
شبكة النبأ: بدا الربيع العربي الذي
اسقط العديد من الديكتاتوريات القديمة في شمال أفريقيا، ولا يزال يعيش
مخاض طويلا في بعض دول الخليج العربي، بدا اتجاهه يوما بعد يوم الى
تحقيق نصر تكسب ثماره الجماعات الإسلامية بشكل مباشر ومحدد.
ففوز الإسلاميين في تونس بأول حكومة منتخبة بعد الإطاحة بنظام بن
علي مؤشرا واضح المعالم قد يستشرف مستقبل الدول الأخرى المنتفضة، ويزيد
من حجم المخاوف الملموسة لدى الجماعات العلمانية التي كان لها الفضل
باندلاع ونجاح الثورات العربية.
حيث أثار فوز حركة النهضة الإسلامية في تونس بأغلبية مقاعد المجلس
التأسيسي امتعاض الكثير من شرائح المجتمع، خشية كما ينقل عنهم بتغيير
الجماعات الاسلامية لهوية البلاد العلمانية.
أول حكومة إسلامية في تونس
فقد أعلن حمادي الجبالي أمين عام «حركة النهضة» الاسلامية التي فازت
بأغلب مقاعد المجلس الوطني التأسيسي التونسي، ان الحركة رشحته لتولي
رئاسة الحكومة التي سيشكلها المجلس خلال الأيام المقبلة.
وقال الجبالي «62 عاما» في تصريحات لاذاعة «اكسبرس اف.ام» التونسية
الخاصة، ان الحركة «قررت منح نصف المقاعد التي حصلت عليها في المجلس
التأسيسي الى نساء ناشطات في الحركة محجبات وغير محجبات». وأضاف ان «النهضة»
سترشح منصف المررزقي «66 عاما» أمين عام حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»
ومصطفى بن جعفر «71 عاما» أمين عام حزب «التكتل الديموقراطي من أجل
العمل والحريات»- يساريان معتدلان- لرئاسة الجمهورية.
ولم يستبعد الجبالي ان ترشح الحركة أيضا الباجي قايد السبسي «85
عاما» رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية الحالية لمنصب رئيس
الجمهورية خلفا للرئيس المؤقت فؤاد المبزع.
وأظهرت نتائج أولية للانتخابات تقدم «النهضة» يليها حزب «المؤتمر من
أجل الجمهورية» ثم «التكتل من أجل العمل والحريات» و«العريضة الشعبية
للعدالة والحرية والتنمية».
ويعتبر حمادي الجبالي ثاني أهم قيادي في حركة النهضة-بعد راشد
الغنوشي رئيس الحركة- ويصفه مراقبون بأنه «اسلامي معتدل». عمل الجبالي-
وهو مهندس متخصص في الطاقات المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح)-
مديرا لجريدة «الفجر» الناطقة باسم حركة النهضة.
قضى الجبالي 16 عاما في السجن منها 10 سنوات في حبس انفرادي من أجل
انتمائه الى حركة النهضة. وقد خرج من السجن سنة 2006 بموجب عفو رئاسي
من بن علي.
وتقول حركة النهضة انها تريد ان تطبق في تونس نموذج الحكم التركي
الذي يراوح بين الأصالة الاسلامية والحداثة الغربية. بحسب الوكالة
الالمانية للانباء.
ونقلت وكالة تونس افريقيا للانباء عن حمادي الجبالي الامين العام
لحركة النهضة قوله ان القطاع السياحي يعد من «المكتسبات التي لا مجال
للمساس بها... هل من المعقول ان نصيب قطاعا حيويا مثل السياحة بالشلل
بمنع الخمور وارتداء لباس البحر وغيرها من الممارسات.. هي حريات شخصية
مكفولة للاجانب وللتونسيين أنفسهم». وأضاف «لن يتم تعميم المصارف
الاسلامية والغاء النظام المصرفي الذي تعمل به تونس ولا تحديد نشاط
رجال الاعمال بل دعمهم بجلب الاستثمارات العربية والاجنبية».
من جانبه قال راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الاسلامي ان «التعريب
اساسي» وانه «ضد التلوث اللغوي» على الرغم من تشجيعه على تعلم اللغات
الاخرى. واوضح في تصريحات لاذاعة «اكسبرس اف ام» التونسية «التعريب
اساسي ونحن عرب» مضيفا «اصبحنا نصف عربي نصف فرنسي (فرانكو اراب) هذا
تلوث لغوي» مضيفا مع ذلك «نحن نشجع تعلم اللغات خصوصا اكثرها حيوية دون
ان نفقد هويتنا».
وبعد ان اشار الى «حرص الفرنسيين الكبير على لغتهم» مثلا، قال
الغنوشي ان «من لا يعتز بلغته لا يعتز بوطنيته، ينبغي ان يدرس ملف
التعليم وطنيا لان عناصر الهوية الوطنية ليست شأن طرف واحد».
على الصعيد ذاته عبر منصف المرزوقي زعيم حزب المؤتمر من اجل
الجمهورية الذي تشير نتائج غير نهائية في انتخابات الاحد في تونس الى
حصوله على المرتبة الثانية بعد حزب النهضة عن «فخره»، مؤكدا في الآن
نفسه ان النهضة «ليست الشيطان» حتى يتم تحاشي التعامل معها.
واكد المرزوقي ردا على سؤال «النهضة ليست الشيطان (..) ولا يجب
اعتبارهم طالبان تونس، انهم فصيل معتدل من الاسلاميين». وخلال الحملة
الانتخابية اتهم المرزوقي من قبل خصومه بالتحالف مع «الشيطان».
غير ان حزب المؤتمر من اجل الجهورية نفى اي تحالف مع النهضة قبل
الانتخابات. واضاف المرزوقي «ان الخطوط الحمر هي الحريات العامة وحقوق
الانسان وحقوق المراة والطفل وهذه لا يمكن ان تكون موضع مساومة».
قلق نساء
في حين قاد مئات التونسيين سياراتهم في شوارع العاصمة وأطلقوا
نفيرها ملوحين بالاوشحة احتفالا بانتصار حركة النهضة الاسلامية في
الانتخابات لم يكن هناك الكثير من الابتهاج في حي النصر. ويمثل هذا
الحي بمتاجره الانيقة ومقاهيه الفاخرة معقلا لقطاع من المجتمع التونسي
يشعر بالتهميش بل ويخشى نتيجة الانتخابات قليلا.
ويعيش في المناطق المشابهة لحي النصر أفراد من الطبقة المتوسطة
ونساء عاملات انتهجن نمطا للحياة أقرب لاوروبا منه للعالم العربي.
والان يشعرن بالقلق من أن يتغير كل هذا.
وقالت ريم (25 عاما) وهي طبيبة تحت التمرين كانت تجلس في مطعم
للوجبات السريعة في حي النصر "نخشى أن يحدوا من حرياتنا. يقولون انهم
لن يفعلوا هذا لكن من الممكن أن يجروا التغييرات بعد فترة خطوة بخطوة.
ربما يعود تعدد الزوجات. يقولون انهم يريدون أن يكونوا مثل تركيا لكن
قد نصبح مثل ايران. لا تنسوا فهذا كان مجتمعا منفتحا جدا ايضا." ولا
تمثل هذه الفئة السواد الاعظم من النساء في المجتمع التونسي.
وليست أغلبية النساء في هذه المستعمرة الفرنسية السابقة على نفس
المستوى المادي الميسور وهن محافظات يرتدين الحجاب وعلى عكس النساء
الارقى اجتماعيا يفضلن الحديث بالعربية على الفرنسية.
لكن النساء العلمانيات اللاتي ينتمين للطبقة المتوسطة يقمن بدور هام
في رخاء تونس لان هذه الطبقة توفر تقليديا المحاميات والمصرفيات
ومسؤولي التسويق والعقول المبدعة. ولا يثق الكثير منهن في تطمينات زعيم
حركة النهضة راشد الغنوشي. ويقول الغنوشي انه سيستلهم نموذج حزب
العدالة والتنمية الحاكم المعتدل في تركيا ولن يفرض المباديء الاسلامية
على أحد وسيحترم حقوق المرأة.
وتقول نادية خميري (39 عاما) التي كانت مسؤولة للعلاقات العامة
وأصبحت الان ربة منزل انها ليست قلقة من الغنوشي بل من الرسالة التي
سيبعث بها فوزه الى الشارع.
وقبل الانتخابات ببضعة ايام كانت خميري توزع منشورات مؤيدة لحزب
منافس بصحبة ناشطات أخريات.
واستعادت خميري في مقابلة جرت معها يوم الثلاثاء ما حدث لها وقالت "بعض
الرجال نظروا الينا وقالوا 'استمروا فيما تفعلونه فهو لن يدوم طويلا
ستمكثن في المنزل عما قريب'." وأضافت "رأينا وقائع تبرر مخاوفنا من
تجاوزات أشخاص معينين سيشعرون الان بأنهم أصبحوا أقوى وأنهم يستطيعون
أن يفعلوا ما يحلو لهم دون محاسبة." وقالت انها رأت رجالا محافظين
يسألون نساء "لماذا تدخن.." و"لماذا ترتدين الجينز الضيق.." وذكرت أنها
تخشى أن تصبح هذه التعليقات اكثر شيوعا.
وتقول منى (28 عاما) وتعمل في مخبز (لو كونتيننتال) بحي النصر ان
رجلا جاء الى المخبز وقال لها "يجب أن تمكثي في المنزل." وليست هذه
السلوكيات غريبة على العالم العربي وحتى على أجزاء كبيرة من تونس.
لكن على مدى عقود قبل أن تطيح ثورة يناير بالرئيس زين العابدين بن
علي كانت النساء مثل نادية ومنى بمعزل عن هذه التصرفات والتعليقات بسبب
النظام العلماني الصارم. وفي الليل بالعاصمة وخاصة في وسط المدينة
والاحياء الراقية مثل النصر والمرسى تجلس مجموعات من الشابات على
المقاهي في الشارع ويدخن.
والمشروبات الكحولية متوفرة. وتركب مراهقات الدراجات النارية وراء
الشبان. ويرتدي الكثير من النساء التنورات القصيرة او الجينز والقمصان
القطنية. ونادرا ما يشاهد الحجاب في هذه الاحياء.
ويعني فوز حركة النهضة أن تونس ستكون لها قيادة تشارك أغلبية السكان
القيم والهوية الاسلامية.
وفي كل الاحوال فان جميع النساء العاملات اللاتي ينتمين للطبقة
المتوسطة يرفضن هذا. ومن بين أبرز مرشحي حركة النهضة سعاد عبد الرحيم
وهي سيدة أعمال لا ترتدي الحجاب. لكن الكثير من العلمانيات يخشين
حرمانهن تدريجيا من أشياء تشعرهن بالمساواة والاحترام.
وقالت امرأة أخرى طلبت عدم نشر اسمها "انهم رجال لا ينظرون لك في
عينيك ويتحدثون مع الزوج وليس معك... لي ابنة وأنا قلقة عليها." وقالت
خميري انها صدمت حين رأت طابورا للنساء واخر للرجال في مراكز الاقتراع
بمناطق تتسم فيها حركة النهضة بالقوة. وأضافت "في بعض المناطق التي
تسكنها الطبقة العاملة حين تذهب لسداد فواتير الغاز او الكهرباء يأتي
رجال مع زوجاتهم ويحاولون فرض طوابير منفصلة." وأضافت "كانت لي حرية
الاختيار في أن أصبح ربة منزل بعد أن عملت لفترة طويلة وأريد الحفاظ
على تلك الحرية."
وحين سئلت عما قد يحمله المستقبل في طياته قالت ان مشاعرها مختلطة.
وأضافت "من ناحية أقول لنفسي ان حركة النهضة وان كانت في الاساس
اسلامية... فانها ستحافظ على موقفها المعتدل."
لكنها في أحيان أخرى تفكر في الثورة الاسلامية في ايران والجزائر
جارة تونس حيث فرض الاسلاميون على النساء في التسعينات ارتداء ملابس
معينة وكان ذلك أحيانا يحدث بالقوة. وأضافت "الفكرة الثانية التي تخطر
لي او الشعور الثاني هو لماذا لا يعيد التاريخ نفسه.. الا يمكن ان تمر
تونس بنفس الاحداث التي وقعت في ايران او الجزائر.."
كسر الصورة النمطية للمرأة
في السياق ذاته شعر الناخبون في العاصمة التونسية ببعض الحيرة عندما
قامت مرشحة غير محجبة عن حزب النهضة الاسلامي بجولة على الاقدام
للترويج للحزب وحشد الدعم له قبل الانتخابات.
بدت المرشحة سعاد عبد الرحيم بشعرها المصبوغ والقبعة الرياضية
البيضاء الحديثة التي ترتديها والنظارة السوداء بعيدة عن الصورة
النمطية لمرشحي الحزب الذي أثار ظهوره على الساحة بعد الثورة التونسية
التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي قلق العلمانيين في تونس
والحلفاء الغربيين. وقالت سعاد لامرأة في الشارع وقد تجمع حولها عدد من
المتطوعين في الحملة الانتخابية لحزب النهضة ان الحزب يخوض الانتخابات
وانه يرشح نفسه في هذا الحي.
وبدت سهام وهي ناخبة تونسية مذهولة لكنها عبرت عن مخاوفها مما قد
سيؤول اليه حال البلاد اذا حكم حزب النهضة الاسلامي تونس. وسحبت سعاد
منشورا يشرح برنامج حزب النهضة. ويعد الحزب في برنامجه بضمان المساواة
بين الجنسين وحرية المرأة في العمل والتعليم وارتداء ما تريد من ملابس
وغيرها من المكاسب العلمانية التي تقول سعاد انها جعلت تونس بعد
الاستقلال ولعقود بعيدة عن العالمين العربي والاسلامي.
وقالت سهام في وقت لاحق انها ستقرأ المنشور وتكون رأيها لكن ليست
لديها مخاوف الان. وأضافت أنه طالما ان المرشحة غير محجبة وتتحدث عن
برنامج حزب النهضة فيمكن للجميع أن يقفوا جنبا الى جنب ويصوتوا للحزب.
وترشيح نساء مثل سعاد على قائمة حزب النهضة من بين هذه المحاولات.
وأحجمت سعاد عن الحديث مباشرة الى وسائل الاعلام. وقالت اسيا وهي
متطوعة للعمل في الحملة الانتخابية لحزب النهضة ان الرئيس التونسي
السابق خلق حالة رهاب من حزب النهضة وشكل عند الناس فكرة سلبية للغاية
عنه. وأضافت أن الحزب يريد شرح برنامجه وأيديولوجيته للناس وأن المجتمع
سوف يتقبله.
وجنا الاضطهاد الذي تعرض له الاسلاميون في تونس أيام حكم بن علي
ثماره الان في صناديق الاقتراع. وكان بن علي قد حظر حزب النهضة وأجبر
الغنوشي على ان يعيش في المنفى كما أجبر العديد من السياسيين اليساريين
على ترك البلاد أو زج بهم في السجن.
وقال شاب تونسي لم يذكر اسمه "كل السياسيين لصوص لكن على الاقل اذا
سرق حزب النهضة فانه سيسرق القليل لا كل شيء." ولم يعتد الناخبون
التونسيون على الحملات الانتخابية في الشوارع وواجه مرشحون عن كل
الاحزاب الرئيسية شكوكا حول ماذا سيحدث بمجرد وصول الحكام الجدد للبلاد
الى السلطة.
ومن جهة أخرى يخشى بعض الاسلاميين أن يتمادى الغنوشي في تهدئة مخاوف
العلمانيين والغرب.
وقال رجل ملتح للمرشحة سعاد ان الناس تريد أن تكون مرشحتهم محجبة
فردت سعاد ان حزب النهضة يقول ان المرشحة يمكن أن تكون محجبة أو غير
محجبة وانه يرى أن التونسيات أحرار في ارتداء ما يردن. |