المراكب البحرية في النيل تنتظر عودة السياحة

 

شبكة النبأ: لم تبحر الباخرة الجديدة الهمبرا في النيل الا مرتين فقط قبل الاطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك في فبراير شباط وهي منذ ذلك الحين راسية على ضفاف النهر حيث تغطي الاتربة أثاثها الفخم بينما تنتظر عودة السائحين.

ولم يعد في أسوان موطن الاثار الفرعونية العريقة واحدى أشهر محطات الرحلات النيلية في مصر الا قليل من السائحين الذين كانوا عادة يتزاحمون على ضفاف النهر التي تصطف عليها الاشجار. وأصبحت عشرات السفن راسية تنتظر الزائرين.

ويقول مشغلو البواخر النيلية انه من بين أكثر من 300 باخرة كانت تجوب هذا الجزء من أطول نهر في العالم -وهي جزء من القطاع السياحي أحد مصادر الايرادات الرئيسية في مصر- لم تعد تبحر سوى نحو 40 باخرة.

وقال ألبرت زكريا مدير الباخرة (بو سولي) احدى البواخر العاملة حاليا لرويترز "أبقي الباخرة مفتوحة فقط لدفع المرتبات لا لتحقيق ربح .. لان هذا لن يحدث في المستقبل القريب."

ومثل كثيرين غيره يضطر زكريا لدفع الفواتير والرواتب دون تحقيق ايرادات لكي يكون مستعدا عند عودة السياح. لكنه لا يعلم متى سيحدث ذلك.

وتراجعت أعداد السائحين وهو ما أضر بملايين من المصريين يعتمدون في كسب عيشهم على 14 مليون سائح أو أكثر كانوا يزورون مصر سنويا وهي قطاع يوفر واحدة من بين كل ثماني فرص عمل في البلاد التي تعاني من ارتفاع معدل البطالة.

وتراجع عدد السائحين الذين يزورون مصر بأكثر من الثلث في الربع الثاني من 2011 عن مستواه قبل عام اذ زار البلاد نحو 2.2 مليون سائح في الربع الثاني انخفاضا من 3.5 مليون في الفترة المقابلة من 2010 .

وفي أسوان الواقعة في أقصى جنوب البلاد لا يبدأ الموسم السياحي عادة قبل الخريف حين يكون الطقس أكثر اعتدالا. وبدأ بعض السائحين يعودون لكن كثيرين ألغوا رحلاتهم بعد مقتل 25 شخصا في أعمال عنف جديدة في القاهرة حين اشتبك مسيحيون مع الشرطة أثناء احتجاج على هجوم على كنيسة قرب أسوان.

وقال مصطفى أحمد الذي يعمل نادلا في فندق "السياحة ماتت. الحمد لله أنه مازال لدينا عمل لكن في كل مرة نعتقد أن الامر سيتحسن تحدث كارثة." وعبر عن حزنه لان التوترات التي حدثت هذا الشهر بدأت بسبب خلاف في قرية الماريناب التي تبعد مسافة 150 كيلومترا شمالي أسوان.

والسياحة من أكبر مصادر العملة الاجنبية في مصر وتشكل أكثر من عشر الناتج المحلي الاجمالي. وقالت وزارة السياحة ان معظم السائحين الان يذهبون الى وجهات شاطئية.

وقال عبد الناصر صابر رئيس نقابة المرشدين السياحيين بأسوان ان معدل اشغال الفنادق في المدينة يحوم الان قرب 15 بالمئة بينما يبلغ معدل اشغال البواخر النيلية 30 بالمئة. لكن في الاحوال العادية كان المتوقع أن تكون الفنادق والبواخر محجوزة بالكامل أو بأكثر من طاقتها.

ويقول سكان في أسوان ان قطاع السياحة يعاني منذ الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك رغم أنه شهد فترات قصيرة من الانتعاش النسبي لكن الامور لن تتحسن حتى تستقر مصر وتنتهي المرحلة الانتقالية.

وقال صابر "هذا تحسن كبير عن ذي قبل. مرت أشهر طويلة لم يأت فيها أحد على الاطلاق. أي اشتباكات أو اراقة دماء ستبقي حالة السياحة هكذا ... علينا أن نبذل الجهود لتهدئة السائحين المحتملين والانتهاء من الانتخابات." بحسب رويترز.

وقرر المجلس العسكري الحاكم في مصر بدء اجراء الانتخابات البرلمانية في 28 نوفمبر تشرين الثاني وعلى مدى أربعة أشهر لكن لم يتم تحديد موعد للانتخابات الرئاسية ومازال هناك جدال شديد بين قوى المعارضة والمجلس العسكري بشأن العملية الانتقالية.

ويشكو كثير من العاملين في قطاع السياحة من الاحتجاجات والاضرابات العمالية المتكررة ومن اندلاع توترات طائفية وغياب الامن. وقال ماجد نادر مدير الباخرة سونيستا كروز "اذا ألقيت نقطة سوداء في كوب من اللبن فلن ترغب في شربه على الارجح. لم تقع أي حادثة لسائح لكن ليس كل الناس مستعدين لتعريض أنفسهم للخطر في بلد يمر بمرحلة انتقالية." وأضاف نادر الذي بلغ معدل اشغال باخرته 60 بالمئة بفضل دمج خطوطها "مع ضعف الادارة من جانب السلطات واستمرار الفوضي يفقد كثير من الناس الثقة في الثورة."

وبسبب خيبة الامل السائدة على نطاق واسع بين عامة المصريين من الطريقة التي يدير بها الجيش المرحلة الانتقالية تتنامى المخاوف من عدم تسلم المدنيين للسلطة قريبا.

وقال فريد فرح المدير العام لشركة نوبيان ترافل "فكرة الحكم العسكري تخيف السائحين. معظم هذه المخاوف ستستمر حتى الانتخابات الرئاسية وتسلم المدنيين للسلطة." وأضاف محذرا "عندما تتوقف السياحة يتوقف معها كل شيء."

ويقول السائحون الذين يزورون مصر انهم ليسوا قلقين الى هذا الحد. وقالت كاريس ينج وهي سائحة أمريكية عمرها 32 عاما "أصدقائي نصحوني بعدم السفر حين عرفوا أنني قادمة الى مصر لكنني قلت لهم انني لا أرى سببا يمنعني من المجيء الى هنا. المصريون يحتاجون مساعدتنا وهذه احدى طرق المساعدة." وأضافت ينج التي وصلت الى مصر بعد يوم من الاشتباكات الاخيرة "لم أشعر مطلقا بعدم الامان. الجميع ودودون جدا ونحن نقضي وقتا رائعا." وهي مثل كثير من السائحين الذين أغراهم انخفاض الاسعار.

لكن سائحي الرحلات الاقتصادية لا يحققون للبلاد نفس الايرادات التي يحققها غيرهم. ويقول مرشدون سياحيون ان هؤلاء أقل ميلا الى توسيع خططهم السياحية ولا يعطون بقشيشا جيدا. ويشكو المرشدون من قلة العملاء وبعضهم يعمل مرة في الشهر اذا وجد العمل أصلا.

وفقد العاملون الذين يعملون في الفنادق وغيرها من المنشات السياحية خلال ذروة الموسم السياحي مصدر دخلهم. أما بالنسبة لكثيرين غيرهم فان أصحاب العمل لا يستطيعون دائما دفع رواتبهم.

وقال زكريا مدير الباخرة (بو سولي) "المرتبات تتأخر أحيانا لانني أدفع حين يكون لدي المال. كلنا صابرون لانه ليس هناك ما بوسعنا فعله في هذه المرحلة لكن المشكلة أننا لا نستطيع أن نتوقع متى سينتهي هذا القحط."

وقال وزير السياحية منير فخري عبد النور في ابريل نيسان انه يتوقع تعافيا بحلول الربع الاخير من العام حتى وان كانت الايرادات ستنخفض بنسبة 25 بالمئة عن مستواها في 2010 . لكن العاملين في القطاع يقولون ان هذا سيتحقق فقط اذا لم تحدث اضطرابات. وبعد الاشتباكات التي وقعت أوائل الشهر الجاري ألغيت حجوزات تسع حجرات في باخرة زكريا. ولا تحظى الاضرابات العمالية والاحتجاجات المتكررة بالقبول في أسوان.

ويقول بهاء ربيع محمد وهو بائع عمره 26 عاما في بازار بالمدينة "يجب أن يهدأ الناس ويتركوا البلاد تستجمع قوتها. اقتصادنا ينهار واذا استمر الوضع الحالي لن يبقى لنا شيء .. ولا حتى دولة نحارب من أجلها." وعبر أيمن (42 عاما) الذي يعمل في قطاع السياحة في أسوان عن مشاعر مماثلة.

وشكى قائلا "كل هذه الاحتجاجات من أجل زيادة الاجور سخيفة. انهم يأخذون كل الاموال الموجودة لدى الحكومة دون أن يعملوا. لقد انتظروا 30 عاما .. ألا يمكنهم الانتظار ستة أشهر أخرى.." في اشارة الى العقود الثلاثة التي حكم فيها مبارك. وأضاف "قلت لمعلم في مدرسة أولادي وهو يشارك في اضراب للمطالبة بزيادة الاجور انه اذا استمر هذا الوضع فأعتقد أننا سنضطر الى سرقتهم لانهم يحصلون على أموال من الحكومة بينما لا أحصل أنا على أي دخل من أي مكان." وانفجر في الضحك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 24/تشرين الأول/2011 - 26/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م