية
وقتل الملايين، وبذلك تكون دائرة احفاد ابن العلقمي قد اتسعت لتشمل كل
العرب هذه المرة، وليس آل سعود فحسب.
ولان من طبيعة احفاد ابن العلقمي الخيانة التي تسري فيهم سريان
الدم في العروق، فقد اصطفوا خلف بعض وحشدوا كل السبل للتصدي لكل مقاومة
ضد اسرائيل، سواء في فلسطين او في لبنان، ولقد كشف موقع ويكيلكس مؤخرا
بعضا من جوانب خيانة احفاد ابن العلقمي للقضية الفلسطينية، خاصة آل
سعود الذين تبين فيها بعد انهم متهمين بالتخابر مع دولة اجنبية
(اسرائيل) ضد الشعب الفلسطيني المسكين والمخدوع باحفاد ابن العلقمي
وشعاراتهم، او الساكت عن خياناتهم باموال البترودولار التي اماتت
ضمائرهم.
ان احفاد ابن العلقمي في دول الخليج يحلبون خيرات الارض ويمتصون ما
تحتفظ به جيوب الفقراء ليدفعوا بها الى بنوك (الكفار) في نيويورك كلما
مر (الصليبيون) بازمة مالية، ولذلك تراهم خسروا (6) ترليون، مليون
مليون، دولار في الازمة الاقتصادية العالمية الاولى، وهم اليوم يحاولون
انقاذ اقتصاد (الكفار) بالاعلان عن صفقات السلاح التي جاوزت الـ (80)
مليار دولار، طبعا من دون ان يستلموا حتى قطعة سلاح واحدة، فالصفقة
عنوان يتسترون خلفه اما الحقيقة فهي رشاوى يقدمها الـ (آل) مقابل ان
يحمي (الكفار) سلطتهم.
واليوم اذ يمر الوطن العربي بربيعه غير المتوقع لدى كثيرين، اذا
باصوات الشعوب العربية ترتفع عالية، وبصراخ وعويل وبكاء وثبور قل
مثيله، تطالب الناتو تارة ومجلس الامن الدولي اخرى والولايات المتحدة
الاميركية ثالثة، والمجموعة الاوربية رابعة، بالتدخل بكل السبل لصالح
ربيعها لانقاذه من بطش الحكام العرب، لتتحول ظاهرة (ابن العلقمي) الى
ظاهرة شعبية، بعد ان كانت تقتصر على الانظمة الحاكمة فقط.
اذا بكل ما عابوه على العراقيين عند سقوط الصنم في التاسع من نيسان
عام 2003، يعدوه اليوم فخرا يتسابقون فيما بينهم من اجل ان ينالوا
نصيبهم منه، على الرغم من فارقين كبيرين في الموقفين يحاول احفاد ابن
العلقمي اخفاءهما عن الراي العام:
الاول: هو ان العراقيين لم يطلبوا، لا شفهيا ولا تحريريا، من اية
قوة عظمى التدخل عكسريا لاسقاط الطاغية الذي كان يحكم في بغداد،
فالولايات المتحدة وحلفاءها، ذهبت الى العراق بقرار دولي مدعوم بتاييد
عربي و (اسلامي) واضح، وهي لم ترسل جيوشها المدججة بالسلاح بناء على
تفويض من العراقيين، لا كشعب ولا كقوى وحركات معارضة، وهي استفادت من
اراضي واجواء دول الجوار لشن غاراتها الصاروخية والجوية ضد العراق بعد
تفويض كانت قد حصلت عليه من احفاد ابن العلقمي في تركيا والمملكة
العربية السعودية وقطر والكويت والاردن وغيرهم من الدول التي لواشنطن
فيها قواعد عسكرية، اما الناتو فقد ذهب الى ليبيا بتفويض من احفاد ابن
العلقمي، الثوار النشامى والجامعة العربية، كما انه قد يذهب الى سوريا
واليمن واي بلد عربي آخر بتفويض من احفاد ابن العلقمي، كما نسمع اليوم
مطالبتهم وبالفم المليان من الولايات المتحدة للقدوم الى بلدانهم
لتحريرهم من براثن الانظمة الديكتاتورية، ومع ذلك فقد تجمع (المجاهدون)
كالجراثيم في العراق لمقاومة المحتل، طبعا من دون تفويض من العراقيين
كذلك، وانما تدفعهم الى ذلك فتاوى التكفير الطائفية وشعارها، اقتل
رافضيا تدخل الجنة، اما في الربيع العربي فهم انفسهم، من يتوسل الناتو
وغيره للتدخل عسكريا لتحريرهم من سطوة الطغاة واقامة الديمقراطية لهم.
الثاني: هو ان طاغية ليبيا لم يرتكب من الجرائم ضد شعبه معشار ما
ارتكبه طاغية العراق ضد شعبه وضد جيرانه، ومع ذلك فلقد اعتبر اعلام
احفاد ابن العلقمي ونظامهم السياسي ومؤسستهم الدينية الفاسدة، الاول
ظالما كافرا مرتدا مستحقا للقتل، حتى انهم اهدروا دمه بفتوى دينية، اما
الثاني فمؤمن مظلوم وشهيد.
ان القذافي لم يقصف شعبه بالسلاح الكيمياوي كما فعل الطاغية في
حلبجة، ولم يشن حروبا عبثية ضد شعبه وضد جيرانه لتؤدي الى قتل الملايين
وتدمير البلاد وتضييع خزينة الدولة، كما انه لم يغز اي من جيرانه، ولم
يتسبب باحتلال بلاده كما فعل الطاغية الذليل، ولم يملأ بلاده بالمقابر
الجماعية.
ومع كل هذا، انظروا كيف تعامل العراقيون مع طاغيتهم، عندما عرضوه
على القضاء في محاكمة عادلة هب القريب والبعيد من المحامين العراقيين
والعرب للدفاع عنه، كان من بينهم ابنت العقيد المخلوع، والتي ضاقت بها
الارض اليوم بما رحبت، ثم ولت مدبرة الى الجزائر.
ولقد تذكرت للتو، فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين في طول بلاد
المسلمين وعرضها، اولئك الذين ازعجوا ضحايا الطاغية الذليل بفتاواهم
التي استقبحوا فيها عملية اعدامه لمجرد انها حصلت في يوم عيد الاضحى
المبارك، فيما اعتبروا الطاغية شهيدا لمجرد انه شهد الشهادتين قبل
اعدامه، ولكنهم لاذوا اليوم بصمت اهل القبور وتلفعوا بسكوت الشيطان
الاخرس ودخلوا في جحورهم ودسوا رؤوسهم في التراب كالنعامة ومؤخرتهم
شاخصة للعيان، من دون ان ينبسوا ببنت شفة عما حصل للعقيد المخلوع الذي
قتل شر قتلة، فلم نسمع منهم حسيسا او تمتمة تشجب او تستنكر الفعل
الشنيع لاحفاد ابن العلقمي في ليبيا، كما لم نسمعهم يقلدونه وسام
الشهادة على الرغم من انه شهد الشهادتين في وصيته التي كتبها قبل
مقتله، بعد ان لم يمهله الثوار النشامى وقتا لترديدها على لسانه قبل
قتله وبطريقة وحشية.
وفجأة تنقلب الموازين، فاذا بالمجاهدين الابطال، الذي تجمعوا
كالجراثيم في العراق للجهاد ضد المحتل الغازي الكافر، الولايات المتحدة
الاميركية، يستقبلون سفيرها، سفير السلام والمحبة والديمقراطية في عدد
من المدن السورية استقبال الابطال، يمطرونه بالورود ويحملون سيارته على
الاكف احتفاءا بمقدمه، ولو امهلهم السفير بعضا من وقته الثمين لنحروا
بناتهم عند قدميه، وكأنهم لم يعلموا بانه سفير (المحتل الكافر الغازي)
الذي قالوا بانهم يريدون مقاتلته على ارض العراق تحديدا وليس على اية
ارض اخرى، ليموتوا فيتناولوا العشاء في الجنة مع رسول الله (ص).
وبينما كانت ابواقهم الدعائية تحرض على المقاومة وقتل احفاد ابن
العلقمي في العراق، الرافضة، الذين تعاونوا مع المحتل لاسقاط نظام رمز
العروبة والقائد الضرورة، اذا بهذا المحتل معززا مكرما ومدللا في
ليبيا، يحتفي به الثوار كواحد من اهل الدار، فياهلا بالقصف الجوي الذي
يشنه الناتو على مدى ثمانية اشهر، ليقتل الابرياء والعزل من ابناء
الشعب الليبي، اما اليوم الذي قصف به الناتو رتل العقيد المخلوع ليلقي
الثوار القبض عليه ومن ثم يقتلوه شر قتلة، فهو من ايام الله، على حد
وصف احدى الناشطات الليبيات.
ويستعجل الناتو انهاء عملياته العسكرية في وعلى الارض الليبية، لا
ادري لماذا؟ فالليبيون يطلبون المزيد من القصف والحظر الجوي ليساعدونهم
على التصدي لفلول النظام البائد، اما في العراق فالامر يختلف جذريا، اذ
يجب ان يرحل الاحتلال فورا بعد اسقاط الصنم، من اجل ان يتسنى لأيتام
النظام البائد العودة مرة اخرى الى السلطة.
لقد اماط الربيع العربي اللثام عن حقيقة في غاية الاهمية، هي ليست
جديدة ابدا، وانما هي حقيقة تاريخية منذ ان خلق الله تعالى الحياة،
وستستمر الى يوم يبعثون، والحقيقة هي ان لكل طاغية طريقة لاسقاطه، فاذا
كان فيه بقايا عقل او شاءت المصالح العليا للقوى العظمى ان تتخلى عنه
بمجرد ان ينفجر الشارع ضده، فانه سيسقط باسرع واسهل مما يتصور كثيرون،
كما حصل لفرعون مصر وطاغوت تونس، اما اذا كان هذا الطاغوت قد فقد آخر
ذرة من عقله وقرر ان يتنحى عن السلطة بلا كرامة وان يموت بلا حياء او
يتشبث بقول عرب الجاهلية (علي وعلى اعدائي) فان من المحتمل ان يستنجد
شعبه ربما بالشيطان من اجل ان يساعده على التخلص منه، كما حصل في ليبيا
وكما هو المتوقع في ان يحصل في اليمن وفي غيرها من البلاد العربية، وهو
الامر الذي حصل في العراق عندما قرر الطاغية الذليل ان يختفي في بالوعة
ليخرج منها مذموما مدحورا، يشبه شكله بقرة تقاد الى المسلخ، فاتحا فاه
ليفحصه الطبيب المختص.
ولذلك، فلا لوم على الشعوب اذا ما استنجدت بمن تراه قادرا على
مساعدتها من ورطتها مع الطاغوت، بغض النظر عن العناوين، فتارة تستنجد
بالامم المتحدة ومجلس الامن، او ما يسمى بالشرعية الدولية، وتارة
بالولايات المتحدة مباشرة واخرى بالناتو وهكذا، فقد تختلف العناوين الا
ان النتيجة واحدة، ولعل في قصة ابن العلقمي ما يشبه ذلك كما هو حال
العباسيين الذين استنجدوا بالفرس للقضاء على الدولة (العربية) جدا
واقصد بها الدولة الاموية، او استنجاد العباسيين فيما بعد بالمماليك
للقضاء على خصومهم او لتوطيد سلطانهم، او كاستنجاد (خلفاء الله) على مر
تاريخ المسلمين بالقوى الاجنبية للقضاء على من ينافسهم السلطان، كما
فعل آل عباد في المغرب وغيرهم، وهكذا، ولذلك يجب ان نكون منصفين عند
قراءتنا لطريقة القضاء على الطاغوت، اي طاغوت، من اجل ان لا نظلم شعبا
من الشعوب كما حصل مع الشعب العراقي، ومن اجل ان لا نكيل بمكيالين،
فيكون تدخل الناتو في ليبيا انتصارا لقيم الديمقراطية اما تدخل الشرعية
الدولية في العراق فاحتلال وغزو وما اشبه.
والان:
من هم احفاد ابن العلقمي يا ترى؟.
افتونا ماجورين يا احفاد ابن العلقمي.
بخ بخ لك يابن العلقمي، فلقد حفرت في ذاكرة المسلمين نهجا لن
يحيدوا عنه، يتقمصونه ويلجأون اليه كلما ذكروا اسمك، والعاقبة للمتقين،
فهل من مدكر؟.
[email protected] |