الاقتصاد المفترس

محمد سيف الدولة

على طريقة الربيع العربي، خرج آلاف المتظاهرين في العالم وانتفضت شعوب الغرب ضد أغنياءها.

خرجت تحتل الميادين والشوارع الرئيسية في عشرات المدن على امتداد أمريكا وبريطانيا وايطاليا واسبانيا واليونان واستراليا وغيرها.

خرجوا يطالبون بالعدل والحياة الكريمة، والقضاء على البطالة والفقر والقهر الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، يرفضون ديمقراطية الاغنياء، ديمقراطية الـ 1%، ويطالبون بديمقراطية لكل الناس.

* * *

سبحان الله

يثورون ضد الفقر، ويطالبون بعدالة توزيع الثروة، وهم من هم.

هل تعلمون ان بلادهم تمتلك 80% من الناتج العالمي رغم ان تعدادهم لا يتعدى 20% من سكان العالم، مقابل ان افقر 20% من سكان العالم لا يتعدى نصيبهم 1,2% من الناتج العالمي، وان متوسط الدخل السنوي في الولايات المتحدة 48 الف دولار بما يعادل 24 الف جنيه مصري في الشهر.

مقابل 1800 دولار متوسط نصيب الفرد في مصر بما يعادل 900 جنيه مصري شهريا، بينما يبلغ متوسط الدخل السنوي لأفقر 10% من السكان في امريكا 10500 دولار بما يعادل 5250 جنيه مصري شهريا.

* * *

و بالطبع لا يعود مصدر هذه الفروق الهائلة في الدخل الى تفوق وعبقرية الجنس الابيض على باقي خلق الله وانما يعود الى عصور وقرون طويلة من النهب المنظم واستعبادهم لكل أمم وشعوب العالم

***

ولكن رغم ذلك خرجت شعوبهم المنتعشة اقتصاديا وماليا، لتغضب وتتمرد على الظلم في توزيع الثروات المنهوبة منا، فهي لا ترضى بنصيبها، بعد أن استأثر عدد محدود فقط بغالبية المسروقات.

ففي امريكا يمتلك 1% من رجال الأعمال 36.4% من الثروة و19% آخرين يمتلكون50% منها.

بينما يتبقى لـ 80% من الشعب الامريكي 15% فقط من الثروة، ليتقاسموها ويتشاركون فيها او يتصارعوا عليها وكل وشطارته.

وهي نسب تذكرنا بقسوة الظلم الاقتصادي والاجتماعي في مصر، فهناك تشابه مثير بين نسب توزيع الثروات في كل مصر وامريكا، رغم فارق الدخول الهائل بيننا وبينهم.

والسر في ذلك يرجع الى تلك العقيدة المقدسة التي يسمونها اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر الذي لا يعدو ان يكون هو النسخة الحديثة من قانون الغاب التي تسود فيها الكائنات الاقدر على القتل والافتراس.

فالبقاء للأقوى

والأرباح للأغنى

والدخول العالية للصفوة

ومزيد من الثروات للأثرياء فقط

وليذهب الآخرون الى الجحيم

وعلى الدولة والنظام الحاكم ان يعملا بكل جدية وكل قسوة على حماية هذا الافتراس الحر المنظم للثروة والشعب.

***

هذا هو النظام الذي أسسه الفرنجة في بلادهم منذ ثلاثة قرون، ونقلوه قسرا و إجبارا الى كل شعوب العالم عن طريق الاستعمار.

وفي مصر جاءونا به في أسوأ صوره في منتصف السبعينات مع ما يسمى بالانفتاح الاقتصادي، وأخذ ينمو ويتوحش بأوامر الولايات المتحدة الأمريكية وصندوق النقد والبنك الدوليين والذي اسفر عن نتائج كارثية:

فاصبح 160 ألف رجل أعمال يملكون 40% من ثروة مصر وفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2007، ويحصلون على 70% من الناتج المحلي السنوي مقابل 30% للعاملين بكافة تصنيفاتهم.

بينما يعيش أكثر من 36 مليون مصري بأقل من 360 جنيه في الشهر، وبلغت أعداد العاطلين حوالي 2,5 مليون مواطن وفقا للتقديرات الرسمية، في حين يقدرها بعض الخبراء بـ 8 مليون عاطل.

وتضاءلت القوة الشرائية للجنيه أربعة مرات منذ عام 1980 حين كان الدولار يساوي 1,43 جنيه، الى ان أصبح يساوي الآن 6 جنيه.

وتضاعفت ديوننا الخارجية اكثر 20 مرة، فقفزت من 1,7مليار دولار عام 1970 الى 19,1 مليار دولار عام 1980 الى 34,7 مليار دولار عام 2010.

هذا بالإضافة الى الديون الداخلية التي قفزت من 11 مليار جنيه عام 1980الى 888 مليار جنيه حتى عام 2010.

وغيرها الكثير

***

ورغم كل ذلك

ورغم قيام ثورة يناير

الا أن كل حكامنا بعد الثورة بكل حكوماتهم الانتقالية ووزراء ماليتهم المتعاقبين يكررون ويؤكدون ويقسمون كل يوم على انه لا مساس بالاقتصاد الحر، ولا مساس برجال الاعمال، ولا مساس بالاستثمارات والمصالح الأجنبية، ولا مساس بجرائم الافتراس الحر المنظم لشعب مصر وثرواته.

فعن اي ثورة يتحدثون.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/تشرين الأول/2011 - 29/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م