هل أصبح التمسّك بالخطأ فضيلة؟ السياسيون أنموذجا

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في مقتبل العمر دخلتُ في أحد المؤسسات المهنية للتدريب، وأول شيء تعلمته هو أن لا أخفي الخطأ الذي أقع فيه أثناء العمل، لأنه سيؤدي الى سلسلة من الاخطاء التي ستفضي بدورها الى خسائر فادحة، لذا علّمونا بوجوب الاعتراف الفوري بالخطأ والتصريح به الى الجهة المعنية، لمعالجته فورا، ولقطع الطريق أمام سلسلة الاخطاء التي ستنتج عنه لاحقا.

هذا الامر – الاعتراف بالخطأ- لا ينحصر في مجال العمل فقط، فالحياة مختبر لأفكارنا وأعمالنا معا، والوقوع في الخطأ الفكري أو العملي وارد جدا، ولا يشكل عيبا لمن يقع فيه، لكن العيب يكمن في الاصرار على الخطأ والدفاع عنه أو إخفاؤه، والتغاضي عنه في أفضل الاحوال، لهذا يُعدّ (الاعتراف بالخطأ فضيلة)، ويدل على شجاعة الانسان وقدرته على المواجهة والتصحيح ايضا، على العكس ممن يصر على أخطائه، ويدافع عنها على أنها صواب، أو أنه يخفيها عن الآخرين، مع علمه في قرارة نفسه بأنها ليست صحيحة، فتتضاعف الاخطاء لتصبح عقبة كبيرة ازاء التطور والتقدم والاستقرار.

بعض السياسيين في العراق، يحاولون تبرير الاخطاء في الغالب، ويدل هذا الامر  بوضوح على التمسك بالخطأ، واعتبار الاعتراف به هزيمة، وهذه الطبيعة السلوكية تنم عن فكر متطرف، يتطابق كليا مع الفردية المتسلطة، بكلمة أوضح أن مبدأ التمسك بالخطأ هو نتاج حتمي، لنهج دكتاتوري يشمل مجالات الحياة كافة، وهو نوع من ثقافة السلوك الفردية المتغطرسة والمتعالية.

لذلك تتحدد أفضليات النظام السياسي، بقدرته على إشاعة منهج الاعتراف بالخطأ، وعدم التملص منه بشتى الاساليب الذرائعية وغيرها، فلا يصح للسياسي أن يدافع عن الخطأ الذي يقع فيه، في حين نلاحظ أحيانا أن بعض السياسيين لا يكتفي بالدفاع عن أخطائه، بل يبادر للدفاع عن أخطاء غيره، إستنادا الى مبدأ الاتفاق الثنائي او المنفعي الذي يقول (شيلني وشيلك)، وفي حالة كهذه تغدو عملية تجديد البنية السلوكية الهادفة الى تحرير المجتمع غاية في الصعوبة.

لقد تابع العراقيون ما يحدث بصدد ملفات الفساد، ولاحظنا جميعا كيف يتعاون المعنيون في تبرير الاخطاء، او محاولات التملص منها، او تسويفها، بل يذهب البعض الى الدفاع عن مرتكبيها، من خلال التصريحات التي تبرّئ هذا الطرف او ذاك، لنصل في الحصيلة، الى عدم الاعتراف بالخطأ، والتمسك به، ومحاربة الافراد او الجهات التي تحاول أن تكشف الفساد ومن يقف وراءه.

هذا السلوك الخطير، ليس وليد الراهن، لأن جذوره موجودة مسبقا في المجتمع، وهو حاصل منظومة سلوك فردية متسلطة متوارَثة، لكن استمراره وتزايده لا يتسق مع طبيعة المرحلة الراهنة التي ترفع يافطة التحرر شعارا أساسيا ومبدئيا لها، لذا كان الاجدر بالمعنيين وهم السياسيين أولا، أن يحدّوا من استشراء ظاهرة التمسك بالخطأ والدفاع المتبادل بين المخطئين، سواءا كانوا افرادا او جماعات او جهات سياسية او سواها، وأن لا تعلو مصلحة الفرد او الحزب او الجهة السياسية على مصلحة الشعب والوطن في كل الاحوال، علما أن الوقوف الى جانب مرتكبي الاخطاء لن تجدي نفعا، لأنها ستنكشف عاجلا أم آجلا، وفي ظل النظام الديمقراطي التحرري، لن تضيع الحقوق، مهما تقادم الزمن، وستبقى مسألة مقاضاة الفاسدين قائمة، طالما أن العملية السياسية تسير بالاتجاه الصحيح، وحين تقوى مؤسسات الدولة، وهي في طريقها الى ذلك، فإن مرتكبي الفساد ومن يساندهم سوف يصبحون في قبضة القضاء العادل حتما.

من هنا ينتظر العراقيون من القادة السياسيين والنخب كافة، أن يعملوا معا للقضاء على ظاهرة التمسك بالخطأ والدفاع عن الفاسدين والمفسدين، وأن يتاح للمؤسسات المعنية القيام بدورها الرقابي والقضائي، في ملاحقة الخطأ أيا كان مصدره، وبهذا تتاح لنا فرصة جدية للابتعاد كليا عن الوقوع في فخ الفردية، والنظام الأحادي الذي يعتمد على تراكم الاخطاء، والتوريط الذي يؤدي بالنتيجة الى عدم القدرة على التراجع الى جادة الصواب.  

لذا لابد أن يعمل السياسيون والمعنيون عموما، أفرادا أو أحزابا أو مؤسسات، على إشاعة مبدأ الشفافية ونشره كمنهج سلوك جماعي، يعتاده الافراد وتأخذ به مؤسسات الدولة بشقيها الرسمي وسواه، وهذا ما يتسق تماما مع الشعار التحرري الذي يطبع المرحلة الراهنة من حياة العراقيين، حيث أخذت مفردات ومصطلحات مثل الشفافية والنزاهة والديمقراطية والانتخابات تتردد بين الجميع، وهي علامات تشي بإرهاصات سياسية سلوكية في طريقها الى التبلور والتطور المتواصل، لكي تصبح قضية مكافحة الفساد ورفض التمسك بالخطأ، محط اهتمام الجميع، وأولهم القادة السياسيين الذين أخذوا على عاتقهم بملء ارداتهم، التصدي لهذه المرحلة التي تعد  حاسمة في تأريخ العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/تشرين الأول/2011 - 2/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م