شبكة النبأ: ما الذي يجمع بين شعبان
عبد الرحيم المطرب الشعبي المصري والمعروف باسم شعبولا صاحب اغنية (انا
اكره إسرائيل واحب عمرو موسى) وبين الاخير ترويجا لترشيحه لانتخابات
الرئاسة المصرية؟
وما الذي يجمع بينهما وبين ماقام به احد الشعراء العراقيين في
محافظة النجف حيث نصب طاولة في احد الشوارع العامة واقام امامها
الندوات الثقافية؟
وما الذي يجمع بين كل ذلك وبين المظاهرات والاحتجاجات التي انطلقت
من شارع المال الامريكي وول ستريت وامتدت الى عدد من الدول الاوربية؟
ثم هل هناك من رابط بين ما ذكرناه اعلاه وبين الفيس بوك وما يحدث في
الشارع العربي من انتفاضات واحتجاجات.. ولا اقول ثورات، لاننا حتى الات
لم نشهد تغييرا حقيقيا في البنى السياسية او الاجتماعية او الاقتصادية
وحتى الثقافية في مجتمعات الانتفاضات التي اسقطت حكاما وطغاة مستبدين
بدات في تونس مرورا بمصر ولم تنته في سوريا واليمن؟
اقترنت هزيمة حزيران العام 1967 بالمطربة ام كلثوم حسب ما روجت له
الحركات الاسلامية والاحزاب القومية في حقبة السبعينات، وهو ترويج
استمر حتى حرب تشرين عام 1973 ولكنه بقي في الذاكرة التاريخية حتى
يومنا هذا رغم وجود ام كلثوم في تلك السنة ومشاركتها باغانيها الوطنية.
كانت ام كلثوم وغيرها من مطربي نلك المرحلة يطلق عليهم لقب (جيل
العمالقة) في وقت تقزّم فيه العرب في كل المجالات الاخرى.. ولم يقتصر
هذا الجيل على الغناء بل امتد الى الكتاب والمفكرين والممثلين، وحتى في
العراق كثيرا ما يتم الحديث عن جيل الستينيات ودوره في الثقافة
العراقية.
جيل العمالقة ذاك كان السبب وحسب الترويج الايديولوجي للحركات
السياسية في السبعينيات وراء الانكسارات والهزائم والانقلابات العسكرية
في البلدان العربية، مع انه جيل كان حديث الشارع والنخبة غير المنتهي
ابدا.
الا انه بقي عملاقا هو وغيره من الاجيال في الثقافة والفكر، لا
يستطيع ان يسحق ذبابة في وقت كانت بندقية العسكر وجزمته تسحق ملايين
المقهورين في تلك البلدان... في المقابل وفي اوربا لم تكن حركة الهيبيز
الشبابية التي ظهرت في الستينيات من القرن المنصرم الا تعبيرا عن الرفض
لجميع السياسات والسلطات في بلدانها.
وتعتبر هذه الحركة مناهضة ايضا لجميع القيم الرأسمالية، حيث ظهرت
بين طلاب بعض الجامعات في الولايات المتحدة كظاهرة احتجاج وتمرد على
قيادة الكبار ومظاهر المادية والنفعية وثقافة الاستهلاك، فقام بعض
الشباب المتذمر إلى التمرد على هذه القيم والدعوة لعالم تسوده الحرية
والمساواة والحب والسلام.
بعد تراجع الحركة الهيبية انتظم الكثيرون من المخلصين لها في
تشكيلات تنظيمية تعمل بصورة مركزة وانتقائية وقد حققت هذه الجماعات
تأثيرات ملحوظة خصوصاً في المجتمعات الغربية، فظهرت جماعات سياسية
تناهض التسلح النووي، وجماعات تناصر البيئة، وجماعات دعم للعالم الثالث
وجماعات مناهضة للعولمة وجماعات يناهضون العنف والحروب.
هل ما تشهده اوربا الان في بعض دولها تذكير بتلك الحركة؟ بدأت
الاحتجاجات متأثرة بحركة (احتلوا وول ستريت) في نيوزيلندا ثم انتقلت
عبر العالم الى أوروبا ومن المتوقع أن تعود الى نقطة انطلاقها في
نيويورك. وجاءت معظم التظاهرات صغيرة ولم تكد تعطل حركة المرور بخلاف
تظاهرة روما التي شهدت مشاركة الآلاف ممن أطلقوا على أنفسهم لقب (الساخطين).
ويهدف المتظاهرون الى المطالبة (بالحقوق والسياسات الاجتماعية الداعمة
للشباب، والتخلص من البطالة، وتحقيق مجتمعات الرفاه). وهي أهداف أعلنها
المنظمون للتظاهرات عبر مواقع الأنترنت والتواصل الاجتماعي.
وحين تذكر مواقع التواصل الاحتماعي فان الذهن ينصرف تحديدا الى
اشهرها وهو الفيس بوك الذي شكل علامة فارقة في الانتفاضات والاحتجاجات
التي قامت في عدد من البلدان العربية.. وهي مفارقة ساهم الاعلام في
تضخيم حجمها مقارنة بعدد الذين يستطيعون الوصول الى خدمات الانترنت
ومدى اهتمامهم بالاحداث التي تجري حولهم.
وهو ما يذكر بالصورة التي حرص الاعلام العربي قبل حركات الاحتجاج
على تقديمها عن المثقف والتي يرى فيها الباحث السعودي عبد الله الغذامي مشكلة
في الخطاب الإعلامي العربي، فهو يقدم المثقف باعتباره حالة متقدمة
وراقية على مستوى الناس العاديين، فيما يرى الغذامي أن العامي على
المستوى الأخلاقي أعلى شأنا من المثقف، لأنه أكثر تواضعا في الوقوف عند
حدود معرفته، ولا يضيره الاعتراف بجهله. أما المثقف فلديه إحساس بأنه
مختلف عن بني جلدته، ويغذيه الخطاب الذي يحيل كل شيء إلى المثقف.
لكنه رغم هذا يؤشر لحقيقة هامة وهي بروز (الشعبوية) كبديل لاحداث
التغيير الذي فشلت في قيادته النخب الثقافية والفكرية طيلة عقود من
تجارب الدولة الوطنية في البلدان العربية.
تشتق كلمة الشعبوية من كلمة أخرى ملتبسة هي (الشعب) او (الشعبي)
والتي استعملت اولا في اواخر القرن الخامس عشر كمصطلح قانوني.. ويستعمل
الشعبي للاشارة الى شيء واسع الانتشار او مقبول عموما.
والشعبوية تعني ايضا نظرية الروائيين الشعبيين الذين يصورون بواقعية
حياة عامة الشعب، ويفترض الخطاب الشعبوي التوجه المباشر إلى (الجماهير)
وفق تقويم إيديولوجي للنيات والنتائج.
ولقد ظهرت الشعبوية في الثلاثينات من القرن الماضي وخاصة في أميركيا
اللاتينية وهي الأكثر شهرة في هذا المجال، إذ أن بروز وجوهها الأكثر
شعبية جاء نتيجة سياسات حكومات ضعيفة وفاسدة، والأكثر شهرة هي التجربة
التي خاضها الزعيم خوان دومنغو بيرون والخطابات النارية لزوجته (ايفيتا).
فالبيرونية تجسد ثلاثة توجهات: القومية ومعاداة الامبريالية وتجاوز
الصراع الطبقي.
وقد عرف بيرون خصوصا خلال عهد حكومته الأولى 1946 ــ 1951 إعطاء
الضمانات للطبقات المحرومة وهذا ما يفسر الأسطورة البيرونية التي لا
تزال حية في الأذهان حتى يومنا هذا، فالأرجنتين تعرفت مع بيرون على
سياسة اجتماعية من الأكثر تقدما في أميركا اللاتينية. وتوالت الحركات
الشعبوية في سياق البيرونية ولكن باسم مبادئ متناقضة وصولا إلى الزمن
الراهن: في الإكوادور حيث أقترح الرئيس عبد الله بو كرم (ماي 1996 ـفبراير
1997) تشكيل (حكومة من الفقراء) وهو محاط بأكبر أثرياء البلاد، أو أيضا
مع الرئاسة (الاجتماعية) لهوغو شافيز في فنزويلا.
بالعودة الى بداية الموضوع وما طرحناه من تساؤل عن شعبولا وعمرو
موسى حيث قرر هذا المطرب إطلاق قناة فضائية جديدة بغرض تأييد عمرو موسى
المرشح المحتمل لرئاسة مصر.
وستختص القناة الجديدة بالأخبار المصرية المتنوعة، ولكنها سيكون
هدفها الأساسي مساندة عمرو موسى في حملته لرئاسة الجمهورية، حسب ما صرح
به المطرب الشعبي.
تاتي هذه القناة في وقت يحتدم فيه الجدل والصراع على الشارغ المصري
بين الاسلاميين الذين يتسيدهم الاخوان المسلمون وبين بعض الاحزاب ذات
التوجهات العلمانية.. ونتذكر خفوت صورة محمد البرادعي وانسحابه تقريبا
من المشهد السجالي المصري رغم ما يمثله من حضور نخبوي الا انه لم يكن
الأوفر حظا وهو المدعوم من الاخوان المسلمين أمام عمرو موسى الذي خلد
ذكره شعبولا في اغنيته الشهيرة تلك.
هل سيتمكن عمرو موسى من الفوز بالسباق الرئاسي المصري بمساندة
المطرب الشعبي امام المرشحين الاخرين الذين تساندهم النخب الثقافية
والسياسية في مصر؟ وهل سيكون للشعبوية دور اكثر فاعلية من النخبوية
العربية في ما يحدث الان في اكثر من بلد عربي؟
وهل سيستمر تأثير الفيس بوك في عمليات التغيير على حساب الخطابات
الاخرى التي استأثر بها المثقف النخبوي طيلة عقود؟
سوف نحتاج الى سنوات طويلة للحصول على اجوبة لتلك الأسئلة حول
التأثير والمواقع بين الشعبوية والنخبوية في حياتنا العربية. |