الربيع العربي هل ينفع بغياب الأخلاق؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: منذ شرارة بو عزيزي التونسية والعرب، بل الشرق الاوسط برمته، يعيش ربيع الانتفاضات التي تطالب بالحريات وإسقاط الانظمة السياسية التي أكل الدهر عليها وشرب، وفعلا تم قطاف بعض ثمار هذه الانتفاضات الشعبية، وأُسقطت ثلاث عروش دكتاتورية في تونس ومصر وليبيا، والقادم كثير، كما تشير الوقائع الساخنة على الارض التي لاتزال تفور تحت اقدام العروش الفردية.

إذن هو ربيع مزدهر بالتغييرات السياسية الكبيرة، لدرجة ان الكثير من الخبراء والسياسيين المعنيين، أطلقوا على هذه المرحلة وما حدث ويحدث فيها من تحولات جوهرية بـ (اللحظة المحورية) في تأريخ الشرق الاوسط، وهي فعلا تستحق مثل هذا التوصيف وأكثر، فقد أزيحت أنظمة لم يكن الناس يتوقعون سقوطها حتى في الخيال، ولكنها بفعل الربيع الاحتجاجي سقطت، وذهب رؤساؤها الى غير رجعة.

ولكن في الوقت نفسه، أفرزت هذه الانتفاضات سلوكيات قد لا ترقى الى وصفها بالربيع أو اللحظة المحورية، وجل هذه السلوكيات تتمحور حول ضعف الجانب الاخلاقي، إذ ما فائدة أن تثور وتغير الطغيان، ولكنك في الوقت نفسه تفتقر للتعامل الاخلاقي الذي يدل على وعي المرحلة، والتحول نحو ضفاف التحرر والديمقراطية، بدلا من سياسة القتل والثأرية والتطرف المنفلت.

إن الثورات الصحيحة هي التي تقوم على أسس واضحة وبنّاءة، ولعل أهم هذه الأسس أخلاقيات التغيير، إذ لا فائدة من تغيير الوجوه فحسب، لأننا كما تشير جميع الدلائل نحتاج الى تغيير النفوس والاخلاقيات اولا، وبهذا نحن نحتاج الى ربيع أخلاقي محايث للربيع الثوري، ولا فائدة على الاطلاق من ربيعنا السياسي الحالي في ظل غياب منظومة سلوكية اخلاقية، تساعد على تغيير السلوكيات والافكار معا، لتنشر مناهج التسامح والتعايش والتداول السلمي للسلطة، وسوى ذلك من الملامح والمواصفات التي تليق بالمرحلة الراهنة.

فمثلما خرجنا من شتاء السياسة القارس، متمثلا بالقمع والفردية والطغيان، فإننا نحتاج بقوة الى الخروج من شتاء القسوة والعنف بكل أشكاله، وحينما نصف ما يحدث بالربيع الثوري، فحري بأن يعكس هذا الربيع أخلاقيات وسلوكيات جديدة انسانية تتسق مع إنسانية ما حدث في ظل الانتفاضات الشعبية، لا أن نبقى قساة جفاة في سلوكنا وأفكارنا، وهذا ما انعكس في كثير مما افرزته الاحتجاجات لاسيما بعد سقوط الانظمة في مصر وتونس وليبيا، وكي نكون اكثر وضوحا، لابد أن نعترض على الوحشية التي عومل بها بعض المواطنين، ممن يُشك في تعاونهم مع الانظمة السابقة، ولابد أن نحتكم الى القانون جميعا، والقضاء العادل، لأن قيمة الانسان وكرامته خط احمر، اذا تجاوزه الطغاة والانظمة السابقة، فلا يصح أن يتجاوزه المنتفضون أو القادة الجدد، لهذا نحن بأشد الحاجة الى ربيع أخلاقي يرادف الربيع الثوري، ويسانده كي نتأكد فعلا بأننا دخلنا فعلا في مرحلة التحرر الحقيقي.

لذا من الاهمية بمكان أن تسود بين افراد وشرائح المجتمعات المنتفضة وسواها، شبكة من العلاقات مختلفة عن تلك التي كانت سائدة ابان الانظمة المزاحة، وإلا ما الفائدة من تغيير النظام السياسي والابقاء على السلوكيات القديمة، متمثلة بالاقصاء والمحاصرة والتهميش وما شابه، فكلنا نعلم أن هذه السبل المرفوضة كانت تُستخدم من لدن الانظمة المطاح بها، واذا بقيت قائمة في التعامل مع الآخرين، هذا يعني أننا غيرنا وجوه الطغاة بوجوه أخرى، وكأننا نريد أن نضيّع الفرصة التأريخية المتاحة لنا الآن في تحقيق قفزة تحررية كبرى.

إن المسؤولية في صنع ربيع اخلاقي محايث للربيع الثوري، تقع اولا على الحكومات الجديدة وعلى النخب كافة، ولا يُستثنى احد من ذلك، أما أن ننشغل بنشوة الانتصار على الطغيان، وننسى ما يحدث في الخفاء او العلن من سلوكيات مرفوضة، فهذا يعني خسارة مؤكدة لفرصة الدخول الأكيد للحرية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/تشرين الأول/2011 - 1/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م