شبكة النبأ: على الرغم من الضغوط
الشعبية الكبيرة التي يتعرض لها المجلس العسكري الحاكم في مصر، إلا إن
قادته يصرون بحسب أغلب المصريين على وضع العصا في دواليب الإصلاح التي
قامت من أجلها الثورة. فالتهميش المستمر لخطوات الإصلاح المفترضة،
وإقرار العديد من القوانين والإجراءات التي تضيق على خطوات العملية
الديمقراطية المنشودة، باتت من سمات المجلس العسكري، في الوقت الذي بات
يقبض على مفاصل الدولة بالنار والحديد، كتكرار للسيناريو المتبع إبان
العهد السابق أثناء حكم حسني مبارك المطاح.
ويرى بعض المراقبين ان العسكر في مصر يعد العدة للإستيلاء على
السلطة، وذلك عبر الدخول من النافذة بعد ان طرد من الباب، سيما ان
بوادر ذلك بدت من خلال المساعي والإجراءات التي كشفت ذلك، وهو أمر لم
ينفيه المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري الحاكم.
فيما كشفت بعض التقارير المسربة عن دعم سعودي إماراتي إسرائيلي لهذا
السيناريو، للحفاظ بحسب تلك الدول على التوازنات السابقة والمعاهدات
المبرمة، خصوصا معاهدة السلام العربي المعروفة، وسحب البساط من تحت
أقدام إيران التي تتطلع الى كسب ود مصر في المستقبل.
انتخاب رئيس عسكري
فقد ظهرت ملصقات في القاهرة تدعو لانتخاب رئيس المجلس الاعلى للقوات
المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي رئيسا لمصر الامر الذي أثار قلق نشطاء
يقولون ان أنصار الرئيس المخلوع حسني مبارك يقفون وراء الحملة. ويظهر
طنطاوي مبتسما في الملصقات. وكان قد صار زعيما للبلاد بعد تولي المجلس
الاعلى للقوات المسلحة ادارة شؤون البلاد بعد الاطاحة بمبارك في
انتفاضة شعبية يوم 11 فبراير شباط.
ونفى ضباط الجيش أن يكون واحد منهم سيرشح نفسه للمنصب لكن مصريين
كثيرين يعتقدون أن من الممكن لهم أن يساندوا مرشحا ذا خلفية عسكرية مثل
كل من شغلوا المنصب منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالنظام الملكي في
أوائل الخمسينات.
ويظهر طنطاوي في الملصقات التي ثبتت على الجدران في أماكن عامة
بالعاصمة وقد ارتدى الزي العسكري وظهر علم مصر في الخلفية. كما ظهر في
الملصقات شعار يقول "مطلب شعبي للاستقرار".
وقال منظمو الحملة وهم مجموعة شبابية تسمي نفسها "مصر فوق الجميع"
ان هدفهم جمع مليون توقيع لمساندة طنطاوي. وقال الجيش انه سيعلق على
الحملة في وقت مناسب.
وقال أحد منظمي الحملة ويدعى محمد عطية ان طنطاوي سيكون أفضل مرشح
رئاسي. وقال عطية لصحيفة المصري اليوم في عددها الصادر "نحن نعبر عن
مطلب شعبي للكتلة الصامتة التي ترى أن المشير هو الافضل لقيادة البلاد
فترة رئاسية واحدة ليصل بها الى الديمقراطية الحقيقية."
ووعد المجلس الاعلى للقوات المسلحة بترك السلطة خلال ستة أشهر من
توليه ادارة شؤون البلاد بعد الانتفاضة لكنه مد الفترة للسماح للقوي
السياسية بحشد التأييد قبل الانتخابات. وقال المجلس انه سيترك السلطة
بعد الانتخابات التشريعية التي ستجرى ابتداء من يوم 28 نوفمبر تشرين
الثاني المقبل وبعد انتخابات الرئاسة التي يمكن أن تجرى نهاية العام
المقبل أو أوائل عام 2013.
وقال نشطاء مستقلون ان من الممكن أن تكون حملة الملصقات منظمة من
قبل مؤيدين لمبارك. وقال الناشط سعد بحار ان الحملة والملصقات تحمل
بصمات أنصار مبارك الذين من مصلحتهم الابقاء على من وصفهم "بالمشبوهين
المعتادين في السلطة." وأضاف "الحملة تهدف الى اقناع الناس بأنه لا
يمكن لغير الموجودين في السلطة ضمان الاستقرار."
ويشغل طنطاوي (75 عاما) منصب وزير الدفاع منذ عشرين عاما كما يشغل
منصب وزير الانتاج الحربي ومنصب القائد العام للقوات المسلحة. وفي
سبتمبر أيلول شوهد في وسط القاهرة مرتديا الزي المدني ويتجاذب أطراف
الحديث مع المارة فيما قال مراقبون انه جس نبض من جانبه للقبول الشعبي
له.
ورفض المرشح المحتمل للرئاسة هشام البسطويسي فكرة ترشح طنطاوي قائلا
انها تقوض مطالب الانتفاضة التي تقوم على انهاء الحكم الذي يستند الى
الجيش. وقال "باعتباره رئيس المجلس الذي يدير الفترة الانتقالية لا
يمكن لطنطاوي أن يرشح نفسه للرئاسة لانه في السلطة فعلا. هذا يعني أن
الجيش يهيء المسرح السياسي على حساب الانتقال للديمقراطية."
الجيش والسلطة
الى ذلك تجمع الاف المحتجين في ميدان التحرير بالقاهرة للضغط على
المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم في البلاد لتسليم السلطة الى
مدنيين وقال مرشح رئاسي اسلامي محتمل ان انصاره سينظمون اعتصاما اذا لم
يستجب الجيش.
وظهرت في الميدان لافتات تتهم المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس
الاعلى للقوات المسلحة بمحاولة التمسك بالسلطة. وردد المتظاهرون
واغلبهم من السلفيين هتافات مثل "الشعب يريد اسقاط المشير" و"يسقط يسقط
حكم العسكر".
ودعا حازم صلاح ابو اسماعيل الزعيم السلفي الذي قال انه سيرشح نفسه
للرئاسة انصاره الى الاعتصام اذا لم يستجب الجيش لمطالب المحتجين. وقال
ابو اسماعيل امام حشد من المحتجين عبر مكبرات الصوت مطالبا اياهم
بالبقاء في الميدان حتى يصدر المجلس العسكري بيانا "لا نقبل امتداد
الحكم العسكري".
وفي اشارة الى مطالبات المجلس العسكري الدائمة للمحتجين بالتوقف عن
الاحتجاجات للسماح لعجلة الانتاج بالمضي قدما قال ابو اسماعيل "الذي
يعطل الانتاج هو ان المجلس العسكري اعلن فجأة انه سيستمر في الحكم."
ورد المحتجون على هذه التصريحات بترديد هتاف "مش هانمشي.. المجلس يمشي".
بحسب رويترز.
وتجرى الانتخابات لمجلس الشعب على ثلاث مراحل اولاها في 28 نوفمبر
تشرين الثاني بينما تبدأ انتخابات مجلس الشورى التي تجرى على ثلاث
مراحل ايضا في 29 يناير كانون الثاني.
كما طالب المحتجون الجيش بالعزل السياسي لمناصري مبارك وحرمانهم من
الترشح للبرلمان الجديد.
وقال ابو اسماعيل "هناك رجال اعمال وراء البلطجية عندما ينزلون
لتحويل المظاهرات السلمية الى مظاهرات عنيفة." وتعرض الجيش الذي اثنى
عليه المصريون في البداية لانحيازه للثوار لانتقادات متزايدة من جانب
السياسيين والحقوقيين وجماعات الشبان التي تتهمه بانتهاك حقوق الانسان
والادارة غير المتقنة للفترة الانتقالية.
وقال سالم مصباح (35 عاما) "فاتت تسع شهور من وقت الثورة ولا شفنا
حكومة بجد ولا علامة على ان الفلول لن يكونوا موجودين في البرلمان
الجديد." ولم تشارك جماعة الاخوان المسلمين اكثر جماعات المعارضة خلال
عصر مبارك تنظيما ونفوذا في احتجاج يوم الجمعة.
غير مهتم باصلاحات حقيقية
فيما قال غالبية الحضور في مناظرة اقيمت ان المجلس العسكري الذي
يحكم مصر غير مهتم باحداث اصلاحات حقيقية لكن خبراء قالوا ان هذا لا
يعكس رأي الشارع. وهذه ثاني حلقة تنظم في القاهرة ضمن برنامج "مناظرات
الدوحة" التي يديرها تيم سيباستيان المراسل السابق لتلفزيون هيئة
الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) تحت رعاية مؤسسة قطر للتربية والعلوم
وتنمية المجتمع.
وفي نهاية المناظرة صوت 84.7 بالمئة من الحاضرين لصالح أن المجلس
العسكري غير مهتم باحداث اصلاحات حقيقية بينما عارض 15.3 بالمئة هذا
الطرح. وبدأت مناظرات الدوحة في 2004 ويحضرها 350 طالبا من جنسيات
مختلفة من بلدان عربية واسلامية. ويتابع جمهور واسع تلك المناظرات عبر
تلفزيون (بي.بي.سي).
ومع تولي المجلس الاعلى للقوات المسلحة ادارة شؤون البلاد منذ
الاطاحة بالرئيس حسني مبارك في انتفاضة شعبية في 11 فبراير شباط يراود
كثير من المصريين شكوك في نوايا الجيش ويعتقدون انه ربما يريد التشبث
بالسلطة من وراء الستار حتى بعد تسليم الحكم.
بيد أن الدكتور جمال عبد الجواد سلطان استاذ العلوم السياسية
بالجامعة الامريكية في القاهرة قال ان هذا التصويت لا يعكس رأي
الجماهير في الشارع التي ترى أن المجلس العسكري جاد في سعيه الي
اصلاحات حقيقية. بحسب رويترز.
وتعهد المجلس العسكري بتحول ديمقراطي في البلاد. وقال المشير محمد
حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة في يوليو تموز "نحن
ماضون على طريق ترسيخ اركان الدولة الديمقراطية التي تعزز الحريات
وحقوق المواطنين من خلال انتخابات برلمانية حرة ونزيهة."
وقال سلطان "وضع الرأي العام يخالف رأي النخبة... 90 بالمئة من عموم
الناس يضعون ثقتهم في المجلس العسكري بينما لا تمثل هذه النخبة كل
المجتمع."
لكن الدكتور محمد فهمي منزا العضو المؤسس بحزب مصر الحرية الذي تأسس
في الاونة الاخيرة انتقد اداء المجلس العسكري قائلا ان تصريحات المجلس
تتناول الاصلاح السياسي فقط دون الحديث عن اصلاح اجتماعي أو اقتصادي.
وتأكيدا على أهمية الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي قال منزا لرويترز "هذه
هي مطالب الثورة (عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية) الاحزاب السياسية ضعيفة
ولا بد أن يكون الاصلاح شاملا ليس في الدولة فحسب بل في المجتمع ايضا."
وتشكلت عشرات الاحزاب السياسية الجديدة بعد انفتاح الساحة السياسية
في أعقاب الاطاحة بمبارك الذي احكم قبضته على المشهد السياسي لعقود.
وقال منزا "الحكم على الافعال وليس على الاقول... لا أحد يشكك في
المجلس العسكري لكن بالارقام الاصلاح السياسي بطيء جدا."
وتبدأ في 28 نوفمبر تشرين الثاني المقبل أول انتخابات تشريعية منذ
الاطاحة بمبارك. ولم يتحدد بعد موعد للانتخابات الرئاسية لكن من
المتوقع أن تجرى أواخر العام المقبل أو أوائل 2013 .
وقال سعد الدين ابراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة
الامريكية في القاهرة "العلامات مختلطة حول جدية المجلس العسكري في
تسليم السلطة للمدنيين ويبدو انهم يريدون اطالة الفترة الانتقالية او
الحصول على ضمانات بأنه لن يحدث أي تدخل في شؤونهم من قبل أي حكومة
قادمة."
ويرى اللواء المتقاعد سامح سيف اليزل رئيس مركز الجمهورية للدراسات
والابحاث الامنية أن المجلس يعمل على تحقيق مطالب الثورة وان كانت هناك
بعض العقبات والاخطاء. وقال سيف اليزل مدافعا عن جدية المجلس في القيام
باصلاحات حقيقية "عندما جاء المجلس الى السلطة فتح الباب امام تشكيل
الاحزاب السياسية واصبح هناك 49 حزبا سياسيا في مصر."
وفي مارس اذار وافق المجلس الاعلى للقوات المسلحة على قانون يخفف
القيود التي خنقت الحياة السياسية في عهد مبارك بأن فتح الباب أمام
تأسيس احزاب جديدة تتنافس في الانتخابات بعدما كانت لجنة شؤون الاحزاب
خاضعة لهيمنة الحزب الوطني المنحل الذي كان يحكم البلاد.
وانتقدت هبة مرايف الباحثة في شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا
بمنظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان موقف المجلس العسكري من
قضايا حقوق الانسان. وقالت مرايف "سياسة المجلس العسكري ازاء حقوق
الانسان هي اخفاء الحقائق بدلا من اجراء تحقيقات... المجلس مستمر في
ممارسات نظام مبارك فهم لا يعرفون كيف يكون التعامل مع قضايا حقوق
الانسان." واضافت قائلة "المشكلة ان الناس في حاجة لوضوح اكثر... نريد
خطة واضحة ... نريد جدولا زمنيا."
لكن سيف اليزل أكد على الدور الاصلاحي الذي لعبه المجلس في تسعة
اشهر قائلا "قام المجلس بحل البرلمان واجرى استفتاء دستوريا ووضع حدا
لمدد الرئاسة ... المجلس لا يريد البقاء في السلطة والفترة الانتقالية
طالت لان الاحزاب السياسية طالبت بمزيد من الوقت كي تستعد للانتخابات."
ودافع سيف اليزل عن المجلس قائلا "المجلس العسكري قال في فبراير
عندما كان الرئيس لا يزال في السلطة انه سيحمي الثورة... لو ان مبارك
استمر في السلطة لاعدم اعضاء المجلس جميعا."
تعذيب شاب حتى الموت داخل السجن
في سياق متصل اكدت منظمة مصرية الجمعة ان شابا مصريا تم تعذيبه حتى
الموت داخل السجن لانه ادخل شريحة هاتف نقال الى زنزانته، الامر الذي
نفاه مصدر امني. وقال مركز النديم لتاهيل ضحايا العنف والتعذيب "جريمة
جديدة تحت التعذيب: عقابا له على ادخال شريحة هاتف نقال الى زنزانته في
سجن طرة، تعرض عصام العلي عطا علي المحكوم بالسجن عامين من جانب القضاء
العسكري في 25 شباط/فبراير، لتعذيب وحشي".
واضافت المنظمة على موقع فيسبوك "تم ادخال انابيب مياه الى فمه
ومؤخرته ونقل الى مستشفى القصر العيني حيث توفي من دون معرفة عائلته".
واوضح المحامي مالك العادلي الذي يتواصل مع عائلة الشاب ان عصام عطا
"طلب شريحة هاتف من والدته فاحضرتها له. لكنه عوقب وتعرض للتعذيب".
واضاف المحامي ان الشاب اتصل بعائلته بعدما تعرض لسوء معاملة ووصف
لها التعذيب بواسطة الانابيب. لكنه عذب مجددا و"سقط من دون ان يتمكن من
النهوض". وقال مصدر قضائي ان النيابة العامة طلبت تشريح جثة عطا. بحسب
فرانس برس.
لكن مصدرا امنيا نفى ان يكون الشاب قضى تحت التعذيب، مؤكدا انه شعر
بانه ليس على ما يرام اثر زيارة لوالدته وخطيبته، وبعد نقله الى مستشفى
السجن ثم الى مستشفى خارجه اكتشف الاطباء انه تناول حبوبا مخدرة. وانضم
اكثر من 2400 شخص الى الصفحة التي انشئت على فيسبوك تكريما له تحت
عنوان "كلنا عصام عطا، شهيد التعذيب في السجن".
وتاتي هذه القضية بعد يومين من ادانة عنصرين في الشرطة لضلوعهما في
مقتل خالد سعيد، الشاب المصري الذي قتل في حزيران/يونيو 2010 وبات رمزا
للمعارضة التي اطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في شباط/فبراير. وكانت
الشرطة اعلنت اولا ان سعيد توفي جراء تناوله حبوبا مخدرة اثناء اعتقاله،
رغم نشر صور اثبتت تعرضه للتعذيب. |