ليبيا ما بعد التحرير... تحديات جسيمة للتخلص مما تبقى من حقبة القذافي

 

شبكة النبأ: شكلت الاحداث في ليبيا بعد مقتل القذافي تحولا جديرا بالاهتمام وخصوصا ان البلد ينتقل من مرحلة ديكتاتورية نحو حكم جديد، ومع هذا التحول اجمعت التحليلات في معظمها على أن مرحلة ما بعد مقتل العقيد معمر القذافي تشكل تحديات جمة للبلاد، وتعد مرحلة صعبة، وسط خشية من اندلاع حرب أهلية في ظل انتشار السلاح لدى فصائل متنافسة.

فإن الجزء الأصعب في ليبيا يبدأ الآن بعد مقتل القذافي، وإنه بالرغم من أن مقتله أدى إلى ابتهاج في طرابلس وارتياح في العواصم الغربية، فإنه يجب أن ينظر إلى الحدث بوصفه بداية التحول في البلاد.

القضاء على الدكتاتور من شأنه اختصار المدة أمام الثوار الذين وعدوا بإنشاء دولة ديمقراطية ليبرالية وبإجراء انتخابات خلال ثمانية أشهر، ولكن الثوار ينتظرهم بلد ممزق تتراكم فيه الأسلحة الخطيرة ويفتقر إلى المؤسسات الشرعية أو المجتمع المدني، بل إنه يبقى عرضة للصراعات القبلية والإقليمية والطائفية والعرقية أكثر من أي وقت مضى.

ويقول مراقبون إن ما يمكن اعتباره أنباء جيدة في ليبيا يتمثل في أن الثوار الليبيين تمكنوا أثناء فترة محاولتهم لخلع القذافي من إنشاء المجلس الوطني الانتقالي الذي نال اعتراف ثماني دول في العالم، والذي بدوره وعد البلاد بخطة طموحة ضمن مرحلة انتقالية معقولة.

ويبرز الخطر الذي كان يتمثل في إمكانية حشد القذافي لمرتزقة أفارقة تمهيدا لشن حرب عصابات في ليبيا قد تراجع الآن بعد مقتله، يبقى الخوف من أن موت الزعيم السابق قد يجعل منه شهيدا في نظر أنصاره العنيدين والمسلحين.

على أن الخطر الأكبر يكمن على الأرجح في احتمال حدوث انشقاقات وسط فصائل الثوار المنتصرين، فهناك قادة المجلس الوطني الانتقالي وهم أول من رفع راية العصيان على القذافي في بنغازي، وهناك مسلحو مصراتة الذين تحملوا العبء الأكبر في القتال وفقدوا كثيرا من الرجال، ومقاتلو جبال نفوسة في الغرب الذين رجحوا كفة الميزان ضد القذافي.

وقد استغلت ألوية مصراتة -على وجه الخصوص- انتصاراتها العسكرية في تسليح أنفسها إلى أقصى درجة ممكنة، بوضع أيديهم على الدبابات والمدافع والشاحنات الكبيرة كلما دخلوا موقعا حصينا لكتائب القذافي.

اعلان التحرير

فقد اعلن حكام ليبيا الجدد تحرير البلاد يوم الاحد بعد ان انتهى حكم الفرد الذي خضعت له 42 عاما على يدي معمر القذافي بالقبض عليه ومقتله الاسبوع الماضي لتبدأ بذلك المرحلة الانتقالية التي ستفضي الى حكم ديمقراطي.

وقال عبد الحفيظ غوقة نائب رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي لعشرات الالوف من الليبيين الذين كانوا يهتفون ويلوحون بالاعلام في بنغازي بشرق البلاد "ارفع رأسك فوق انت ليبي حر".

وهتفت الحشود في المراسم التي اقيمت بالمدينة التي بدأت منها الانتفاضة المناهضة للقذافي في فبراير شباط مرددين "ليبيا ليبيا ليبيا". وبنغازي هي مقر المجلس الوطني الانتقالي الليبي.

وسخر متحدث من القذافي قائلا انه ذهب الى "قمامة التاريخ" بعد ان عثر عليه مختبئا في انبوب للصرف يوم الخميس وقتل في نفس اليوم في ملابسات غلبت عليها الفوضى. وزغردت النساء بينما كان المسؤولون يتحدثون. واشار عدة متحدثين الى سنوات "الاستبداد" في ظل حكم القذافي.

وبدأ رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل خطابه بالسجود شكرا لله. وقال انه يتعين الاحتفال بالتحرير بالشكر لله والسجود. واضاف "ادعو الجميع الى التسامح والعفو والصلح. ونزع الحقد والبغضاء والحسد والكراهية من النفوس امر ضروري لنجاح الثورة ولنجاح ليبيا المستقبل."

واعلن عبد الجليل ان الشريعة الاسلامية ستكون اساسا للتشريع مكررا تصريحات سابقة من المجلس المؤقت بشأن دور الاسلام. وقال "نحن كدولة اسلامية اتخذنا الشريعة الاسلامية المصدر الاساسي للتشريع ومن ثم فان اي قانون يعارض المبادي الاسلامية للشريعة الاسلامية فهو معطل قانونا" مضيفا ان هذا يشمل تاسيس نظام بنكي اسلامي في البلاد. وقال "نحن نسعى الى تكوين مصارف اسلامية بعيدة عن الربا."

وحكم القذافي البلاد لسنوات بموجب نظامه الغريب الموضح في "الكتاب الاخضر" الذي كان يطلق عليه "النظرية العالمية الثالثة".

وقال عمر الصلابي وهو باحث سياسي ليبي من جامعة بنغازي ان تصريحات عبد الجليل حول الشريعة لا تستهدف الاعمال والاستثمار ولكنها تستهدف السياسة الاجتماعية مثل تمويل منازل وسيارات الناس التي يتعين أن تكون بلا فوائد.

ووجه عبد الجليل الشكر للدول الخليجية والجامعة العربية والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي على دعم الانتفاضة. ولوح البعض في الحشد بعلم قطر التي ايدت التمرد ضد القذافي في مرحلة مبكرة واعلام الولايات المتحدة ودول اوروبية عرفانا للدول التي قدمت الطائرات التي قصفت قوات القذافي.

واعتبر تدخل طائرات حلف الاطلسي فوق ليبيا في مارس اذار بعد صدور قرار من الامم المتحدة حاسما في تحويل دفة المعارك لصالح القوات المناهضة للقذافي.

وكان القذافي قد تعهد بألا تأخذه رحمة او شفقة بالمتمردين بعد أن تقدمت قواته لمهاجمة بنغازي. وبعد ذلك بقليل قامت طائرات الحلف بتدمير طوابير من أسلحته الثقيلة خارج المدينة وفتحت الطريق للقوات المتمردة لاستعادة زمام المبادرة.

وقال عبد الجليل ان جميع الشهداء والمدنيين والجيش انتظروا هذه اللحظة. واضاف انهم الان في أفضل مكان وهو جنة الخلد. ومضى قائلا ان "هذه الثورة بدأت سلمية" لكن تمت مواجهتها بالعنف.

وهتف مواطن ليبي يدعى اكرم (39 عاما) قائلا "بارك الله فيك يا عبد الجليل" في رد فعل على خطاب رئيس المجلس الوطني الانتقالي. واضاف "انه رجل شديد الاحترام.. يعرف مشاكلنا واحتياجاتنا وما الذي يسعدنا. بارك الله فيه."

وقبل أن يصل الى المكان الذي سيتحدث منه على المنصة توجه عبد الجليل الى حافتها وصافح الاشخاص في الصفوف الامامية من الحشد ومد يده للوصول اليهم.

وكان كثير من الحاضرين يحملون لافتات عليها اسماء اقاربهم واصدقائهم الذين لاقوا حتفهم خلال الانتفاضة مع صورهم واسماء المعارك التي قتلوا فيها وتاريخ وفاتهم. وبدأت المراسم بالاعلان الرسمي "نعلن للعالم أجمع أننا حررنا بلادنا الحبيبة بمدنها وقراها وسهولها وجبالها وصحرائها وسمائها."

واقيمت المراسم في اعقاب هجوم اخير على سرت مسقط رأس القذافي التي كان يختبيء بها قبل محاولة فاشلة فيما يبدو للهرب عندما سقطت المدينة. وكانت المدينة اخر معقل للموالين للقذافي.

وقال المحامي عبد الرحمن القيسي الذي اعلن عن انشاء حقيبة وزارية جديدة للتعامل مع ضحايا الصراع واسر الشهداء "لا شك اننا في لحظات تاريخية عظيمة فاصلة في تاريخ ليبيا الحبيبة. ليبيا العصية على الغزاة الطامعين المستبدين. ليبيا الصامدة المجاهدة." واضاف في كلمة حماسية ان ليبيا "كذبت ادعاءات الطاغية معمر ذلك القذر الذي اصبح جثة جيفة هامدة تحت اقدام الابطال.. ابطالنا الاشاوس الذين انتفضوا في 17 فبراير وقالوا للطاغية لا." ومضى قائلا "هاهم الليبيون ليسوا كما قلت انت.. من انتم.. ها نحن اريناك من نحن يا طاغية العصر يا فرعون العصر اصبحت في قمامة التاريخ."

وقال عمر الحريري وهو أحد الضباط الذين شاركوا في انقلاب القذافي في عام 1969 لكنه سجن فيما بعد "نحن لا نفرق بين الثوار المدنيين والجيش الوطني" مضيفا أن دماء الثوار والجيش اختلطت مع بعضها البعض في أرض المعركة.

وتعلم الكثير من المقاتلين كيف يستخدمون البنادق وغيرها من الاسلحة للمرة الاولى خلال التمرد وتكونت منهم قوة بدائية مفعمة بالحماس لكنها تفتقر الى التنظيم وهيكل قيادة واضح. وتسببوا كثيرا في مشاهد فوضوية على خط المواجهة. لكنهم نضجوا بالتدريج اثناء الصراع.

ووعد الحريري الذي عينه المجلس المؤقت قائدا للجيش بان يحمي الجيش الليبي الامة. وقال بينما كانت طائرات هليكوبتر تطير فوق منطقة المراسم "أيها الشعب الليبي أعاهدكم عهد الشرفاء أن الجيش الوطني سيعاد تنظيمه على أسس علمية تواكب التطورات الحديثة للجيوش العصرية وسينحاز انحيازا كاملا الى الشعب وستكون عقيدته الدفاع عن الوطن والحفاظ على الدستور وحماية الديمقراطية ولن يكون عونا لطاغية جديد."

واثنى صالح الغزال رئيس المجلس المحلي في بنغازي متحدثا الى الحشد على من لاقوا حتفهم من مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي وأشار الى نهاية القذافي. وقال الغزال "ان هذه النهاية الذليلة المهينة اراد بها الله العبرة والموعظة لمن يعتبر من اولئك الذين يمارسون ابشع الوان الظلم والتنكيل لشعوبهم." وكان الحشد يرددون مرارا هتافات التكبير.

دفن القذافي والبدء من جديد

الى ذلك ساد مصراتة جوا احتفاليا حيث اقيمت احتفالات باعلان "التحرير" في الميدان الرئيسي في الوقت الذي اصطف فيه اشخاص لرؤية جثامين القذافي وابنه ورئيس اركانه في متجر تبريد خضروات. واحضر عشرات الاباء اطفالهم لرؤية الجثامين على الرغم من تزايد الرائحة النتنة القوية للحم المتعفن الذي يمكن رؤيته بوضوح التي تملا الهواء.

وقال رجل قال ان اسمه محمد "رأيناه عندما كان متغطرسا. والان نرغب في ان نراه وهو ذليل. واحضرنا اطفالنا لرؤيته اليوم لان هذه فرصة لمشاهدة التاريخ. "نريد ان نرى هذا الشخص المتغطرس كجثة هامدة. ليراه الناس جميعا."

والى جانب الرغبة في جعل الجميع يرون الدليل على ان القذافي قد رحل فان جزءا كبيرا من السبب وراء عرض جثمانه هو الخلاف بين المتنافسين الاقليميين في ليبيا بشأن ماذا سيفعلون بالجثة.

ومصراتة التي بدأت تخرج من سنوات من الاهمال تحت حكم القذافي حريصة على ان تتباهى بالغنيمة الجوهرية لتمردها كقوة مقنعة بعد اشهر من الحصار الدامي لكنها لا ترغب في دفن الجثة تحت ارضها.

وطالب اقارب القذافي بدفن الجثمان في مسقط رأسه سرت كما طالب الزعيم السابق في وصيته لكن الحكومة المؤقتة قالت انها ترغب في دفنه في موقع سري لمنع ان يصبح مزارا لاتباعه.

وقال الساعدي ابن القذافي الذي هرب الى النيجر بعد سقوط طرابلس في اغسطس اب في بيان انه "مصدوم وغاضب من الوحشية البشعة" التي عومل بها والده وشقيقه المعتصم.

لكن عددا قليلا من الليبين يزعجهم عرض جثتي القذافي ونجله او حقيقة انهم لم يدفنا في الوقت المناسب كما تقضي الشريعة الاسلامية. وقال محمد احمد الذي كان يقف بجوار جثة القذافي الموجودة على الارض فوق حشية قذرة في مكان استخدم في السابق لتخزين البصل "هو ليس انسانا وليس مسلما لان ما فعله بنا لا يمكن ان يفعله مسلم."

وما يزال عدد اقل من الليبين قلق بشأن الطريقة التي وصل بها القذافي وابنه الى هناك بعد اعتقالهما على قيد الحياة وهما يحاولان الهرب من الحصار المفروض على سرت يوم الخميس.

لكن كثيرين في الغرب يشعرون بقلق من ان الطريقة التي عومل بها القذافي واتباعه تثير شكوكا في وعود حكام ليبيا الجدد باحترام حقوق الانسان ومنع الاعمال الانتقامية.

واوضحت سلسلة من لقطات الفيديو التقطت بالهاتف المحمول القذافي وهو ما يزال واعيا ويتعرض للضرب ويعامل بخشونة في ضواحي سرت وابنه المعتقل يجلس وهو يشرب الماء ويدخن سيجارة قبل اعلان موتهما فيما بعد.

وقالت مصادر رسمية ان التشريح الذي اجري في الساعات الاولى اوضح ان معمر القذافي اصيب بطلق ناري في الجانب الايسر من راسه واخر في البطن. ومن الواضح انه مات نتيجة الجروح الناتجة عن الطلق الناري لكن متى اصيب بها ومن فعل ذلك ما يزال اقل وضوحا.

وصاح واحد من الحرس الخاص بالقذافي للقوات الحكومية "سيدي بالداخل ومصاب" والتقت القوات الحكومية مصادفة بالزعيم ورئيس اركانه وهما يختبان في انبوب صرف صحي بعدما دمرت غارات جوية قام بها حلف شمال الاطلسي قافلتهم الهاربة.

ويقول عمر احمد الشيباني قائد الوحدة التي اعتقلته ان القذافي زحف خارجا وهو يحبو على الارض. وقال الشيباني لمؤتمر صحفي عقد في مصراتة انه عندما القي القبض عليه كان القذافي مسلحا بمسدس ماجنوم 357 سميث اند وسن محشو بطلقات دمدم المحظور طبقا للمعاهدات الدولية ومسدس براوننج مطلي بالذهب في خاصره وبندقتين هجوميتين بالقرب منه.

ويوضح الفيلم الاول للقذافي بعد فترة قصيرة جدا من ظهوره من انبوب الصرف الصحي على نحو واضح جدا بانه كان مصابا بالفعل بالقرب من اذنه اليسرى وانه كان ينزف بغزارة. وقال الشيباني ان القذافي كان مصابا ايضا في البطن لكن هذا غير واضح.

وقال رئيس الوزراء المؤقت في ليبيا ان الرصاص الذي اصاب القذافي في الرأس ربما يكون قد اطلقه واحد من حراسه الشخصيين خلال تبادل اطلاق النار. وقتل العديد من افراد حرسه الشخصي في المعركة الاخيرة. وما تلى ذلك كان مشوشا وعنيفا وبشعا.

وقال احد مقاتلي الحكومة انهم وضعوا القذافي على شاحنة تويوتا كي يمروا به عبر من المقاتلين الراغبين في الانتقام نحو سيارة اسعاف كانت في الانتظار.

وكان بالامكان سماع صوت القذافي في تسجيل فيديو وهو يردد "حرام عليكم" مرارا في الوقت الذي انهالت فيه الضربات على رأسه من قبل الحشد . وقال رجل وهو يضربه "هذا من أجل مصراتة يا كلب." وقال القذافي هل تعرف الصواب من الخطأ. وقال شخص ما "اخرس يا كلب" في الوقت الذي انهال عليه المزيد من الضربات.

ويصر الشيباني ومسؤولو الحكومة المؤقتة على ان القذافي كان ما يزال حيا عندما وصل الى الاسعاف. وفي تسجيل مصور اخر حصلت عليها ظهرت قافلة من الحافلات تسرع على طريق صحراوي والابواق تدوي ويصيح الرجال قائلون "لقد امسكنا بمعمر . انه معمر."

وفي لقطة اخرى أبطأت القافلة من سرعتها لتقف. ويهرع المقاتلون الى سيارة اسعاف وهم يصيحون قائلين ان القذافي مات. وكان جثمان موجودا في خلف الحافلة وكانت توجد ضمادة على جرح في الجزء العلوي من البطن. وغطي الرأس بملاءة بيضاء. لكن رجلا بجواره رفعها لفترة وجيزه ولمح سريعا وجه الحاكم السابق.

ويظهر شاب بجوار سيارة الاسعاف وبجواره رجل ملتح قائلا "انه هو القاتل وانا الشاهد الذي راه." وصاح الشاب مهللا وقال "عثرنا عليه في حفرة وكان معه شخص ما بداخلها." واحتفى المقاتلون وعانقوا الرجل الذي لوح بمسدس مبتسما.

وقال الرجل الملتحي صائحا وهو يمسك يد الشاب الصغير التي كان بها المسدس "هذا هو الشاب الذي قتل القذافي. باستخدام هذا . فهمتم. "لقد فعلها امامي. لقد رأيته امامي."

ولم توضح اللقطة مااذا كان القذافي توفي جراء الجروح التي عانى منها قبل وضعه في الاسعاف او اذا ما كان عانى من جراح اثناء وجوده في الحافلة. ويصر الشيباني على ان رجاله قد بذلوا ما في وسعهم للابقاء عليه حيا. وقال انهم عملوا ما بوسعهم للبقاء عليه حيا لكن ارادة الله كانت اعظم من ارادتهم.

فصائل إسلامية

ويقول مراقبون إن فصائل يقودها إسلاميون تلقت أسلحتها الخاصة وتمويلها من دولة قطر وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، لكن الفصائل التي غالبا ما تكون غير منضبطة تواجه اتهامات بإيذاء بل وبتعذيب السجناء والمشتبه في كونهم من أنصار القذافي، حسب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش.

ومن جانبها قالت الكاتبة جينيفر روبين إن من شأن مقتل القذافي أن يسمح لليبيا بالتقدم إلى الأمام، تماما كما أدى سقوط الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وإعدام الديكتاتور العراقي صدام حسين إلى تخلص بلديهما من الحكم المطلق.

ويرى محللون سياسيون إن مقتل القذافي يؤشر إلى فصل من الغموض في الثورة الليبية، وإنه يعتبر أول حاكم يقتل ضمن ثورات الربيع العربي، وإن مقتله يضع مزيدا من التحديات أمام القوى المختلفة التي تتنافس على ملء الفراغ الذي تركه العقيد منذ أن تم إخراجه من العاصمة أواخر أغسطس/آب الماضي.

وأشارت خبراء إلى ما وصفته بتأخير تنفيذ المجلس الانتقالي لوعود أطلقها بشكل متكرر بشأن العدالة في تقاسم السلطة في ما بين أبناء بنغازي -الذين شغلوا وظائف إدارية منذ بدء الثورة- وأبناء المدن الأخرى التي تحررت من حكم القذافي في الفترة الأخيرة.

من جهتهما يواجه كل من رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل ورئيس المكتب التنفيذي محمود جبريل استياء واتهامات تتعلق بالمحسوبية وأنهما لم يمسكا جيدا بعد بزمام الأمور، وخاصة في ما يتعلق بالمظالم القبلية في البلاد.

كما خبراء إلى سيطرة الفصائل المسلحة على شوارع طرابلس وأنحاء أخرى من ليبيا، في ظل عدم وجود المؤسسات القضائية العاملة، ووسط خشية كثيرين من أن يؤدي مقتل القذافي إلى حرب أهلية في البلاد.

وقال الكاتب رانج علاء الدين إن ليبيا مقبلة على طريق صعبة بعد مقتل القذافي، موضحا أن البلاد بدلت حالة البؤس الحالي الناتج عن الاستبداد بغموض في العملية الديمقراطية المنشودة، وأنه هنا يبدأ العمل الحقيقي.

ويرى خبراء إن على الليبيين أن يقاوموا ثأرهم وأن ينظروا إلى المستقبل، مضيفة أنه رغم تعاطفها مع الليبيين الذين عانوا جراء حكم القذافي، فإن مشاهدة طريقة نهايته على شاشات التلفزيون أمر يبعث على القلق.

كما يجب على الليبيين مقاومة اقتراف مزيد من الأعمال الانتقامية، وتوحيد جهودهم لبناء دولة موحدة حرة ومنتجة، وإلا فإنه يخشى أن تواجه البلاد مزيدا من الفوضى والمعاناة.

لكن يبقى اعتقال القذافي وقتله يطرح أسئلة عن مستقبل البلاد الغنية بالنفط، ويضع المزيد من التحديات أمام المجلس الثوري.

سبعة الاف شخص محتجز

قالت الامم المتحدة يوم الجمعة ان ما يصل الى 7000 شخص محتجزون في العشرات من مراكز الاعتقال المؤقتة في ليبيا بعد اكثر من شهرين من اطاحة قوات المعارضة بمعمر القذافي وسط مزاعم خطيرة وبعض الادلة على وجود عمليات تعذيب. وقالت منى رشماوي وهي مسؤولة كبيرة بمكتب حقوق الانسان التابع للامم المتحدة للصحفيين بعد زيارة لليبيا استمرت اسبوعا ان السلطات الانتقالية تفتقر لوجود نظام واضح لمراقبة المحتجزين وتسجيلهم مما فتح الباب امام سوء المعاملة. وأضافت ان السجناء بينهم اشخاص جرى اعتقالهم عند نقاط تفتيش بدون اوراق هوية ومن يشتبه بانهم مرتزقة من عدة مناطق ومقاتلين موالين للقذافي أسروا في ميدان القتال أو اشخاص وردت اسماؤهم على قوائم المطلوب اعتقالهم.

وقالت رشماوي المسؤولة عن قسم سيادة القانون بالمكتب "هناك الاف الاشخاص المحتجزين..نتحدث عن عدد كبير قد يصل الى 7 الاف." وتابعت "غالبية هؤلاء الاشخاص لم يخضعوا لعملية (قضائية). هذ بالطبع وضع يقود الى سوء المعاملة. هناك دلائل على وجود مسائل خطيرة."

وقالت ان هناك على ما يعتقد 67 من مراكز الاعتقال المؤقتة في جميع انحاء ليبيا مقارنة بعدد قليل من السجون المركزية خلال حكم القذافي الذي دام 42 عاما.

وقال ستيفين اندرسون المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الاحمر يوم الجمعة ان اللجنة زارت 40 سجنا ليبيا على الاقل. واضاف ان النتائج السرية التي يتم التوصل اليها بشأن اوضاع السجناء يتم فقط تبادلها مع سلطات الاحتجاز.

وأصدرت منظمة العفو الدولية تقريرا يوم الاربعاء يقول ان حكام ليبيا الجدد قد يكررون انتهاكات حقوق الانسان التي كانت شائعة خلال حكم القذافي. وقال المجلس الوطني الانتقالي انه سيحقق في التقرير.

وقاد هاني مجلي مدير فرع اسيا والمحيط الهادي والشرق الاوسط وشمال افريقيا بمكتب حقوق الانسان التابع للامم المتحدة الفريق الذي زار ليبيا. واجتمع مسؤولو الفريق مع وزراء من المجلس الوطني الانتقالي وناشطين ومحامين وزاروا بعض السجناء لكنهم لم يتحدثوا مع النزلاء.

وقالت رشماوي "...بخصوص الوضع في السجون فاننا نعتقد بوجود انتهاكات وهناك مزاعم وأدلة على حدوث تعذيب. نعم استطيع ان اقول ذلك."

وارسلت قوات الحكومة الليبية دبابات الى عمق مدينة سرت يوم الجمعة في محاولة لسحق اخر جيوب مقاومة القوات الموالية للقذافي في مسقط رأسه.

وقالت رشماوي ان ليبيا تفتقر الى وجود نظام قضائي متماسك ومركزي لحماية حقوق السجناء رغم ان القضاة في بنغازي ومصراتة بدأوا النظر في القضايا. وتابعت "انه تحد كبير. وسيكون اكثر صعوبة عندما تسقط المدينتين الكبيرتين سرت وبني وليد. ستكون هذه قضية حقيقية بالنسبة لهم." وأضافت انه سيكون من الخطأ الاعتقاد بان جميع الاشخاص في بني وليد مقاتلون موالون للقذافي فقد يكون منهم مدنيون ليس لديهم اموال او سيارات للرحيل او في حالة صحية سيئة تمنعهم من السفر.

وقالت "نستطيع القول الان ان النظام المطبق حاليا ليس ملائما. ثمة مجال كبير للانتهاكات رغم اعتقادي بان السياسة المتبعة على اعلى مستوى هي (لن نتهاون مع التعذيب وسنحقق في الامر)."

وقالت رشماوي ان مكان القذافي غير معروف لكن معظم الليبين يتوقون لرؤيته هو وعائلته وراء القضبان. وقالت "يريدون حقا رؤية ذلك اليوم."

وكان لويس مورينو اوكامبو كبير ممثلي الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية اتهم القذافي بجرائم حرب في مايو ايار الماضي. وكانت لجنة تحقيق دولية بشأن ليبيا ترأسها شريف بسيوني وهو خبير مقيم في الولايات المتحدة اتهمت قوات القذافي بارتكاب عميات قتل وتعذيب واختطاف.

وقالت رشماوي ان اللجنة ستقوم بزيارة ثالثة لليبيا في وقت لاحق هذا الشهر لاجراء المزيد من التحقيقات حول انتهاكات تشمل مزاعم عن عمليات اغتصاب جماعي.

التراث القديم معرض للنهب

قالت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) ان كنوز ليبيا القديمة سلمت حتى الان على نحو كبير من الحرب الاهلية لكن مع موت معمر القذافي يمكن ان تكون عرضة لخطر اكبر من ذي قبل من قبل السارقين والاضطراب.

وحذرت المديرة العامة لليونسكو ايرينا بوكوفا في مؤتمر حول حماية التراث الثقافي الليبي الوفود من ان موت معمر القذافي يمكن ان يكون نذير خطر للكنوز الليبية مثلما اختفت الاف القطع التاريخية بعد سقوط صدام حسين في العراق.

وقالت "نعرف تماما انه في فترة عدم الاستقرار الضخم فان المواقع مهددة بصورة اكبر للنهب" واضافت ان اليونسكو انذر تجار الفن والدول المجاورة بان يكونوا على حذر من التهريب غير الشرعي.

وليبيا التي غزتها معظم الحضارات التي سيطرت على البحر المتوسط غنية بالتراث الذي يشتمل على خمس مواقع مدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي مثل البقايا الرومانية وموقع لبدة الاثري (لبتس ماغنا) (لبدة الكبرى) وموقع سبراطة الاثري الذي كان مركزا تجاريا فينيقيا.

وطبقا لبعثة تقصي حقائق توجهت الى ليبيا في سبتمبر ايلول لتقييم الضرر الناتج جراء سبعة اشهر من الصراع فان العديد من الاثار التي يمكن الوصول اليها في الدولة قد نجت من الدبابات سالمة ويعود هذا في جزء منه الى ان اليونسكو امد التحالف الذي قاده حلف شمال الاطلسي باحداثيات جغرافية للمواقع الثقافية الرئيسية.

وقال فرانشيسكو باندارين المدير العام المساعد المكلف بقطاع الثقافة "المخاطر ما تزال موجودة لان الموقف غير مستقر حتى الان. وقد رأينا في حالات اخرى مثل العراق او افغانستان ان (فترة) ما بعد الحرب هي الاخطر. لانه عندما يكون هناك الكثير من الاسلحة والكثير من القوات المسلحة والكثير من عدم الاستقرار يبدأ النهب".

وفي العراق سرقت الاف القطع التاريخية بعدما استولت القوات الامريكية على بغداد في 2003 وتم استعادة بعضها فيما بعد بمساعدة الشرطة الدولية (الانتربول). بحسب رويترز.

وحتى الان فان ليبيا شهدت عملية سرقة كبرى واحدة فقط وهي سرقة مجموعة تتألف من 8000 عملة معدنية وتحف ثمينة اخرى وتصف بوكوفا اختفائها بانه "كارثة طبيعية".

وللدولة الساحلية جميع وسائل نجاح تنشيط السياحة من طقس دافىء وشواطىء واثار وقربها من اوروبا وجميع العوامل التي ساعدت جيرانها في بناء صناعات سياحية مزدهرة.

لكن على عكس اثار تونس ومصر التي يزورها ملايين السائحين سنويا فان الاثار الليبية يراها عدد قليل من الاجانب منذ الثورة التي قام بها القذافي في 1969. ويمكن ان تساعد السياحة ليبيا في تنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد على النفط والغاز.

تضاعف أعداد الصحف

ظهرت نحو 200 مطبوعة مستقلة في ليبيا منذ سقوط الزعيم المخلوع معمر القذافي ويقول باعة صحف ان الزبائن يغادرون متاجرهم محملين بالصحف حتى يضمنوا الا يفوتهم اي خبر. ويقولون ان هذا مجرد ثمن زهيد يدفعونه من أجل الحرية.

وقال رجب الوحيشي الذي يبيع الصحف منذ عام 1956 "الزبائن يشترون كل الصحف التي يجدونها امامهم ثم يقررون ماذا سيقرأون." وأضاف أن التجارة مزدهرة بفضل تنوع المحتوى وعدد المطبوعات المعروضة للبيع.

وقبل الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي كان رقباء حكوميون يخضعون وسائل الاعلام لتدقيق محكم وكانت الصحف عادة ما تنشر مقالات متطابقة تمدهم بها الحكومة. وكان الصحفيون الذين يخالفون هذه القواعد يسجنون او يخطفون.

وتضاعفت حرية الاعلام في مصر وتونس بعد الثورتين اللتين أطاحتا بزعيميهما في وقت سابق من العام الحالي. لكن الرقابة في ليبيا كانت الاقوى على الاطلاق.

وقال صديق مقريف وكان يشتري الصحف من أحد الاكشاك في وسط طرابلس "كل شيء أفضل. ننتظر الحكومة وسنرى ماذا سنقرأ بعد التحرير." ويحتفل الناشرون بالحرية التي اكتسبوها حديثا. وقال ابو بكر حمودة الذي يدير مطبعة الطالب "هذا جيد لاننا فيما مضى لم يكن باستطاعتنا طباعة اي شيء دون اذن. الان لا أحد يسألنا ماذا نطبع."

ويرأس ادريس المسماري - الذي خرج مؤخرا من السجن للمرة الثانية اذ كان قد قضى عشر سنوات بداخله في الثمانينات بسبب نشاطه السياسي - لجنة خاصة شكلها المجلس الوطني الانتقالي لتشجيع ودعم حرية الصحافة.

وفي اطار اقتراح من المجلس الوطني تدفع الحكومة تكاليف طبع الطبعات الثلاث الاولى لاي مطبوعة وتقدم خدمات طباعة مخفضة فيما بعد. وتستخدم أموال جهاز الاعلام الحكومي في عهد القذافي لتغطية التكاليف.

واوضح المسماري أن الحكومة تعتزم ممارسة نوع من الرقابة على مطبوعاتها التي ستزيد من اثنتين الى خمس تجنبا لاذكاء الخصومات القبلية لكن يحق للصحف المستقلة نشر ما يحلو لها.

وقال المسماري انه لابد من وجود خطوط فاصلة وهي كل ما يعرض وحدة ليبيا الوطنية للخطر وما يثير الانقسامات وضرب مثلا بالخلافات بين طرابلس في الغرب وبنغازي في الشرق وأضاف أنه لا يمكن منع الصحف الاخرى من نشر اي شيء.

وفي حين أن معظم المطبوعات الجديدة مكرسة لمديح المعارك البطولية التي يخوضها مقاتلو المجلس الوطني ضد قوات القذافي فان بعضها أصبحت منابر للمواطنين الليبيين لانتقاد حكامهم الجدد والتعبير عن امالهم في دولة ديمقراطية حرة تتمتع بالرخاء.

وترتبط معظم الصحف بالمدن التسع او العشر الرئيسية في ليبيا والمطبوعات المرتبطة بطرابلس او بنغازي هي التي توزع على نطاق واسع فيما يبدو. وهناك اصدارات صغيرة تخرج من قرى لكن تداولها محدود.

ويعتزم المجلس الوطني توفير التدريب والدعم الفني للناشرين لكنه بانتظار الافراج عن الاصول المجمدة الخاصة بجهاز الاعلام الحكومي السابق. وقال محمود درويش وهو أحد مساعدي المسماري ان هذا صحي وطبيعي لان الآراء تعرضت للتهميش 40 عاما. وأضاف أن حتى المطبوعات التي تحمل أقسى الانتقادات ابتعدت عن التحريض الذي يظهر على شبكات التواصل الاجتماعي والكتابات على الجدران في مناطق معينة. وتابع أن الانتقادات التي يراها في الصحف لاتزال بناءة حتى الان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/تشرين الأول/2011 - 27/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م