شبكة النبأ: بالأمس القريب كانت
باكستان الحليف الأقوى والأقرب إلى قلب الولايات المتحدة الأمريكية
التي ما انفكت تحارب الإرهاب على الأراضي الأفغانية والباكستانية في آن
واحد، حيث يمتد الخط الأول والأكثر سخونة لمتشددي القاعدة وطالبان
وحقاني، ألد أعداء الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين وأكثرهم
جرأة في تهديدها في عقر دارها عبر العديد من الهجمات الانتحارية،
واليوم -وعلى ما يبدوا- أصبح السيناريو الأمريكي مع الحليف الاستراتيجي
أكثر تعقيد، واختلف مشهد العلاقة الحميمة بين الطرفين إلى تبادل
الاتهامات وزيادة حدة التوتر بينهما على خلفية أحداث عديدة أشعلت فتيل
الأزمة، بعد أن بدئها مقتل "أسامة بن لادن" داخل الأراضي الباكستانية
من قبل قوات "كومندوس" أمريكي ومن دون علم إسلام أباد المسبق بذلك،
ليستمر مسلسل انحسار التعاون المشترك لمحاربة الإرهاب، في ظل إصرار كل
طرف على موقفه، مما ينذر عن احتمال انتهاء الشراكة والوصول إلى نهاية
الطريق، أو ربما البحث عن إعادة لصياغة جديدة وفق توجهات مختلفة عن
السابق.
باكستان تحذر أوباما
فقد قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الباكستاني سالم
سيف الله ان تحذير الرئيس الامريكي باراك أوباما لاسلام اباد بشأن صلات
مزعومة مع متشددين سيضر بجهود تحقيق الاستقرار في افغانستان ويذكي
المشاعر المناهضة للولايات المتحدة، ولباكستان دور محوري في اقرار
السلام في جارتها أفغانستان لكن الولايات المتحدة فشلت في اقناعها
بملاحقة جماعات متشددة تقول واشنطن انها تعبر حدود باكستان لمهاجمة
القوات الغربية في أفغانستان، وقال سيف الله "هذا لن يفيد الولايات
المتحدة أو باكستان او أفغانستان، ستتعرض الحكومة (الباكستانية) لضغوط
لتخرج من هذه الحرب" مشيرا الى الحرب على الارهاب التي تشنها واشنطن،
وقال الرئيس الامريكي باراك أوباما في مؤتمر صحفي ان الولايات المتحدة
لن تشعر بالارتياح تجاه علاقة استراتيجية بعيدة المدى مع باكستان اذا
رأت ان اسلام اباد لا تأخذ في الاعتبار المصالح الامريكية، وأضاف "اعتقد
أنهم يتحوطون في رهاناتهم فيما يتعلق بما سيكون عليه شكل أفغانستان وأن
جانبا من هذا التحوط يتمثل في التواصل مع بعض الشخصيات البغيضة التي
يعتقدون أنها قد تستعيد السلطة في أفغانستان في النهاية بعد مغادرة
قوات التحالف".
لكن الرئيس الامريكي لم يهدد بوقف المساعدات الامريكية لباكستان على
الرغم من دعوات أعضاء في الكونجرس لاتباع نهج أكثر صرامة بشأن اتهامات
بأن المخابرات الباكستانية دعمت هجمات على أهداف أمريكية في أفغانستان،
وانضمت باكستان الى الحرب الامريكية على الارهاب بعد هجمات الحادي عشر
من سبتمبر أيلول عام 2001 على الولايات المتحدة لكن أسلوبها في مكافحة
المتشددين مصدر توتر بين واشنطن واسلام اباد، وتأزمت العلاقات بين
باكستان والولايات المتحدة كثيرا بعدما شنت قوات خاصة أمريكية عملية
منفردة وقتلت أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في بلدة باكستانية في
الثاني من مايو أيار، وتدهورت العلاقات أكثر بعدما اتهم أكبر مسؤول
عسكري أمريكي جهاز المخابرات الداخلية الباكستاني بدعم الهجوم الذي
شنته شبكة حقاني المتحالفة مع طالبان على السفارة الامريكية في كابول
يوم 13 سبتمبر أيلول، وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ
الباكستاني ان انتقاد واشنطن العلني لباكستان غير ايجابي ولن يؤدي الا
الى خلق التوترات بين الدولتين المتحالفتين وهذا سيعود بفائدة على
الجماعات المتشددة. بحسب رويترز.
وقال سيف الله "الحرب في أفغانستان تمر بمرحلة حرجة مرحلة تطور وفي
هذه المرحلة تعكير المياه غير مناسب"، هذا تحديدا ما يريده المتشددون،
وهذا سيزيد من قوتهم"، وتدعو الولايات المتحدة الى شن عملية عسكرية على
شبكة حقاني التي تقول انها تتمركز في وزيرستان الشمالية وهي معقل عالمي
للمتشددين على الحدود الافغانية الباكستانية، ويقول محللون ان باكستان
ترى في شبكة حقاني قوة توازن النفوذ المتنامي للهند في أفغانستان،
وتنفي باكستان وجود صلات تربطها بالشبكة التي تقول انها لم تعد تنشط في
معاقل بمنطقة وزيرستان الشمالية وانها أصبحت تشعر بأمان أكثر في العمل
في أفغانستان بعدما حققت انتصارات على الارض، وأوضح أوباما أن مستقبل
العلاقات الامريكية الباكستانية سيعتمد كثيرا على امتثال اسلام اباد
الى مطالب واشنطن بقطع الاتصالات مع المتشددين، لكن المطلب الامريكي
المعلن سيجعل اسلام اباد أكثر ترددا في اتخاذ خطوات لان تنفيذه بعد ضغط
واشنطن المستمر عليها قد يكون انتحارا سياسيا في بلد تتنامى فيه
المشاعر المناهضة للولايات المتحدة ولا تحظى حكومته بالشعبية، وقال
المحلل السياسي حسن عسكري رضوي "سيخلق هذا الامر توترا ومن غير المرجح
أن يحدث ما يريده الامريكيون في المستقبل القريب"، ويريد أوباما تحقيق
الاستقرار في أفغانستان مع خفض عدد القوات الامريكية هناك بهدف انهاء
عملياتها القتالية بحلول عام 2014.
التفاوض مع الحكومة الأفغانية
بدوره قال سراج حقاني زعيم شبكة حقاني في أفغانستان إن وكالات
إستخبارات أمريكية أجرت إتصالات معه معربة عن رغبتها في أن تجري جماعته
محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية، وقد جاءت إجاباته في سياق ردود
مسجلة على أسئلة خطية وجهها اليه قسم الباشتو في البي بي سي، لكن سراج
حقاني لم يفصح عن طبيعة رده على العرض الذي تحدث عنه، كما نفى مسؤولية
الجماعة عن اغتيال الرئيس الأفغاني الأسبق برهان الدين رباني، ونفى
أيضا الاتهامات الموجهة الى جماعته بأنها تقف وراء الهجمات الأخيرة
الدامية في كابول، كما نفى أن تكون جماعته تتلقى أوامرها من أجهزة
الإستخبارات الباكستانية، ويشار إلى أن سراج هو نجل جلال الدين حقاني
مؤسس الجماعة ويعتقد أن له دور كبير في عمليات الشبكة، واتهمت مصادر
أمريكية شبكة حقاني بشن هجمات دامية في كابول الشهر الماضي اهمها سلسلة
هجمات استهدفت مبنى السفارة الأمريكية ومقر قيادة حلف شمال الأطلسي في
كابول ومنشآت حكومية أفغانية وأسفر عن مقتل وجرح العشرات في شهر سبتمبر/أيلول
الماضي، وأوضح حقاني أن مجلسا عسكريا شكلته حركة طالبان هو الذي خطط
لهذه الهجمات وأن جماعته تحركت بأوامر من طالبان، وكان رئيس هيئة
الاركان الامريكية المشتركة الادميرال مايك مولن قد اتهم الاستخبارات
الباكستانية بدعم جماعة حقاني، إلا أن سراج حقاني اوضح أن المجاهدين
الأفغان كانوا خلال فترة الاحتلال السوفيتي في ثمانينيات القرن الماضي
على اتصال بوكالات الاستخبارات في باكستان ودول أخرى.
وأضاف أنه بعد الغزو الأمريكي انقطعت هذه الاتصالات، واكد أن وكالات
إستخبارات من دول إسلامية ، وأخرى غير إسلامية منها الولايات المتحدة،
اتصلت بنا و طلبت منا التخلي عن الجهاد المقدس والقيام بدور هام في
الحكومة الحالية، ويرى حقاني ان ذلك ليس من مسؤولية شبكته وأضاف قائلا
نعرف أن هدفهم ليس السلام وانهم يريدون خلق توتر داخل إمارة المجاهدين،
وقال أيضا إن اللعبة التي يلعبها الغرب قاربت على نهايته، كما أكد
حقاني ولائه لزعيم طالبان الملا محمد عمر قائلا هو زعيمنا ونحن نطيعه
بالكامل، ويقول مراسل بي بي سي في كابول بول وود إن تصريحات سراج حقاني
تبدو متفقة مع الأنباء التي ترددت مؤخرا عن تحركات سرية لإطلاق عملية
سلام في أفغانستان، لكن يبدو ان الرئيس الأفغاني حامد كرزاي يفضل في
الوقت الحالي الحديث إلى الحكومة الباكستانية وليس مع قادة جماعات
مسلحة كما يقول مراسلن، وتقول الحكومة الافغانية ان تحقيقاتها اظهرت ان
قاتل برهان الدين رباني شخص باكستاني، وقتل رباني(71 عاما) الشهر
الماضي في تفجير انتحاري، خلال لقاء مع اثنين، قالا أنهما يحملان رسالة
من حركة طالبان، خبأ أحدهما متفجرات في عمامته، قبل أن يفجرها لدى
عناقه لرباني.
عمليات سرية في باكستان
فيما اقر وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا مؤخراً بان الولايات
المتحدة تشن "حربا" في باكستان مناقضا بذلك الموقف الرسمي الاميركي
الذي لا يقر بقيام ال"سي آي ايه" بعمليات في هذا البلد، ويشار الى ان
الادارة الاميركية حرصت دائما على عدم الاعتراف بالضربات الاميركية
التي تشنها طائرات بدون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية
الاميركية في المناطق القبلية الباكستانية، وذلك لاسباب قانونية
وللحفاظ على علاقاتها مع اسلام اباد، وردا على سؤال اثر خطاب القاه في
واشنطن، قال بانيتا ان "علاقات الولايات المتحدة مع باكستان معقدة،
هناك اسباب عدة لهذا التعقيد، نشن حربا في بلادهم"، وتحدث الوزير عن
امور سرية خلال زيارته لمقر تابع للحلف الاطلسي في نابولي بايطالي،
وقال لبعض العسكريين "بعد انتقالي الى البنتاغون اصبح لدي بالتأكيد
الكثير من الاسلحة تحت تصرفي واكثر مما كان لدي عندما كنت في وكالة
الاستخبارات المركزية، ولكن الطائرات بدون طيار ليست سيئة" وذلك في
اشارة الى استعمال هذه الطائرات من جانب السي آي ايه، ومنذ مطلع العام،
شنت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية ما لا يقل عن 60 ضربة بواسطة
طائرات بدون طيار في المناطق القبلية، بحسب احصاء اجراه مركز ابحاث
مقره في واشنطن. بحسب فرانس برس.
من ناحية اخرى قال مسؤولو استخبارات باكستانيون ان طائرة بدون طيار
يعتقد انها امريكية قتلت مساعدا مقربا من قائد جماعة حقاني المتشددة في
منطقة وزيرستان الشمالية بشمال غرب البلاد على الحدود مع افغانستان،
وحدثت الضربة في نفس اليوم الذي وصل فيه المبعوث الامريكي الخاص مارك
جروسمان الى اسلام اباد للقاء كبار المسؤولين وتحسين العلاقات
الامريكية الباكستانية التي توترت بعد أن اتهمت واشنطن علانية جهاز
المخابرات الباكستانية بدعم هجوم لمتشددين على السفارة الامريكية في
العاصمة الافغانية كابول يوم 13 سبتمبر أيلول، وكان جليل حقاني (33
عاما) الذي ساهم في تنظيم عمليات جماعة حقاني وتنسيق شؤونها أحد أربعة
متشددين قتلوا حين أطلقت الطائرة صاروخين مستهدفة منزلا في قرية داندي
داربا خيل قرب مدينة ميرانشاه وهي معقل لشبكة حقاني والتي تنطلق من
مناطق في باكستان لمهاجمة القوات الامريكية في افغانستان، وقال مسؤول
مخابرات طلب عدم الكشف عن اسمه "جليل هو رفيق محل ثقة سراج الدين، انه
مع جماعة حقاني منذ فترة طويلة وكلف بالاشراف على الاتصالات"، ويقود
الجماعة سراج الدين حقاني.
وأصبحت جماعة حقاني مصدر توتر كبير في العلاقات الامريكية
الباكستانية وقال الاميرال مايك مولن رئيس هيئة الاركان الامريكية
المشتركة السابق للكونجرس في الشهر الماضي انه يعتبر شبكة حقاني "ذراعا
فعليا" للمخابرات الباكستانية، ونفى مسؤولون باكستانيون في غضب المزاعم
الامريكية عن مساعدة اسلام اباد لجماعات متشددة مثل جماعة حقاني، وقال
أحمد شجاع باشا رئيس المخابرات الباكستانية في تصريحات سابقة "لم ندفع
قرشا قط لشبكة حقاني ولم نزودها برصاصة واحدة"، وقالت وزيرة الخارجية
الامريكية هيلاري كلينتون ان الولايات المتحدة مازالت مستعدة لاتفاق
سلام يشمل حقاني، وقالت "لا نغلق الباب امام محاولة العثور على طريق
للتحرك قدما"، وكان سراج الدين قد قال في سبتمبر ان جماعته مستعدة
للمشاركة في محادثات سلام بشرط ان تفعل ذلك أيضا حركة طالبان الافغانية
واعتبر ذلك تحولا عن موقفه السابق، فقد رفض سراج الدين من قبل لفتات
سلام عدة من جانب الولايات المتحدة وحكومة الرئيس الافغاني حامد كرزاي
واعتبرها محاولة "لاحداث فرقة" بين الفصائل، وذكر التلفزيون الباكستان
ان المبعوث الامريكي عقد اجتماعات مع رئيس الوزراء الباكستاني وقائد
الجيش ووزير الخارجية، وعين جروسمان في فبراير شباط الماضي وتجيء
زيارته في وقت احتدمت فيه التوترات بين واشنطن واسلام اباد.
قاتل رباني باكستاني
من جهتها تقول الحكومة الافغانية ان تحقيقاتها اظهرت ان قاتل
المفاوض مع طالبان برهان الدين رباني شخص باكستاني، واظهرت الادلة
اثناء التحقيق ان التآمر على قتل رباني تم في مدينة كويتا الباكستانية،
كما ذكر البيان الافغاني، وكان رباني اغتيل في 20 سبتمبر/ايلول على يد
انتحاري تظاهر بانه مبعوث سلام من طالبان، ولطالما اتهمت كابول باكستان
بدعم المتشددين الافغان، الا ان اسلام اباد نفت اي علاقة لها باغتيال
رباني، وبعد عملية الاغتيال اعلن الرئيس الافغاني حامد كرزاي ان حكومته
لن تجري اي محادثات سلام مع طالبان لكنها ستركز على الحوار مع باكستان،
ونقل بيان الحكومة الافغانية عن المحققين الافغان قولهم، تم تقديم
الوثائق والعناوين وارقام هواتف المشتبه بتورطهم في الحادث الى حكومة
باكستان لكي تلقي القبض عليهم وتسلمهم، وكرر المتحدث باسم كرزاي
التاكيد على ان محادثات السلام مع طالبان علقت وان استراتيجية السلام
الجيدة سيعلن عنها قريبا جد، وكان كرزاي اوضح قائل، اين ستتركز الجهود،
ليس لدى الملا عمر عنوان، ومبعوثهم للسلام قاتل فمع من نتحدث؟، واضاف،
الامة الافغانية تسالني من هو الطرف الاخر الذي تجري معه محادثات؟،
واجابتي هي باكستان، وكانت افغانستان والولايات المتحدة اتهمت
المخابرات الباكستانية بدعم الجماعات المتشددة، وتتركز الاتهامات بشكل
خاص على دعم المخابرات الباكستانية لشبكة حقاني، اليت يقال انها تقف
وراء هجمات بارزة على اهداف امريكية وللحكومة الافغانية في كابول، وقال
وزير الداخلية الافغاني بسم الله محمدي انه لا شك في ان المخابرات
الباكستانية متورطة في اغتيال رباني، واصدرت وزارة الخارجية
الباكستانية بيانا وصفت فيه الاتهامات بانها غير مسؤولة ولا اساس لها
مضيفة ان رباني كان صديقا لباكستان، وكان رباني يرأس مجلس السلم الذي
شكله كرازي للتفاوض مع طالبان.
كرزاي يعقد مجلس العشائر
الى ذلك أعلن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي أنه يعتزم الدعوة لعقد
اجتماع لمجلس العشائر الإفغانية لويا غيرجا لبحث مستقبل السلام في
أفغانستان بعد اغتيال منسق مفاوضات السلام مع حركة طالبان الرئيس
الأفغاني السابق برهان الدين رباني، وأدلى كرزاي بهذه التصريحات في
حديث إلى الأمة بعد أن كان المتحدث باسمه قد أعلن أن الرئيس يعيد النظر
في استراتيجية المفاوضات مع حركة طالبان بعد اغتيال برهان الدين رباني،
وقال كرزاي إن السؤال الذي سيطرح على أعضاء المجلس العشائري هو طبيعة
الخطوة القادمة بعد التطور الذي طرأ على الموقف في أفغانستان، وقال إن
حكومته ستتصرف وفقا لما يشير به أعضاء المجلس، كما أدان كرزاي ما قال
إنه لعبة مزدوجة من جانب باكستان في قضية الإرهاب في أفغانستان، وقال
إنه بعد كل الدمار والبؤس الذي عانى منه الأفغانيون فإن اللعبة
المزدوجة مازالت تمارس ومازال الإرهاب يستخدم ذريعة للتدخل في
أفغانستان، وأضاف كرزاي قائلا إن من الأمور التي تثير الأسى الشديد أن
باكستان لم تدعم جهود الحكومة الإفغانية لإحلال السلام والأمن في
أفغانستان، ويساور الشك الكثيرين من الأفغانيين بوجود صلات بين باكستان
وحركات التمرد التي تدعمها حركة طالبان في أفغانستان، وبالرغم من
اتهامات كرزاي لباكستان إلا أنه بدا حريصا مع ذلك على التأكيد على
رغبته في استمرار المفاوضات.وقال إن السلام رغبة مقدسة لشعب أفغانستان،
ولتحقيق تلك الرغبة علينا أن نبذل مزيدا من المحاولات ولكن علينا أولا
أن نحدد من الذي ينبغي أن نتحدث معه لتحقيق السلام، وعلينا أن نعيد
النظر في سبل تحقيق السلام .
وكان مكتب كرزاي في كابول قد أصدر بيانا قال فيه إن أدلة جديدة ظهرت
وتشير إلى أن قاتل رباني هو مواطن باكستاني وأن تدبير عملية الإغتيال
تم في باكستان، كما زعم مسؤولون أفغانيون أن عملية اغتيال رباني قد
دبرت بمعرفة قيادة طالبان الأفغانية والتي تعرف باسم جماعة كويتا شورى
والموجودة في باكستان، وإن كانت تلك الجماعة لم تعلن مسؤوليتها عن
الإغتيال، وفي بادرة جديدة على ما تشعر به أفغانستان من إحباط تجاه
باكستان، أعلن مجلس السلام الذي كان رباني يرأسه أن مفاوضات السلام سوف
تستمر ولكن مع مسؤولين من الحكومة الباكستانية وليس مع طالبان، وذلك في
إشارة قوية إلى أن باكستان هي التي تحرك العناصر المسلحة في أفغانستان
من وراء الستار، وعقب الإعلان عن بيان كرزاي سارعت باكستان بنفي ماورد
فيه عن اتهامات لجهاز المخابرات الباكستاني بالتورط في اغتيال برهان
الدين رباني، وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الباكستانية إن أولئك
الذين يخرجون بمثل تلك التصريحات اللامسؤولة ومن هم في مواقع السلطة في
كابول عليهم بدلا من ذلك أن يبحثوا عن السر في أن كل من يميل إلى إحلال
السلام بين أفغانستان وباكستان يكون مصيره القتل، ومضى البيان قائلا
هناك حاجة لإعادة النظر في التوجيهات التي يتلقاها جهاز المخابرات
وأجهزة الامن الأفغانية، وعلى صعيد آخر قالت وزارة الدفاع الأمريكية
إنه في الوقت الذي يظل فيه إحلال السلام في افغانستان هدفا مهما
للولايات المتحدة فإن قرارات الحكومة الأفغانية في هذا الإتجاه لن تعوق
الحرب التي يخوضها حلف شمال الاطلسي ناتو لتحقيق الأمن في أفغانستان.
اغتيال الرئيس كرزاي
من جهة اخرى قال جهاز المخابرات الافغاني انه أحبط مخططا لاغتيال
الرئيس حامد كرزاي بعد اعتقال حارس شخصي وخمسة أشخاص لهم صلة بشبكة
حقاني وتنظيم القاعدة، وقال جهاز المخابرات الذي يطلق عليه الادارة
الوطنية للامن ان المشاركين في المخطط ومن بينهم طلاب جامعيون واستاذ
في الطب تلقوا تدريبا على شن الهجمات في العاصمة كابول وانهم جندوا احد
الحراس الشخصيين لكرزاي من اجل قتل الرئيس، وقال لطف الله مشال المتحدث
باسم الجهاز في مؤتمر صحفي "مجموعة خطيرة ومتعلمة تضم مدرسين وطلابا
ارادت اغتيال الرئيس حامد كرزاي"، لقد تمكنت للاسف من اختراق نظام
الحماية الرئاسي وجندوا واحدا من الحرس الشخصي للرئيس"، وقال مشال ان
المحتجزين على صلة بثلاثة رجال بينهم مصري وبنغالي وكلهم اعضاء في
القاعدة وشبكة حقاني التي تتمركز في اقليم وزيرستان الشمالية في
باكستان، واضاف ان المحتجزين ينتمون الى مجموعة "أكثر تعقيدا" اعترفت
بتلقي تدريب على استخدام البنادق والصواريخ وعلى القيام بهجمات
انتحارية مع استهداف مسؤولين حكوميين كبار، وقال ان المحتجزين اعترفوا
بتلقيهم تمويلا بلغ 150 ألف دولار لانشطتهم وخططوا لقتل كرزاي خلال
احدى رحلاته خارج العاصمة. بحسب رويترز.
وكان كرزاي هدفا لثلاث محاولات اغتيال على الاقل منذ توليه الرئاسة
في افغانستان عام 2002 كان ابرزها في ابريل نيسان 2008 عندما اطلق
متمردون نيران البنادق والصواريخ على عرض عسكري حضره قرب القصر الرئاسي
في كابول، وقال مشال ان الحارس الشخصي ويدعى محب الله احمدي ينتمي الى
قرية كرز مسقط رأس كرزاي في اقليم قندهار الجنوبي وان من قاموا بتجنيده
عرضوا عليه مقاطع الفيديو الدعائية للقاعدة وشبكة حقاني لاقناعه
بالمشاركة في خطة الاغتيال، وشبكة حقاني واحدة من ثلاث جماعات متمردة
متحالفة مع طالبان تقاتل في افغانستان، ويعتقد ان شبكة حقاني هي التي
ادخلت التفجيرات الانتحارية الى أفغانستان وانها تقف وراء العديد من
الهجمات الكبيرة أيضا.وتحالفت شبكة حقاني مع طالبان لكن يعتقد أنها على
علاقة بالمخابرات الباكستانية، وقالت قوات حلف شمال الاطلسي التي تقاتل
في افغانستان، ان غارة جوية اسفرت عن مقتل قائد رفيع في شبكة حقاني
واثنين من مساعديه في اقليم خوست الشرقي بالقرب من الحدود الباكستانية،
وكان ديلاور المعروف باسمه الاول فقط "تابعا رئيسيا" لحاجي مالي خان
الذي القى حلف شمال الاطلسي القبض عليه الاسبوع الماضي وقيل في ذلك
الوقت انه القائد الاعلى لشبكة حقاني في افغانستان، وقالت قوة المعاونة
الدولية التي يقودها حلف شمال الاطلسي (ايساف) ان مقتل ديلاور "خسارة
كبيرة اخرى للجماعة المتمردة"، وقال بيان ايساف ان من بين مسؤوليات
ديلاور تنسيق الهجمات على القوات الافغانية وتنظيم توزيع شحنات السلاح.
العلاقات مع باكستان
في سياق متصل سعى الرئيس الافغاني حامد كرزاي مؤخراً الى تخفيف حدة
المخاوف في باكستان بشأن اتفاق مهم مع الهند قائلا انه لن يؤثر على
العلاقات مع اسلام اباد، وفي ظل التوتر الشديد في علاقة باكستان مع
الولايات المتحدة فانها تبدو معزولة على نحو متزايد بعد أن وقعت الهند
عدوتها اللدود اتفاقا واسع النطاق مع جارتها افغانستان، وقال كرزاي في
كلمة ألقاها في نيودلهي "باكستان شقيقنا التوأم والهند صديقة رائعة،
الاتفاق الذي وقعناه مع صديقتنا لن يؤثر على شقيقنا"، وأضاف "هذه
الشراكة الاستراتيجية، ليست موجهة ضد اي دولة، هذه الشراكة
الاستراتيجية لدعم أفغانستان"، وخلال زيارة لنيودلهي مدتها يومان وقع
كرزاي ورئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ اتفاقا شمل عدة جوانب بدءا
بتوثيق العلاقات السياسية وانتهاء بمكافحة الارهاب، ويمثل هذا تعزيزا
رسميا للعلاقات قد يثير مخاوف باكستان من أن الهند تنافسها على النفوذ
في أفغانستان، والاتفاق مع الهند واحد من عدة اتفاقات تتفاوض عليها
كابول بما فيها اتفاق مع الولايات المتحدة في اطار مسعى أفغانستان
لتحسين الوضع الامني حين تنسحب قوات حلف شمال الاطلسي من البلاد. بحسب
رويترز.
من جهته قال رئيس الحكومة الهندية مانموهان سنغ إن العنف في
افغانسان يقوض الامن في جنوب اسي، واضاف إن الهند ستقف الى جانب
افغانستان عندما تنسحب القوات الاجنبية من البلاد عام 2014، واعقبت
زيارة كرزاي سلسلة هجمات ادت الى ضرر كبير في العلاقات بين كابول
وجارتها باكستان، الخصم والمنافس التقليدي للهند، ويقول المراسلون إن
العلاقات المتنامية باطراد بين الهند وافعانستان، سينظر إليها بعين
الريبة من قبل باكستان التي ترى في افغانستان باحتها الخلفية، وتعد
الهند لاعبا اساسيا في افغانستان، وقد تعهدت دلهي بالفعل بتقديم ملياري
دولار على شكل مساعدات الى كابول، وفي مؤتمر صحفي في دلهي قال سنغ ان
الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ستخلق اطار عمل مؤسساتيا وبذا يمكن
للهند ان تساعد في بناء القدرة الافغانية في حقول التعليم والتنمية
والاتصال بين الناس، ويعتقد ان الاتفاقية تشمل التزاما هنديا بزيادة
تدريب القوات الامنية الافغانية ومن بينها الشرطة، على الرغم من ان
رئيس الوزراء الهندي لم يشر الى ذلك في مؤتمره الصحفي.
وقال رئيس الوزراء الهندي ان البلدين وقعا اتفاقيات ايضا تتعلق
بتجهيز قطاع الطاقة الافغاني، تمثل بعدا جديدا في العلاقات الاقتصادية
بينهما، مما سيمكن كابول من الاندماج بشكل اكثر فاعلية مع الاقتصاد
الهندي واقتصادات جنوب اسيا الاخرى، واضاف ان الشعب الهندي يتعاطف مع
افغانستان في سعيها للتعامل مع اعمال الارهاب وبشكل خاص اغتيال (الرئيس
السابق ومبعوث السلام) برهان الدين رباني، ومن جانبه قال كرزاي انه
شاكر للهند مساعدتها لبلاده التي تتطلع للتغلب على العنف والنشاطات
المتطرفة، وكرر كرزاي في تصريحاته ان حكومته ستتعاون بشكل وثيق مع
الولايات المتحدة واوروبا والهند لرسم مستقبل افغانستان، يذكر ان دلهي
قلقة بشأن الوضع الامني في كل من افغانستان وباكستان، وبشكل خاص بعد
بدء انسحاب القوات الاجنبية من المنطقة، وتأتي زيارة كرزاي لدلهي بينما
تمر بلاده بمرحلة حرجة، وذلك عقب سلسلة من الهجمات تعرضت لها العاصمة
كابول وفي وقت تدهورت فيه علاقاتها مع باكستان، وفي ضوء هذه التطورات،
يرى الكثير من الهنود ان بلادهم تستطيع لعب دور مهم في افغانستان. |