التنين الصيني والعملاق الأمريكي... سلام مريب أم صدام قريب؟

 

شبكة النبأ: تنامت القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية للصين بصورة مذهلة وسريعة، اثر انطلاق الثورة الصناعية والإنتاجية والتي شهدها هذا البلد الاشتراكي العملاق في العقود القليلة الماضية، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية "بصفتها الدولة رقم واحد" وجعلها تنظر إلى الصين كمنافس حقيقي يضر مصالحها الإقليمية والدولية ويهدد الكثير من سياساتها المتبعة، مما أدى إلى زيادة حدة التوتر في العلاقات المتبادلة بين البلدين، ومحاولة كل طرف الإيقاع بالأخر والتسابق في مختلف الميادين من اجل الحصول على المزيد من النقاط التي تؤهله للتفوق على خصمه.

القوات البحرية في الطليعة

حيث تلعب البحرية الصينية دورا مهما في تحول هذا البلد الى قوة عسكرية عالمية، وذلك بتجارب اجرتها مؤخرا على اول حاملة طائرات تابعة لها ما يبرز حجم التطلعات البحرية لبكين، وقد اصبحت الصين اكثر انطلاقا وتأكيدا لقدراتها في أعالى البحار، وأثارت اول رحلة لحاملة الطائرات الشهر الماضي مخاوف في الولايات المتحدة واليابان اللتين اشارتا الى ان هذا التحرك سيترك "تأثيرا كبيرا" على المنطقة، ويعد جيش التحرير الشعبي، وهو الاسم الرسمي للجيش الصيني، اكبر قوات مسلحة في العالم، غير انه بالاساس قوة برية، غير ان البحرية الصينية بدأت تلعب دورا متزايدا مع تأكيد الصين على احقيتها في مياه متنازع عليها في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي، وفي زيارة نادرة على متن فرقاطة الصواريخ انكينغ بقاعدة الاسطول الشرقي في نينغبو جنوبي شنغهاي، اصطحبت مجموعة من الضباط الصحافيين بينما اطل الجنود بأنظار جامدة، ولم يدل الضباط بالكثير من المعلومات وبدا ان السفينة الحربية اشبه بمتحف، وقال الكابتن واي هوا رئيس اركان قاعدة شنغهاي البحرية للزائرين من الصحافيين "يتعين على الصين بصفتها عضو دائم في مجلس الامن الدولي الاضطلاع بمسؤولية اكبر في شؤون العالم"، وتابع "لدينا سواحل تمتد 18 الف كيلومتر فضلا عن نطاق بحري يربو على ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، ومن ثم فمن الاهمية البالغة بناء بحرية قوية لحماية البلاد ومصالحها"، وتحظى تايوان التي تحكم نفسها بنفسها منذ نهايةالحرب الاهلية عام 1949 وتعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من اراضيها، بأهمية كبيرة في الاستراتيجية الدفاعية لبكين، غير انها ليست مصلحتها الوحيدة. بحسب فرانس برس.

فالصين تقول ان مساحات واسعة من بحر الصين الجنوبي تابعة لها وهو الامر الذي يرفضه جيرانها الاصغر، كما تعمد بكين لتأمين طرق إمداد وموارد جديدة للمواد الخام لتكون وقودا لاقتصادها المزدهر، ويقول احد خبراء الدفاع الدولي "تنوي بكين اخضاع بحر الصين (الجنوبي)، الذي تعتبره ساحتها الخلفية، بالكامل لنطاق نفوذها"، ومنذ عام 2007 تشغل البحرية مقعدا دائما في اللجنة العسكرية المركزية، وهي السلطة العسكرية العليا النافذة بالصين وذلك بناء على طلب من الرئيس هو جينتاو، والان بدأت البحرية تطل بنظرها لابعد من ذلك  فهي تشارك بالفعل في مكافحة القراصنة الصوماليين في المحيط الهندي، ويقول واي "كما تتطور الصين كبلد تتطور كذلك بحريتها"، ويفرض الجيش الشعبي الذي يبلغ عدد قواته 2،3 مليون جندي سرية مطلقة على برامجه الدفاعية، والتي تستفيد بموازنة عسكرية متضخمة يعززها النمو الاقتصادي الكبير للبلاد، وقد حذر البنتاغون الاميركي مؤخراً في تقرير سنوي امام الكونغرس حول القدرات العسكرية الصينية من تركيز الصين بشكل متزايد على قواتها البحرية مشيرا الى ان بكين استثمرت في اسلحة عالية التقنية تزيد مداها في المحيط الهادي وما يتجاوزه، وبحسب تقرير البنتاغون فقد زادت الصين جهودها لانتاج الصواريخ المضادة للسفن التي بإمكانها ضرب حاملات طائرات وحسنت من قدرات الرصد الرادارية ووسعت اسطولها من الغواصات التي تدار بالطاقة النووية ومن السفن الحربية وخطت خطوات واسعة في مجال تقنية الاقمار الصناعية والحرب الالكترونية، ويقول آرثر دينغ الخبير في شؤون الجيش الشعبي الصيني ان حيازة حاملة طائرات مسألة اعتبارية هامة بالنسبة للصين.

ويضيف "مع اتصاع مصالح الصين دوليا، ستحتاج البحرية الصينية لتوسيع مدى حركتها دون الارتباط بالسواحل الصينية، ومن ثم يلزم وجود حاملة طائرات"، وكانت التجارب البحرية الاولى لحاملة الطائرات السوفييتية السابقة، التي اشترتها الصين في التسعينات من اوكرانيا ثم اعادت ترميمها وتسليحها بالكامل في الصين، قد اعتبرت مؤشرا على تطلعات بكين، ولكن بالسؤال عن الحاملة، ابقى الجيش الصيني على السرية ازاء الدور المقصود من ورائه، فقد قال الكابتن واي ان الحاملة "يمكنها لعب دور في الكوارث في الصين او في البلدان المجاورة، مثلما فعلت الولايات المتحدة بعد الزلزال الذي ضرب اليابان" في اذار/مارس، وتابع قائلا "انه تحرك منطقي، فالعديد من البلدان لديها حاملات طائرات، كالهند، هذا البرنامج غير موجه ضد احد"، وقد قلل احد الخبراء من التهديد المحتمل، اذ قال ان حاملة الطائرات "ربما كانت منصة تدريب بسيطة، وسيستغرق الامر سنوات قبل ان يكون لدى الصينيين طاقم حاملة قتالية فاعل".

الصين وذريعة التيبت

على صعيد مختلف اعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ان الصين ترفض استخدام التيبت للتدخل في شؤونها الداخلية وذلك ردا على دعوة الولايات المتحدة الصين الى احترام حقوق التيبيتيين، وقال المتحدث الذي سئل عن بيان وزارة الخارجية الاميركية، "نعارض ان يستخدم اي بلد او اي شخص المسائل المتصلة بالتيبت للتدخل في الشؤون الداخلية للصين وتقويض استقرارها الاجتماعي ووحدتها الاتنية"، واكد هونغ لي ان "الحكومة الصينية تحمي الحقوق الشرعية للاقليات الدينية ومصالحها"، واعربت وزارة الخارجية الاميركية في بيان عن "قلقها العميق" بعد حرق راهبين نفسيهما في دير كيرتي باقليم سيشوان (جنوب غرب)، ودعت وزارة الخارجية ايضا الصين الى السماح للصحافيين والدبلوماسيين بمراقبة الوضع في اقليم سيشوان حيث يتهم التيبيتيون بكين بممارسة القمع.وقال البيان "في ضوء الشكاوى المتواصلة التي يعبر عنها شعب التيبت في الصين، ندعو مجددا المسؤولين الصينيين الى احترام حقوق التيبيتيين" والعودة عن "السياسات التي خلقت توترات في مناطق التيبت وحماية الهوية الدينية والثقافية واللغوية للتيبيتيين"، وقد حاول اثنان من رهبان اقليم سيشوان الذي تسكنه اكثرية من التيبتيين والمجاور لمنطقة التيبت التي تتمتع بحكم ذاتي، حرق نفسيهما في دير كيرتي، وقد تمكنت الشرطة من انقاذهما، كما ذكرت وكالة انباء الصين الجديدة، وقال بيان لمنظمة "فري تيبت" غير الحكومية ومقرها لندن ان الراهبين هتفا "يعيش الدالاي لاما" قبل ان يحاولا احراق نفسيهم، ووقعت اضطرابات في دير كيرتي في الربيع بعدما حرق راهب شاب نفسه في 16 اذار/مارس في ذكرى اندلاع الاضطرابات ضد الصين في لاسا في 2008، ولا تزال الصين التي تؤكد انها "حررت سلميا" التيبت في 1951 تحكم سيطرتها على هذه المنطقة وعلى الاقاليم المتاخمة التي يسكنها تيبيتيون منذ اضطرابات 2008. بحسب فرانس برس.

العودة عن قرار التحديث

بدوره طلب وزير الخارجية الصيني يانغ جيشي الاثنين من الولايات المتحدة العودة عن قرارها تحديث طائرات اف-16 التايوانية وذلك اثناء لقاء مع نظيرته هيلاري كلينتون، كما افاد مسؤول اميركي، واعلن هذا المسؤول رافضا كشف هويته ان يانغ عبر عن "احتجاجات شديدة" بشان هذا القرار وطلب من "ادارة اوباما العودة" عنه، وابلغ البنتاغون الكونغرس بموافقته على تحديث حوالى 146 طائرة اف-16 لسلاح الجو التايواني على ان يشمل ذلك تجهيزات جديدة ودعما لوجستيا وتدريب، واثار الاعلان عن هذا الاتفاق موجة غضب في بكين حيث استدعي السفير الاميركي الى وزارة الخارجية الصينية، واعتبرت الصين ان الاتفاق "سيقوض العلاقات الثنائية" بين واشنطن وبكين، وكان يانغ دعا الاميركيين على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة للعودة عن قرارهم، بينما اعربت وزارة الدفاع الصينية عن "سخطها الشديد" و"دانت بقوة هذا التدخل الخطير في الشؤون الداخلية للصين والذي ينتهك السيادة والامن القوميين"، من جهتهم، انتقد عدد من النواب الاميركيين ايضا هذا الاتفاق، معتبرين انه كان اجدى للولايات المتحدة ان تبيع تايوان طائرات اف-16 جديدة، وان ادارة اوباما تراجعت امام الصين. بحسب فرانس برس.

عقوبات على المصارف الصينية

فيما صرح مبعوث اميركي في بكين ان بلاده قد تفرض عقوبات على المصارف الصينية الاربعة الكبرى في حال تعاملت مع شركة تامين ايرانية في خرق للعقوبات الاميركية على الجمهورية الاسلامية، وادلى مساعد وزير الخزانة الاميركي المكلف شؤون الارهاب والاستخبارات الاقتصادية ديفيد كوهين بهذه التصريحات اثناء زيارة للصين ترمي الى منع ايران من الحصول على تمويل لبرنامجها النووي، وقبل التوجه الى العاصمة الصينية توقف كوهين في هونغ كونغ حيث التقى ممثلين عن بنك الصين وبنك الصين للاعمار والبنك الصناعي والتجاري في الصين والبنك الزراعي في الصين، وقال كوهين لصحافيين في بكين ان "اي بنك اجنبي يتلقى اموالا (من شركة التامين الايرانية) "معلم" لصالح زبون، يجازف بفقدان قدرته على القيام باعمال في الولايات المتحدة" عملا بقانون اميركي صدر في 2010 ويعزز العقوبات على ايران، وتؤمن "معلم" الشركة الايرانية الرئيسية لنقل الحاويات "خطوط الجمهورية الاسلامية في ايران للملاحة" التي خرق ثلاثة من فروعها قرارات مجلس الامن الدولي، كما خرقت الشركتان قوانين منع الانتشار النووي التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. بحسب فرانس برس.

واغلقت دول اوروبية كثيرة مرافئها امام شركة الشحن الايرانية لكن سفنها ما زالت ترسو في مرافئ اسيوية على ما اوضح كوهين لصحافيين، وفي كانون الاول/ديسمبر حددت الخزانة الاميركية عددا من شركات الشحن البحري التي تتخذ مقرا في هونغ كونغ ولديها علاقات وثيقة مع الشركة الايرانية، وفي العاصمة الصينية التقى كوهين مسؤولين في وزارتي المالية والخارجية الصينيتين الى وفي الحزب الشيوعي الحاكم، وتخضع ايران لستة قرارات ادانة صادرة عن مجلس الامن الدولي ولعقوبات دولية بسبب برنامجها النووي وعلى الاخص نشاطاتها في تخصيب اليورانيوم، وتنفي طهران السعي الى الحصول على سلاح نووي لكن خبراء وحكومات الغرب يؤكدون العكس، ودعا الرئيس الاميركي باراك اوباما مؤخراً من منبر الجمعية العامة للامم المتحدة الى تعزيز عزلة ايران وكوريا الشمالية اذا واصلتا تجاهل واجباتهما بخصوص برنامجيهما النوويين.

خلافات بشان اليوان

الى ذلك صادق مجلس الشيوخ الاميركي مؤخراً على مشروع قانون يهدف الى فرض قيود على الصين المتهمة "بالتلاعب" بعملتها بهدف زيادة صادراتها وذلك رغم تحفظات البيت الابيض، وهو قانون اثار غضب بكين، وردت وزارة الخارجية الصينية بالقول ان المصادقة على مشروع القانون "مخالفة خطيرة" لقوانين منظمة التجارة العالمية من شانها ان تثير "حربا تجارية"، واعلنت بكين انها "تعارض بشدة" مشروع القانون الاميركي الذي "يضر بشكل خطير بالعلاقات التجارية الصينية الاميركية"، واقر مجلس الشيوخ حيث اغلبية النواب من الديموقراطيين، القانون ب63 صوتا مقابل 35 لكن مجلس النواب لم يقرر النظر في مشروع القانون لان قادة الاغلبية الجمهوريين يخشون اندلاع حرب تجارية مع بكين، واعلن رئيس المجلس جون باينر مؤخرا ان هذا المشروع "خطير".واكد وزير الخزانة الاميركي تيموثي غايثنر  في تصريح لتلفزيون بلومبرغ، ان نواب مجلس الشيوخ "لم يفجروا" حربا تجارية مع الصين بتبنيهم ذلك المشروع، لكنه كرر ان ادارة اوباما لا تدعم مشروع القانون في صيغته الحالية التي "يناقض" العديد من بنودها التزامات الولايات المتحدة في منظمة التجارة العالمية، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، يرى مؤيدو القانون ان الاقتصاد الاميركي الذي تبلغ فيه نسبة البطالة 9،1%، يعاني من تدني سعر اليوان وان اعضاء مجلس الشيوخ يحاولون عبر هذا القانون دفع الخزينة الى اتهام بكين صراحة بالتلاعب بعملتها ملوحين بعقوبات محتملة. بحسب فرانس برس.

وتنص قواعد منظمة التجارة العالمية على ان بامكان الدول الاعضاء في المنظمة معاقبة احد الشركاء التجاريين الذي يدعم صادراته، لكن تلك القواعد لا تنص صراحة على خفض سعر العملة بينما تختلف التاويلات لمعرفة ما اذا كان سعر الصرف يدخل في اطار قانوني ام ل، واتهم الرئيس الاميركي باراك وباما الصين "بتزوير" المبادلات التجارية العالمية من خلال تدخلها لخفض سعر صرف اليوان، ولا ينقض كثيرون في واشنطن الاتهامات الموجهة الى اليوان وتدني قيمته في وجه الدولار "مما يعطي تفوقا للبضائع الصينية قد يبلغ 30% على حساب المنتجات الاميركية المشابهة"، لكن معارضي مشروع القانون يقولون ان الزيادة في سعر صرف اليوان لن تؤدي سوى الى انشاء وظائف في بلدان مثل فيتنام وماليزيا وليس في الولايات المتحدة، ويعتبرون ان ارتفاع سعر البضائع المستوردة من الصين سيتم ايضا على حساب المستهلك الاميركي، اما مؤيدو المشروع فيقولون انه حان الوقت للوم بكين وان ارتفاع سعر اليوان قد يساهم في ارتفاع القدرة الشرائية في الصين وبالتالي زيادة في الصادرات الاميركية، واعتبر النائب الديموقراطي في مجلس الشيوخ لولاية يوهايو (وسط) التي تعاني مصانعها بشدة من الركود، ان الولايات المتحدة ابدت حتى الان ضعفا امام الصين وشبه السياسة التجارية الاميركية "بنزع سلاح من جانب واحد" امام بكين، وقد قرر البنك المركزي الصيني في حزيران/يونيو 2010 ترك سعر صرف اليوان يطفو بحرية في وجه الدولار بعد ان ابقى عليه ثابتا لمدة سنتين، ومن حينها ارتفع بنحو 7%، وترفض الادارة الاميركية دائما، منذ التخفيض المفاجئ في سعر اليوان سنة 1994، ان تعتبر الصين "تتلاعب" بعملتها.

انتهاك احكام منظمة التجارة العالمية

من جهتها اتهمت الصين الولايات المتحدة "باستغلال ما تطلق عليه واشنطن التخلخل في قيمة العملات ذريعة لاجبار بكين على رفع قيمة اليوان واتخاذ المزيد من الاجراءات الحمائية، مما يشكل انتهاكا خطيرا لاحكام منظمة التجارة العالمية وتقويضا للعلاقات الاقتصادية والتجارية"، وكان مجلس الشيوخ الامريكي قد صوت لصالح مناقشة مشروع قانون من شأنه الضغط على الصين لاجبارها على السماح لقيمة اليوان بالارتفاع، ويخول مشروع القانون الحكومة الامريكية رفع الرسوم على السلع المستوردة من الدول التي يعتبرها الامريكيون انها تخفض قيمة عملاتها عمدا من اجل تشجيع الصادرات.ويدعي بعض السياسيين وجموعات الضغط الامريكية ان الصين تستخدم عملتها بهذه الطريقة، وقالت الحكومة الصينية إنها تعارض هذا القانون "بقوة"، ولا تسمح الصين لعملتها "بخلاف معظم العملات الرئيسية الاخرى" بالتداول الحر في الاسواق العالمية، ويقول عدد من الاكاديميين إن قيمة اليوان الرسمية قد تقل عن قيمته الحقيقية بنسبة 20 الى 40 في المئة مقابل الدولار الامريكي، ويتهم بعض الامريكيين الصين بخفض قيمة عملتها بشكل متعمد من أجل جعل صادرتها ارخص ثمنا واكثر تنافسية من السلع التي تنتجها منافساتها، وفي نفس الوقت رفع اسعار السلع التي تستوردها من الخارج، ويدعي بعض السياسيين الامريكيين بأن هذه السياسة الصينية لم تؤذ الشركات الامريكية فحسب بل كان لها اثر سلبي على سوق العمالة في الولايات المتحدة، حيث يقول زعيم الاغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور هاري ريد "في العقد الاخير فقط خسرنا مليوني فرصة عمل في الولايات المتحدة للصين نتيجة العجز التجاري الذي غذاه انعدام التوازن في اسعار العملات".

ومما شجع اثارة موضوع قيمة العملة الصينية الآن الوضع الصعب الذي يمر فيه الاقتصاد الامريكي ومخاوف عودة الركود اضافة الى نسبة البطالة المرتفعة التي تشكل مشكلة خطيرة بالنسبة للادارة الامريكية ومحاولاتها اعادة العافية الى الاقتصاد، يذكر ان الصين قد سمحت فعلا لقيمة اليوان بالارتفاع في الاشهر الاخيرة، وقد ارتفعت قيمته بنسبة 5 في المئة مقابل الدولار و8 في المئة مقابل اليورو، الا ان بكين تقول إن السماح لقيمة اليوان بالارتفاع بوتيرة اسرع لن يؤذ قطاع التصدير فحسب بل سيكون له اثر سلبي خطير على اقتصادها بوجه عام، ويقول منتقدو مشروع القانون الامريكي الجديد إن من شأن سنه تقويض الجهود المبذوله للتوصل الى اتفاق ودي مع الصين حول الموضوع، وثمة من يقول إن المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة هي من صنع يديها هي، وان استفزاز الصين قد يؤدي الى حرب تجارية تعود بالضرر على الاقتصاد المتضرر اصل، ويذكر ان مشروع القانون قد يواجه صعوبات جمة في مجلس النواب الامريكي حتى لو مرره مجلس الشيوخ، فالزعماء الجمهوريون غير متحمسين له بينما تخشى ادارة الرئيس اوباما من الانطباع الذي قد يتركه تمرير هكذا قانون في الصين.

من ناحية اخرى اكدت الصحافة الصينية الرسمية ان اعضاء مجلس الشيوخ الاميركيين يسعون من خلال تقديم قانون جديد لفرض عقوبات على الصين، الى "التنصل من مسؤولياتهم" من المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة، وجاء في تعليق لصحيفة "يومية الشعب" اليوم انه "لمواجهة استياء الشعب الاميركي، يستخدم نواب اميركيون العملة الصينية للتنصل من مسؤولياتهم وقصورهم السياسي"، واضافت الصحيفة الناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، "حتى هؤلاء الاميركيون الذين ينادون برفع قيمة الرينمينبي (الاسم الرسمي لليوان، العملة الصينية) يجب ان يعترفوا بأن رفع قيمة اليوان ليس الدواء الناجع لمعالجة المشاكل الاقتصادية في الولايات المتحدة"، وتؤجج هذه السياسة غضب الولايات المتحدة التي كان تأثير الركود على صناعتها كبير، وسارعت بكين الى الاعلان عن "معارضتها الشديدة" لهذا النص، وفي بيان، اعرب البنك المركزي الصيني ايضا عن "اسفه" لمشروع القانون الاميركي، مؤكدا ان اسباب العجز التجاري الكبير للولايات المتحدة لا تحصى.

جراح التاريخ تلتئم

في سياق متصل وبعد حوالى أربعين عاما على نهاية حرب فيتنام، تتعزز فرص تحقيق المصالحة الوطنية الفعلية نتيجة التوتر مع الصين التي باتت مؤخرا عدوا مشتركا للفيتناميين من الطرفين، الجراح لم تلتئم نهائيا بين الشيوعيين الذين يتحكمون بالسلطة في هانوي وأولئك الذين دعموا في الماضي النظام المؤيد للأميركيين في جنوب فيتنام والذين اختار كثيرون منهم المنفى، لكن هؤلاء الذين يرغبون بتسوية الحسابات التاريخية بشكل نهائي تظاهروا بزخم بعد وقوع حوادث عدة بين سفن صينية وفيتنامية في بحر الصين الجنوبي، فقد اعتبر ذلك اعتداء صينيا حول جزر سبراتلي وباراسل التي تطالب بها كل من الصين وفيتنام وولد موجة من الغضب وأدى إلى اعتراف غير متوقع من الذين حاربوا العدو الأزلي الذي احتل البلاد على مدى ألف سنة، وفي تموز/يوليو، رفع متظاهرون في هانوي أسماء 74 جنديا من جنوب الفيتنام قضوا في معركة في جرز باراسل ضد الجيش الصيني سنة 1974، وكانت هذه الخطوة مفاجئة وغير مسبوقة، ويقول لو هيو دانغ (67 عاما) جاسوس شيوعي سابق في الجنوب خلال الحرب وهو اليوم عضو في جبهة الوطن في مدينة هو تشي منه، انه "كان يتوجب على الدولة الفيتنامية القيام بذلك قبل الشعب"، وبالتالي، وجه دانغ إلى جانب مفكرين آخرين من سايغون السابقة تحية إلى كل الجمهوريين والشيوعيين الذين "ماتوا من أجل سلامة الأمة" في معارك ضد الصينين، وقد لاقت هذه الخطوة تقديرا من قبل مقاتل سابق في معركة 1974 قال "توفي هؤلاء دفاعا عن الوطن وليس دفاعا عن نظام" سايغون. بحسب فرانس برس.

وعلى مداخل عاصمة البلاد الاقتصادية هو تشي منه، تأوي مقبرة أضرحة مئات الجنود من جنوب فيتنام، وقد غادرت الوحدات العسكرية هذه المقبرة التي استقرت فيها بعد الحرب، تاركة الأموات ليرقدوا بسلام، لكن هذا الموقع لا يتمتع بوقار المقابر العسكرية، ففي حين يتم الاعتناء ببعض الأضرحة، فإن أخرى مهددة بالإنهيار وقد تآكلتها الأعشاب الطويلة، ويحلم نغوين مانه هونغ الذي كان مسؤولا رفيع المستوى في حكومة سايغون هرب إلى الولايات المتحدة سنة 1975 بإنشاء نصب تذكاري رسمي في ذلك الموقع، فيقول "من ينظف كل ذلك ويلقي خطابا في حفل الافتتاح أمام أناس محترمين من الطرفين يحفظ لنفسه مكانا في التاريخ"، ويضيف هذا البروفسور في جامعة جورج مايسون في واشنطن أن المصالحة تبقى خرافة طالما يعتبر جنود جنوب فيتنام "خداما للأميركيين" بدلا من مقاتلين في ما كان "حربا أهلية بشكل من الأشكال"، وكانت البلاد قد قسمت إلى شطرين بين أيار/مايو 1954 الذي شهد انتصارا على الاستعمار الفرنسي ونيسان/أبريل 1975 الذي شهد سقوط سايغون، فانضم مئات الاف اللاجئين إلى صفوف الشتات الذي يضم اليوم أربعة ملايين شخص يعيشون في الولايات المتحدة وأوروبا وأسترالي، وبعد عقود على نبذ الفيتناميين المهاجرين، اعترف الحزب الشيوعي بهم سنة 2004 كأفراد يتمتعون بالأهلية الكاملة في الأمة، ومع تقرب هانوي من واشنطن، تم تخفيف القيود المفروضة عليهم في مجال الاستثمار، ولكن في آب/أغسطس، استنكر 38 عالما فيتناميا من الشتات طريقة معاملتهم ب"شك وارتياب"، فكتبوا "تطلب فيتنام البلاد وشعبها أن يعزز قادتهم الوحدة بين الشعب كله داخل البلاد وخارجها لمواجهة المخاطر الحالية" ومصدرها الصين، من جهته يشير دانغ إلى قانون غير مكتوب يحظر على كل موظف حكومي أو جندي من جنوب الفيتنام الانضمام إلى الحزب الشيوعي، وبالتالي تولي أي منصب في الحكومة أو القطاع العام، هو يعلم بأن وحدة البلاد لن تقر، "فالمصالحة الوطنية ما زالت موضوعا شائكا".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/تشرين الأول/2011 - 28/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م