أمريكا تنسحب على مضض والعراق يكابر على مخاوفه

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: لم يأت الرئيس الأمريكي بجديد في إعلانه الصريح عن سحب كامل قطعات جيشه من العراق، على الرغم من مسعى الإدارة الأمريكية الحثيث في إقناع العراقيين بالإبقاء على بعض القوات او إنشاء قواعد دائمة تؤمن لها بعدا استراتيجيا في ذلك البلد المهم.

الا ان ما دفع الولايات المتحدة الى عدم المماطلة او الضغط على الحكومة العراقية المحرجة، هو قناعتها بحسب المحللين الى استخدام القوة الناعمة او الشبحية في تعزيز مواقعها وتاثيرها على القرار العراقي، اسوة بما تفعله ايران، عبر تمتين علاقاتها مع اللاعبين الكبار في المشهد السياسي العراقي، او صنع البعض منهم، خصوصا انها أمنت ولا تزال العملية الديمقراطية في ذلك البلد.

كما ان لتواجد الشركات الامنية والتي قد يبلغ عدد افرادها الى ما يزيد عن عشرة آلاف فرد، بالاضافة الى انشاء اكبر سفارة لها في العالم وسط بغداد، عزز من احساس الادارة الامريكية انها لا تزال تمسك بخيوط اللعبة السياسية في العراق.

تسع سنوات من الحرب

فقد تعهد الرئيس الامريكي باراك اوباما بسحب جميع القوات الامريكية من العراق هذا العام لينهي رمزيا الحرب لكنه يحبط امال الولايات المتحدة بترك الاف قليلة من القوات لدعم العراق المتداعي وتحقيق توازن مع تأثير ايران المجاورة.

وبعد اخفاق اشهر من المفاوضات مع مسؤولين في بغداد في التوصل الى اتفاق لابقاء ربما الاف من العسكريين الامريكية في العراق كمدريبين اعلن اوباما انه سيلتزم بخطط سحب القوة الباقية البالغ قوامها 40000 بحلول نهاية العام.

وقال اوباما للصحفيين "بعد مرور نحو تسع سنوات ستنتهي حرب امريكا في العراق." ويعد الاعلان حدثا مهما بعد اكثر من ثماني سنوات ونصف من قيادة ادارة بوش الغزو للاطاحة بصدام حسين بناء على تحذيرات من وجود اسلحة دمار شامل ثبت في نهاية الامر عدم وجودها.

ويتطلع اوباما الى انهاء عشر سنوات من الحرب في العالم الاسلامي والتي اضرت بصورة الولايات المتحدة على نحو دائم في انحاء العالم واجهدت جيشها وميزانيتها. ويضع اوباما نصب عينيه حملة اعادة انتخابه في 2012 والتي يحتمل ان تركز على اسلوب معالجته للاقتصاد الامريكي.

ووصل عدد القوات الامريكية الى ذروته وهو نحو 190000 جندي عام 2007 . وقتل نحو 4500 جندي امريكي وكلفت الحرب دافعي الضرائب الامريكيين اكثر من 700 مليار دولار امريكي في الانفاق العسكري وحده. بحسب رويترز.

وحتى مع سعي قادة الديمقراطية الهشة في العراق الى ان ينأوا بانفسهم عن واشنطن فان العراق يقف على قدمية ببطء بعد سنوات من العنف الشديد جدا الذي حطم مجتمعه وقتل عشرات الالاف من الاشخاص.

وعلى الرغم من ترحيب واشنطن بتقدم العراق المتعثر ولاسيما في ظل وجود اضطراب يجتاح الشرق الاوسط فان نظامه السياسي لا يزال يواجه مأزقا مستمرا بشأن قضايا تثير انقسام دولة مقسمة دينيا وعرقيا.

وهناك فرق شاسع بين العنف هناك والمذابح الطائفية التي شهدها العراق في 2006 و2007 لكن العراق ما زال يعاني من هجمات يومية من متمردين متعنتين متحالفين مع القاعدة ومن رجال ميليشيات شيعية.

وتحدث اوباما بعد مؤتمر عبر دائرة تلفزيونية مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وقال انهما متفقان تماما بشأن طريقة المضي قدما. وقال اوباما ان الدولتين تدخلان الان "مرحلة جديدة" وانه ستكون هناك "علاقة طبيعية بين دولتين صاحبتي سيادة. شراكة جديدة متساوية قائمة على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل."

ويمثل انسحاب القوات الامريكية علامة بارزة كبرى في الحرب التي بدأت في عام 2003 وأطاحت بالرئيس العراقي السابق صدام حسين من السلطة. وقال اوباما "على مدى الشهرين القادمين سيحزم جنودنا في العراق.. عشرات الالوف منهم.. أمتعتهم وعتادهم عائدين في قوافل الى الوطن." وأضاف "سيعبر اخر جندي أمريكي الحدود خارجا من العراق برأس مرفوع عاليا وهم فخورون بنجاحهم ويعلمون أن الشعب الامريكي يقف متحدا في دعم جنودنا.. هذه هي الطريقة التي ستنتهي بها جهود الجيش الامريكي في العراق."

وتراجع دور الجيش الامريكي في العراق ليغلب عليه تقديم المشورة للقوات العراقية في بلد تراجعت فيه مستويات العنف بدرجة كبيرة بعد أن بلغت ذروتها في الصراع الطائفي في عامي 2006 و2007. لكن ما زالت تقع هجمات بشكل يومي.

ويقول عراقيون بارزون في احاديث خاصة انهم يرغبون في بقاء قوات امريكية للحفاظ على السلام بين العرب والاكراد المختلفين بشأن السيطرة على مناطق غنية بالنفط في شمال العراق.

العراقيون قلقون

من جانبهم أعرب العراقيون عن قلقهم بشأن مدى قدرة قواتهم المسلحة على حمايتهم من العنف بعدما قال الرئيس الامريكي باراك اوباما ان القوات الامريكية ستنسحب بحلول نهاية العام.واثار اعلان اوباما قلق العراقيين بشأن استقرار بلادهم واحتمال انزلاقها الى العنف الطائفي. وقال زياد جباري صاحب متجر للاحذية في بغداد "سأكون سعيدا جدا بهذا الانسحاب اذا كان جيشنا وقواتنا الامنية على استعداد لسد فراغ القوات الامريكية. لكني لا اعتقد انهما قادران. لا يمكن ان نخدع انفسنا. "قواتنا لا تزال غير قادرة على مواجهة تحدياتنا الامنية. اخشى ان يمكن هذا الانسحاب تنظيم القاعدة والميليشيات من العودة."

ولا يزال تمرد سني عنيد مرتبط بالقاعدة وميليشيا شيعية يشن هجمات قاتلة في العراق حيث يقع التفجير والقتل بشكل يومي حتى رغم تراجع العنف عن ذروة الاقتتال الطائفي عامي 2006 و 2007.

وقتل ما لا يقل عن 70 شخصا الاسبوع الماضي في سلسلة هجمات هزت العاصمة بغداد. وتشير ارقام الحكومة العراقية الى مقتل 42 من الشرطة العراقية و33 جنديا في سبتمبر ايلول.

وكانت قوات الامن العراقية الهدف الرئيسي للهجمات هذا العام مع سعي المسلحين الى تقويض الامن في البلاد قبيل الانسحاب الامريكي المقرر بنهاية العام.

وقال مناف حميد الذي يبلغ من العمر 47 عاما ويعمل مديرا للحسابات في بنك خاص "كمواطن عراقي اقول للسيد اوباما انك ستغادر العراق دون انجاز مهمتك. "لا امن مقترنا بنظام سياسي غير مستقر وتوتر طائفي وقوات امن ضعيفة وهذا ما سيتركه الامريكيون وراءهم."

ويقول بعض القادة العراقيين سرا انهم يرغبون في وجود للقوات الامريكية كضمانة للحيلولة دون وقوع مشاكل طائفية والحفاظ على السلام بين العرب والاكراد في العراق في نزاع بشأن السيطرة على المناطق الغنية بالنفط في الشمال.

وتقول القوات العراقية والامريكية ان العراق بحاجة لمدربين لما بعد 2011 لتطوير قدراتها العسكرية خاصة في سلاحي الجو والبحرية. ويواجه ائتلاف تقاسم السلطة في البلاد والمؤلف من كتل سنية وشيعية وكردية مأزقا سياسيا يخشى كثير من العراقيين ان يتفاقم في غياب الوجود الامريكي.

وقال تاجر ببغداد يدعى منتظر عبد الوهاب ويبلغ من العمر 44 عاما "اعتقد ان القتال بين الكتل السياسية سيزيد لان وجود القوات الامريكية صمام امان للقضايا الامنية والسياسية."

لكن بعض العراقيين اشادوا بقرار اوباما ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وقالوا ان انسحاب القوات الامريكية سيساعد على استقرار الوضع السياسي الهش في البلاد وسيهدئ من حدة التوتر الطائفي.

ولا يزال كثير من العراقيين يحملون ذكريات الانتهاكات التي ارتكبتها القوات والمتعاقدين الامريكيين خلال سنوات اكثر عنفا من الصراع العراقي. وجعل ذلك ضمان الحصانة امرا صعبا بالنسبة للمالكي.

وقال نواب عراقيون يدعمون رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر انهم سيعطلون حكومة تقاسم السلطة اذا وافق على بقاء القوات الامريكية. والتيار الصدري جزء رئيسي في الحكومة الائتلافية التي يقودها المالكي.

وقال المهندس مهدي سالم الذي كان يزور عائلته في كركوك "الشعب العراقي سيدرك ضرورة العيش معا في بلد واحد رغم الاختلاف في الدين والطائفة والجنسية..امريكا حاولت جرنا لحرب اهلية."

محاولة الاتفاق على ابقاء مدربين

على صعيد متصل قال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة لم تتخل عن محاولة التوصل إلى اتفاق يكفل بقاء مدربين عسكريين أمريكيين في العراق بعد نهاية العام حيث تشعر بالقلق مما تراه تدخلا إيرانيا في المنطقة.

وقال وزير الدفاع ليون بانيتا ان المسؤولين الامريكيين والعراقيين يواصلون المباحثات التي قد تسمح لبعض الجنود الامريكيين بالبقاء في العراق بعد 31 من ديسمبر كانون الاول وهو الموعد المحدد لانتهاء الوجود العسكري الامريكي في العراق بعد مرور ثمانية اعوام على الغزو.

ويدور الخلاف منذ شهور بين فصائل النخبة السياسية العراقية المنقسمة بشأن بقاء بعض الجنود الامريكيين لاغراض التدريب. وترفض بغداد منح اي حصانة للجنود الامريكيين وتقول واشنطن ان هذا قد يؤدي الى عدم التوصل الى اتفاق.

وقال بانيتا للصحفيين في وزارة الدفاع "لا يوجد موعد نهائي في هذه المرحلة. نحن نواصل التفاوض." وقال المتحدث باسم بانيتا جورج ليتل "ما زال وجود بعثة أوسع مطروحا للنقاش."

وقال ليتل ان رغبة الولايات المتحدة في ابقاء مدربين في العراق تستند في جانب منها الى الخطر الذي ينبع من ايران المجاورة. واضاف قوله "بصرف النظر عن مسألة وجود قوات فاننا سنعمل بشكل وثيق مع حكومة العراق لاننا ما زلنا نشعر بقلق بالغ من تدخل ايران لا في شؤون العراق وحده ولكن أيضا في شؤون بلدان أخرى في المنطقة. وهذا أمر غير مقبول."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/تشرين الأول/2011 - 25/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م