شبكة النبأ: من المؤكد ان غاندي في
ثورته التحررية السلمية قد قرأ الكثير عن الثورات وقرأ الكثير من عيون
وروائع الادب العالمي، ومن المؤكد انه لم يتاثر بما قاله الشاعر العربي:
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة تدق، ومؤكد انه لم يتاثر بالشاعر
العربي الذي قال: السيف اصدق انباء من الكتب.
ولم يتاثر بما قاله الشاعر العربي: نحن اذا بلغ الرضيع لنا فطاما...
خرت له الجبابرة ساجديـــنا.
بل قرأ وتاثر بما قاله سيد المقتولين ظلما الإمام الحسين (ع) واطلق
مقولته الشهيرة: تعلمت من الحسين ان أكون مظلوما فانتصر.
المرجعية الثقافية العربية مرجعية متوترة، مأزومة، تطفح على جوانبها
وفي الصميم منها بكل ما من شانه تغذية العنف والاحتفاء بالقوة، القوة
المادية المجردة... كل فكر يتعارض مع تلك التوترات هو فكر مقصي، ومخصي،
ومغضوب عليه.
سدنة العنف الواقفين على ابواب مرجعيتنا الثقافية، فقهاء، شعراء،
كتاب، سياسيين،ثوريين حزبيين لا يعرفون غير لغة الدم والثار.. لاشيء من
مسالمة الانبياء التي كانت جغرافيتنا وتاريخنا مسرحا لظهورهم عبر آلاف
السنين.. ولا شيء من تعاليمهم يمكن ان يهذب تلك الافكار في عقولنا
والتي جاهدوا في سبيل غرسها فينا.
في حادثة شهيرة من حوادث الغضب النبوي على قادة جيوشه حين بادر خالد
بن الوليد الى قتل احد المشركين بعد ترديده الشهادتين، لماذا قتلته يا
خالد؟ اجابه: لأنه ردد الشهادتين خوفا من القتل وليس ايمانا.. ليجيبه
الرسول الكريم (ص): هلا شققت قلبه يا خالد؟
وهي إدانة صارخة لكل فعل يؤدي الى قتل الانسان – مطلق الانسان – دون
محاكمة او مساءلة على ما ارتكبه فكيف الحال بما لم يرتكبه؟ انها
النوايا السيئة التي يحيق مكرها بصاحبها.
يذكر الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل) في كتابه (السلطان) عن
مفعول الايديولوجيات المخيف: (اذكر احد البلاشفة الذي قابلته في بكين
عام 1920 كان يذرع غرفته جيئة وذهابا وهو يردد العبارة التالية وقد
اودعها كل ما لديه من يقين: اننا اذا لم نقتلهم قتلونا.. ووجود هذه
النفسية عند احد الجانبين يستدعي تولدها عند الجانب الآخر وتكون
النتيجة قتالا حتى النهاية). ليصل الى تقرير قانون اجتماعي مهم وهو ان
هذا الجو يقود الى تأسيس الاستبداد: (وتحصل الحكومة اثناء القتال على
سلطان استبدادي لاسباب عسكرية واذا ما انتصرت في النهاية فأنها تستخدم
هذا السلطان في سحق من يتبقى من العدو ومن ثم ضمان استمرار
ديكتاتوريتها على مؤيديها)... والامثلة كثيرة في حالنا العربي منذ اول
انقلاب عسكري وأول ثورة دموية.
جميع قادة الانقلابات والثورات العربية انقلبوا على ما قاموا
بالانقلاب ضده.. حالة واحدة يمكن استثناؤها من هذا النسيج العربي وهي
حالة عبد الرحمن سوار الذهب الذي سلم السلطة كما وعد في بيان انقلابه.
البقية اسسوا لطغيان واستبداد اكثر مما كان سابقا له، الدم يستدعي
الدم والعنف يستجيب للعنف.. فعل ورد فعل كما تخبرنا قوانين الفيزياء
وقوانين علم الاجتماع.
لا يمكن للبندقية وتحت اي ذريعة ان تتمكن من بناء مجتمع.. ولا يمكن
لوم الطغاة دائما على
ما فعلوه بنا وما يفعلون.
القران الكريم وكعادته يعكس المفاهيم التي تعودنا عليها فيلوم
الضحية وليس الجلاد وينفرد بمصطلح (ظلم النفس) فما يقع للناس هو بما (كسبت
أيديهم) وما ربك بظلام للعبيد.. ويلوم المثقف الذي يجب ان يبين الافكار
للناس ولا يقعد في جيب الحاكم ويعتبر ان الافكار هي التي تغير المجتمع
وليس تغيير الحكام لان الطغيان سوف يستبدل بطغيان اشد..
يذكر الباحث السوري (نذير فنصة) في كتابه (أيام حسني الزعيم) ان
وفدا من أعيان دمشق وشيوخها طلبوا مقابلة الحاكم العسكري السوري حسني
الزعيم لأمر ساءهم فأرادوا مواجهته بالامر.. علم الزعيم بالأمر فرتب
خطة مع رئيس المكتب الثاني للاستخبارات.. عندما دخل عليه الوفد تظاهر
بانه مشغول بحديث تلفوني هام وكانت قدماه فوق الطاولة في مواجهة الوفد..
كان الزعيم يتكلم: انت رئيس المكتب الثاني وتسألني عن هذا الشخص. انا
آمرك ان تأخذه وتعدمه فورا.. ثم وضع السماعة والتفت الى القوم الذين
كانوا ينصتون بذعر لأوامر الإعدامات الفورية وقد ابيضت وجوههم من الخوف
مرحّبا: أهلا بكم لماذا جئتم لمقابلتي؟ اجابه الجميع فورا بلسان واحد:
جئنا فقط لتهنئتك ولنتشرف بمقابلتك.. قال: حسنا انصرفوا راشدين فقد
بلّغتم الرسالة وأديتم الأمانة.. وعندما خرجوا التفت الى عديله نذير
فنصة وهو يضحك قائلا: امة من هذه النوعية يناسبها حاكم مثلي.
وهو ما كان من تاريخ سورية الحديث.. انقلاب بعد آخر، والعنف والثار
سيد الأحكام والحضور.
في ليبيا صفق العرب من قهرهم لانتفاضة الشعب الليبي ضد طاغيتهم
القذافي، ولم يتساءل الكثير من العرب عن حجم الدمار والخراب والقتل
الذي يلحقه كل طرف بالآخر.
الجميع فرحون بهذا النزق الثوري رغم بوادر الانتقام التي أدت الى
اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس رئيس أركان الثوار كما كشف ذلك وقتها
احد الضباط.
كان الاجدر بالمقاتلين الليبيين وهم يأسرون القذافي ان يحافظوا على
سلامته وان يعدوا لوائح الاتهامات ضده وبعدها يقدم الى محكمة دولية او
ليبية ومساءلته عما اقترفت يداه طيلة أربعين عاما من حكمه، ربما يعترض
المعترضون ويقولون وما الفرق وهو من المؤكد سينال حكما بالاعدام على
جرائمه.. تلك ميتة وهذه ميتة.. الفرق شاسع بين الميتتين.
في الأولى ان تشرع لنسق من العنف ردا على عنف سابق وانت الذي خرجت
ثائرا ضد ما لحق بك من هذا العنف.
في الحالة الثانية انت تشرع لبداية جديدة عمادها القانون نصا وروحا
وقدرتك على تطبيقه والالتزام به... قتل القذافي بعد أسره لا يبشر بخير
لعملية التغيير التي حدثت في ليبيا. |