ماذا لو كانت السعودية اسلامية؟

جمال محمد الدويري

السعودية تعاني من أزمة عقائدية مع أنها أدلجت العقيدة إلا انها تقدس مصالحها السياسية وتدور مع الارادة الامريكية في قضايا مصر واليمن وسوريا لا سيما مع خسارة الولايات المتحدة لثلاث سنوات متلاحقة ماليا. فالسعودية تمثل البنك المصرفي والخزينة الامريكية للمتغيرات القادمة عبر منطق الامومة. هذه الأمومة المكتسبة بين الولايات المتحدة وأمريكا. أصبحت أمومة بين عاهرة ولقيط وكلاهما يخشى النهاية الحتمية ونهاية التاريخ السياسي للاستبداد، فماذا لو كانت اليمن ايران هل ستتغير السياسات السعودية الامريكية نحوها.

ان التشيع الايراني ومخاطره المصورة عبر عدسات التكبير العقائدية السياسية السعودية لا يمثل خطرا فعليا مقارنة بالتدخل السعودي، كما أن أكذوبة النظام السياسي اليمني في استخدام ايران فزاعة للخليج والسعودية لم يعد تهديدا للخليج بعد انكشاف سوءاته على عكس التهديد المتوقع للثورة اليمنية.

الاشكالية الحقيقية هو في رعونة السياسة السعودية التي تمنع اليمن من استقبال مناهضي النظام السعودي وبالمقابل تتجاهل ارادة الشعب اليمني في استقبال اعدائه منذ دعمها للملكين الاعداء القدامى ليصبحوا سعوديي الهوية والانتماء وها هي اليوم تتحالف مع صالح على شعبه وتدعمه لوجستيا وسياسيا وعسكريا وهو ما تحمله مؤشرات المبادرة الخليجية.

إن المبادرة الخليجية هي الورقة السعودية الجديدة للتدخل في اليمن ومن ثم سيكون المال السعودي ومشيخات اليمن وتنظيماته العسكرية الخفية التي ستدخل في صفوف الجيش الثوري للدولة القادمة، يمثل تحالف استراتيجيا عبر بقاء صالح وابناءه في ظل حماية المبادرة السعودية كفزاعة للشعب اليمني كما هو دأبها في استخدام الملكيين المنخرطين في الجمهورية والمشائخ اليمنية المصطنعة والعلماء المتسعودين فزاعات تهدد النظام اليمني يتحولون الى قوى تستخدم لخدمة السياسة السعودية في اليمن وهو ما أدى الى اغتيال الشهيد الحمدي الذي منهج لقطبية اليمن في المنطقة العربية واصبح يمثل خطرا للتواجد الغربي في الملاحة البحرية في المندب، مما أدى الى تحالف قارون النفط السعودي وأصحاب الآيات المتسعودين واتباع جالوت من مرتزقة اليمن في تصفية النظام المؤسسي لليمن بقتل الرئيس الشهيد.

و عندما بدأ المد الاشتراكي يخترق مؤسسات الدولة وبدا التقارب بين الاسلامي والقومي أستخدم علي صالح ورقة لتصفية الاشتراكيين ومن ثم استعداء الاشتراكية بالإسلامية الحزبية والاسلامية المرجعية مما أدى الى حرب الانفصال التي أيدته السياسة السعودية، وكانت فرصة وليدة لتوافق الفكر السعودي مع الانفصاليين اعدائها في الأمس فالمصالح الخبيثة تسود على الدين في منهج التدين السعودي ولو كان مع الشيطان وتعطيل الاحكام.

ومن قبل دعت السعودية لدمج ايران في دول مجلس التعاون الخليجي ثم استبعدته لظروف حرب الخليج الأولى ومن ثم ارادت ادماج العراق معها وهو ما رفضته الولايات المتحدة وتوجته بحرب الخليج الثانية.

ما زالت رعونة السياسة السعودية تعاني من أزمة ذاتية ستقودها الى النهاية قريبا لاسيما اذا دخلت مع ايران في مواجهة حتمية، فلم تعد السياسة السعودية تجيد مخاطبة الشعوب و انما تجيد التحالفات السياسية ضد الشعوب في مصر واليمن والبحرين و تتقايض بالشعب السوري مع النظام الايراني تحت صراع الارادة الايرانية والرغبة السعودية.

مما لا شك فيه أن النظام السعودي خسر الشعوب العربية بالإجماع وهذا سيزيد من المد الايراني في المنطقة العربية، فإيران تعرف ماذا تفعل في ظل تخبطات مؤسسة القرار السعودي، وتجيد مخاطبة الشعوب المستضعفة وتنظيماتها الممتدة عالميا. فعندما تقرر السعودية بالتحالف الثنائي مع امريكا والغرب على ضرب ايران، فإن المنطقة العربية ستتحرك كلية وسيتم اعادة الخارطة السياسية في المنطقة وهذا ما تجهله السعودية و تتفهمه السياسة الامريكية، فالحرب الامريكي في العراق والقاعدة وافغانستان الملقى على عاتق امريكا المتهالكة اقتصاديا لن يغنيها نفط السعودية اذا قررت المواجهة مع ايران؛ لأن هذه الاخيرة قد انتشرت شعبيا في الجزيرة والخليج والشام والعراق، وهذا ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تزيد من تفاقم الوضع في المنطقة والمترتب عليه قطع امدادات النفط.

السياسة السعودية تقتل نفسها في تصعيدها مع ايران وتحالفها مع علي صالح وتدخلها في البحرين و ثورتها المضادة في مصر وحربها من قبل على فلسطين وازمتها في السياسية مع حقوق المواطنة والمرأة والديمقراطية.

لم يتبقى على أن النظام السعودي سوى استدعاء فيتنام والهند ليكونوا اعضاء في دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة المد الايراني في المنطقة، لا سيما أن لديها ما يبررها من انتشار العمالة الهندية في مكة والمدينة وغدا سيكون ائمة الحرمين يقرؤون القرآن بلغة هندية تحت مبررات الاغلبية الهندية على أن تكون اللغة العربية اللغة الرسمية الثانية في المنطقة الخليجية بعد الهندية اذا لم تسبقها لغات أخرى.، وربما قد لا يكون استدعاء... بقدر ما سيكون تدخل الهند في حماية حقوق مواطنيها السياسية في الخليج ودمجهم في المواطنة المتساوية على غرار القانون الانساني العالمي الذي يمنح المقيمين حق التجنيس. وما زالت السعودية تعاني انتكاسات السياسة منذ حرب الخليج الأولى من خلال:

مواقفها من الحرب الخليجية الاولى والتي استتبعتها بعد ذلك بخطأ ثاني تمثل بحرب الخليج الثانية وانتشار القواعد الامريكية في الجزيرة والخليج ثم استتبعها بعد ذلك دورها ودعمها في حصار العراق ثم احتلاله، وتدخلها في اليمن عبر دعمها للحركات الانفصالية، ودعمها للولايات المتحدة في افغانستان عبر التنظيمات الجهادية لتصبح اليوم طرفا في محاربة التنظيم التي قامت برعايته سابقا بشرعية امريكية، بالإضافة الى مواقفها في دعم السلطة الفلسطينية غير الشرعية على الشعب الفلسطيني لصالح الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة تلاها بعد ذلك تحالفها مع النظام المصري السابق على قمة الدوحة والقضايا العربية، وكلما استفحلت سياستها تلاها عقبات وتحديات جديدة اكتملت نهايتها في مواقفها مع الثورات العربية، ومن ثم سيرتفع المد الشيعي في المنطقة عبر تنظيماته الشعبية والاجتماعية ليس حبا في ايران وإنما بغضا للسعودية ليس هذا موضوعنا الكبير على هذه العجالة المقالية.

غير أن الذاكرة تستدعيني عبر مؤشرات الظاهرة والظواهر السياسية تلاحق بعضها بعضا عبر سلسلة تاريخية، ومن ثم فإنه يمكن للسعودية اصلاح تصدعاتها السياسية عن طريق تجديد خطاباتها السياسية في اليمن ومصر وسوريا والبحرين واعلان التوبة من دماء الشهداء المستضعفين لعلها تحفظ نظامها من التصدع وتمنحه فرصة التعامل مع المتغيرات السياسية في المنطقة بعد اكتمال النصاب الثوري، فإذا ما تجاهلت الارادات الشعبية ستجد نفسها تدعو في تباب

* باحث وكاتب صحفي

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/تشرين الأول/2011 - 21/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م