احتواء باكستان... سيناريوهات أمريكية متجددة

طالبان أفغانستان وطالبان باكستان... أهداف متباينة متطابقة!

متابعة: علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: يأمل الباكستانيون توجيه مسيرة بلدهم وسياسته الخارجية بعد ان يتولى المدنيون الحكم الفعلي، وخصوصا بعد معاناة طويلة من حرب ضد طالبان. وتبدو الحكومة أقل رغبة من قبل في تحدي الجماعات المتمردة وأكثر ميلا لمهادنتها. ويرى خبراء إلى أن المسؤولين الباكستانيين رفضوا في تصريحات أخيرة فكرة اتخاذ إجراء عسكري قوي ضد المتمردين المتمركزين في حزامها القبلي، ودعوا بدلا من ذلك إلى عقد أكثر من هدنة. وخلال قمة حديثة أصدر زعماء سياسيون قرارا لم يدن الإرهاب لكنه قال إن سياستهم هي الحوار. فإن هذا النهج حير المسؤولين الأميركيين، وجدد النقاش في باكستان حول كيفية التعامل مع المتمردين الذين قتلوا الآلاف في هجمات في كافة أنحاء البلاد.

لكن الكثير ما زال مبهما فيما يتعلق بإمكانية تحقيق السلام، بما في ذلك أي المجموعات المقاتلة سيتم تضمينها أو ترغب في ذلك. لكن بعض المحللين يقولون إن باكستان فقدت التصميم على محاربة المتمردين الذين يعتبرهم كثيرون هنا إخوة ساخطين. وفي المقابل عبر كثيرون عن تشككهم في المباحثات، وجادلوا بأن مثل هذه الجهود فشلت في السابق. لكن الفكرة تلقى ترحيبا بين الأحزاب السياسية وزعماء سياسيين آخرين.

ويرى محللون سياسيون في صحيفة واشنطن بوست إن باكستان تعتبر حركة طالبان باكستان مفتتة بما يكفي لتكون مستعدة لاتفاقات سلام يرعاها وسطاء من شيوخ القبائل أو علماء الدين. وألمحوا إلى أن الولايات المتحدة تؤيد نهجا مشابها في أفغانستان.

سياسة جديدة

وقال بروس ريدل الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) أن على أميركا انتهاج سياسة جديدة في تعاملها مع باكستان، وأن عليها قبل كل شيء أن تعترف بأن مصالح البلدين الإستراتيجية متعارضة وليست متوافقة وستظل كذلك طالما أن الجيش الباكستاني هو الذي يتحكم بالسياسات الإستراتيجية. وأضاف ريدل أن الجنرالات الذين يديرون الأمور في باكستان لم يتخلوا عن هاجس تحدي الهند، وهم لذلك يحتملون الإرهابيين في الداخل، يتوقون لنصر تحققه حركة طالبان في أفغانستان، ويُنشئون ترسانة نووية هي الأسرع نموا في العالم.

وادعى ريدل أن أولئك الجنرالات عمدوا إلى تهميش الزعماء المدنيين المنتخبين في 2008 وترهيبهم، وبدا لهم أن باكستان حصينة لأنهم يتحكمون في طرق تموين قوات حلف الناتو من كراتشي إلى كابل، ولأن لديهم أسلحة نووية.

كما أنهم يعتقدون أن الزمن في صالحهم، وأن قوات الناتو ستنسحب من أفغانستان لتترك لهم الحرية ليفعلوا ما بدا لهم ولذلك خلصوا إلى أنه كلما سارعت أميركا بالانسحاب كان ذلك أفضل لباكستان.

ويمضي ريدل إلى القول إن الجيش الباكستاني يريد أن تسود قناعة لدى الأميركيين والأوروبيين بأن الحرب لا طائل منها، ولهذا يعمل على تشجيع طالبان والجماعات المسلحة الأخرى لتسريع ذلك الانسحاب بشن هجمات مثيرة كالهجوم على السفارة الأميركية في كابل في 13 سبتمبر/أيلول الماضي والذي أودى بحياة 16 ضابط شرطة أفغانيا ومدنيين.

من جهتها قالت وزارة الدفاع الأميركية إن الهجمات الموجهة عبر الحدود الباكستانية الأفغانية ضد قواتها في أفغانستان ازدادت منذ مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في غارة أميركية على الأراضي الباكستانية، وتزامن ذلك مع ورود أنباء عن معركة دامية بين قوات باكستانية ومقاتلين في منطقة القبائل.

ويقول السكرتير الصحفي للبنتاغون جورج ليتل شهدنا بالفعل خلال الصيف الحالي أي من يونيو/حزيران إلى أغسطس/آب زيادة في عدد مثل هذه الحوادث عبر الحدود.

ولم يعط البنتاغون مزيدا من التفاصيل كما لم يربط هذه الزيادة بالهجوم الذي قتلت فيه قوات أميركية خاصة بن لادن في وقت سابق من هذا العام، غير أن قوات أميركية مرابطة في قواعد بمحافظة باكتيكا شرقي أفغانستان أكدوا أن إطلاق الصواريخ من باكستان زاد بشكل كبير منذ مايو/أيار الماضي.

وذكرت مصادر صحفية أن ثلاث قواعد عسكرية أميركية في جبهة القتال الأمامية بمحافظة باكتيكا تعرضت لما لا يقل عن 102 هجوم منذ مايو/أيار الماضي، مما يعتبر زيادة هائلة مقارنة بـ13 حادثا من هذا القبيل خلال نفس الفترة من العام الماضي.

وتأتي هذه الزيادة الكبيرة في إطلاق الصواريخ عبر الحدود الباكستانية الأفغانية وسط توتر بالغ في العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد في أعقاب الغارة على بن لادن والاتهامات اللاحقة التي وجهها القائد السابق للجيش الأميركي الأميرال مايك مولن لباكستان بأنها تدعم هجمات مسلحة تنفذها قوات حقاني على القوات الأميركية.

رجال آليون

وفي تطور متصل أعلن الجيش الأميركي عزمه إرسال رجال آليين وتجهيزات عالية التقنية إلى أفغانستان بغية حماية قواته التي استهدفت بشكل كبير هذه السنة. وأفادت معلومات بأن الجيش الأميركي سيرسل 650 رجلاً آلياً صغيراً يعرف باسم Recon Scouts بتكلفة تقدر بحوالي 13.4 مليون دولار. إلا أنه يمكن رمي هذه الروبوتات على جدران أو عبر نوافذ المباني للبحث عن القنابل، وإرسال تسجيلات مصورة إلى الجنود الذين يبقون عند مسافة تضمن لهم الأمان.

ويتم تجهيز القوات أيضاً بآليات مدرعة صغيرة تستخدم كاشفات معدنية ورادارات تبحث عن المتفجرات المخبأة.

يشار إلى ان الجيش الأميركي تكبد خسائر كبيرة في الأرواح هذه السنة في أفغانستان، إذ كان عرضة للاستهداف من قبل حركة طالبان التي أسقطت في إحدى المرات مروحية، مما أدى إلى مقتل أكثر من 30 جندياً.

عدائية أكثر

وقال عميل المخابرات السابق بريدل ذلك بالقول عندما يتناهى إلى علمنا أن ضابطا من المخابرات الباكستانية يدعم الإرهاب سواء في أفغانستان أو الهند، يتوجب علينا من ثم أن نُدرج اسمه في قائمة المطلوبين وإخضاعه لعقوبات الأمم المتحدة. وإذا اتضح أنه من الخطورة بمكان ينبغي تعقبه واعتقاله. وأضاف أن فرض عقوبات على منظمات في باكستان لم يكتب لها النجاح في ما مضى، لكن معاقبة الأفراد أثبتت جدواها وأفضل مثال على ذلك ما حدث للعالم النووي عبد القدير خان.

وقال إن تعزيز التعامل التجاري مع باكستان وتقليص المعونات لها يبدو أمرا معقولا، ومن الضروري خفض المساعدات العسكرية إلى حد كبير، كما أنه لا بد من استمرار الضباط الأميركيين في التواصل مع نظرائهم الباكستانيين لكن ليس إلى الحد الذي يجعلهم يتوهمون بأننا حلفاء.

ويعتقد خبراء أنه بدلا من أن يعقد الأميركيون آمالا على تعاون المخابرات الباكستانية، فإن الحاجة تقتضي منهم بناء جيش أفغاني يكون قادرا على السيطرة على التمرد مع استمرار الناتو في تقديم المساعدة والإبقاء على الحد الأدنى من القوات في أفغانستان على المدى الطويل.

ويرى مراقبون أن على الولايات المتحدة أن تُشجع الهند وباكستان على تحسين علاقاتهما التجارية وتعزيز حركة النقل التي توقفت منذ ما بعد استقلالهما عام 1947، وحث الهند على أن تتبنى نهجا تصالحيا بشأن قضية كشمير بتخفيف القيود على الحدود والإفراج عن السجناء.

مهادنة طالبان

من جهته قال وزير الداخلية الباكستاني رحمن مالك ان باكستان لن تجري محادثات سلام مع متمردي طالبان الا اذا القوا السلاح أولا. وقال مالك أقل أجندة هي ان يلقوا السلاح ويتقدموا وحينها ستكون هناك محادثات. لكن اذا تصوروا انهم سيحتفظون ببنادق الكلاشنيكوف في أيديهم ويجرون محادثات أيضا فهذا لن يحدث. ولمح الجانبان مؤخرا الى استعدادهما لاجراء محادثات.

وتشن حركة طالبان الباكستانية حملة هجمات منها تفجيرات انتحارية في شتى انحاء البلاد منذ عام 2007 في مسعى لاسقاط الحكومة التي تدعمها الولايات المتحدة.

وفشلت حملات الجيش على معاقل طالبان بامتداد الحدود الجبلية بين باكستان وأفغانستان في احتواء الحركة التي لها صلات بالقاعدة وتشكل أكبر خطر أمني في باكستان.

وفي العام الماضي أضافت الولايات المتحدة طالبان الباكستانية الى قائمتها بالمنظمات الاجنبية الارهابية وعرضت التركيز على السلام. وقال وزير الداخلية الباكستاني رحمن مالك في إحدى هذه المقابلات إنه لو تم استئصال الإرهاب من خلال إعطاء فرصة للسلام، فإن هذا سيكون أفضل خيار. وأضاف أنه تلقى عروضا بالهدنة من المقاتلين وأنهم يرغبون في التباحث.

ويقول المحللون الأمنيون إن باكستان تناور لتضمينها في أي تسوية سياسية أفغانية، التي يعتقد مسؤولو الأمن أنها ستأتي بممثلي طالبان الأفغانية في الحكومة. ولهذا فإن الجيش يرى محفزا قليلا لمعاداة متمردي باكستان الذين يمتزجون بنظرائهم الأفغان. إلى وجود اتصالات بين الحكومة والمقاتلين من خلال قنوات غير مباشرة، وأن كلا الجانبين يسعيان لضمانات قبل البدء.

وعلى صعيد آخر، أسف البعض لفكرة المباحثات باعتبارها استسلاما، رغم أن كثيرا من النقاد ما زالوا متحمسين بشأن المصالحة في أفغانستان. وقال جاويد أشرف قاضي، وهو مسؤول استخبارات سابق، إن طالبان أفغانستان تقاتل احتلالا أجنبيا بينما طالبان باكستان تسعى لتكوين خلافة إسلامية.

وأشار محللون سياسيون إلى أن عددا من محاولات باكستان السابقة لتحقيق السلام مع الجماعات المحلية المتمردة يقدم سببا كافيا للشك. ويقول بعض المحللين في هذا إن اتفاق 2006 في شمال وزيرستان ساعد في تكوين ملاذ بالمنطقة تعمل من خلاله الآن بحرية شبكة حقاني ومقاتلون آخرون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/تشرين الأول/2011 - 21/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م