الحرب على العراق... سنوات مدمية ونهاية مبكية

المحلل السياسي

 

شبكة النبأ: فيما يواجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما التحدي المقبل بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق وما سيترك هذا الانسحاب من انطباعات، يواجه الرئيس الأمريكي ضغوطا من قبل الحزب الجمهوري الذي بدأ يلوح بملفات الضغط الاقتصادية والأمنية والتي قد يستخدمها الجمهوريون ضد ضده، أوباما الذي تعهد بسحب قواته من العراق هذا العام لينهي الحرب.

وبعد إخفاق أشهر من المفاوضات مع المسؤوليين العراقيين في التوصل الى اتفاق لابقاء ربما الاف من العسكريين الامريكية في العراق كمدريبين اعلن انه سيلتزم بخطط سحب القوة الباقية البالغ قوامها 40000 بحلول نهاية العام.

ويرى البعض ان اوباما بهذه الخطوة احبط امال الولايات المتحدة بترك الاف قليلة من القوات لدعم العراق المتداعي، وتحقيق توازن مع تأثير ايران المجاورة. وهو ما وجده العديد من المحللين سياسيين اضرت بصورة الولايات المتحدة على نحو دائم في مختلف انحاء العالم، بعد ان اجهدت جيشها وميزانيتها. وهو ما لم يلتفت اليه اوباما الذي بات يضع نصب عينيه حملة اعادة انتخابه في 2012 والتي يحتمل ان تركز على اسلوب معالجته للاقتصاد الامريكي.

ووصل عدد القوات الامريكية الى ذروته وهو نحو 190000 جندي عام 2007. وقتل نحو 4500 جندي امريكي وكلفت الحرب دافعي الضرائب الامريكيين اكثر من 700 مليار دولار امريكي في الانفاق العسكري وحده.

وعلى الرغم من ترحيب واشنطن بتقدم العراق المتعثر ولاسيما في ظل وجود اضطراب يجتاح الشرق الاوسط، فان نظامه السياسي لا يزال يواجه مأزقا مستمرا بشأن قضايا تثير انقسام دولة مقسمة دينيا وعرقيا.

وحتى مع سعي قادة الديمقراطية في العراق الى ان ينأوا بانفسهم عن واشنطن فان العراق يقف على قدمية ببطء بعد سنوات من العنف.

من جانب آخر يعتقد محللون سياسيون ان اوباما وبهذه الخطوة قد هزم المحافظين الجدد، فيقول الكاتب جوناثان ستيل الى إن الرئيس الاميركي باراك أوباما قال إنه اتخذ قراره للوفاء بوعده أثناء حملته الانتخابية لإنهاء الحرب على الرغم من انه كان يدعم جهود وزارة الدفاع البنتاغون لابرام اتفاق مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للحفاظ على قواعد أمريكية وبضعة آلاف من الجنود لأجل غير مسمى، وهو ما اشار اليه خبراء بعد انهيار المحادثات بسبب إصرار نواب البرلمان من الكتلة الصدرية وغيرهم على أن تخضع القوات الأميركية للقانون العراقي إذا استمرت في البلاد، وهو ما ترفضه واشنطن التي تصر على حصول جنودها على حصانة قانونية، وترفض محاكمتهم أمام محاكم أجنبية، معتبرا ان هذه القضية لها حساسية كبيرة لا سيما بعد مقتل العديد من المدنيين على يد الجنود الأميركيين أضف إلى ذلك فضيحة سجن أبو غريب وتعذيب السجناء العراقيين.

ويذهب الكثيرون الى أن ما حدث هزيمة كاملة لمشروع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في العراق وخطة ما يطلق عليهم المحافظون الجدد استخدام الغزو لتحويل العراق إلى دولة ديمقراطية موالية للغرب تحوي قواعد أميركية بغرض زيادة الضغوط على سورية وإيران.

والهزيمة الكبرى للمحافظين الجدد تتمثل في أن خطة بوش التي أطاحت بالرئيس السابق صدام حسين، العدو الأكبر لإيران، ساعدت على توسيع النفوذ الايراني في العراق، وأنه لم تعد لدى طهران أي مخاوف من جارتها في الوقت الحالي.

يقول تقرير نشرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأميركية خاص بنهاية المهمة الأميركية في العراق، إن رسالة العراقيين للأميركيين هي: عودوا من حيث أتيتم. ويقول التقرير إن الكثير من العراقيين يعتقدون أن وجود الأميركيين في العراق يعطي المليشيات المسلحة ذريعة لاستخدام سلاحها.

في الوقت الذي وتشائم الكثيرون من مستقبل العراق، حيث تسائل الكاتب كينيث بولاك من معهد بروكنغز هل الحرب الأهلية مكتوبة على العراق؟ ورغم ان بولاك قال إن ذلك لن يحدث بالضرورة فإنه أشار إلى أن الدلائل المتوفرة من التاريخ القريب مقلقة.

ويرى بولاك، العراقيون السنّة من جهتهم بدؤوا يفكرون بتسليح أنفسهم، والأكراد بدؤوا يعدون العدة للانفصال في حال غرق العراق في عنف ما.

وعاب الجمهوريون على إدارة الرئيس باراك أوباما الديمقراطي عدم استطاعته التوصل لاتفاق مع العراقيين لإبقاء جزء من القوات الأميركية. ويعتقد الجمهوريون أن تلك القوة لو بقيت فمن شأنها المساهمة في استقرار ذلك البلد الذي يواجه تحديات أمنية. كما يرى الجمهوريون أن إبقاء جزء من القوات الأميركية سيساهم في ردع إيران التي ما فتئت تحاول بسط نفوذها على العراق عن طريق تسليح المليشيات.

السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام قال مع كل الاحترام للرئيس أوباما، إلا أنني أختلف معه، وأعتقد أن كل ما عملناه وقاتلنا من أجله وضحينا في سبيله أصبح اليوم في مهب الريح. أتمنى أن أكون خاطئا وأن يكون الرئيس على صواب، ولكنني أعتقد أن إعلان الرئيس (سحب كامل القوات الأميركية من العراق) سوف يطلق العنان لأحداث سوف تدفع بلادنا ثمنها في المستقبل.

لكن قرار الرئيس الامريكى كان محملا بالرمزية ومتوجا فترة قاسية من التدخل العسكري الاميركي فى دول والذى بدأ بعد هجمات 11 سبتمبر. فاشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى أن القرار توج أيضا فترة رائعة من الإنجازات في مجال السياسة الخارجية للرئيس الذي يواجه ضعف اقتصادى في الداخل، اما بالنسبة لأوباما -الذي استند صعوده بشكل كبير فى البيت الأبيض على معارضته لحرب العراق - قد وفى قراره بوعد حملته الانتخابية بشأن الانسحاب من العراق، كما جاء توقيت القرار قد يساعد اوباما على اقصائه من اتهامات الجمهوريين بانه ضعيف حيال المسائل التى تتعلق بالامن القومي.

خفض الانفاق

ومن الضغوط التي تتعرض لها الإدارة الامريكية هو موضوع خفض الميزانية التي تنفقها خلال مدة وجود القوات في العراق حيث تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية خفض إنفاقها في العراق إلى حوالي خمسة عشر مليار دولار في العام المالي المقبل، أي أقل بنحو 35 مليار عن العام الجاري بسبب انسحاب قواتها من العراق.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن اعتبار الخمسة وثلاثين مليار دولار هذه توفيرا في الميزانية الأمريكية؟ الإجابة ما زالت غير واضحة. فمن المتوقع أن تنخفض ميزانية الولايات المتحدة في العراق خلال الأعوام المقبلة لتنفق فقط 5 مليارات دولار في العام، أغلبها على برامج تدريب قوات الأمن العراقية وأمن السفارة الأمريكية، كما يشرح لاري كورب وهو نائب وزير الدفاع سابقا وكان مسؤولا عن جزء كبير من ميزانية وزارة الدفاع.

ويتطلع بعض أعضاء لجنة مكلفة بتخفيض العجز إلى احتساب الأموال التي توفرها الولايات المتحدة من انسحابها من العراق، واعتبارها "توفيرا" يقلل من نسبة الأموال التي يجب أن يقتطعوها من الميزانية.

وتم تكليف لجنة مكونة من مشرعين في مجلسي النواب والشيوخ يمثلون الحزبين مكلفين باقتطاع 1.2 تريليون دولار من الميزانية لتخفيض العجز خلال العقد القادم، على أن تنتهي من عملها الشهر المقبل، لكن اللجنة تواجه صعوبات بسبب عدم اتفاق الديمقراطيين والجمهوريين على مصدر الاقتطاعات. فالديمقراطيون يريدون اعتبار الانسحاب الأمريكي من العراق وكأنه غير مُجدول، أي توفيرا كبيرا، لكن الجمهوريين يقولون إن هذه الأموال هي أموال تقترضها الولايات المتحدة أصلا بسبب العجز، وإن هذه الخطة هي بمثابة تلاعب بالأرقام.

أما برنامج تدريب القوات العراقية نفسه فيتعرض للانتقاد، حيث وصفه تقرير المفتش العام الأمريكي لاعادة اعمار العراق "بحفره بلا قاع" للأموال الأمريكية. وقال إن فقط 12% من ملايين الدولارات المخصصة للبرنامج سوف تصرف على التدريب نفسه، أما بقية الأموال فستذهب لحماية المدربين الذين يبلغ عددهم مئة وتسعين. أما الميزانية الإجمالية فمعدلها يساوي ستة ملايين دولار سنويا على كل مدرب. وقالت وزارة الداخلية العراقية مؤخرا إنها لا تحتاج إلى البرنامج، مضيفة أنه من الأفضل على الحكومة الأمريكية أن تصرفه على احتياجاتها الداخلية.

ورأى الجنرال المتقاعد مارك كيميت، الذي عمل كنائب وزير الداخلية لشؤون الشرق الاوسط ، أن "الأموال التي ستوفرها الولايات المتحدة "جيدة على المستوى التكتيكي وجيدة للجنود الذين سيعودون الى عائلاتهم في الولايات المتحدة. لكن من ناحية عملية فسيخلق الانسحاب الاميركي فجوة أمنية غير مستعدة قوات الأمن العراقية لسدها وستقوم ايران بملئها."

الحرب في العراق كلفت الولايات المتحدة 800 مليار دولار منذ عام 2003 لغاية الآن أي ثلاثة آلاف دولار في الثانية كما حسبتها صحف أمريكية، بالإضافة إلى مليارات أخرى في الرعاية المستمرة للمصابين ستضطر الحكومة إلى صرفها خلال الأعوام والعقود القادمة. أما ادارة بوش فقدرت حين بدأت الحرب أنها ستكلف 50 إلى 60 مليار دولار فقط.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/تشرين الأول/2011 - 3/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م