نهاية القذافي هل تنهي ظاهرة القمع في العالم العربي؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: وأخيرا وصل القذافي الى نهايته المتوقعة، وهذه هي النهايات التي تنسجم وتليق بالحكام والانظمة الفردية، بل هذه نهاية الافراد المتجبرين ايضا، ليس الحاكم القمعي ولا الحكومات القمعية وحدها ستطالها مثل هذه النهايات المهينة، بل أي فرد تتضخم ذاته وتدفعه الى ظلم الآخرين، عليه أن ينتظر نهاية مشابهة، ويمكن ملاحظة تضخم الذات، كنتيجة لطبيعة السلوك العائلي والاجتماعي عموما، وهذا ما ساعد على نشر الانظمة القمعية في بلداننا العربية كونها نتاج لطبيعة السلوك المجتمعي.

لقد حدثت في ليبيا لحظة التحول المحوري بنهاية القذافي، وبدأ عهد جديد له سماته السياسية والاجتماعية والثقافية، التي ينبغي أن تختلف عن الارث الثقيل الذي خلفته أربعون عاما من الحكم التسلطي الأهوج، ولا يصح إطلاقا أن تتأسس جذور أخرى للقمع في هذا البلد الذي عانى شعبه من الفقر والظلم والتجهيل، على الرغم من ثرواته الهائلة قياسا لتعداد نفوسه، وينبغي أيضا ان يكون الدرس الليبي واضحا ومفهوما من لدن الحكام والحكومات، التي لا تزال ترى في القمع نهجا مناسبا لحماية عروشها من السقوط.

إن نهاية القذافي بهذه الطريقة، التي أثبتت قدرة الشعوب على تصحيح المسارات، وتلقين الحكام ما يليق بهم من دروس، ينبغي أن تشكل نقطة وقوف وتأمل كبيرة وعميقة لدى الحكام، الذين لازالوا يتشبثون بمنهج العنف، والقتل والتعذيب والاقصاء، سبلا لحماية مناصبهم وكراسيهم، لأن التأريخ المنظور والوقائع الساخنة، ما تلبث أن تقدم النصائح الواقعية التي تنبذ القمع وترفضه، بل وتثبت بأنه الظاهرة الاساسية التي تؤدي الى إسقاط الحكام وحكوماتهم القمعية.

ولو تساءلنا، هل تخلو دول الشرق الاوسط من حكومات لا زالت تتخذ من القمع منهجا، وسلاحا يحميها من السقوط، فإن الجوب سيأتي بالقول الاكيد، أن ثمة حكام وحكومات لاتزال تنتهج العنف والقمع، طريقا لتدعيم مواقعها السلطوية، وأن حكامها ومعاونيهم لا يريدون أن يقرّوا ويعترفوا، بأن زمن القمع قد ولى الى الابد، بل أن بعض الحكام لا يزال متشبثا بالقمع كطريق لا مناص منه لابقاء سلطته يوما آخر، مع أنه يرى بعينه ما جرى للقذافي ومن سبقوه من الحكام العرب وغيرهم.

إن هذا الاصرار العجيب على ممارسة القمع الحكومي للشعوب، يستدعي فهم هذه الظاهرة والبحث في جذورها، واسباب نشوئها، ونموها وثباتها، كمنهج تعامل دائم للحكومات مع شعوبها، ولابد أن فهم الجذور ودراستها، وفهم الاسباب ومعالجتها، يسهم الى حد كبير في الاقلاع عن ظاهرة القمع، في التعامل بين الحكام والشعوب، فالنهج المتسلط يبدو منتشرا كمرض السرطان، في معظم مجتمعات الشرق الاوسط، لاسيما العربية منها، ويبدأ ذلك بالسلطة الابوية في العائلة، ليتدرج صعودا في الدوائر الرسمية الصغيرة فالكبيرة، وفي المدارس والجامعات، والمصانع والمؤسسات الادارية والانتاجية عموما، حيث يسود منهج تسلط المسؤول الاعلى على الادني، مع تحييد شبه تام للقانون، والمحددات المهنية التي تنظم الصلاحيات، وطبيعة الانشطة العملية عموما، كل هذا يحدث نتيجة لتضخم ذاتي مريض، هو نتاج علاقات اجتماعية وثقافية، هي الاخرى مريضة، وتحتاج الى إعادة نظر ومعالجة جوهرية من لدن المعنيين.

إن مقتل القذافي يمكن أن يشكل نقطة بداية للحد او القضاء على ظاهرة القمع، اذا ما تم التعامل مع هذه الظاهرة، باسلوب فهم الاسباب ومعالجتها، بعد وضع الحلول المنهجية المناسبة لذلك، ولابد اولا أن نتفق جميعا، على أن زمن الحكومات القمعية قد انتهى الى الابد، ولابد أن يتفق الجميع، محكومون وحكام، على إشاعة مبدأ التداول السلمي للسطة، من خلال نبذ التسلط بكل اشكاله، سواء الفردي او الجماعي، على أن يكون البديل دائما سيادة القانون، واحترامه وتطبيقه بصورة فعالة وحاسمة، أي أن القضية برمتها تتطلب نشر ثقافة سلوك جديدة، لابد أن نبدأ بها (كما حدث في العراق، مع ضرورة الاقرار بالسلبيات الكثيرة التي رافقتها)، ولابد من مواصلة جهود نشر السلوك والفكر المتحررين من القمع والتسلط، بما في ذلك الفكر والسلوك السياسي، الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بعيدا عن وسائل العنف أو القسر بكل اشكالها.

ولكن علينا أن نتفق اولا، على أن الامر ليس بهذا اليسر والسهولة، اذ توجد لدينا تراكمات قمعية نشأت ونمت عبر آلاف السنين، ولا يمكن أن تعالج بعجالة، ويبقى أن تكون البدايات صحيحة، وأن التأسيس لمقارعة ظاهرة القمع، ينبغي أن يكون علميا وصبورا، وأن يكون الجميع مستعدين لتحمل الخسائر الجسيمة، التي ستواجه الخطوط المتحررة، وهي تجهد نفسها وتكافح بضراوة وايمان، لنقل مجتمعات وشعوب الشرق الاوسط برمته، من مرحلة القمع الطويلة، الى مرحلة التحرر، التي سبق وأن عبرت إليها شعوب وأمم، سبقتنا الى تحقيق الانظمة الديمقراطية المتحررة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/تشرين الأول/2011 - 25/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م